شعب فلسطين أكبر من أن يهان
نضال حمد
الشعب الفلسطيني بعث ليلة أمس برسالته إلى العالم أجمع من شوارع رام الله المنهوبة وأزقة جنين وطولكرم ومخيمات الضفة المحتلة ومن غزة ومدنها وقراها ومخيماتها. هذا الشعب العظيم يقول للعالم الصامت وللعرب العاجزين والآخرين المطبعين والمستسلمين، يقول لعجزهم ولقلة حيلتهم بأن الفلسطيني لن يسمح للصهاينة بفرض املاءاتهم على القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني. حتى وإن كان هو نفسه غير راض عن سياسة وأداء القيادة الآن وفي الماضيين القريب والبعيد.
كما يؤكد شعب الانتفاضة بأن الجرافات التي تدمر مبنى المقاطعة في رام الله تحت حراسة الدبابات والجنود الصهاينة الفاشيين لن تنل من عزيمة الفلسطينيين ولن تكسر إرادتهم الصلبة واعتزازهم الكبير بوطنيتهم وبشرعية كفاحهم من أجل انتزاع الحرية والاستقلال وبناء الدولة العصرية على أنقاض الاحتلال ومخلفاته. فهذا الشعب الكبير بعطاءاته والأبي والوفي لدماء شهدائه، من أبطال العمليات الأستشهادية وغيرها، هو الذي يجول الآن ويصول في الشوارع والأزقة والميادين الفلسطينية ليدافع بدمائه الغالية عن الوطن الفلسطيني… وليحمي بصدره العالي قيادته الوطنية المحاصرة ورئيسه المسجون والمعزول في مكتبه المحاصر بالألغام والعسكر والدمار والصمت الغريب والوقاحة الصهيونية الأغرب، والنذالة الأمريكية الأكثر وقاحة وغرابة وغطرسة ومهانة. كما أن الشعب الفلسطيني يبعث برسالة واضحة وجليّة لقيادته بأنه هو الوحيد الذي بمقدوره حمايتها واحتضانها والذود عنها بالغالي والنفيس. لكن هذا يتطلب منها المزيد من العطاء والصمود والتمسك بالثوابت الوطنية وعدم التفريط بها وتقديسها مثلما يقدس الصهاينة ثوابتهم.
إن الشعب الفلسطيني الذي خرج بالآلاف ليلة أمس للتصدي لدبابات الإرهاب الصهيوني ومحاولة ردها عن مقر الرئاسة الفلسطينية، هذا المقر الذي لم يتبقى منه سوى بعض الغرف شبه الواقفة. يقولها على الملء لم يعد هناك سوى ما تبقى عندنا ولدينا من دماء وحياء ووفاء نحمي بهم فلسطين المستباحة، ونرد العدو ونصد العدوان ونوقف ويلات الاحتلال. فالعرب نيام نومة أهل الكهف، ولم يعد ينفع معهم أي شيء، لقد اكتسبوا المناعة العكسية وطردوا من عقولهم سبل التفكير والتعلم والتحليل والشعور بالمسئولية، فغدوا دُمىً وألعاب تحركها أمريكا متى وكيفما تشاء وضد من تشاء. تارة يقفون ويعلنون معارضتهم لموقف أمريكا وادانتهم لمواقف وأعمال (إسرائيل) الصهيونية، وتارة أخرى يركبون السفينة الأمريكية ويبحرون مع التيار العدواني، تاركين لشعب العراق المحاصر ظلما وعدوانا حرية الموت البطيء، ولشعب فلسطين الذي يتعرض لأشد حملات الإبادة حرية اختيار طريقة الذبح والموت والفناء.
العالم يقيم في بيوت من زجاج يهودي ومرايا صهيونية والعرب يقيمون عراة في خيامهم الأمريكية ويقضون الوقت في عداد الغائبين عن الدنيا والموجودون على هامش الحياة. فهم منشغلون في عد الأموال والجواري وعناصر المخابرات والاستخبارات والمماليك والخدم والقصور وآخر مستجدات عالمي العهر والفجور.
الحكام العرب في واد والشعب الفلسطيني في واد آخر هناك في فلسطين شعب يقتل ويتعرض للإبادة الجماعية ببطء وبلا رحمة من عدو فاشي وسادي يتسلح بعقيدة مريضة مبنية على الحقد والخداع والأجرام و نفي الآخرين واعتبار اليهود شعب الله المختار وخير بني البشر والدنيا. وهذا ليس أكثر من نكتة سخيفة تعبر عن مدى استخفاف اليهود والصهاينة بعقول البشر وبالعالم أجمع. هؤلاء قتلة مع سبق الإصرار والترصد… لا هَم لهم سوى تحقيق أحلامهم التوراتية والتوسعية وتطبيق نظرياتهم الصهيونية المريضة التي تعتبر مع النظرية النازية أسوء نظريتان إرهابيتان في العالم.
