هآرتس / لماذا بدأ حزب الله فجأة يهدد باحتلال الجليل / بقلم: عاموس هرئيل
من صحافة الصهاينة المحتلين
هآرتس / لماذا بدأ حزب الله فجأة يهدد باحتلال الجليل / بقلم: عاموس هرئيل
برغم أنه تضاءلت جدا في السنوات الاخيرة احتمالات أن تنشب حرب مدبرة بين اسرائيل واحدى جاراتها، ما زال يوجد بحسب تقدير كل الأذرع الاستخبارية خطر نشوب حرب غير متوقعة وغير مراقبة قد تكون نتاج عدم الاستقرار العام في المنطقة. وبين كل هذه السيناريوهات فان الأكثر احتمالا وإقلاقا بالنسبة للجيش الاسرائيلي يتعلق بمواجهة حزب الله.
تشكل بين الطرفين في الحقيقة توازن ردع متبادل منذ انتهت حرب لبنان الثانية قبل ثماني سنوات تقريبا، لكن يكفي أن ننظر في أحداث السنة الاخيرة – هجوم جوي على قافلة سلاح في لبنان واغتيال مسؤول كبير من حزب الله تنسبه المنظمة الى اسرائيل، وتهديدات تزداد من قيادة حزب الله، وتفجير عبوة ناسفة كبيرة في مزارع شبعا وسلسلة عمليات في هضبة الجولان تظن اسرائيل أن حزب الله له صلة بها – ليشهد ذلك بأن الهدوء على الحدود لن يستمر بالضرورة زمنا طويلا.
كيف ستبدو حرب لبنان الثالثة اذا نشبت وحينما تنشب؟ تقول الفكرة المقبولة في الجيش الاسرائيلي إن حزب الله سيريد تكرار الاستراتيجية التي ضمنت له ما يشبه التعادل مع اسرائيل في الجولة الاخيرة في 2006 وهي النصر بواسطة عدم الهزيمة. فالمنظمة ترى نفسها أنها انتصرت في المعركة بفعل حقيقة أنها استمرت على اطلاق قذائف صاروخية على اسرائيل مدة 34 يوم قتال ولم ترفع راية بيضاء في مواجهة تقدم قوات الجيش الاسرائيلي في جنوب لبنان. ولهذا من المنطق أن يريد حزب الله في المرة التالية ايضا تكرار ذلك الانجاز بأن يحارب الجبهة الاسرائيلية حرب استنزاف باطلاق عشرات آلاف القذائف الصاروخية مدة طويلة نسبيا وأن يعوق في الوقت نفسه عمل الجيش الاسرائيلي في داخل لبنان ليمنع اسرائيل من نصر حاسم.
في مقالة مهمة نشرت مؤخرا في المجلة العسكرية “معرخوت”، عرض ضابط في شعبة الاستخبارات، هو المقدم ن. (لم تنشر المجلة اسمه الكامل)، سيناريو بديلا. فيجب على اسرائيل كما يرى ن. أن تأخذ في حسابها امكان أن يكون حزب الله غير استراتيجيته وأنه يريد من الآن أن يقوم عليها بمعركة من نوع يختلف تمام الاختلاف. ويكتب ن. أنه توجد شواهد على أن حزب الله يفكر في العمل على تقصير مدة المعركة في المرة التالية باجراءات برية في داخل اسرائيل. وينسب ن. الى ذلك تصريحات قيادة المنظمة الجديدة نسبيا في شأن خططها لـ “احتلال الجليل”. وبرغم أن هذه التصريحات تبدو مغرورة وربما غير واقعية فانه يجب على اسرائيل أن تعطيها الوزن المناسب لأنها قد تشهد على مقاصدها.
يُحسن ن. تحليل ما وقع في 2006: فهو يكتب أن استراتيجية “النصر بواسطة عدم الهزيمة” عبرت عن فهم عميق لدى حزب الله لتفوق الطرف الاسرائيلي – التفوق التقني والاستخباري والجوي وقدرات على الاصابة دقيقة فتاكة. وأدرك حزب الله مع ذلك ايضا نقاط ضعفنا وهي الحساسية الشديدة بأمر المصابين عن جانبي المتراس، وعدم الرغبة في اجراء معارك طويلة والحاجة الى احراز نصر حاد واضح. ولذلك أراد حزب الله أن يُطيل القتال وأن يُظهر حقيقة أنه صمد فيه حتى النهاية.
تُرجمت تلك الافكار الى ثلاثة مباديء عملية وهي تحسين القدرة على التحمل والصمود (بالاختباء في الملاجيء تحت الارض والقرى و”المحميات الطبيعية” في المناطق المفتوحة)، وضرب الجبهة الداخلية المدنية الاسرائيلية (بشراء كثيف لقذائف صاروخية من طرز مختلفة) وبناء قدرة على تعويق تقدم الجيش الاسرائيلي (بعبوات ناسفة وصواريخ مضادة للدبابات وراجمات صواريخ). واستمر حزب الله منذ أن انتهت الحرب على شراء الوسائل وتعزيز قدرته العسكرية لكن ذلك تم في ظاهر الامر في اطار تلك التوجهات التي كانت تميزه في الحرب وفي أساسها فكرة الاستنزاف. وفي الوقت نفسه يستعد الجيش الاسرائيلي لمواجهة عسكرية اخرى ببناء قوته التي تقوم على فهم نوايا حزب الله. وعلى ذلك ستطمح اسرائيل الى تقصير أمد المعركة والى أن تضرب بصورة سريعة دقيقة أهدافا كثيرة للمنظمة بقدر المستطاع وأن تضائل قدرتها على ضرب الجبهة الداخلية.
