الحرية والكرامة “6” – بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
محاولاتٌ (إسرائيلية) لوأد انتفاضة الأسرى وإفشال إضرابهم (2/4)
اليوم العاشر للإضراب …
لا تحرق إدارة مصلحة السجون والمخابرات الإسرائيلية كل أوراقها القمعية مرةً واحدةً، ولا تستخدم كل وسائلها المتاحة دفعةً واحدةً، بل تتدرج في استخدام ما لديها من أساليب قد اعتادت عليها طويلاً وتدربت عليها كثيراً، ولكنها قد تجمع في بعض المراحل بين أكثر من سياسة، خاصةً في ظل تصاعد وتيرة الإضراب وانتشاره في أكثر من سجنٍ، والتحاق أعدادٍ كبيرةٍ من الأسرى به بصورةٍ متتابعةٍ، مما يدفع إدارة السجون إلى الإسراع في خطواتها، والجمع بين سياساتها، علها تتمكن من التغلب على الإضراب والسيطرة عليه، أو تطويقه ومنع انتشاره بصورةٍ أكبر، ومن السياسات العامة التي تتبعها …
o الإهمال …
تهمل إدارة السجون في الأيام الأولى إضراب المعتقلين ولا يبدو عليها الاهتمام أو القلق والاكتراث، وتحاول أن تستهزئ بما يقوم به المعتقلون من رد وجبات الطعام وعدم قبولهم إدخالها إلى غرفهم، وتصف إضرابهم بأنه ليس أكثر من جوع، وتعذيبٍ للنفس وحرمانٍ لها، وأنه لن يؤدي إلى نتيجة تذكر، وأنهم في إدارة السجون لن يستجيبوا إلى طلباتهم، ولن يخضعوا إلى شروطهم، وأنهم فقط سيعذبون أنفسهم دون جدوى، وبعد أيامٍ سيتراجعون من تلقاء أنفسهم عن إضرابهم، وسيعودون إلى قبول وجبات الطعام اليومية وتناولها، ويتعمد الحراس والسجانون الأكل والشرب أمام الأسرى والمعتقلين المضربين عن الطعام، علهم يحركون شهوة الطعام عندهم، ويضعفون إرادتهم، ويدفعونهم لكسر إضرابهم.
لكن الإهمال الشكلي والظاهري الذي تحاول أن تبديه إدارة السجون، يخفي قلقاً واهتماماً كبيراً ولكنه خفي، حيث تخشى إدارة السجون من انتشار الإضراب إلى بقية السجون والمعتقلات، كما تخشى من استمراره وطول أمده، وتقلق من إمكانية تدهور صحة بعض المعتقلين أو وفاة بعضهم، مما قد يحملهم المسؤولية ويعرضهم للمحاسبة، ولكنهم في الوقت الذي يهتمون فيه داخلياً، ويعقدون اجتماعات ولقاءاتٍ خاصة، فإنهم يحرصون على ألا يبدو للمعتقلين منهم ما يشير إلى شئٍ من هذا الاهتمام والقلق.
يشكل الإهمال المرحلة الأولى من مراحل الإضراب، حيث لا يتعدى عدة أيام فقط، ثم يبدأ بالضعف والتراجع مع مضي الوقت، فكلما مرت الأيام وأثبت الأسرى إصرارهم وثباتهم، كلما تراجع الإهمال وحل محله الجدية والقلق، ويدرك الأسرى هذه القاعدة، ويعرفون أنهم سيجبرون إدارة السجن على سرعة التراجع وإيلاء الأمر أهميته القصوى، وإظهار الاهتمام اللازم بالأمر، ولهذا فإنهم يصبرون ولا يتأثرون بأفعال وتصرفات الإدارة، لأنهم يدركون يقيناً أنها مؤقتة وستتغير بسرعة.
