ألازلت تذكر قصيدة “الشهيد”؟
نضال حمد
في أحدث تصريحاته قال الطيب عبد الرحيم أمين عام الرئاسة في السلطة الفلسطينية في رام الله : “إن الشعب الفلسطيني يمارس ويرفع الآن شعار المقاومة الشعبية ضد اجراءات الاحتلال “الإسرائيلي” التعسفية التي يمارسها ضد أرضنا ومقدساتنا وشعبنا”، منوها الى أن هذه المقاومة الشعبية أجمعت عليها القيادة الفلسطينية وتلاقي قبولا دوليا انطلاقا من أنها تتفق وقرارات الشرعية الدولية.
أطلق تصريحاته في مقر رئيس السلطة حيث استقبل وفداً من نادي أبناء رام الله في الولايات المتحدة الأمريكية، أطلقها على مرأى ومسمع طابور كبير من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واللجنة المركزية لحركة فتح التي انبثقت عن مؤتمر بيت لحم الأخير. بالإضافة لعدد من الوزراء ومسؤولي سلطة رام الله . الطيب عبد الرحيم ادعى أن الاحتلال يستدرج الفلسطينيين الى مربع العنف الدموي كي يتهرب من تنفيذ التزامته.
شيء مضحك ومبكي، فالاحتلال ملتزم التزاماً واضحاً بكامل التراب الوطني ” الاسرائيلي “. أما السلطة الفلسطينية فملتزمة التزاماً أكثر وضوحاً بأي شيء يقدم لها من قبل الصهاينة والأمريكان. وبانهاء المقاومة ومظاهرها وثقافتها في المجتمع الفلسطيني. لأن شعار السلطة وقادتها وقادة حزبها الحاكم وشقيقاته من الفصائل المنضوية في اطار اللجنة التنفيذية ( التي بحسب الطيب أجمعت على المقاومة الشعبية )، أصبح النضال بالنسبة لهم بالكلام والتصريحات والتنازلات وقضاء الحياة مفاوضات. متناسين عشرات الأعوام من الكفاح والشموخ والمقاومة والصمود ومتجاهلين أسس انطلاقاتهم الفدائية في القرن الماضي.
يقول الطيب عبد الرحيم أن القيادة الفلسطينية أجمعت على المقاومة الشعبية للاحتلال .. يعني أنها أجمعت على رفض ومنع أية أشكال أخرى من أشكال النضال المشروع للشعب الفلسطيني القابع تحت نير الاحتلال منذ أكثر من 60 سنة. مع أن كل الشرائع الدولية وخاصة ميثاق الأمم المتحدة يقر للشعوب حقها بالكفاح المسلح ضد الاحتلال من أجل تقرير المصير والتحرر. وأكد القانون الدولي بعدم جواز استخدام الدول للقوة ضد بعضها البعض، لكنه وضع أيضاً استثناءات لهذا المبدأ منها اعترافه للشعوب المستعمرة والمحتلة بالحق في المقاومة بما في ذلك استخدام القوة المسلحة، للحصول على الاستقلال. ولا بد أن الطيب الذي عمل لسنوات طويلة سفيراً لمنظمة التحرير الفلسطينية في بلغراد عاصمة يوغسلافيا سابقاً وصربيا حالياً، والتي انتزع القائد الكبير جوزيف تيتو حريتها ووحدتها بالعمل الفدائي المقاوم … لا بد أنه قرأ تجربة ثوار يوغسلافيا وكذلك القوانين الدولية ونعتقد أنه يعرفها جيداً، أما إذا كان يجهلها فالمصيبة أعظم ..
هناك الكثير من القرارات والنصوص التي تمنح الشعب الفلسطيني حق المقاومة بكافة الأشكال بما فيها الكفاح المسلح. ومنها المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة بخصوص حق الدفاع الشرعي الذي اعتبر سنداً أساسياً لتبرير استعمال القوة. وهناك قرارات عديدة صدرت عن الجمعية العامة وأكدت على هذا الحق، منها قرار الجمعية العامة رقم 2621 (د-25 ) المؤرخ في 12 أكتوبر 1970، والذي ورد في مضمون بنده الثاني ” وتؤكد من جديد حق الشعوب المستعمرة في الكفاح بكل الطرق الضرورية التي في متناولها ضد الدول الاستعمارية التي تقمع تطلعاتها “.
وقرار رقم 2625 الصادر في 12 تشرين أول سنة 1970.
وكذلك قرار رقم 3314 الخاص تعريف العدوان أكد على حق ومشروعية كفاح الشعوب في المطالبة بحقها في تقرير المصير، واستبعاد هذا الاستخدام من دائرة الأعمال العدوانية ومظاهر الاستخدام اللامشروع للقوة .
