حماس “الجديدة” – خالد بركات
إستمعت إلى مقابلة أجرتها فضائية “روسيا اليوم” مع الأخ موسى أبو مرزوق القيادي المعروف في حركة حماس الذي كان يزور موسكو قبل أيام وقرأت ملخص مقابلة صحفية أجراها موقع “ميدل إيست آي” باللغة الانجليزية مع الأستاذ إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة، وقرأت تصريحات ومواقف صادرة عن قيادات الصف الأول في الحركة كانت كلها أكثر من كافية للتعبير عن الموقف الرّسمي لحركة حماس “الجديدة”، وبعد..
من الواضح أن الاخوة والاخوان (فتح وحماس) كانا يسيران معاً في طريقهما إلى “شراكة كاملة” في السلطة والمنظمة كما يقولان للشعب الفلسطيني. واذ يتوجس البعض ويخاف البعض الآخر فمن حق الناس التعبير عن مخاوفها والتشكيك في الأمر كله واعتباره ” شهر عسل بين قوى السلطة” أو البحث عن مخارج لأزمة الحركتين لتأمين مصالح وامتيازات قيادتها، ففي كل مرّة يشتد فيها حبل الود والوصال بينهما، برعاية جهاز مخابرات عربي،لا يلبث أن ينقطع الحبل من جديد ثم تدفع الجماهير الفلسطينية كل الفاتورة والحساب، خُصوصاً فقراء الشعب ومن لا سند أو قبيله لهم..
وتعود حليمة إلى عادتها القديمة
وإذا كان “مفهوما” أن الجماهير في أي مكان تدفع كل ثمن الحرب والصراع والتدافع على السلطة، فهل ستدفع الجماهير الفلسطينية ثمن “المصالحة” و “الوحدة” أيضاً؟
يُشكل الطرفان، معاً، الجناح اليميني المحافظ في “الحركة الوطنية الفلسطينية”إذا جاز التعبير، ومع غياب الجناح اليساريّ الثوريّ المقاوم باتت السياسة الفلسطينية بجناحين وكلاهما على اليمين،فإذا حرد أيّمنهما – أو كلاهما – تحل المصيبة والكارثة وتنهار “المصالحة الفلسطينية”. إن التهمة المتبادلة بين الطرفين جاهزة مثل مبررات المصالحة الجاهزة سلفاً أيضاً حتى صار خلافهما على السلطة، أو اتفاقهما، يشكل أقوى سلاح في يد الصهاينة وقبضة المحاور الموزعة بين أنظمة النفط والتطبيع والخيانة. كما أصبحت التنازلات الفلسطينية الرسمية مبرر الآخرين والشماعة التي يعلق عليها النظام العربي الرسمي كل هزائمه وجرائمه بحق فلسطين.
بديهي القول أن كل زواج مثل كل شراكة وعلاقة، بالحلال طبعاً، تستوجب “اتفاق” و”بيان” و “شُهّاد” و”معازيم” وسحيجة من كل الألوان، وإلا كيف سيكتمل العرس ويجري الإشهار الشرعي؟ هذه إجراءات ومراسيم لا بد منها تأتي بعد “الخطبة ” وقراءة الفاتحة.. كل الطقوس تمت بحمد الله وتوفيقه ورعايته في رام الله وبيروت والدوحة والقاهرة وعمان، نعم، ولقاء عباس مع الفصائل الفلسطينية في رام الله؟ كان بتوفيق من رب العالمين أيضاً!
أعترف:
لم أتوقع هذا الهبوط الصاروخي السريع في موقف قيادة حركة حماس،لم أشعر بضرورة نقد موقف حماس، إلا في الفترة الأخيرة،في الوقت ذاته لا بد من الصراحة، والقول بأن موقف قيادة الحركة في الواقع نسخة مكررة تجترها كل الفصائلالفلسطينية تقريبًا،بل إن موقف حماس متقدم ومفهوم أكثر من غيرها؛فالحركة لم تشذ عن القاعدة. نحن نعرف كيف كان البعض في الفصائل يمارس ضغوطاً على حماس باسم “الموقفالوطني” ليدفعها نحو مواقع اللاوطنية، في وقت كان من المفروض دفع الحركة إلى مواقف أكثر جذرية!