علماً أن الأسرى يختارون الأوقات المناسبة لإعلان الإضراب عن الطعام، حتى يضمنوا الاستجابة إلى شروطهم وطلباتهم، فهم لا يعلنون الإضراب في أوقات الحروب، ولا في ظل العمليات العسكرية الموجعة التي تقوم بها المقاومة، ولا في ظل الأزمات والاضطرابات السياسية التي تعاني منها الحكومات الإسرائيلية، ولا تكون فيها مهيأة لدراسة مطالب الأسرى والاستجابة لها، حيث تلعب العوامل الذاتية والموضوعية دوراً كبيراً في تحديد توقيت الإضراب، الذي يدرسه الأسرى جيداً ويعرفون مدى ملائمته.
o إحداث بلبلة واضطراب …
تلعب إدارة السجون والمخابرات الإسرائيلية أدواراً قذرة وخبيثة في محاولاتها إحداث خرقٍ في صفوف الأسرى والمعتقلين، وكسر إضرابهم ووضع حدٍ لاستمراره وتواصله، ومن أجل هذا الهدف فإنها لا تتوانى أبداً في استخدام أخس السبل وأقذرها في محاولاتها الوصول إلى غاياتها، فهي قد تشيع أن بعض السجون أو الأقسام قد تراجعت عن إضرابها، وأنها أعلنت إنهاء الإضراب بعد موافقتها على العروض التي قدمتها لها الإدارة، لتوهن من عزم المعتقلين وتضعف إرادتهم، وتوقع بينهم الخلافات والتناقضات.
أو تقوم خلال عمليات الجرد والتفتيش ومداهمة الغرف والزنازين بوضع خبزٍ أو طعامٍ قابلٍ للحفظ في أماكن خفية في غرف الأسرى وأقسامهم، ثم تعلن فجأة عن اكتشافها لهذه المخابئ السرية للطعام، وتعلن بأن الأسرى والمعتقلين كاذبين ومخادعين، وأنهم أعلنوا الإضراب عن الطعام في الوقت الذي قاموا فيه بتخزين كمياتٍ كبيرة من الخبز والطعام عندهم، ليوحوا لإدارة السجون بأنهم مضربين، والحقيقة أنهم يأكلون مما قاموا بتخزينه من الخبز والطعام.
علماً أن الأسرى والمعتقلين عندما يعلنون بدء الإضراب عن الطعام، فإنهم إلى جانب وجبة الطعام الأولى التي يعيدونها ولا يسمحون بإدخالها إلى غرفهم، فإنهم يخرجون كل أنواع الطعام الموجودة عندهم مسبقاً، كما يخرجون كل الخبز المحفوظ عندهم، ليؤكدوا لإدارة السجن جديتهم في الإضراب، وأنهم لا يخدعون ولا يكذبون في خطوتهم التصعيدية، وأن غايتهم تحقيق أهدافهم مهما كلفهم الإضراب من خسائر وتضحيات.
وقد تقوم إدارة السجن بإدخال الطعام والشراب والفواكه الشهية الطازجة إلى غرف الأسرى والمعتقلين، وتبقيه في داخلها، وتمنع الأسرى والمعتقلين من إخراجها، كما قد تكون لبعض الأطعمة رائحة نفاذة قوية وشهية تنساب بقوة إلى الغرف والأقسام، كرائحة شواء اللحم، في محاولة من الإدارة للتأثير على نفوس المعتقلين، والضغط عليهم من خلال شهوة الطعام التي فطر عليها الإنسان، حيث أن لرائحة الطعام النفاذة أثر كبير على الرغبة والشهية، مما قد يضعف البعض، أو قد يؤسس لبداية خلافٍ بينهم.
كما تشيع إدارة السجن في بعض الأحيان وخلال فترة الإضراب أن بعض المعتقلين قد توفوا نتيجة الجوع وتدهور حالتهم الصحية، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر ولو نسبياً على نفسية بعض الأسرى والمعتقلين، على الرغم من أنهم عندما أقدموا على هذه الخطوة قد وطنوا أنفسهم على مثل هذه الإشاعات الكاذبة، وكانوا يعرفون أنه قد يكون مصيرهم الشهادة إذا طالت فترة الإضراب وأهملت الإدارة مطالبهم، إلا أنهم يشعرون ببعض الضعف والتردد الإنساني عندما يسمعون بوفاة أحد الأسرى في السجن تحت الإضراب عن الطعام.
يتبع …..
بيروت في 26/4/2017