المقاومة العراقية بمواجهة فيروس الطائفية الشعوبية
نضال حمد – أوسلو
يبدو أن عقدة فيتنام التي لازالت تعقد حياة الملايين من الأمريكيين سوف تتجدد وبشكل أقوى مع وصول الاحتلال الأمريكي في العراق العربي إلى جدار مسدود لا يمكن هدمه حتى بكل قوة أمريكا التدميرية الاستراتيجية. فالمقاومة التي تحصل في العراق، والتي بدأت فعلياً منذ اليوم الأول لاحتلاله اثبت أن معظمها يسير بخطط مرسومة جيدا، بهدى عقيدة قوية، وبتماسك بين أجنحتها التي تسود البلاد وتقوم بعمليات معقدة وكبيرة تعتبر في العلم العسكري عمليات مميزة ومنها ما هو جديد وحديث. وهذا يعني بحسب تأكيد الخبراء أنها عمليات مدروسة ومخطط لها جيدا ويبدو من دقتها أن لدى الذين ينفذونها بنك معلومات دقيقة عن كل شيء في العراق. وقد يكون هذا البنك هو الأرشيف التابع للمخابرات العراقية ولحزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان يحكم العراق حتى تاريخ احتلاله من قبل الغزاة الأمريكان وأعوانهم من الأجانب والعرب والعراقيين الخارجين عن إرادة أهل العراق وعزة بلد الرشيد.
هذا وأوردت بعض وسائل الإعلام نقلا عن دراسة طبية ستنشر أجزاء منها في دورية “أنال أيديولوجي”. أن الجنود الذي يشاركون بحرب طويلة سيعانون مشاكل نفسية عدة تنعكس على صحتهم العامة لفترة طويلة، وتصيبهم بأمراض عادة ما يزيدها الضغط النفسي سوءا. راجعت تلك الدراسة ملفات 18 ألف جندي أمريكي شاركوا بحرب فيتنام حيث لوحظ أن سبب إصابتهم بأمراض القلب والسرطان غير واضح لكنه قد يعود لمستويات هرمونات الإجهاد والضغوط النفسية.
هذا الكلام يعني ان آلافا من الجنود الأجانب الغزاة في العراق المحتل سوف يعانون من تلك الحرب، ومن ذيول عملهم الطويل في العراق، حيث تحترق الأرض تحت أقدامهم.
بالإضافة لذلك فان هناك فيروس آخر يعاني منه جنود الاحتلال الأجنبي في العراق وهو فيروس قاعدة بلاد الرافدين والزرقاوي. هذا الفيروس السريع الانتشار والذي بدأ يفعل فعله في الجسد الاحتلالي الهزيل. وفيروس القاعدة الرهيب قد يكون أيضا من أخطر الفيروسات على الجميع.
إذ لا يمكن علاجه بالتقنيات المعروفة ولا يحل مشكلته العلاج بالنار لأنه هو نفسه يحمل النار في داخله ويسير باحثا عن الموت، فيقتل ويموت في آن واحد.
ولا توجد قوة في الدنيا تستطيع منع إنسان يريد الموت من التوقف عن القيام بذلك. لهذا لا يمكن لا بالقوة ولا بالتهديد والوعيد وقف العمليات التي تنفذها جماعة قاعدة بلاد الرافدين في العراق وغير العراق.
ونورد هنا أيضا مثالا على مدى قوة المقاومين في العراق، فقد قال مدير الصليب الأحمر الإيطالي سابقاً، موريزيو سلي لصحيفة تايمز” إن إطلاق سراح الصحفيتين الإيطاليتين اللتين كانتا قد أختطفتا في العراق تم على إثر صفقة عولج من خلالها أربعة “إرهابيين محتملين” في المستشفى الإيطالي ببغداد.
وقال سيلي أنهم (الطليان) عالجوا وأنقذوا “إرهابيين محتملين” كانت القوات الأمريكية تبحث عنهم وكانوا جرحوا في معركة معها كجزء من الصفقة”. هذا الكلام يؤكد صحة القول بأن القاعدة والجماعات الأخرى العاملة ضد الاحتلال في العراق، تفرض إيقاعها على المحتل وتجبر بعض الدول المشاركة في التحالف (مثلاً إيطاليا) على عقد صفقات خاصة معها مقابل إطلاق سراح محتجزين أو رهائن مختطفين.
