السفيرة الأميركية تلاحق وزير الصحة – عبدالله قمح
ليس سرًّا أنّه حين وطئت السفيرة الأميركية دوروثي شيا تراب “عوكر” إنتابَ شعورٌ لدى عموم الساسة أنّ مرحلة جديدة إفتتحت أو تكاد في لبنان ربطًا بـ “CV” الوافدة الجديدة المعتادة على إقحام نفسها من “خرم إبرة” ملفات المنطقة.
في تل أبيب حين تولت مهامها الدبلوماسية خبرها الاسرائيليّون والفلسطينيّون.. وهكذا حازت باكرًا على درجة “صقور” بين السفراء الذين سبق وأن اعتمدوا في لبنان.
البعض ذهب إلى محاولة إدراجها على قائمة الاختبار سعيًا خلف فهم جيناتها ومدى إرتباطها بالأسلافِ. سريعًا، ظهَرَت النتائج. تكاد تكون شيا أقرب إلى جيفري فيلتمان وأبعد من “ستيل” اليزابيث ريتشارد، مع صفةٍ خاصة تحملها “حبّ الظهور الإعلامي”.
شاءت الصدف أنه وحين عزمت شيا على دخول المعترك اللبناني بصفةِ سفيرة، كانت “طبخة” عامر الفاخوري قد استوَت. نحسب أنّ الظرف ساعدها في بلورة صورة مختلفة وما اسعفها في ذلك أنه وحين شمرت عن ساعديها طلبًا للعميل الاسرائيلي لبّيَ لها وتولت جوقة السفارة تظهير “الإنجاز” بصفةِ “إنتصارٍ” أسَّسَت له “سفيرة ذات أنيابٍ”. مذذاك فُهِمَ أننا أمام شخصٍ مختلف أظهر وجود إنطباعٍ بأنّ الادارة الاميركية أمام نسخةٍ منقحة من سياساتها المعتمدة في لبنان.
حزب الله بصفته الجناح المستهدف من خلفِ نشاطِ السفيرة فهم ما يجري تحضيره باكرًا. أدركَ أننا أمام حالةٍ مختلفة، ودوّن في سجله بعض النقاط التي تفيد في قراءة طبيعة السفيرة مستقبلًا، ثم خلص في المبدأ إلى أنّه أمام سفيرة تشبه الرئيس الاميركي دونالد ترمب من ناحية الاهتمام بالظهور الاعلامي بل تهمها صورتها الاعلامية وتسعى جاهدة إلى حجز مكانٍ لها في دائرة الاهتمامات.
هذا في الشكل، أما في البعد السياسي، فإنّ من يتابع أداء الحزب خلال الأسابيع الماضية يلاحظ حجم إهتمامه بنشاطِ السفيرة، وعلى الأرجح أخضع حضورها الأخير من خلال اللقاءات والجولات والمؤتمرات التي أجرتها لمتابعةٍ دقيقة ومباشرة وشاملة في محاولةٍ منه لرصدِ أي إنعكاساتٍ أو تغيّراتٍ قد تحصل على الأرضِ تفيد في ربطِ المسائل بين بعضها. وأمكن القول بعد سيل الملاحظات الاولية أنّ الحزب أدركَ أنّ خصمه “صاحبة” مشروع مختلف، فلا ربط نزاع بين الضاحية وعوكر.
بدورها، شيا تحسب لحزب الله حسابًا. باكرًا، أخذت تدقق في مستوى حضوره داخل السلطة والإدارة بشكل عام ومقارنته بين اليوم والأمس وما لدى السفارة من معطياتٍ، ولعلّ أكثر ما يأخذ السفيرة الآن درجة حركة وزير الصحة حمد حسن الذي وبحكم القراءة الاميركية، يتمتع بصفةِ ممثل حزب الله داخل السلطة التنفيذية.
لا شكّ أن وزير الصحة حجزَ لنفسه مكاناً مختلفاً في نظر جميع الملحقين الدبلوماسيين في لبنان. دون غيره، حازَ على تنويه دبلوماسي محلي – دولي ربطاً بأدائه ودوره في مكافحة تفشي كورونا، شيء من هذا القبيل يُزعج السفارة الأميركية لكون الوزير محسوب على دائرة حزب الله.
لكن طبعًا شيا محكومة بإطارٍ لا يُمكن تجاوزه، هو أنّ وزير الصحة مكلف إدارة ملف “مواجهة كورونا” والبرغماتية الاميركية تقودها تلقائيًا صوب فتح أبواب تعاونها مع الوزارة تحديدًا. شيءٌ مثل عقدة بالنسبة إلى “عوكر” التي لا تدرج الفصل بين الحزب ووزرائه على جدول أعمالها لذا انكبت على ابتداع طرقٍ ملتوية لفتح اعتمادات المساعدة الطبية لصالح وزارة الصحة بأسلوب “المواربة والالتفاف” أي من دون العبور بقناة الوزير وموافقاته.
شيءٌ فهمه وزير الصحة باكرًا، ويبدو أنّه تعامل معه وفق قاعدة البراغماتية نفسها التي تعامل بها إثر حضور شيا إجتماع السفراء في بعبدا، ولو أنه بات يشهد على مزاحمتهِ من قبل عوكر في مجال مكافحةِ “الوباء” وإظهار الحضور الاعلامي للمساعدات الاميركية من خارج بواباتِ وزارة الصحة!
الإهتمام “السفاراتي” بحضور الوزير يتوسّع نحو دائرته الحركية حيث لمشواره خارج أسوار وزارته قراءات خاصّة لدى عوكر.
أحد المجالسين الدوريين للسفراءِ الأميركيين وهو بالمناسبة نائبٌ سابقٌ و”منظرٌ” في الحقل السيادي، ينقل عن شيا امتعاضها من رؤيةِ وزير حزب الله في الحكومة حمد حسن -على فرضِ أنها حكومة حزب الله- يصول ويجول في البلدات المسيحية وينال الدعم في مشروعه لمكافحةِ “كورونا”. هنا تسأل عن معارضي الحزب في البيئة المسيحية وسبب استقالتهم عن مواجهة تغلغله في “البيئة السيادية”. مشهدٌ يُظهِر كمية “الهلع” من دور حزب الله ولو أتى تحت جائحة كورونا.
رتب “الحضور البشراني” إهتمامًا خاصًا لدى السفارة الاميركية. ثمة من يربط المزاحمة في المساعدات بالدور الذي يؤديه الحزب عامة ووزارة الصحة المسمية عليه خاصة في المناطق المسيحية على وجهٍ دقيقٍ، لو أنّ البعض يجد في المزاحمةِ تراكم فوائدٍ لمصلحة الحدِّ من إنتشار الوباء محليًا، فضلاً عن آخرين أخذتهم الحمية لطرح سؤال حول إحتمال حضور “الوزير” مناقشات الزيارة التعارفية في معراب؟
يبدو الالتباس سائدًا. “الحرب البادرة” المشتعلة بين الضاحية وعوكر مرشحة لبلوغِ مستوياتٍ أكبر. ثمة من يخشى على الوضع وإحتمال أن تسودَ “طبائع المواجهة” الحالة اللبنانية برمّتها. هنا نحن وفي ظلِّ الظروفِ الحالية أمام عودةٍ محتملة إلى نموذج 2006 – 2008 الذي أداره فيلتمان وانتهى بسقوطِ جماعتهِ في السابع من أيار.
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح