إضراب الكرامة: جوع للأرض وشمس الحرية- د. فيحاء عبد الهادي
في رام الله، وفي خيمة الاعتصام التضامني مع أسرى الحرية المضربين عن الطعام، منذ 17 نيسان 2017؛ ارتفع صوت الطفلة – التي لم تكمل عامها السادس بعد – “ريم وسام نادر فقيه”، تخاطب خالها الأسير، منذ العام 2004: “عماد صلاح يوسف الرفاعي”:
“من بعيد من هناك/ من سجن النقب، سمعت صوت ثورة/ سمعت صوت بطل/ من معركته ما هرب/ سمعت صوت بُصرُخ/ من الجوع ومن التعب/ جوعك يا بطل مش للأكل والشراب/ جوعك لَسما فلسطين والتراب/ حلمك تشفي جرح إمَّك/ لما شافتك مقيَّد ما قدرت تضمك/ حلمك تشفي جرح إمك/ لما هانك السجان افتكر حاله أحسن منك/ إنت الحرّ/ وكل الوطن فيك افتخر”.
شدّني صوت وسام، التي تخاطب خالها الحبيب، – والخال والد -، بكلمات شعرية، كتبتها الشابة “لما رباح” وانتقتها لها والدتها: “مرادي الرفاعي”.
مرادي تحدثت بمرارة عن ظروف اعتقال شقيقها، وعن شوقها العارم لزيارته، وعن أملها بأن تتحقق مطالب الأسرى كافة، وعلى رأسها إتاحة زيارات منتظمة وكريمة:
“مدة الزيارة ساعة إلاّ ربع، وع التليفون، خلف الزجاج.
الزيارة المسموح بها للأب والأم والزوجة والأبناء والإخوة والأخوات فقط؛ ومع ذلك كثيراً ما كانت الزيارات ترفض دون بيان الأسباب، وكثيراً ما كنت أعود وأمي وأخواتي من السجن دون أن نزور شقيقي. والدي توفي بمرض السرطان، وشقيقي داخل أسوار السجن.
المعاناة الكبيرة كانت من نصيب زوجته “تمام عبد الواحد الرفاعي”، التي كان يصلها كثيراً رفض للزيارة، حتى أنها لم تزره في السنوات العشر الأولى لاعتقاله سوى ثلاث مرات، وكذلك الأبناء لم يحصلوا على تصريح بالزيارة لسنوات.
البنات: “ميناس” و”ملك” و”رند”؛ يزرنه كل ستة أشهر، وأحياناً كل سنة مرَّة، أما ابنه “مؤمن” فكان يحصل على تصريح لزيارة والده كل سنتين مرَّة.
كل اللي زرتهم من أول سجنته 4 مرات؛ لأنه كتير كانوا يرفضوني أنا وخواتي وإخوتي، وآخر مرَّة طلع لي تصريح كنت مش شايفة أخوي إلي 7 سنين، ورجَّعوني برفض من المخابرات، واخواتي بالمثل”.
*****
كان عماد/ ابن كفر عين طفلاً في الثالثة عشرة من عمره، حين التحق بحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، العام 1988؛ بعد انتفاضة الحجارة العام 1987؛ أملاً في العيش في وطن حر، يكفل له ولعائلته الحياة الكريمة.
درس العام 1993 في كلية الأمة، وهي كلية مجتمع متوسطة في الرام؛ لكنه لم يكمل تعليمه بسبب ملاحقة الاحتلال له، واعتقاله المتكرر.
نشط ضمن كتائب شهداء الأقصى، في الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى العام 2000)، وطورد لفترة من الزمن؛ ليعتقل في 8/1/2004.
سجن في المسكوبية فترة التحقيق، ثم انتقل إلى عسقلان، وفي شهر 6 العام 2004 أضرب عن الطعام مدة 19 يوماً، وبعدها انتقل إلى سجن بئر السبع في قسم: هوليكدار، حيث تخرَّج من دورة الكادر الإعلامي/ جامعة النجاح. وبعدها انتقل إلى سجن ريمون العام 2009، ثم إلى سجن النقب، وأضرب عن الطعام مدة 14 يوماً.