في 2011 بدأ حزب الله يعبر عن فكرة تتجاوز استراتيجية الاستنزاف. فقد نشر في موقعه الرسمي في الشبكة عرض تحت عنوان: “الجليل – مكان المواجهة التالية مع العدو”. ويرى ن. أن تلك شبه خطة عملياتية لاحتلال الجليل تشمل وصف تضاريس الجليل والمدن المركزية فيه وأهدافا يمكن الهجوم عليها (قاعدة تنصت، وقواعد سلاح الجو ومصافي النفط في حيفا وغيرها). وبعد ذلك بسنة هدد الامين العام لحزب الله حسن نصر الله في عدد من الخطب بأنه سيأمر مقاتليه “باحتلال الجليل”. وفي آب 2012 جرى تمرين كبير لحزب الله بمشاركة نحو من 10 آلاف مقاتل. وجاء في الصحف اللبنانية أن التمرين اشتمل على سيناريو هجوم على الجليل.
يعتقد ن. أن السؤال الذي يجب أن يُسأل ليس هو هل حزب الله قادر على تنفيذ هذه الافكار بل ما الذي تدل عليه حقيقة أنه مشغول بها. وهو يرى ذلك اشارة تحذير تشهد على “تغير المبدأ القتالي عند حزب الله”، وينسب التغيير الى التحولات الجوهرية التي حدثت في المحيط الاستراتيجي الذي تعمل فيه المنظمة. إن هذه التحولات تضطر حزب الله الى “تغيير فكرته التنظيمية – من محاولة إطالة مدة المعركة الى محاولة تقصيرها بقدر المستطاع”.
يرى ن. أن المنظمة تفضل التمسك بالاستراتيجية القديمة التي أفضت من وجهة نظرها الى انسحاب الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان في 2000 والى انجاز في الحرب في 2006. لكن يجب عليها أن تأخذ في حسابها التغييرات التي حدثت في السنوات الاخيرة. وباختصار أصبحت المنظمة مؤسسية وهي تشارك الآن مشاركة أكثر فاعلية في الساحة السياسية اللبنانية (في الداخل والخارج)، وهذه حقيقة تلقي عليها مسؤولية عما سيحدث في الدولة اذا هاجمتها اسرائيل.
والى ذلك كان حزب الله في الماضي يعتمد على تصور عام عبرت عنه خطبة نصر الله الشهيرة فوراً بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي في 2000 وهو أن المجتمع الاسرائيلي يشبه “خيوط العنكبوت” وهو غير قادر على تحمل خسائر. وتضعضع ذلك التصور بسبب العمليات الهجومية الاسرائيلية في المناطق (عملية السور الواقي في 2002) وفي لبنان وغزة (عملية الرصاص المصبوب في 2008). وأصبحت المنظمة ايضا أقل ايمانا بامكان أن يتدخل المجتمع الدولي من اجلها ليوقف الحرب. وقد فقدت السند السوري لأن سوريا مشغولة بالحرب الأهلية الجارية في الدولة وعليها على كل حال أن تُقسم جهودها بين الحرب في سوريا وصراع العصابات المسلحة السنية التي تعمل ضدها في الداخل وحربها للجيش الاسرائيلي.
يوجد ايضا جانب ايجابي بالنسبة لحزب الله وهو أنه حشد تجربة كبيرة في المعارك في سوريا وهو قادر على أن يستعمل الآن أطرا محاربة أكبر ووسائل أكثر تعددا. ويرى ن. أن المشاركة في الحرب في سوريا تُقرب المنظمة من تبني تصورات هجومية في معركة على اسرائيل ايضا. ومعنى ذلك أن حزب الله قد يسعى الى مواجهة عسكرية من نوع مختلف، فبدل رد على المبادرة الاسرائيلية ومواجهة الطوفان، تكون المبادرة الهجومية والاجتياحات البرية وهجوم أكثر تنوعا على أهداف في داخل الارض الاسرائيلية.
اذا غير حزب الله استراتيجيته حقا فستكون لذلك آثار جوهرية بالنسبة لاسرائيل لأن الجيش الاسرائيلي سيضطر الى أن يأخذ في حسابه امكان أن يحاول حزب الله تقصير مدة المعركة باقرار حقائق على الارض مثل اجتياح بلدة في الجليل؛ أو اعداد الجبهة الداخلية لهجوم مركز على الحدود، والاستعداد ايضا لامكانية أن يختار حزب الله بدء المواجهة العسكرية بهجوم مفاجيء قد يكون محاولة لانهاء الحرب قبل أن تبدأ بالفعل.
* أطلس – الصفصاف