أمن الفرعون يعتدي على أطفال شريان الحياة
نضال حمد
قبل أكثر من أسبوعين من الآن تحدثت هاتفياً مع الزميل زاهر البيراوي الناطق باسم حملة شريان الحياة لدعم صمود أهل غزة، صادف أنه كان يومها مع القافلة في تركيا، حيث لاقت هناك ترحيباً شعبيا ورسميا وتأييدا منقطع النظير. فأنظمت للقافلة عشرات السيارات والمركبات والشاحنات والاسعافات مع مئات النشطاء والنشيطات الذين تركوا خلفهم كل شيء ليقدموا أي شيء لأجل أطفال ونساء وعجزة أهل القطاع.
أثناء حديثي مع الزميل زاهر قلت له :
أنكم ستواجهون في مصر رجال أمن لا يرحمون جلهم من العبيد والمماليك، مشحونون ضدكم بشكل رهيب ومزودون بالحقد والضغينة ضد الفلسطينيين، وضد النشطاء المتضامنين مع شعب فلسطين. وأضفت : سوف تلقون معاملة سيئة جداً ربما تكون أسوأ من معاملة جنود الاحتلال الصهيوني …
قال : المنطق يفترض أنهم سيعاملوننا بشكل عادي لأنهم محاصرون بالحملة الاحتجاجية والاعلامية التي تسببت بها عملية بناء الجدار الفولاذي بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية ..
قلت : لا يا صديقي .. فهم بلا ضمائر وبلا خجل ومتآمرون على الأمة كلها من المحيط الى الخليج، وينسقون كل كبيرة وصغيرة مع السي اي آيه والشاباك والموساد .. وسوف يحاولون الاعتداء عليكم واهانتكم واعادتكم .. لكنكم سوف تعبرون الى رفح رغماً عنهم لأنكم تحملون الجنسيات الأوروبية وهذه وحدها حصانتكم بوجه عبيد ومماليك الفرعون، فهم أجبن من أن يعتدوا على من يحمل الجنسية الأوروبية أو الأمريكية.
لم أكن أقل ذلك للتشهير بمصر التي نحبها ونحب شعبها الأبي العريق، المقاوم، والذي قدم الكثير للأمة، فهو شعب صلاح الدين محرر القدس وعبد الناصر مستنهض الأمة وقائد معاركها في الدفاع عن العروبة والوحدة والاستقلال .. وهي منارة ومنبع للكثيرين من رموز جيل المقاومة والتحرر والوحدة. فشعب مصر لازال عصياً على التطبيع منذ اغتيال اللا مأسوف عليه أنور السادات وحتى هذا اليوم ونحن في زمن يهوده الثاني، خائن المسيح وخائن الأمة ..
أقول للطفلة الفلسطينية اسراء أبوراشد المولودة في هولندا والتي استغربت قساوة تعامل المصريين من رجال الأمن معها ومع القافلة. وهي التي جاءت من هولندا للمشاركة في دعم أطفال غزة والوقوف معهم في محنتهم … هذا الشعب يا اسراء مقاوم وأصيل وعصيّ على الصهاينة والغزاة. أتها الصغيرة التي لم ترحمها أعقاب بنادق رجال أمن الفرعون ولا هرواتهم، والتي بقيت متمسكة بالعلم الفلسطيني بالرغم من الضرب المبرح ومحاولات ضابط مصري مفرعن ومتفرعن انتزاعه من قبضتها الطريّة…
لم تستسلم اسراء لانها جاءت كي تصمد مع أطفال غزة الذين لم يستسلموا لجيش الصهاينة الهمجي. شعب مصر يا اسراء سوف ينهض ويثور وينتقم ويعيد البهاء لمصر الثورة والمقاومة، قلعة العرب والعروبة، حصن الاسلام والمسلمين، ومقبرة الخونة والمتآمرين …
سوف ينفض عنه أثر المورفين الذي يضخه نظام الفرعون مبارك في شرايينه كل يوم بدعم صهيوني أمريكي مفتوح. وسوف يعيد الكرامة لمصر ويقلب الطاولة فوق رأس النظام الأجير.