التحق بجامعة القدس المفتوحة لدراسة الاجتماعيات (التاريخ والجغرافيا)؛ لكنه منع من إكمال تعليمه من قبل إدارة المعتقل.
وضمن إضراب الحرية والكرامة؛ الذي بدأ يوم 17 نيسان؛ اختار المعتقلون “عماد الرفاعي” ضمن أعضاء لجنة الظل، وهي اللجنة المسؤولة عن الإضراب، بعد اللجنة العليا.
*****
حين اعتقل عماد كان شاباً لديه زوجة شابة، وأربعة أطفال، أصغرهم رضيعة عمرها 8 شهور، وابنتان توأمان: 8 سنوات، وابن عمره 10 سنوات.
وحين أضرب مع رفاقه الأسرى، يوم السابع عشر من نيسان لهذا العام؛ لم يطلبوا الكثير.
كانوا يطالبون بحقهم الإنساني، الذي كفلته الاتفاقيات الدولية لأسرى الحرب: حقهم في تحسين ملف الزيارات، – بما يشمل: إعادة الزيارة الثانية التي تمَّ إيقافها من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وانتظام الزيارات لأسرى غزة كل أسبوعين، وألاّ يمنع أي قريب من الدرجة الأولى، والثانية، من زيارة الأسير، وزيادة مدة الزيارة إلى ساعة ونصف الساعة، والسماح للأسير بالتصوير مع الأهل كل ثلاثة شهور، وعمل مرافق لراحة الأهل عند باب السجن، وإدخال الأطفال والأحفاد تحت سن 16 عاماً مع كل زيارة، وإدخال الكتب والصحف والملابس والمواد الغذائية والأغراض الخاصة للأسير أثناء الزيارات -، وحقهم في تحسين أحوالهم المعيشية – تركيب تلفون عمومي للأسرى في كافة السجون بهدف التواصل مع ذويهم، وتركيب تبريد في السجون وتوفير وسائل تهوية داخل الغرف، والسماح للأسرى بشراء احتياجاتهم كافة من الخضراوات -، وحقهم في إنهاء سياسة العزل الانفرادي، وإنهاء سياسة الاعتقال الإداري، وإنهاء سياسة الإهمال الطبي – إجراء الفحوصات الطبية بشكل دوري، وإجراء العمليات الجراحية بشكل سريع، وإدخال الأطباء ذوي الاختصاص من الخارج، وإطلاق سراح الأسرى المرضى، خاصة ذوي الإعاقة والأمراض، وعدم تحميل الأسير تكلفة العلاج – وحقهم في التعليم الثانوي والعالي، وحقهم في معاملة إنسانية خلال تنقلهم بالبوسطة، وحق الأسيرات في التجاوب مع احتياجاتهن ومطالبهن، واللقاء المباشر دون حاجز أثناء الزيارة”.
*****
سؤال أوجِّهه لأحرار العالم، الذين يناضلون ضد القهر والظلم والطغيان، ولتحقيق العدالة الإنسانية: أيّ قهر أكبر لأسير/ة الحرية، وللعائلة من منع الزيارة؟! أي قهر أكبر للأسير/ة ألاّ
يسمح للأطفال أن يلمسوا أو يحتضنوا والدهم أو والدتهم؟ ألاّ يروا الأحفاد؟ ألاّ يتمكنوا من التقاط صور تذكارية مع عوائلهم، ترطِّب فترة الاعتقال الطويلة القاسية؟
ما الذي يحول دون حق الأسير/ة في التعلّم، والمعرفة، والعناية الصحية، والتواصل الإنساني؟
ما الذي يحول بين الأسير/ة وبين الحياة الكريمة؟
وأخيراً، ما الذي يحول دون رفع الصوت أعلى وأعلى؛ انتصاراً للحق والعدل والكرامة الإنسانية؟!
Faihaab@gmail.com