واليوم ينتظر القوم الانتخابات الأمريكية..
حماس الجديدة:
أبو العبد هنية يقول حرفياً ما يقوله بعض “قيادات حزب العمل الصهيوني”، يقول حرفياً “اتفاقية أوسلو ماتت بعد أن قُتل من وقعّا عليها، رئيس الحكومة الإسرائيلية اسحاق رابين، وقائد منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات “،هذا تطور على موقف الحركة،لكنه تطور سلبي للخلف، البعض في السلطة قد يراه “وصول حماس إلى سن الرشد والنضوج”؛إذ كلما تنازلت أغدقوا عليها بالمديح وشجعوها أكثر، هذه لعبة قديمة ومجربة، إسالوا حركة فتح!
يقول هنية أيضاً إن “الحركة عندما أطلقت وثيقتها السياسية التي عبرت فيها عن استعدادها لإقامة دولة على حدود 1967، فعلت ذلك شريطة ألا يتم التخلي عن حقوق الفلسطينيين”، ألا يتضمن هذا الموقف موافقة ضمنية على حل الدولتين؟ ثم هذا الموقف، اليوم، يشبه حال “اللي رايح على الحج والناس راجعة! كما يقول المثل الشعبي الفلسطيني، أي دولة هذه في حدود 67 التي تبشرنا بها أكثر الفصائل؟“
سؤالنا لأبو العبد الذي نحترمه ونقدره:
إذا مات أوسلو حقاً،فأين ذهب كيان أوسلو في “المناطق”؟ اللغة بقدر ما تستر تكشف أيضاً..فماذا تغيرّ جوهريًا على موقف فريق أوسلو منذ العام 1993 غير أنه صار أسوأ ألف مرّة؟ وماذا تغير حتى تتغير مواقف القوى التي رفضت أوسلو ونهج التفريط والاستسلام والتنسيق الأمني؟وهل يوافق أنصار وكوادر قوى المقاومة الفلسطينية بأن اتفاقية أوسلو ماتتبعد مقتل رابين وعرفات؟ماذا تُسمي هذه الأجهزة الموجودةفي رام الله؟ لا أظن أن هذا هو موقف الحاضنة الشعبية الفلسطينية التي تحمي المقاومة وتدفع كل استحقاقات الصمود..بما في ذلك أموال الزكاة!
ماذا يريدنا الأخ أبو العبد أن نستتنج من هذه العبارات والمواقفالجديدة التي دخلت على قاموس الحركةوغيرها من عبارات أكثر وأشد خطورة؟ لماذا نسي اسم الذي هندس مسار التسوية ووقع علىاتفاق أوسلو؟ اسمه محمود عباس ، شريكحركة حماس في المصالحة والحكومة والسلطة.. رئيس الفصائل!
اللغة مشكلة،ويخافبعض المثقفين الفلسطينين وقيادات الصدفة من التورط في كتابة رأيهم في مقال واضح أو حتى ” بوست” قصير على مواقع التواصل الاجتماعي،فإذا كتب أحدهم موقفه ليبرر “الانتخابات” هرب إلى لغة كلها هرتلة وهذيان وغمغمة، فلا تعرف لها وجهاً من قفا، ويفضل الذهاب إلى استوديو عند مذيعة في قناة من قنوات المحاور، هناك يشبحربع ساعة وينتهي الأمر،ألا يتعلموا من المدعو حسين الشيخ؟ هذا عصفور قديم وذكي جدًا؛ عصفور لا يكتب ولا يقرأ.. يُغرّد فقط !
أما حديث الأخ موسى أبو مرزوق إلى قناة “روسيا اليوم” حين تسمعه تقول في سرّك: يا محلا أبو العبد والشيخ العاروري؛الرجل بدأ حديثه عن دور روسيا التاريخي في دعم الشعب الفلسطيني، لأن روسيا، كما يقول أبو مرزوق، “شاركت في إطلاق مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991 الذي عُقد برعاية مشتركة مع الولايات المتحدة”!
