على عينك يا تاجر – زهير كمال
كثير من أفعال الحكام العرب يتسم بقلة الحياء مما يذكرني بكلمة البجاحة في الدارجة المصرية، وهناك تعبير دارج آخر ينطبق على أفعالهم وهو ( على عينك يا تاجر)، أي السرقة جهاراً نهاراً أمام أعين الناس.
والأمثلة كثيرة، ولكن فيما يلي مثلان صارخان على ذلك.
1. انتخابات الرئاسة المصرية
منعت السلطة مرشحيْن عسكرييْن بالضغط والتخويف وحتى الاعتقال ، أحمد شفيق الذي أحضر عنوة من الإمارات وتم إقناعه بالطرق المألوفة بالعدول عن الترشح ، أما الفريق سامي عنان فقد تم اعتقاله لمجرد إعلان نيته في الترشح.
وهكذا عبر السيسي عن رغبته في عدم وجود منافسة حقيقية لانتخابه لفترة ثانية، وهو تمهيد لتعديل الدستور عند قرب انتهائها لاستمراره فترة ثالثة ورابعة وخامسة، هذا بالطبع إن لم ينفجر بركان الغضب الكامن عند الشعب المصري والذي يزداد تأججاً يوماً بعد يوم.
ووجود مرشحين من العسكر على هذه الدرجة من الأهمية يضطر مؤسسات الدولة التي تميل في العادة لتأييد الرئيس الموجود على رأسها الى الوقوف على الحياد نوعاً ما، وربما كنا سنشهد انتخابات إعادة بين السيسي وأحد المرشحين.
كان رعب السيسي من مرشحي العسكر قوياً، فلن يخجل هؤلاء من تعداد الخطايا التي ارتكبها سياسياً واقتصادياً، وأكثر من ذلك تفريطه في الأرض المصرية وتعريض الأمن الاستراتيجي المصري للخطر بإهدائه جزيرتي تيران وصنافير للنظام السعودي، كما أن إهماله لملف سد النهضة وعدم فرض حصة مصر من مياه النيل التي تنص عليها الاتفاقات التاريخية القديمة وترحيل المشكلة الى المستقبل سيخلق مشاكل قد تؤدي الى حروب عندما يتم تعطيش مصر التي لم يعد أحد في أفريقيا أو غيرها يحسب لها حساباً .
السيسي هو نموذج لديكتاتور قاس ابتليت به الشعوب قديماً وعادة ما تم التخلص منهم بالثورات الشعبية ، كان تأثيرهم ضاراً جداً على شعوبهم فقد أوقفوا تقدمها فترة حكمهم واحتاج الأمر الى عنف وتضحيات جمة، وكانت معاناة هذه الشعوب وآلامها كبيرة ، الفقر والجوع والبطالة والمرض كانت لازمة اثناء فترة حكمهم وصفوة الشعب توضع في السجون لأتفه الأسباب.
ما يزيد على ذلك في حالة السيسي هو الغباء المطلق من الناحية الشخصية، وربما كان يصلح لخمسينيات القرن الماضي، ولكن في عصر الانترنت والإعلام البديل فهو مكشوف لكل الناس، ولكن تبقى المشكلة نفسها وهي صعوبة تنظيم وتوحيد الشعب للقيام بعمل مضاد للتخلص من الدكتاتورية .
إضافة للغباء، فالسيسي لا يعيش عصره، فلو افترضنا أن الرجل سمح لكل المرشحين عسكريين ومدنيين بالتقدم وترشيح أنفسهم ، فإنه وعلى أقل تقدير سيكون هناك عشرة مرشحين ، وبالطبع سيكون هذا تنفيذاً للوعود التي قطعها على نفسه عنما قام بانقلابه، وسيعطي هذا العمل المفترض الثقة للناخبين وسينشط الحياة السياسية الميتة وقد يعطي الناخبون فرصة ثانية للسيسي لمجرد سماحه بحرية الترشح، والدولة كلها تعمل على فوزه كالعادة في دول العالم الثالث. وبهذا العمل البسيط يمكن القول إنه سيكسب احترام العالم، ولكن قبل كل شيء احترامه لنفسه أولاً.
يشعر السيسي بالحلقة تضيق على رقبته، ففي خطابه الأخير ما عليك سوى استبدال كلمة السيسي بكلمة ( مصر ) لتشعر بمدى خوفه من المصير المحتوم.
2. سجن سبعة نجوم
مع النظام السعودي وولي العهد الشاب محمد سلمان لن أتكلم عن شراء اليخت الروسي والقصر الفرنسي واللوحة الإيطالية وإهدار المال العام على عينك يا تاجر، فالحساب على هذا المال هو مسؤولية أصحابه ، أهل الجزيرة العربية عندما يستفيقون من إغماءتهم ويبدأون بالسؤال عن أموالهم التي تصرف الآن بغير حسيب أو رقيب.
ولكن سأتكلم عن فندق الريتز كارلتون الذي تحول الى سجن لكبار الأمراء ومسؤولي الدولة بتهمة الفساد ، وهي بلا شك تهمة كبيرة تؤدي بمن تثبت عليهم التهم الى مصادرة أموالهم وسجنهم.
ومعلوم للجميع أن الفساد يزكم الأنوف في مملكة الرمال منذ تأسست وحتى يومنا هذا، فعن العمولات والسمسرة والمحسوبية والوساطة حدث ولا حرج. فليس هناك صفقة بدون عمولة وليس هناك عطاء بدون مال يدفع تحت الطاولة وأحياناً فوقها على عينك يا تاجر.
ذكرت في مقال سابق – متغيرات الجزيرة العربية – عند بدء اعتقال الأمراء أن الهدف هو تجميع المال وليس المحاسبة على الفساد، وهذا ما حدث فعلاً . فلم يصرح المدعي العام أو مسؤول مكافحة الفساد محمد سلمان ولي العهد بما يحدث، رأينا أناساً مهمين يجمعون في الفندق المعتقل ورأيناهم يخرجون منه ، وبعضهم رجع الى عمله كأن شيئاً لم يكن. ولم نسمع عن تبرئة أحدهم من تهمة الفساد التي اعتقلوا من أجلها ، أي أن سيف التهمة ما زال مسلطاً فوق رقابهم. وليس هناك من دولة تبتز مواطنيها هكذا ، والسبب أن مملكة الرمال هذه ما زالت في عصر القبيلة ولن ترتقي الى مرحلة الدولة أبداً طالما بقي هؤلاء الرجال على رأسها.
في الدولة توجه التهمة الى مواطنها بشكل واضح ، قد يأمر القاضي بحبس المتهم أربعة أيام على ذمة التحقيق وقد يتم تمديدها الى أربعة أيام أخرى يتم بعدها إطلاق سراحه إن لم تثبت التهمة عليه أو يتم تحويله الى المحكمة. ولكن بما أن الموضوع خارج عن المألوف في القبيلة ، فإن من حق الفرد العادي فيها أن يعامل نفس المعاملة التي لقيها الأمراء.
إذا قبض عليه مثلاً في سرقة بسيطة أو حادث سير أو ما شابه ، فإن من حقه أن يطلب تحويله الى فندق الريتز كارلتون حتى تتم تسوية وضعه . ولكن على عينك يا تاجر ، الأمراء وكبار القوم لهم فندق الريتز كارلتون وباقي الشعب لهم الله.
قبائل كهذه لا تستمر الى الأبد، فهم خارج العصر وخارج التاريخ، والشعوب في عصر المعرفة تعرف وربما تنتظر اللحظة المناسبة لتغيير حالها البائس.
فالفجر دائماً قادم لا محالة.