لماذا يدفع دحلان (ديّات) شهداء قتلتهم حماس؟! – رشاد أبوشاور
هذا السؤال يشغلني منذ سمعت وتأكدت بدفع محمد دحلان عضو اللجنة المركزية السابق في حركة فتح( ديات) للشهداء الذين قتلتهم حماس في انقلابها منتصف حزيران عام 2007، وأغلبهم من فتح نفسها؟!
من يزود دحلان بالمال؟ وما مصلحته؟
أسئلة تتوالد منها أسئلة، وبفضل هذه الأسئلة يمكن تفكيك ما يشبه( اللغز)، وما هو باللغز!
ونحن في تونس عرفت أن محمد دحلان مقرّب من القيادي الأسير المحرر الفتحاوي( أبوعلي شاهين)، بل إنه بمثابة تلميذ له، وأنه ناشط ومبعد، وأثناء إقامته في تونس كان مع ( أبوعلي شاهين) يتابعان أوضاع تنظيم فتح، ويديران صراعات فتح مع حركة حماس الدامية في قطاع غزة.
بعد أوسلو برز دحلان كمسئول في الأمن الوقائي، وبصراعاته مع جبريل الرجوب -على السلطة طبعا- وانتصر في النهاية على الرجوب، وتكرس كعضو لجنة مركزية، ومن بعد كوزير للداخيلة، وبات (نجما)، حتى إن الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن سأل عنه.. وحياه بيده ملوحا له في مؤتمر عقد على البحر الأحمر تحت عنوان: محاربة الإرهاب!
انهار حضور دحلان بعد انقلاب حماس، وسقطت أوراقه لدى الرئيس أبومازن، ومع ذلك فقد عاد في مؤتمر فتح في بيت لحم، وكرّس عضويته في اللجنة المركزية، بل وبرز بحضور مؤثر في المؤتمر وبات له أتباع ومناصرون!.
أبومازن، وبعد خلافات عصفت بصداقتهما، أصدر بيانا بفصله من الحركة، ولكن دحلان لم يركن إلى الهدوء والاستسلام، فأخذ في التنقل بين عمان والقاهرة وأبي ظبي، هذا ناهيك عن نشاطاته في البزنسة مع شريكه محمد رشيد المعروف بخالد سلام، وما يقال عن البزنسة لصالح أمراء في دولة الإمارات يتمتع بحظوة لديهم!.( يمكن لمن يريد أن يعرف من هو خالد سلام أن يقرأ مقالتي المطولة المنشورة عام 2002 المعنونة ب: خالد سلام أو محمد رشيد..من هو؟) وهي متوفرة على القوقل، وعلى كثير من المواقع.
في وقت مبكر سمعت عن دعم دولة الإمارات لدحلان، وهذا ما عزز نشاطه في التجمعات الفلسطينية، سيما في أوساط فتح حيث يخوض صراعا على( الهيمنة) عليها بهدف أن يكون البديل لأبي مازن، والقائد المكرّس فلسطينيا!.
ينطلق دحلان من حقيقة يراها ثابتة وأكيدة، وهي أن من يقود فتح سيقود الساحة الفلسطينية أسوة بالرئيسين عرفات وأبي مازن، وأنه سيتكرس رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيسا للسلطة _ سلطة أوسلو، والمهيمن فلسطينيا على كل المؤسسات.
إذا عين دحلان مركزة على فتح، ووضع اليد على قيادتها، وبالمال، فبدون المال لا يملك دحلان شيئا، فكل الضجة المثارة حوله لا تفيد الفلسطينيين بشيء، فهو لايقدّم البديل الوطني، وخياره ليس المقاومة بديلاً عن خيار أبي مازن: المفاوضات..والتنسيق الأمني!
يعرف دحلان أن الفلسطينيين محتاجون – بخاصة في قطاع غزة- وفي ضيق وعسرة، وأنهم ينتظرون من يسعفهم، خاصة وهم لا يلمسون فرقا بين المتصارعين داخل فتح وعلى قيادتها.
