إجهاض صفقة العصر ممكن وواجب – مي أحمد شهابي
صحيح أن هناك اختلال في موازين القوى في المنطقة العربية لصالح إدارة ترامب والعدو الصهيوني، وذلك بفعل ما آلت إليه الأمور بعد إحداث ما سمي بالربيع العربي على الجبهة الشمالية بشكل خاص. وعلى الجبهة السورية بحكم الانشغال في مواجهة الإرهاب والأوضاع التي عاشتها سوريا على مدى السنوات السبع المنصرمة. وانحياز كتلة عربية خليجية وازنة لصالح الرؤية الأمريكية والصهيونية للقضية الفلسطينية. ولكن متى كان ميزان القوى لصالح قوى الصمود والمقاومة؟ والمقصود هنا على الصعيد الإقليمي. إن كل ما جرى هو افصاح علني عن طبيعة المواقف الحقيقية لتلك الدول والذي كان يجري تمويهه بمواقف لفظية. ذلك أن ميزان القوى الحقيقي في المنطقة كان متحققاً بالمواقف الشعبية للشعب الفلسطيني والشعوب العربية معطوفاً عليه ثقل ووزن قوى الصمود والمقاومة التي كانت تعدل الخلل على المستوى العربي الرسمي والفلسطيني. وهو ما يتوقع أن يتصاعد على المدى القريب بعد الانتصارات التي تحققت على هذا الصعيد. مضافاً إليه تخلخل وضعف الموقف الأمريكي على الصعيد العالمي ودخول قوى جديدة دولية في طريقها لأن تضع حداً لاستفادة الأمريكي بالشرق الأوسط وقضاياه، ولا سيما القضية الفلسطينية أن أحسنا الاستفادة منها.
أما على الصعيد الفلسطيني الرسمي فإن الوضع لم يختلف عما هو الحال في المستوى الرسمي العربي، ذلك أنها تخلت عن خيارات الشعب لصالح الخيارات الدبلوماسية والاقليمية، وعبر الإصرار على خيار التفاوض باعتباره الخيار الوحيد، وهو ما أوصل الوضع إلى ما هو عليه. ورغم كل ما يقال عن اتفاق أوسلو السيء الصيت والذي أنهاه الصهيوني والأمريكي، فإن السلطة الفلسطينية لازالت تراهن عليه وهو رهان على الفراغ والخواء الذي وضعت السلطة الفلسطينية نفسها فيه، نقيضاً لوضع الشارع الفلسطيني الذي لم يتوقف عن مقاومة هذه المشاريع بأشكال نضالية متجددة مبتكرة في مواجهة المحتل الصهيوني. من مواجهات القدس الشهيرة والتي ابتكرت أشكالاً لمقاومة السياسات الصهيونية أهمها الوحدة الشاملة للمقدسيين. والمزج بين أشكال الاحتجاج السلمي والمسلح. ومثلها تلك المواجهات اليومية في قطاع غزة والتي ابتدأت تحت شعار حق العودة لتتحول إلى نضال جماهيري آخذاً أشكالاً جديدة من أشكال المقاومة، أرعبت العدو الصهيوني على بساطتها، بدءاً من الطائرات الورقية الملتهبة، إلى توظيف كل أشكال تعبيرات الهوية الفلسطينية في مواجهة المحتل وليصبح مطلب إيقاف إطلاق الطائرات الورقية مطلباً رئيسياً لقوات الاحتلال الصهيوني. وغيرها وغيرها كثير من أشكال النضال الجماهيري التي توجع العدو الصهيوني وتجبره على التراجع والانكفاء. ويكفي المثل الذي أعطته الطفلة الفلسطينية عهد التميمي والتي تحولت إلى أيقونة للنضال الوطني بتصديها للجنود الصهاينة والصفعة التي وجهتها لعنجهية الاحتلال. ومثلها الصبية رزان النجار التي استشهدت وهي تضمد جراح أبطال مسيرات العودة في غزة ومثلهما كثر.
إن كل ما سبق بات يتطلب من كل القوى الفلسطينية أن تعيد النظر ببرامجها السياسية التي مازالت قائمة رغماً عن تبدل الشروط الموضوعية للصراع الفلسطيني ـ الصهيوني، وأهمها الإعلان الصريح لسلطة العدو الصهيوني وتبنيها لسياسات الفصل العنصري. وهو ما بات يوسع جبهة المقاومة لتشمل من جديد كل فلسطين التاريخية. ذلك أن الفلسطينيين ما وراء الخط الأخضر باتوا مهددون وهم على أرضهم كما أهل الضفة وغزة وجموع اللاجئين في كل أماكن تواجدهم. مهددين بكل ما في الكلمة من معنى. تهديداً وجودياً يطال الأرض والهوية والمصير.
ومن هنا تكمن أهمية إعادة بناء وتأطير الحركة الوطنية الفلسطينية بأشكال تنظيمية وسياسية تستجيب للتحديات المفروضة، وهو أمر ليس باليسير ولكنه في الآن نفسه ليس مستحيلاً. كما إن المطلوب ليس إعادة بناء محاور فلسطينية كل منها يرتبط بمحاور إقليمية. بل إعادة توحيد الأطر التنظيمية والسياسية الفلسطينية. وبما يعكس وحدة النضال الشعبي الوطني نفسه. أي إعادة البناء على صورة النضالات الشعبية التي نجحت أكثر بكثير في مواجهة الاحتلال وخططه أكثر بما لا يقاس من الأطر القيادية والرسمية الراهنة برنامجاً وتنظيماً. ودون أن ننسى بأنه لازال للقضية الفلسطينية وقعها وموقعها في أوساط واسعة من الرأي العالمي، وحتى في أوساط دولية نافذة وهو ما انعكس في رفض دولي كاسح لخطوة الرئيس الأمريكي بشأن القدس ورفض لقانون القومية. وهو ما يمكن البناء عليه وتطويره وصولاً لإفشال صفقة القرن ونتائج قانون القومية. صحيح أن هذا يحتاج إلى حوار ونقاش من الجميع، ولكن الأصح أيضاً أن هذا الموضوع لم يعد قابلاً للانتظار إن أردنا الحفاظ على قضيتنا وحقوقنا حية وعلى طريق التحقيق.