هل تكون أحداث حرم جامعة الأزهر المؤسفة سبباً في مصالحة تعثرت طويلاً؟!
بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان
عندما استفقنا صبيحة يومي الأحد والإثنين هذا الأسبوع (25 و26 مارس) على اعتصامات طلابية داخل حرم جامعة الأزهر لعدم تمكن الطلبة من دفع الرسوم الجامعية، ظَنـَّنــــا أن الجامعة التي منذ نشأتها-بإدارتها وحركة الشبية فيها- تصرخ بأعلى الصوت أنها “جامعة الفتح”، و”جامعة أبناء الفتح”، و”جامعة الياسر وأبناء الياسر”، وأنها “جامعة من لا جامعة له”، وأنها “جامعة الكل الفلسطيني”، حتى أننا صرنا نتناوب النوم والاستفاقة على هذه الشعارات التي ما لبثت أن انهارت أمام هراوات حكومة حماس بشرطتها الذكورية والنسائية.
لقد دار الزمان وانهارت هذه الشعارات أمام هذه الهراوات. فالموقف السياسي المعروف لإدارة جامعة الأزهر- التي توصف بأنها جامعة الشبيبة الفتحاوية- ينظر بعين الاحتقار والبغض لهذه الهراوات، ليس لرمزيتها للقمع وممارسة العنف، وإنما لأنها هراوات حمساوية في أيدٍ حمساوية فقط، في حين أن الكرامة الإنسانية يجب أن تنظر إلى خطورة الهراوة كرمز من رموز القمع والعنف أياً كانت اليد الحاكمة التي تمسك بها وتبطش.
لقد شهدحرم جامعة الأزهر في الأيام الأخيرة أحداثاً مخزية بين أبناء الأم الفلسطينية الواحدة، الأم التي أنجبت المدعي، والمدعى عليه، والمعتدي والمعتدى عليه، وابن فتح وابن حماس، وأنصار دحلان وأنصار عباس. إن هذه التناقضات في الديمقراطيات الملتزمة عادة ما تكون تأكيداً على الحق في التعددية دون العدائية، غير أن ما حدث من وفرة في التناقضات داخل حرم جامعة الأزهر إنما هو العدائية للتعددية لتمكين اليد الأقوى من التنكيل برؤوس الضعفاء.
منذ متى تستعين إدارة جامعة الأزهر بحكومة حماس، وأمنها، وشرطتها؟ ألم تمثل حكومة حماس لإدارة جامعة الأزهر ومجلس أمنائها حكومة كيان معاد وقوة ظلامية انقلابية احتلت قطاع غزة بالقوة المسلحة في العام 2007؟! منذ متى يستعين المظلوم بالظالم لنصرته؟ هل اختلفت معايير العدائية ضد حماس في ظل البحث عن مصالحة تائهة؟ أم هل أن موقف الطلبة الموحد والمشرف ضد إدارة الجامعة سيكون سبباً في توحيد حركتي فتح وحماس وتحقيق مصالحة فلسطينية طال تيهها؟! ربما جزافاً، ودون أدنى تخطيط، تتحقق المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس على أرض جامعة الأزهر، ولا عجب في ذلك، فهذه الجامعة جامعة للتناقضات، وهي التي لطالما بثت أروقتها البغضاء لنظام حكومة الأمر الواقع في غزة، وهي التي تجعل اليوم من حكومة الأمر الواقع في غزة حكومة إيجابية حقيقية تضطلع بصلاحياتها في البطش، والاعتقال، والتنكيل بالطلبة الذين يمارسون حقاً كفله النظام الأساسي الفلسطيني الذي يتناقض مع-بل ويقمعه- النظام السياسي الفلسطيني. ما هذا التناقض المخزي؟! فوقتما ترغب إدارة الجامعة في الاعتراف بشرعية حكومة حماس تستقدمها بشرطتها وأمنها لأهداف قمعية، وهي بالطبع لا ولن تتأخر عن هذا الدور، ووقتما تجحد إدارة الجامعة شرعية حماس تستأخرها وتغيبها لأهداف يقال إنها وطنية، وهي بالطبع لا ولن تجاريالجامعة في جحودها هذا.
إن الحكومة التي تقمع تجمعات سلمية، واحتجاجات طلابية، ومظاهرات مناصرة للمطالبة بحقوق وحريات أساسية ما هي إلا حكومة قمع، وإن اليد التي تستعين بهذا النوع من الحكوماتلهي يد ليس لها إلا القطع لأنها يد تسرق حريات وأحلام وطموحات منتفضين على واقع من حقهم أن يرفضوه.
من الذي أوصل الطلبة إلى هذا المآل الكارثي؟!أليست حكومة عباس هي من أوصلهم لهذا الوضع المأساوي المهين؟! أليست حكومة عباس على تناقض بائن من حكومة حماس التي استعانت بها إدارة الجامعة الموالية لعباس؟! ألا تعلم إدارة الجامعة ومجلس أمنائها أن الرئيس عباس الذي يتشدقون باسمه في احتفالات الجامعة هو من يقطع رواتب ذوي الطلبة وأقاربهم إلى حد أنهم سيصبحون تدريجياً موظفين بلا رواتب؟!
إن وقفة الطلبة في جامعة الأزهر على اختلاف أطيافهم وأوضاعهم الاقتصادية،وسجلاتهم المالية سواء ممن استطاعوا دفع الرسوم أو من لم يستطيعوا، لهو موقف طلابي مشرف يعكس كيف يتحد الفقراء في وجه من لا يأبهون بفقرهم، في حين أنه موقف مخز لإدارة الجامعة ومجلس أمنائها وحكومة غزة الذين اتحدوا معاً في موقفهم القامع لاحتجاج طلابي وهو حق كفلته المعايير الدولية وكفله القانون الأساسي الفلسطيني.
أليس التعليم الجامعي المجاني من حق الطلبة الفلسطينيين في الجامعات الفلسطينية؟! وكيف تتنكر السلطة لهذا الحق الذي هو أبسط الحقوق التي كان على السلطة الفلسطينية أن تضمنه في القانون الأساسي الفلسطيني؟!لقد أدى انعدام مجانية التعليم الجامعي في الجامعات الفلسطينية لأبناء الشعب الفسطيني إلى تحويل الجامعات إلى مؤسسات استثمارية لدر الأموال على حساب الجودة في التعليم، حيث التحصيل العلمي الهابط في الثانوية العامة ليس حائلاً أمام الالتحاق الجامعي ما دامت أعداد الملتحقين أكثر فتحصيل الرسوم أكثر، كما أن الرسوم الجامعية تتسبب في خنق اقتصادي لأسر فقيرة أو مستورة تتكبد العيش على الكفاف لتوفر التعليم لأبنائها رغم ضيق الأفق وخنق سوق العمل الفلسطيني الغزي.لماذا تتم نصرة الفقر على الفقراء لا العكس؟! أليس هذا وجهاً من وجوه الفساد؟! واستتباعاً لذلك، أما كان في مكنة السلطة الفلسطينية أن تستغني عن بعض ما فيها من فساد لتدعم التعليم الجامعي، على أن فساد السلطة يعرفه القاصي والداني ولم يعد بحاجة إلى تعريف؟!
من المؤلم حقاً أن نرى الأهالي يهرعون إلى الشرطة حيث يحجز أبناؤهم الطلبة، ويهرعون إلى أقسامالمشافي ليجدوا أبناءهمعلى أسرة المشافي يعانون إصابات في مختلف أنحاء الجسد وبحالات ما بين الحرجة والطفيفة، فيما المعتدي هو نفسه من يعاني من اعتداء السلطة وأعوانها عليه. من المخيب لكل الآمال والتوقعات أن نرى الإنسان الفلسطيني ما زال يستبيح الدماء الفلسطينية بعد أحد عشر عاماً هي عمر الانقسام، وأنه لم يتعلم من درس الانقسام الفلسطيني شيئا، وأن الطرفين اللذين يستيبحان الدم الفلسطيني اليوم ها همايتحدان بالهجوم على طلبة جامعيين، معظمهم من الفقراء، من حقهم الاحتجاج والتظاهر والاعتصام وممارسة الحق في التجمع. إن المأساة كلها تجسدت في جامعة تعليمية تعيدنا اليوم مجدداً إلى مشهد الانقسام الفلسطيني مرة أخرى في عامنا هذا، 2018، فانقسمت الإدارة على طلبتها، وأصبحت جموع الطلبة طرفاً وإدارة الجامعة طرفاً آخر، حيث لم تعد الجامعة مؤسسة موحَدة، إدارةً وطلبة، ومكوناً من مكونات المجتمع المدني. ولكن، ربما تَجْمَعُهذه الجامعةبفعل الأحداث المخزية داخل حرمها بين فتح وحماس “بعد أن كانا يظنان كل الظن ألا تلاقيا”.
كيف يمكن أن نفسر تصالح النفسالتي ظُلِمَت مع النفس التي ظَلَمَت، وتهاون اليد التي كُسِرَت مع اليد التي كَسَرَت، وتقابل الأعين التي دمعت بالأعين التي أدمعت؟! أيمكن للطلبة بعد ما جرى من اعتداءات عليهم أن يطمئنوا على كرامتهم وتعليمهم عندإدارة الجامعة ومن يمثلونها من عمداء، أو رؤساء أقسام، أو بعض المحاضرين الذين تسببوا في جلدهم بأيد يقال لها “أمن الجامعة” وشرطة حكومةكان يعجبهم وصفها في الماضي بالميليشيات؟ أي جبروت لهذه الإدارة التي تصادرالحريات في الوقت الذي هي فيه أكبر المتهجمين على حكومة حماس التي ظلوا يصفونها دوماً بأنها المصادِرة لكل الحريات في قطاع غزة؟! أي تناقض هذا الذي يسمى”مصلحة وطنية”يجمع إدارة جامعة الأزهر ومجلس أمنائها بحكومة الأمر الواقع التي ما سلمت يوماً من وصفهم إياها بالميليشيات الظلامية؟! وأي حكومة هذه التي سرعان ما تلبي النداء لقمع الطلبة غير آبهة بأن من استدعاها لهذه الأحداث المخزية هو من في السابق جحدها وأبشع الأوصاف خلع عليها؟!
أما آخر الكلام، فهل تعترف إدارة الجامعة ومجلس أمنائها لحكومة الأمر الواقع بالجميل على استجابتها لقمع طلبة الجامعة؟! وهل تعترف إدارة الجامعة بأن حكومة الأمر الواقع هي التي حفظت وتحفظ الأمن سواء تحققت المصالحة أم لم تتحقق؟!وهل تؤيد إدارة الجامعة أن منسوبي الأمن والشرطة في هذه الحكومة يحق لهم تقاضي رواتبهم لمحافظتهم على الأمن طوال أحد عشر عاماً مضت؟!
هل تكون أحداث حرم جامعة الأزهر المؤسفة سبباً في مصالحة تعثرت طويلاً؟!
بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان
كاتب وأكاديمي فلسطيني
جامعة الأزهر بغزة
رئيس “جمعية أساتذة الجامعات- فلسطين”