ليبيا، نموذج تدهور الوضع العربي مليشيا لكلِّ طرف أجنبي، وإمارة لكل مليشيا
الطاهر المعز
أصبحت ليبيا، منذ تدخّل حلف شمال الأطلسي، ومصر وصهاينة العرب بالخليج، وغيرهم، مَرْتَعًا للجيوش والقوى الأجنبية، ومليشياتهم المُسلّحة، التي نهبت ثكنات الجيش الليبي، بإشراف الجُيُوش ومكاتب المُخابرات الأمريكية والأوروبية، وأذنابها، وتم تقسيم البلاد إلى ثلاث “إمارات”، تحكمها مليشيا مسلّحة، جميعها رجعية، تابعة لقُوى أجنبية، ومُتناحرة فيما بينها، لتحقيق أهداف شركات ودُول أجنبية، وأوردت وكالات الأخبار، يومَيْ 10 و 11 أيلول/سبتمبر 2020، بعض الأنباء التي تُقَدّم صورة، غير شاملة، عن الوضع:
الخبر الأول عن وكالة “رويترز” 10 أيلول/سبتمبر 2020
أوْرَدَتْ وسائل إعلام محلية، نقلاً عن “المؤسسة الوطنية للنفط” (10 أيلول 2020) خَبَر وفاة شخص مُسَلّح، وإصابة آخر بجروح، إثر تبادل إطلاق نار، تُوِّجَ باحتلال حقل “الشّرارة” النفطي، من قبل مليشيا مسلحة، يوم الأحد 06 أيلول/سبتمبر 2020.
بالتوازي مع محاولة المليشيات احتلال المزيد من المواقع الإستراتيجية، يُجري ممثلو مختلف المليشيات محادثات في المغرب، وأكّدت تصريحات بعض المُشاركين، والبيان الختامي لِلِّقاء، التوصل إلى اتفاق بشأن تقاسم المناصب، على أن تُستأنَفَ المُساومات، خلال الأسبوع الأخير من شهر أيلول/سبتمبر 2020، “لِبَحْثِ تفاصيل التَّوصُّل إلى تسوية سياسية شاملة في ليبيا”، ولكن هذا اللقاء وهذا الإتفاق ليس الأول من نوعه، حيث أعلنت نفس الأطراف (العميلة كُلُّها) سنة 2015، عن اتفاق سلام مُماثل، في مدينة “الصخيرات” (المغرب)، لكنه لم يُطَبّقْ.
في نفس الفترة ( 10 و 11 أيلول 2020)، أشرفت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، على لقاء استشاري، سياسي، بمدينة “مونترو” السويسرية، بين نفس الأطراف المُجتمعة في المغرب، التي أعلنت “اتفاق المُشاركين على إجراء انتخابات خلال 18 شهراً والبدء بإعادة تشكيل المجلس الرئاسي الليبي وتشكيل حكومة وحدة وطنية…”، لكن هل يتحكّم المُشاركون في هذه اللقاءات في أجَنْدَة الأطراف الخارجية (أعضاء حلف شمال الأطلسي بدرجة أولى، وعملاؤهم العرب)، إذ سبق أن أعلنت نفس الأطراف المتحاربة (من أجل مصلحة أطراف خارجية) يوم 22 آب/أغسطس 2020، “وقف إطلاق النار بشكل فوري وكامل وتنظيم انتخابات، في كافة أنحاء البلاد، سنة 2021 “، وتوقفت المعارك الطاحنة، بين الإخوان المسلمين (طرابلس وغرب البلاد)، التي تدعمها تركيا وقَطَر، وقوات شرق ليبيا التي تدعمها مصر والسعودية والإمارات، ودارت تلك المعارك من أجل السيطرة على مدينة “سرت” ومحيطها، للتحكم في حقول النفط وموانئ التصدير في شرق ليبيا.
تراقب السفن الحربية، الأوروبية والأطلسية، الوضع في البحر الأبيض المتوسط، وتتدخل من حين لآخر، لفَرْض توازن يُفيد مصالح شركات المحروقات وغيرها.
الخبر الثاني عن وكالة “رويترز” 11 أيلول/سبتمبر 2020
بينما كانت الوفود مُجتمعة في الفنادق الفخمة، والقاعات المُكَيَّفَة في المغرب وسويسرا، كان العديد من سُكّان بنغازي (تحت سيطرة مليشيات مسلحة مدعومة من مصر والخليج، باستثناء “قَطَر”) يحتجّون، يوم الخميس، العاشر من أيلول/سبتمبر 2020، على الإنقطاع المُسْتَمِرّ للتيار الكهربائي (خاصة منذ بداية العام 2020)، وعلى الظروف السّيّئة للمعيشة، وقام المتظاهرون بإشعال إطارات السيارات، وبإغلاق الطّرقات، وكانت مدينة طرابلس قد شهدت احتجاجات مُماثلة، خلال شهر آب/أغسطس، بسبب انخفاض إمدادات الكهرباء، في ذروة موسم الصيف الحار جدًّا، وبسبب تدهور مستوى المعيشة وسط غياب الرعاية الصحية، وارتفاع عدد حالات الإصابة بوباء “كوفيد 19“.
لم تتفق الدّول الأجنبية بَعْدُ، منذ آذار/مارس 2011، على تقاسم ثروات ليبيا، وعلى السيطرة على البلاد الشاسعة (حوالي 1,8 مليون كلم2 ) موانئها، وعلى حدودها المُتاخمة للبحر الأبيض المتوسط، وتونس والجزائر والنيجر وتشاد والسودان ومصر. أما الجامعة العربية (العِبْرِيّة؟) فأصبحت أداةً بيد آل سعود، لدعوة القوى الإمبريالية والكيان الصهيوني لتغيير الأنظمة العربية، واحتلال بلاد العرب، وتلعب معظم الأنظمة العربية دَوْرَ الواشي والعميل لتقسيم ليبيا وسوريا واليمن والعراق، وغيرها، فيما يدعم الإخوان المسلمون (في الحكم وخارجه) الإحتلال التّركي لبلادنا، في العراق وسوريا وليبيا، ويُقدّمون مصالح تركيا على مصالح الشعب المغربي، والتونسي، وغيرهما، ما يجعل من التّيّارات الرجعية العربية، (الأنظمة وتيّار الإخوان المسلمين)، عَدُوًّا، لا يقل خَطَرًا عن الإمبريالية والصّهيونية…