هنا لا بد من السؤال: لماذا تموّل دولة الإمارات محمد دحلان بملايين الدولارات؟ هل تفعل هذا نكاية بقطر التي لها علاقات وطيدة مع حماس، وبهدف زحزحتها من القطاع؟
هل تدفع الأموال لزيادة الشروخ في حركة فتح، وإسقاط سلطة أبي مازن؟
هل تموّل دحلان خدمة لمخطط أمريكي _ ( إسرائيلي)؟!
هل تخوض صراعا مع ( إيران) على ( الورقة) الفلسطينية؟!
هل تموّله لأنها ترى فيه البديل الثوري عن قيادة هرمت وتكلست وما عادت قادرة على الخروج من المأزق الأوسلوي؟!
هل تموّل الإمارات محمد دحلان لتصفية القضية الفلسطينية لأنها ترى فيها خطرا دائما تستخدمه القوى الثورية القومية التقدمية، ويتهدد الدول الرجعية العربية، سيما دول النفط والغاز، وتستفيد منها قوى إقليمية؟!
كل الأسئلة مباحة، ومطلوبة، ولذا نسأل.
أي فلسطيني متابع للشأن الفلسطيني يعرف تماما أن محمد دحلان ليس ثوريا تقدميا جذريا، وأنه يسعى لمصلحته وطموحه الشخصي، وأنه سبق ونسق مع الاحتلال، ونسج علاقات مع الجهات الأمنية الأمريكية، ولذا رضيت عنه إدارة بوش، بل وبشّرت به.
يعرف الفلسطينيون أن ( قياديا) يشتغل بالتجارة والبزنسة بالشراكة مع أمراء الإمارات لا يمكن أن يحمل الكلاشنكوف ويتقدم إلى الميدان ليقاتل الاحتلال الذي لم يقدم تنازلات حقيقية لأبي عمار وأبي مازن اللذين قدما تنازلات كبيرة، ورغم مرور 24 عاما على توقيع أوسلو في البيت الأبيض فإنه لا أمل بدولة، وعرفات قتل مسموما، وأبومازن رغم تشبثه بالمفاوضات فالاستيطان يلتهم الأرض ويهود القدس، ويزج بالألوف في السجون..فبماذا يمتاز دحلان عن قائدين( تاريخيين) تنازلا عن كثير من الجغرافيا الفلسطينية؟!
يركز محمد دحلان في تحركه على قطاع غزة الفقير المحتاج المحاصر، ومع اشتداد أزمة الكهرباء، وقطع الرواتب، وتسريح وتقعيد كثيرين…
وهو يعرف مدى أزمة حماس مع مصر، وخسائرها مع تفاقم خسائر الإخوان المسلمين في ما سمي بثورات الربيع العربي، وعزلتها!
يعرف دحلان أن حماس تحتاج لمن يسهم في تخفيف معاناة أهلنا في قطاع غزة مع مصر، وهو يعمل من خلال علاقاته مع مصر على تخفيف المعاناة، ويضخ الأموال أيضا في القطاع، وهذا يخفف الأعباء على حماس نفسها.
آخر تصريح لسمير المشهراوي، وهو أحد أتباع دحلان، قال فيه: دولة الإمارات العربية ستوظف 15 مليون دولار لمشاريع في القطاع بهدف تشغيل أيد عاملة وتخفيف البطالة!
ترويج دعاية خدمة للإمارت..وأين؟ في القطاع حيث ( ملعب) قطر راعية حماس والإخوان!
ولكن: هل تثق حماس بمحمد دحلان؟ وهل يثق دحلان بحماس؟ لا، لأن بينهما دما كثيرا، وتصفيات، وسجون ومطاردات…
هي علاقات مصالح ..غير دائمة..وبلا مبادئ!
عندنا مثل فلسطيني يقول: قال له: لابد لك..قال:عارف لك!
حماس لن تفتح الأبواب على مصاريعها لدحلان، وأحسب أنه يعرف – وقد لا يعرف!- بأن حماس، وهي تربية الإخوان المسلمين لا تشارك أحدا في أي شيء، وإن كانت تلتقي مؤقتا وتكتيكيا مع أي أحد، فهي تبيعه عند أول مفترق. أننسى ما فعلته مع سورية التي فتحت لها الأبواب كما لم تفعل لأي طرف فلسطيني، مع معرفتها بإخوانيتها؟ ماذا فعلت مع إيران؟ ماذا فعلت مع حزب الله؟ وماذا تفعل مع الجهاد الإسلامي..والجهاد لا تصارع على سلطة، ولا تنافس على نفوذ، وليس لها هدف سوى المقاومة ؟! و: هل تحتاج تجربة (كل) الفصائل الفلسطينية مع حماس في القطاع إلى تذكير؟!
