سميح شبيب يرحل في دمشق – نضال حمد
تعود بي الآن الذاكرة الى حي الفاكهاني في بيروت الذي كان مقراً للفصائل الفلسطينية حتى الخروج من المدينة بعد حصارها الطويل من قبل الصهاينة سنة 1982. هناك بالضبط في مقر اعلام جبهة التحرير الفلسطينية تعرفت عليه. حيث كان يعمل في جريدة القاعدة اليومية التي كانت تصدر عن الجبهة. ثم عمل في مجلة الأفق، التي صدرت أيضا عن الجبهة. كما عمل في مركز الأبحاث الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية.
في ذلك الوقت كنت لازلت شاباً صغيراً ( 17 سنة) حديث العهد ببيروت المقاومة، وبالكتابة في زمن عج بالكتاب والشعراء والأدباء والإعلاميين الفلسطينيين والعرب.
كانت بداياتي مع النشر في جريدة القاعدة حيث عمل أيضاً الصديق، الأديب الكبير رشاد أبوشاور، والفنان العراقي الراحل حسيب الجاسم، والصديق الأديب والكاتب المرموق خالد عيسى، المقيم حاليا في هلسنبوري، في السويد.. وكان هناك آخرين، ليعذروني فقد غابت عن الأسماء في هذه العجالة التي أكتب فيها عن رحيل سميح شبيب، الذي عاد الى دمشق كي يموت فيها.
بعد الرحيل عن بيروت انشقت جبهة التحرير الفلسطينية، وتفرقنا الى أن التقينا صدفة في تونس سنة 1984. كنا كلانا أنا وسميح على متن الطائرة المتجهة من مطار قرطاج الدولي الى مطار دمشق الدولي.
في ذلك الوقت كانت العلاقات بين الجبهة والنظام في سوريا سيئة، بالرغم من وجود الجبهة وقيادتها وأمينها العام الشهيد طلعت يعقوب ( 1944 – 1988) في مخيم اليرموك بدمشق. فالخلافات الفلسطينية السورية كانت في أوجها، بالذات مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة بفتح وبشخص الرئيس الراحل ياسر عرفات.
المهم في الطائرة قال سميح:
اذا أوقفونا وبالتأكيد سوف يوقفوننا في مطار دمشق، أمل منك أن سألوك أن لا تقول أنني فلسطيني من سوريا. فوثيقة سفري التي أحملها مثل وثيقتك الفلسطينية اللبنانية. فهمت الرسالة وعرفت أن وثيقة السفر التي يحملها سميح ربما تعود لشهيد فلسطيني ما من مخيمات لبنان. ربما تكون مزورة، لكن ليست بالضرورة مزورة، إذ أن بعض أهالي الشهداء كانوا يسمحون للفدائيين الفلسطينيين والعرب من خارج لبنان، بحمل وثائق أبنائهم الشهداء.
قلت له بالتأكيد رفيق سميح، أنا معك.. لا تهتم. لكنني كنت مثله قلقاً من معاملة الأمن في المطار، فلطالما تم ايقافنا لمجرد اننا فلسطينيين أو ننتمي لفصائل فلسطينية. مع أن شعار البلد هو أنها لكل العرب. وهي بالفعل كانت لكل العرب، وخير دليل على ذلك عودة سميح شبيب الى الشام، ليرحل فيها بعد 71 سنة من النكبة الفلسطينية وحياة مليئة بالسفر والتنقل والمنافي.
عندما وصلنا مطار دمشق أخذونا كلانا الى مكتب الضابطة الفدائية فرع من فروع الأمن، مخصص للفلسطينيين. هناك بدأ الاستجواب وانهالت الأسئلة على سميح بالذات. الذي قال لهم أنه فلسطيني لبناني، وأنني أعرفه منذ كنت طفلا في مخيم برج البراجنة. غاب عن بال سميح أنني من مخيم عين الحلوة. لكنهم لم ينتبهوا لذلك، لحسن حظنا… وأنا بدوري أكدت لهم بأن سميح جارنا في مخيم برج البراجنة، كما أنني أعرفه منذ الطفولة. والحقيقة أنه كان جاراً بالفعل، لكن لأقاربي على شارع حسن سلامة في مخيم اليرموك.
بعد توقيف دام عدة ساعات ودونما أي ازعاج إضافي، غادرنا الى مخيم اليرموك… ومنذ ذلك الوقت لم ألتقِ بسميح شبيب الذي علمت أنه كان قبل سنتين زائراً في بولندا لتلقي العلاج فيها.
ترك سميح شبيب خلفه عددا من المؤلفات التي عمل عليها ونشرها منذ سبعينات القرن الفائت وحتى يومنا هذا.
من أعماله:
قضايا ومعضلات حركة التحرر الوطني في العالم الثالث، مشترك، دار الصمود، بيروت، 1978.
• حزب الاستقلال العربي في فلسطين (1932-1933)، مركز الأبحاث، منظمة التحرير الفلسطينية، بيروت، 1981.
• البنية التنظيمية للأحزاب الوطنية الفلسطينية، شرق برس، نيقوسيا، 1988.
• منظمة التحرير الفلسطينية وتفاعلاتها في البيئة الرسمية العربية، شرق برس، نيقوسيا، 1988.
• حكومة عموم فلسطين، مقدمات ونتائج، شرق برس، نيقوسيا، 1989.
• محمد علي الطاهر، تجربته الصحافية في مصر، اتحاد الكتاب، شرق برس، نيقوسيا، 1990
سميح شبيب يرحل في دمشق
نضال حمد
24-6-2019