هكذا ردَّ حزب الله على “الرسالة التركية” – عبدالله قمح
يأخذ البعض على حزب الله اتخاذه القرار بالمشاركة في معركة إدلب إلى جانب قوات الجيش السوري على إعتبار أن جغرافية إدلب غير مترابطةٍ مع الجغرافيا اللبنانية بشيءٍ، وبالتالي تُصبح “إدعاءات الحزب” بحماية لبنان ساقطة، لكن هل سأل أحدهم عن دوافعِ اتخاذِ الحزب لمثل هذا القرار وإستطرادًا هل قرأ أحدهم ماليًا وبعمقٍ ما تمثله إدلب من عقدةٍ عسكريةٍ؟
المشكلة التي لا يمتلك البعض القدرة على مغادرتها تكمُن في الخلطِ بين ما هو سياسي وإستراتيجي فتأتي قراءتهم لأي تحوّلٍ عسكريّ يجريه الحزب من منطلق السياسة فقط ما جعلَ الأخير يستصعب تكرار الشروحات حول أهمية ما يقوم به بفعل تعنّت هذا البعض في تكريسِ ثقافةِ التجاهل ورفضِ السمعِ والفهمِ واستبدال ذلك باستدعاءِ صنوف الاتهامات المُعلَّبة التي تتعارض جوهريًا مع الواقع في الميدان.
وخلافًا لما تدّعيه الاكثرية حول أنّ مشاركة حزب الله أتت بشكلٍ سبق عمليات الجيش السوري في إدلب كإلتزامٍ منه بـ”مصالح إيران الاستراتيجية في سوريا” ما أدى إلى سقوط شهداءٍ من مقاتليهِ، فإنّ الحقيقة تثبت أنّ مشاركة الحزب العسكرية المباشرة في ميدان إدلب جاءَت بعض تعرّضه لـ”ضربةٍ عسكريةٍ تركية غادرة” في ريفِ حلب أودت بحياة 9 مقاتلين في صفوفهِ وأن لا شهداء سجّلوا للحزب في مضمار إدلب.
خلال الأسابيع الماضية، حصرَ حزب الله نشاطه العسكري على إمتدادِ جبهات أقصى ريف حلب حيث له تموضعات ثابتة وقد ساهمَ هناك على نحوٍ لافتٍ في تثبيتِ السيطرة وتوسيعها عبر مشاركة مستشاريه العسكريين في مسائل الإعداد والتخطيط إلتزامًا منه بالدور العسكري الذي يؤدّيه في هذه المنطقة تحديدًا وهو أمرٌ معلنٌ ومعروفٌ وغير سريّ.
لكن ما قلَبَ وجهة نظر حزب الله وأتاحَ دخوله عمق المعركة في إدلب، كان سببه طبيعة إستهداف مبنى كان يضم عناصره في بلدة طلحية في أقصى الريف الحلبي من قبل طائرة مسيرة تركية اوقعَ خسائر في صفوفه، علمًا أنّ تلك القوة كانت تتموضَع ضمن نقطةٍ عسكريةٍ غير متحركةٍ، ثم أنها غير مرتبطةٍ بأي إجراءاتٍ عملانيةٍ في ما كان يجري بإدلب وبعيدة من نطاق عملياتها ، فأعدَّ الاستهداف التركي بمثابة خطوةٍ غريبة ومثيرة لعلاماتِ الاستفهام.
ومن المعلوم، أنّ حزب الله كسائر الوحدات الحليفة المتعاونة مع الجيش السوري، كان يحيّد القوات التركية عن نطاق أي استهدافٍ عسكريّ، وهذا يثبت أن لا نية عدوانية من الحزب تجاه العسكري التركي.
لم يعد سرًا أنّ الجهات التركية وبعد انتشار الخبر تنبَّهت لما أقدمت على فعلهِ، فمرَّرَت عبر اللواء عباس إبراهيم الذي كان في أنقرة ( (راجع ليبانون ديبايت تاريخ 02 آذار 2020)، تفسيرًا لما جرى وأنها لم تكن على علمٍ بوجود مجموعاتٍ من حزب الله قامت باستهدافها ما يعني أنها لم تكن تتقصَّد الحزب، لكن القيادة العسكرية للحلفاء اعتبرت نفسها غير معنيةٍ بأي تفسير من هذا القبيل وعقدت العزم على ردّ الاعتبار.
من هنا، كان الثمن لدماء شهداء حزب الله على وزن قرارٍ بالدخول في معترك معركة إدلب بشكلٍ مباشر على نحوٍ أوحى أن حزب الله مقبلٌ على افتتاح نسخةٍ ثانيةٍ من “معركة القصير” ضمن المفاهيم العسكرية والاستراتيجية المطبقة نفسها في الأولى، وأنه في صدد “كسر” الخططِ التركية.
وقد حدَّدَ حزب الله توجهاته. وضعَ صلب اهتماماته في جبهة سراقب التي وضع التركي ثقله من أجل حمايتهما وعدم تمكين القوات السورية من الوصول إليها، فكانت “عقدة تركية” فضلاً عن الميزة التي تتمتع بها كـ”عقدة مواصلات” أوجبت على حزب الله تفكيكها.
سريعًا فعَّلَ الحزب خططه العسكرية وشاء أن يقلبَ المعادلات العسكرية المعمول بها، عبر التزامه خطة هجوم يجري تطبيقها في الظلام تتولى تنفيذها وحدات خاصة من قوات النخبة جرى تزويدها بمعداتٍ تُحاكي العمل في بيئةٍ مماثلة ما أتاحَ لحزب الله تحقيق هدفَيْن استراتيجيَيْن:
الأول، تمكّنه من السيطرة على سراقب في عمليةٍ أتمّها بيومٍ واحدٍ مارسَ فيها عملية الاقتحام والإنزال والالتحام المباشر مع المسلحين ما دفعهم الى الانسحاب منها.
الثاني، إبراز قدراته القتالية على صعيد التقدم في مسرح قتال في الظلام الدامس أعطته التقدم وجعلت وسائل الاعلام الاسرائيلية تسلط الضوء على هذا النموذج الجديد المتبع وإسقاط قراءتها على احتمالات تنفيذه وتطبيقه في أي معركةٍ مقبلة بين اسرائيل وحزب الله.
وفي وقتٍ يسجل للعدو سعة صدره في قراءة الآثار المُحتَمَلة لمشاركةٍ عسكريةٍ من هذا النوع وإنعكاساتها على سلم قدراته، كان يفترض على الشريك في الوطن قراءة الابعاد الاستراتيجية القابضة على معركة إدلب والبناء على خشية الاسرائيلي منها وعدم اللجوء الى التبخيس والتفخيت وإدعاء ما هو غير موجودٍ.
يشاء البعض استثناء البعد الاستراتيجي لحضور القطعات المسلحة ذات التوجهات الجهادية في إدلب، فهذه وإن حُكمت بالراحة الميدانية وتُرِكَت على هواها، لها القدرة على التمددِ نحو نطاقٍ أوسع من مكان وجودها وتستطيع بالتالي أن ترث دور تنظيم داعش حين كانت قيادة موجودة في الرقة تتولى مهام إدارة خلاياها المنتشرة على بعد آلاف الكيلومترات.
بمعنى أوضح، كان يُمكن للقيادة الجهادية في إدلب تحريك مجموعات موزعة في لبنان فيما لو كانت تتمتع بإستقلاليةٍ ميدانيةٍ بشكلٍ أكبر، رغم ذلك، تؤكد معلومات أمنية ملاحظة نشاطات لخلايا متعدّدة الرؤوس تدين بالولاء لـ”السلفية الجهادية” خلال الفترة القصيرة الماضية.
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح