أنفاق العودة
نضال حمد
يعيش سكان قطاع غزة منذ نحو سنتين في ظل حصار همجي من طرفين لا ثالث لهما الأول هو الكيان الصهيوني الذي يحتل كل فلسطين ويتمنى القضاء على كل الفلسطينيين. والثاني النظام المصري الذي يمارس ابتزازاً غير مسبوق على كل الفصائل الفلسطينية وفي المقدمة منها حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة. فالنظام المصري المتعاون مع الصهاينة والأمريكان يعرف أنه لا متنفس لغزة وسكانها إلا عبر معبر رفح الذي يربطها بمصر. فمن الجهة الأخرى ترابط الدبابات (الإسرائيلية) وتنتظر طائرات الاباتشي على أهبة الاستعداد لإبادة أي تحرك فلسطيني حتى من أجل الدواء والغذاء والماء والكهرباء.
وكم من المساكين المرضى لقوا حتفهم على حواجز ومعابر الصهاينة بين غزة وبقية أراضي فلسطين المحتلة. أما على الحدود المصرية الفلسطينية تبقى أبواب المعبر مقفلة طيلة شهور لتعود سلطات الشقيقة الكبرى وتفتحها لعدة أيام تسمح خلالها بخروج ودخول عدد محدد من الناس. في هذا الصدد سجلت المنظمات التي تعنى بشأن حصار قطاع غزة موت عدد من المنتظرين على ضفتي المعبر. ظلوا حتى آخر لحظات حياتهم ينتظرون رحمة الله ورحمة النظام المصري الشقيق!.
السلطات المصرية لا تسمح لأحد بالعبور وإن سمحت تفعل ذلك لناس محدودين ومنتقيين. لذا في ظل هكذا سياسة أخوية مصرية وجدت حماس والفصائل ووجد أهل غزة أنفسهم أمام خيار لا بديل عنه وهو تفعيل سياسة حفر الأنفاق لتهريب كل شيء من مصر الى غزة ومن غزة الى مصر. حتى أن أهل غزة وبحسب أقوال الناس استطاعوا تهريب المواشي وأضاحي العيد وبعض الحُجاج، والسلاح والمواد المتفجرة، بالإضافة للمواد الغذائية والتموينية والنفط والغاز، هذا الغاز الذي تبيعه مصر للصهاينة بأسعار زهيدة وأرخص من سعره في السوق المصرية. بينما أطفال وعجزة ومرضى غزة يموتون لنقصه وفقدانه في القطاع. ولأن مصر ترفض إدخاله حتى ولو كان على شكل هبات مجانية ودون مقابل من الجزائر وايران، اللتان عرضتا على مصر التبرع لغزة بكل المحروقات والطاقة. لكن مصر رفضت حتى مناقشة العرض.
خلال أشهر الحصار الطويلة والتي ذاق خلالها سكان القطاع الأمريّن ودفعوا ثمن تمسكهم بالموقف الوطني المقاوم غالياً أصبحت الأنفاق هي المعبر الوحيد من والى القطاع. وبالرغم من قيام السلطات المصرية بتفجير عدة أنفاق وقتل الفلسطينيين داخلها إلا أن أجهزة الأمن المصرية المزودة بمعدات أمريكية حديثة لرصد الأنفاق لم تتمكن من وقفها. فقد أصبحت الأنفاق ثابتة من ثوابت صمود الشعب الفلسطيني في القطاع. وبالرغم من كل ما يكتب ويقال عن الأنفاق واغتناء البعض من وراءها والمحسوبيات في حفرها والذين يقفون خلفها والتهريب للتجارة والكسب اللامشروع إلا أنها تبقى أفضل من الموت حصاراً. وتظل رحمة لكثيرين يعانون من كل الجوانب. وأهم ما في الأنفاق تحولها الى أنفاق لجمع شمل العائلات وتطبيق و تحقيق جزء بسيط من حق العودة للذين هجرتهم وشردتهم الهجمة الهمجية الصهيونية على كل فلسطين.
في الأيام الأخيرة استطاع البعض من أهل غزة العودة عبر النفق في رحلة شاقة وصعبة لا تخلو من العراقيل والمخاطر. فمن فتحة أحد أنفاق العودة الذي يربط غزة بمصر تمكن العجوز الفلسطيني أبو طارق عبيد البالغ من العمر 72 عاماً من الوصول الى عائلته في القطاع بعد فراق دام عشرات السنين. وبعد انتظار استمر طويلاً على معبر رفح أملاً برحمة عربية مصرية لم تأتِ أبداً. هذا الفلسطيني الذي غادر غزة سنة 1958 عاد ليعيش بقية عمره ثم يموت بين أهله وناسه وليدفن في فلسطين. كاد هذا الرجل العجوز أن يختنق من قلة الأوكسجين ولضيق النفق وأضطر لأن يزحف ويحبو على يديه ورجليه مما تسبب في إصابته بجروح .
كل هذا يحدث لأن الشقيقة مصر الملتزمة باتفاقيات كمب ديفد وبالتنسيق الأمني مع الصهاينة لا تسمح ولن تسمح بعبور الفلسطينيين الى غزة. ولن تقبل بلعب دور قومي مشرف في حل معاناة أهل القطاع.
يقف النظام المصري هذا الموقف السيء والسلبي بالرغم من موقف الشعب العربي المصري المشرف الذي يتظاهر مثقفوه وكذلك نُخبه الوطنية تضامناً مع الاشقاء في غزة. ويحاول هؤلاء ارسال المساعدات الإنسانية العاجلة وتسيّير حملات لخرق الحصار وكسره.
إن أنفاق غزة أمر مشروع في ظل حصار همجي غير مشروع. وإن كانت الأنفاق ستتحول الى وسيلة لجمع شمل أهل القطاع فأهلاً بها. وإن كانت ستكون هي الحل لكسر الحصارين (الإسرائيلي) والمصري أيضاً أهلاً بها. وعلى أهل غزة أن يحفروا الأنفاق لمساعدة أنفسهم على الصمود والحياة والمقاومة والعودة.
بتاريخ : السبت 20-12-2008