اسراء ابوراشد طفلة فلسطينية تبلغ من العمر 11 سنة تعتز جدا بانتمائها لفلسطين ولمخيمات التشرد واللجوء في المهاجر والمنافي العربية. تحمل الجنسية الهولندية وفي قلبها تحمل فلسطين كأغلى وأهم جنسية على وجه البسيطة. أعتقد أنني رأيتها في مؤتمر فلسطينيي أوروبا أو مؤتمر العودة في روتردام سنة 2007، كانت تلوح بالعلم الفلسطيني، وقد يكون هو نفس العلم الذي لوحت به في ميدان التحرير بالقاهرة، والذي حاول ضابط الأمن المركزي المصري انتزاعه من يدها لكنه فشل بذلك.
تقول اسراء أن مشاهد الدمار وقتل الأطفال وانتشال جثثهم من تحت الأنقاض اثناء العدوان العام المنصرم هزتها وحركت فيها مشاعرها الفلسطينية الملتهبة، فقررت أن ترافق والدها ووالدتها في هذه الحملة العالمية الانسانية الكبيرة. لكنهم بعدما وصلوا القاهرة صادرت مخابرات الفرعون الشاحنات والباصات والسيارات التي كانت ستنقلهم الى العريش، فقرروا الذهاب الى غزة سيرا على الأقدام، وعندما تجمعوا في ميدان التحرير هاجمهم أمن الفرعون وتعرض لهم بالضرب فلم يفرق بين صغير وكبير وامرأة وطفل وعجوز وجريح. فوالد اسراء الشيخ أمين أبو راشد جريح فلسطيني وفقد ذراعه في الحرب الأهلية في لبنان.
أمن الفرعون مبارك تعرض لإبنة الشيخ اسراء ولزوجته بالضرب المبرح وفرق بين الوالدة التي كانت تقف على الجانب الآخر من الشارع وتتعرض أيضاً للاعتداء والضرب وبين طفلتها اسراء التي لاقت نفس المصير.. كما فعل رجال الأمن الفرعوني الشيء نفسه مع كل الذين تواجدوا في الميدان في ذلك الوقت سواء كانوا من المتضامنين أو من عابري السبيل.
تقول اسراء : “لقد كنت أشعر بالسعادة البالغة أثناء الرحلة من هولندا إلى القاهرة، وكانت مشاعر السرور تحتويني طول الرحلة لأني سأرى بلدي لأول مرة، ولكن فوجئت بقسوة الأمن المصري في التعامل معنا رغم علمي أن منسقي الحملة أجروا تنسيقًا مع الحكومة المصرية منذ شهور لدخول أعضاء الحملة الى غزة عبر معبر رفح”.
وأكدت إسراء أنها جاءت إلى مصر كي تعبر إلى غزة بعد أن تفاعلت وتأثرت بما جرى قبل عام في الحرب على غزة … وأشارت إلى أنها ستعاود الكرَّة مرة أخرى للذهاب إلى غزة بعد أن منعتها السلطات المصرية من السفر إلى القطاع هي و1400 متضامن من 44 دولة، وسمحت لـ85 متضامنًا فقط بالذهاب إلى غزة.
قبل قليل اتصلت بالزميل زاهر البيرواي الذي أبلغني أنه بصدد الدخول الى غزة عبر معبر رفح حيث سمحت سلطات الفرعون لثلاث أفواج من القافلة بالدخول، فدخل فوج والاثنان التاليان ينتظران الدخول الآن. يبلغ تعداد الذين سيدخلون نحو 100 شخص..
سألته كيف الحال يا صديقي؟
قال : في بعض الأحيان كانوا أسوأ من الذين يحاصرون غزة من الجهة الأخرى ..
وسوف يبقون كذلك يا صديقي الى أن يعيد الشعب المصري تحرير نفسه من براثن حكم الفرعون وأستعادة عروبة مصر، ووقف التدهور الخطير الذي يحصل في العلاقة بين مصر وفلسطين.
إن أحداث اليوم عند بوابة صلاح الدين تدق ناقوس الخطر الشديد.. إذ سقط فيها جندي مصري و جرح عشرات الفلسطينيين بعد مصادمات دامية بين المتظاهرين الفلسطينيين وأمن الفرعون. وهذا بالضبط هو عنوان الاتفاقية – المؤامرة التي حيكت بين كونداليسا رايس وتسيبي ليفني في البيت الابيض لتوريط مصر في هذا الأمرعبر ارغامها على بناء الجدار الفولاذي وكسر عظام الفلسطينيين وإرادتهم، وتشديد الحصار والخناق عليهم حتى استسلامهم. لكن شعبا فيه زهرات مثل اسراء أبوراشد لن يكن لقمة سائغة بين فكيّ وحش الحصار وجدارالفولاذ.
06/01/2010
مدير موقع الصفصاف – أوسلو