من ذاكرة الزمن الجميل ليلة الإشتباك – الأسير المحرر منير منصور
من ذاكرة الزمن الجميل
ليلة الإشتباك
لم تكن تلك الليلة عاديه،، بالنسبة لي ولرفيقي نواف،، الذي تعرفت عليه حين التقينا هناك بسجن الدامون،، كنت هناك بتهمة التسلل عبر الحدود،، وكان نواف معتقلا بتهمة ضرب شرطي صهيوني،، تصادقنا،، تحررت من السجن،، وفي إحدى المرات،، حينما كنت بمهمة في بيروت،، التقيت به هناك بإحدى مواقع الحركه،، سررت كثيرا بلقائه،، واخبرني انه هرب من السجن،، معلومه عرفتها قبل ذلك من أصدقاء آخرين،، كان نواف شابا يافعا،، طويل القامة،، مفتول العضلات،، وسيما،، وذو شخصيه جذابه،، وأكثر ما ميزه شجاعته التي قل مثيلها،، لم يعرف الخوف سبيلا إلى قلبه،، كان حرا قوميا ناصريا بامتياز،، لذلك لم يفاجئني وجوده هناك.
اوصاني الأخوة هناك خيرا به،، اصطحبته وذهبنا إلى موقعنا،، كنت انتظر مهمه،، لكنها تأخرت لأسباب لا أعرفها.
حتى جاء ذلك اليوم وعلمت ان المهمة قريبه جدا،، وعلي الاستعداد لها،، وهذه المره سيرافقني نواف،، كنا ننقل الأسلحة من لبنان إلى الداخل الفلسطيني،، ونعود إلى لبنان،، حينما استعرت الثوره وامتدت واتسعت رقعة عملياتها العسكريه حتى طالت كل الأرض الفلسطينيه.
لم يمر طويل وقت،، حتى وصلتنا التوجيهات بالإنتظار بموقع قريب على الحدود اللبنانيه الفلسطينيه،، على الساحل اللبناني،، قبالة الناقوره الفلسطينيه،، حضر الأخوة مع العتاد وادخلنا ه بصندوق على شكل قارب صغيرا جدا،، كان القارب الصغير هذا يحمل بجوفه عتادا،، ويساعدنا على السباحه،، حيث تم ضبط يدين اثنتين له على جانبيه،، ازفت ساعة الصفر،، ودعنا الأخوة،، وانطلقت ونواف مع القاربين إلى عرض البحر،، كان الهدف ان نتجه غربا مساحه معينه في البحر،، ثم نتجه جنوبا نحو الساحل الفلسطيني،، الوصول إلى نقطه معينه،، إفراغ العتاد من القاربين،، ثم اغراقهما في البحر،، ومن ثم الانطلاق نحو الهدف،،
دخلنا عباب البحر،، واتجهنا جنوبا،، ومن ثم شرقا ووصلنا إلى الشاطئ، لم تكن المهمه صعبه حتى تلك اللحظة،، فقد عبرنا المساحة سباحه بمساعدة القاربين،، في تلك الليلة،، 10/11/1972،،كان الطقس باردا لكنه محمولا،، وانشغالنا بالمهمه والسباحه،، اشغلنا عن البرد الذي لم نشعر به الا لماما،، كان البحر هادئا بالنسبة لهذا اليوم من السنه،، والموج كان بارتفاع عادي،، وهكذا وصلنا بسرعه نسبيه إلى الساحل الفلسطيني،، إلى الجنوب من رأس الناقوره،، وتحديدا إلى قرية الزيب المهدومه،، الواقعة بين نهاريا ورأس الناقوره،، وكنا ننظر إلى الأضواء المنبعثة من الساحل لنهتدي إلى طريقنا.
وصلنا إلى الشاطئ،، كان الجو هادئا،، ولم نرى،، شيئا مريبا،، وعلى عجل فتحنا القوارب،، وأفرغنا ما بها،، وغيرنا ملابسنا،، وامتشقنا سلاحنا الشخصي،، كان نواف رحمه الله أسرع مني،، وما ان انتعلت الحذاء الرياضي،، حتى كان حمل كيس عتاده وسلاحه الشخصي وانطلق ليعبر الشارع الرئيسي،، إلى الناحية الثانية من الشارع،، انطلقت مسرعا ورائه،، فجأه سمعنا صوت مروحيه وإطلاق نار كثيف باتجاهنا،، وكذلك قنابل،، حددنا اطلاقا للنار علينا أيضا من الجهة المقابلة للشارع،، اطلق نواف باتجاه موقع إطلاق النار عدة صليات،، وكذلك انا استطعت تفريغ مخزن واحد على الأقل،، حتى دوى صوت نواف بصرخة وجع،، علمت انه اصيب،، غيرت المخزن وأطلقت ما به من رصاص،، وغبت عن الوعي،، حتى اكتشفت بعد أيام من الغيبوبة أنني بمشفى الصرفند العسكري،، يحيط بي عددا من العسكريين،، ولاحقا أثناء التحقيق علمت ان رفيقي نواف قد استشهد،، وأصيب ثلاثة جنود،، وبدأنا فصلا جديدا من المعاناة والتحدي،، التحقيق،، وانا مصابا بعدة رصاصات،، ثم المحكمه،، والسجن.
رحم الله رفيقي نواف وأسكنه فسيح جنانه مع الصديقين والشهداء.
المجد للشهداء
الحريه لأسرى الحرية