حماس تستخدم دحلان في مواجهة أبي مازن، وبهدف إضعاف حركة فتح، وإن أمكن إدخالها في صراعات تمزقها، وتبدد قدراتها، بحيث لا يبقى طرف قوي سواها فلسطينيا.
دحلان هو ( حصان ) طرواده بالنسبة لحكام الإمارات الذين يخوضون أكثر من صراع ولهم أكثر من هدف: مصارعة قطر في القطاع. إضعاف أي تأثير لإيران فلسطينيا. تقديم أنفسهم كأصحاب نفوذ فلسطينيا..أي يتنفذون فلسطينيا بمحمد دحلان لتقديم تنازلات ( إسرائيليا) وأمريكيا، على طريق إنهاء القضية الفلسطينية!
يغيب عن بال محمد دحلان وحكام الإمارات..وغيرهم، أن الشعب الفلسطيني لا يحترم أي فلسطيني يتبع لأي دولة عربية، أو نظام حكم عربي، وأن المال لا يصنع قادة، فالشعب الفلسطيني ليس في معركة انتخابات ولكنه في معركة تحرير، وهو يخوض مقاومة عارمة أصيلة منذ مطلع القرن العشرين حتى يومنا..وإلى أن تتحرر فلسطين.( أذكركم بصبري البنا أبونضال..ونهايته).
لقد ثبت أن مسار( التسوية) و(سلام الشجعان) قد ضيع الأرض الفلسطينية، وسمح للمحتل الصهيوني أن يهوّد القدس، وأن أوسلو قد ضلل الفلسطينيين، وها هو بعد ربع قرن من الأوهام يتكشف عن ( نكبة) حقيقة.
لقد اتصل بي أصدقاء من غزة وقالوا لي: نحن رضينا بأخذ ( ديّة) من دحلان، لأنها ليست من حماس، ونحن نحتفظ بحقنا بالثأر لشهدائنا ..ونعرف من اغتالوهم!
الشعب الفلسطيني يخوض ثورة تخفت أحيانا، وتتأجج أحيانا، ولكن نارها لا تنطفئ أبدا..ودرس هبّة الأقصى في شهر تموز أكبر برهان!
شعب فلسطين يقوده دحلان!!
يا للمسخرة والسذاجة والاستهبال!
وأخيرا: على فتح أن تنتفض على واقعها، وتعيد بناء نفسها، فهي بضعفها وتفككها تضعف أوضاعنا الفلسطينية، وتفسح المجال لدحلان، ولغيره، بهذا الطموح المهين للشعب الفلسطيني وتراثه الثوري.
ولا بد أن تفصح الفصائل، وما تبقى منها، والشخصيات الوطنية، والفكرية والثقافية، عن رأيها، وتقول كلمتها الفصل، فالأمر يهمنا، وسيؤثر على مستقبل قضيتننا، ومقاومتنا، ووحدة شعبنا.
إذا كان دحلان يتلمظ شبقا للسلطة، فهناك في لجنة مركزية فتح من يشتغلون ليل نهار( لخلافة) أبي مازن على سدّة ( الرئاسة)!!
أمر يدعو للغضب حقا..فكأننا نشهد ( مؤامرات) قصور!!
لا: الشعب الفلسطيني لن يقبل بتابع لنظام عربي، ولن يقبل بأشخاص يستمدون ( قوتهم) الموهومة من رضى أعداء الشعب الفلسطيني: الاحتلال، وأمريكا، ودول عربية متآمرة، مطبعة، تشتغل ليل نهار لتدمير وإنهاء القضية الفلسطينية.
في وجوه هؤلاء جميعا يرفع شعبنا العربي الفلسطيني كرتا أحمر..وسيطردهم من (الميدان) ففلسطين ليست لعبة للتسلية والشهرة والبزنسية.
* جريدة البناء اللبنانية 21 آب 2017