على العالم الذي يحترم نفسه ويقدر قيمة الحياة وكوكب الأرض وما عليه من سكان وبشر أن يعلن رفضه وإدانته ومحاربته لتلك النظرية الصهيونية الاستعلائية الأستئصالية الفاشية. وإلا فأن الخطر الحقيقي الذي يحذق بفلسطين وبلاد العرب سوف ينتقل إلى العالمين الشرقي والغربي، والى كافة بلاد المعمورة. ف(إسرائيل) الصهيونية، أمريكية الصنع والتركيب، فاسدة البضاعة والتجارة، مالكة الأسلحة المحرمة دوليا وأمميا، من السلاح الكيماوي إلى البيولوجي فالذري والنووي، سوف لن تتردد يوما ما إذا ما شعرت بالخطر في استعمال تلك الأسلحة ضد كل من يخالفها الرأي والمصلحة والعقيدة حتى ولو كان الآخر أمريكا نفسها.
الشعب الفلسطيني الذي تحمل أخطاء وغباء السياسة الرسمية الفلسطينية لسنوات عدة هو نفسه يخرج الآن إلى الميادين والساحات ليدافع عن الكرامة الوطنية الفلسطينية، وعن قيادته بغض النظر عن مواقفها غير المقبولة جماهيريا وممارساتها السياسية المرفوضة شعبيا.
يدافع الشعب الفلسطيني عن مقر المقاطعة ليس دفاعا عن الرئيس الفلسطيني إنما دفاعا عن الشعب الفلسطيني، والحقوق الفلسطينية ولكي يؤكد للجميع أن الشعب الفلسطيني هو الذي يقرر كيفية حياته وتركيبة قيادته وحرية مقاومته وديمومة انتفاضته. وأنه أكبر من أن يهان في أرضه وخارج وداخل وطنه، لأنه شعب الاستشهاديين من دلال المغربي إلى آيات الأخرس وكافة أبطال الجهاد والاستشهاد في فلسطين العربية المحتلة.
شعب فلسطين وجه يوم أمس رسالته الواضحة لكافة الأطراف بدون استثناء لكن أهمها الإشارة الموجهة للقيادة الفلسطينية أولا بأن لها شعبا يحميها كما للبيت رب يحميه. وبأن الشعب هو المرجعية ولا يمكن قبول أي اتفاقيات وقرارات مصيرية تتجاوز الحقوق الوطنية الفلسطينية وتفرط بها أو تمسها. كما أنه لا يقبل بانعدام الموقف وبالصورة الضبابية التي تخيم على مواقف السلطة الفلسطينية من المساءل الوطنية الأساسية و المصيرية. فالشعب العريق بتضحياته وعطائه يريد موقفا رسميا فلسطينيا عريقا وثابتا يتمسك بالمصلحة الوطنية العليا ولا يفرط بها كلما ضاقت به الحياة. وشعب فلسطين الذي تمت خديعته وخذلانه في أزمات سابقة كما حصل في قضية كنيسة المهد وإبعاد المحاصرين إلى غزة ونفي الباقين إلى عواصم أوروبية عديدة. وكذلك اتفاقية فك الحصار عن مقر المقاطعة عبر محاكمة القائد احمد سعدات ورفاقه الذين نفذوا حكم الشعب بالارهابي الصهيوني رحبعام زئيفي في القدس المحتلة، فأراحوا شعبنا من مجرم كبير على غرار المجرم شارون. هؤلاء الأبطال أمرت القيادة المسجونة في رام الله بسجنهم ومحاكمتهم و إبعادهم إلى سجن أريحا، ومن ثم وضعهم هناك تحت إشراف وحراسة أعداء شعبنا وقضيتنا الوطنية من مخابرات أمريكا وبريطانيا. مقابل تلك الصفقة حصلت على حرية محدودة لم تدم أكثر من أسبوع واحد، سرعان ما وضعت بعده من جديد قيّد السجن الذي أصبح الآن كالزنزانة كما قال ياسر عبد ربه.
الشعب الفلسطيني هو العنوان الوحيد للقيادة الفلسطينية التي تريد فعلا تحرير فلسطين. وكل قيادة تبتعد عن شعبها ولا تسمع رأيه بها وبسياستها وبقضاياه المصيرية هي قيادة مصيرها محتوم ومحسوم وواضح. إذن رسالة الشعب الفلسطيني لقيادته كانت ولازالت واضحة، فلنتحد تحت راية المصير المشترك والهم الواحد والدم الواحد والهدف القدسي الواحد، وما عدا ذلك سيجعل الأمور أكثر تعقيدا وضررا.
شعب فلسطين أكبر من أن يهان
نضال حمد
أوسلو 22-09-2002