وتحدث أبو مرزوق عن ملفات كثيرة بحثها مع الجانب الروسي مَلفاً مَلفاً كما يقول، والآثار التدميرية لمشروع الضم الذي يستهدف “الحلول المستقبلية التي كان مسارها واضح في إنشاء حل الدولتين” وهذا المشروع، الضم، يلغي حل الدولتين!
وعليه؟ يقول أبو مرزوق “فالأصل هو أن يتقدم الملف الفلسطيني على الملفات الأخرى”؛لأن المبادرة العربية تقول “هناك مشكلة فلسطينية ويجب على الفلسطينيين والاسرائيليين حل هذه المشكلة أولاً” وبعدها نفتح علاقات مع إسرائيل (..) لكن ليس قبل “وجود دولة أو كيان فلسطيني أولا”!
تكبير!
هذا الانحدار المتواصل في الموقف الحمساوي هو محصلة طبيعية لمحاولات الجمع المستحيل بين السلطة والمقاومة؛محصلة للعلاقة اللاسوية التي تجمع الحركة مع محور تركيا – قطر – وهذا الانغماس الكلّي في امتيازات السلطة وفي البحث عن مخارج للحركة، وليس للقضية الوطنية التي صار اسمها “المشكلة الفلسطينية” كما يسمها الدكتور أبو مرزوق.
وإذا عدت قليلاً إلى الوراء وقرأت مواقف حماس القديمة، من مؤتمر مدريد “للسلام” وعملية التسوية التي انطلقت في العام 1991 واتفاقيات أوسلو 1993 تكتشف أن حماس اليوم صارت مثل روسيا اليوم؛جديدةهي الأخرى، تعلمت العلاقات الدولية والدبلوماسية العامة.. وتطورت!
أقول للأخوة في حركة حماس:
صديقك من صَدَقك وليس من صَدّقك،ولولا الشعور بالمسؤولية والحرص على دور حماس المقاوم وخاصة دور كتائب الشهيد عز الدين القسام وجماهير الحركة لما كتبنا هذه السطور أعلاه. على قيادة الحركة،بل وكل قيادات فصائل المقاومة دون استثناء؛أن تقف وتفكروتراجع مواقفها قبل التورط أكثر في مهالك ومسالك نهج محمود عباس والأنظمة وتتحول إلى أدوات للمحاور.. فرق كبير بين السباحة في نهر الناس الصافي، وبين الغوص في مستنقع أوسلوجديد.
أوهام حماس:
تعتقد قيادة حركة حماس أن دخولها إلى منظمة التحرير الفلسطينية يمنحها شرعية وطنية ويؤهلها إلى لعب دور أكبر على الصعيدين العربي والدولي، وباتت قيادة الحركة مقتنعة اليوم أن مفتاح هذه المشاركة في جيب ” أبو مازن”؛ فالمنظمة التي كانت بيتاً للفلسطينيين لم تعد كذلك وأصبحت مزرعة خاصة لقطيع أوسلو،وهذا صحيح، فلم يتبقَ منها إلا الاسم، لكن حماس اليوم تريد الاسم (اللوغو) والترويسة الرسمية للمنظمة.
الواقع القائم في فلسطين المحتلة هو ما يسميه العدو “الحقائق على الأرض” وهذه لا تستجيب لمشروع الدولة الوهمية على الأرض المحتلة عام 67، فلا يوجد اليوم إلا “دولة واحدة” في كل فلسطين المحتلة،يمثلها كيان العدو الصهيوني الاستعماري الذي لن يقبل سيادة فلسطينية على شبر واحد من الأرض،إلا اذا أُجبر على الانسنحاب منه بالقوة وبالإرادة الشعبية الفلسطينية والسلاح، وأن شرط تحقيق هذا الهدف هو أن يستعيد الشعب الفلسطيني مؤسساته المختطفة والمنهوبة، ويحرر صوته وقراره الوطني، وهذا ما تخشاه حركة فتح، وهذا ما لم تعد تريده حماس الجديدة!