إذا كانت الشرائع والقوانين الدولية تبيح للفلسطينيين القابعين تحت نير الاحتلال استخدام المقاومة المسلحة ضده، وهو الأكثر تسليحاً وقوة، والذي لا يتردد في ارتكاب المزيد من جرائم الحرب ضدهم، عبر القتل والاغتيالات والتصفيات والمذابح الجماعية وتدمير البيوت وسرقة الأرض ومصادرتها والاستيطان فيها، واعتقال آلاف الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين.. وتجزير الضفة الغربية ومحاصرتها واذلال أهلها ، وسجن نحو مليوني فلسطيني منذ 3 سنوات في سجن كبير اسمه قطاع غزة … مادام القانون الدولي مع الفلسطينيين لماذا يقوم نفر منهم بتقديم تبريرات لالغاء هذا القانون ؟
مثلما تم الغاء قرار الصهيونية شكل من أشكال العنصرية ..
في دراسة شافية نشرت سنة 2005 يقول الباحث ليث زيدان : ” أما القرارات التي أشارت فيها الجمعية العامة على حق الشعب الفلسطيني في الكفاح لاسترداد حقه في تقرير مصيره، قرار رقم 2778 (د6 ) المؤرخ في 6 كانون أول 1971، والذي أجازت فيه الجمعية شرعية الكفاح من أجل تقرير المصير للشعوب الخاضعة للاستعمار والهيمنة الأجنبية بمن فيهم الشعب الفلسطيني، إضافة إلى قرار 3070 ( د – 28 ) المؤرخ في 30 تشرين ثاني 1973 الذي أدانت في مضمونه الحكومات التي لا تعترف بحق الشعوب في تقرير مصيرها خاصة الشعوب الأفريقية والشعب الفلسطيني، وأكد القرار على حق استخدام هذه الشعوب القوة وكافة الوسائل المتاحة لها، من اجل التحرر من السيطرة الأجنبية، وقرار 3236 (د-29 ) وهو من أهم الوثائق التي أكدت الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني التي سبق وأقرتها الجمعية العامة وعلى استعادتها بكل الوسائل، وتناشد جميع الدول والمنظمات الدولية مد يد العون للشعب الفلسطيني في كفاحه لاسترداد هذه الحقوق وفقاً للميثاق .
مما سبق نجد أن قرارات الأمم المتحدة سواء التي تعلقت بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيرة أو التي تعلقت في حق ومشروعية استخدام الفلسطينيين للقوة، وغيرها من وسائل وأساليب من أجل التحرر لأرادته ولأرضه وليتمكن من ضمان الوصول للممارسة العملية المشروعة لهذا الحق، وبذلك فإن الوسائل التي لجأ إليها الشعب الفلسطيني سواء الكفاح المسلح أو الانتفاضات أو المفاوضات أخيراً كوسيلة وأداة لمقاومة الاحتلال والهيمنة (الإسرائيلية) ولأزالته كمانع وحائل بين إرادة الشعب وحقه المشروع في الوصول إلى الممارسة الفعلية لحقه، تندرج وبلا أدنى شك ضمن مضمون القرارات السالفة ومن ثم فهي تكتسي طابع المشروعية “.
الآن بامكانكم قراءة هذا التوضيح …
أمين عام رئاسة سلطة رام الله هو ابن الشاعر الفدائي المجاهد الشهيد عبد الرحيم محمود بطل معركة الشجرة سنة 1948 .. والشجرة هي بلدة الشهيد المبدع الفنان ناجي العلي، وكذلك المغني الشعبي الكبير أبو عرب. عاش واستشهد الشاعرعبد الرحيم محمود متأبطاً بندقيته وقلمه، شاهراً سيفه ولسانه بوجه الطغاة والغزاة .. فاستشهد وفي عقله ووجدانه وقلبه وايمانه شيء واحد اسمه مقاومة الغزاة والمحتلين، إما النصر أو الشهادة ..
لم يلتفت الشاعر الشهيد للقاضي الجلاد، للرأي العام الدولي، ولا لقرارات الأمم المتحدة، التي شرعت كذلك قيام وتأسيس الكيان الصهيوني على أرض الشعب الفلسطيني، وفوق عظام وجماجم أهل فلسطين، أجداد أصحاب فكرة الحياة مفاوضات وما تبقى منها مقاومة شعبية حتى فقدان آخر شبر من أرض فلسطين .. يبدو أن أمين عام الرئاسة لم يعد يذكر اي بيت من قصيدة والده الشهيرة :
الشهيد ” ”
سأحمل روحي على راحتي
وأمضي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيظ العدى
ونفس الشريف لها غايتان
وُرود المنايا ونيل المنى
لعمرك إني أرى مصرعي
ولكن أغذّ إليه الخطى
أرى مقتلي دون حقي السليب
ودون بلادي هو المبتغى
بقلبي سأرمي وجوه العدى
فقلبي حديد وناري لظى
وأحمي حياضي بحد الحسام
فيعلم قومي بأني الفتى
14-04-2010