هناك طريقة تعتبر الأفضل وهي التي تضمن خروج الاحتلال بأقل الخسائر على كافة الصعد وهي الانسحاب من العراق والتسليم بالأمر الواقع. فرحيل الاحتلال مُسَلِمَاً بالهزيمة عن بلاد العرب والمسلمين يعتبر مطلبا مشروعا لأصحاب البلاد التي تقع تحت نير الاحتلال. إذ برحيله سيترك الاحتلال الساحة لأصحابها والبيت لساكنيه، والبلاد لأهلها، وسوف يقوم هؤلاء بدورهم في عملية إعادة بناء ما دمره الغزو الخارجي، وما خربته يد الغدر والعمالة، التي انحازت لصف الاحتلال، متناسية الدين والدنيا والانتماء للعروبة والإسلام، ومتجاهلة وحدة أرض وشعب العراق.
هؤلاء الذين يريدون تقسيم العراق وقدراته (من فدرالية) بين الطوائف والاثنيات والقوميات، والذين يهاجمون مكاتب الشهيد الصدر ويفتكون بالأبرياء من العراقيين، هؤلاء الذين يعتدون ويعتقلون ويهينون ويعذبون ويشنقون ويعدمون اللاجئين الفلسطينيين هناك هؤلاء هم أعداء العراق، وهؤلاء هم أهل الكذب والنفاق والفسق والردة، هؤلاء هم الخوارج الذين خرجوا عن الاجماع الوطني والقومي والديني، وهؤلاء هم العملاء وجلهم من الطائفيين والتقسيمين الشعوبيين الذين عرفهم أهل العراق في قديم الزمان، وقام بمحاربتهم والفتك بهم الخليفة العباسي الكبير هارون الرشيد باني العراق وصانع عزته وعلمه ومكانته وأزدهاره.
عملاء الاحتلال يريدون تقسيم البلد بين سني وشيعي وكردي بإسم الدستور المصنوع أمريكيا، والذي طالب الرئيس الأمريكي جورج بوش أهل السنة القبول به فوراً. هذا بعدما أجمعوا على رفضه لأنه يمس بوحدة العراق والعراقيين.
هؤلاء كما الفيروسات الأشد فتكا بالحياة.
يحضرنا قول رئيس رابطة البيطريين البريطانيين بوب ماك كارين حيث قال لصحيفة الغارديان، معلقا على انتشار فيروس انفلونزا الطيور، الذي سيصل بريطانيا قريبا ويجلب معه سلالة خطيرة جدا منه “، قال أن هناك أمل في أن يكون هذا الفيروس شرساً بما فيه الكفاية بحيث يقتل كل الطيور المهاجرة التي يصيبها مما يقلل احتمال انتشاره. إذ بعد نفوق كل الطيور التي يصيبها سيتلاشى هذا الفيروس تلقائيا”.
ونحن نقول أيضا أن هذا التحليل ينطبق على الخوارج من التقسيميين والشعوبيين والطائفيين والمتأمركين من العراقيين، لأن الفيروس الذي يحملونه شديد الخطورة وقد يودي بهم أولاً. خاصة أن العراق أصبح على شفا الهاوية، حيث يقوم المنشقين الذين يحكمون العراق بالتعاون مع الاحتلال بكتابة دستور لعراق جديد ويتصرفون من خلال حماية الاحتلال لهم، كما ويريدون فرض قانون القوة والإرهاب بدلا من قوة القانون ولغة الأهل والخلان والأصحاب والأحباب.
إنه قانون الغاب الطائفي المسنود أمريكيا يتحكم بالذين يحكمون العراق تحت الاحتلال. وهذا القانون الأعمى الغيبي الاستعلائي والاستعماري هو الذي جاء بمسودة دستور، أحسن وصفه أحد القادة السياسيين العراقيين (السُنَة) عندما قال: “أنه لا يليق إلا بصندوق قمامة”. ويأتي هذا التعليق بعد أحداث النجف التي أبرزت أيضا مدى حدة الانقسام داخل العراقيين (الشيعة) أنفسهم، فهناك أيضا تيار الصدر الرافض لدساتير الاحتلال ولتقسيم العراق ولهيمنة حفنة من العملاء المرتبطين بالدول الأجنبية.
نضال حمد – أوسلو
2005-08-27