حوار مع الايطالية مونيكا ماورير مخرجة الأفلام الوثائقية العالمية – نضال حمد
نص الحوار مع الايطالية مونيكا ماورير مخرجة الأفلام الوثائقية العالمية
اسلم الشعلة من جيلي الى الجيل الشاب
الأفلام الوثائقية أخذت تستعيد الأهمية
من هي مونيكا ماورير؟
تقول عن نفسها : مونيكا ماورير مخرجة ايطالية ومناضلة أممية نذرت نفسها لإعطاء الصوت للناس الذين لا صوت لهم . جاءت الى لبنان في سبعينات القرن الفائت حيث كانت تتمركز الثورة الفلسطينية، ثورة الاحرار والشرفاء في كل العام. تضيف ماورير : بالنسبة لي شخصيا المناضل والمثقف تعنيان نفس الشيء ولا افرق بينهما واعتبرهما واحدا، فكافة أفلامي هي جزء من نضالي السياسي ، ولا أفرق بينهما وهذا يسبب لي سوء فهم من قبل كثيرين من الناس. بالنسبة لي الإخراج هو عمل نضالي.
ما هو أول أفلامك الوثائقية عن القضية الفلسطينية وما هي فكرته وأين تم تصويره ؟
أول فيلم لي كان عن جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لأن العالم الخارجي كان في ذلك الوقت يعرف عن منظمة التحرير الفلسطينية انها قوة عسكرية لكن الحقيقة ان المنظمة لم تكن فقط قوة عسكرية بل كان لها مؤسساتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والرياضية والخدماتية ونشاطات أخرى كثيرة. فكان من الضروري نقل الوجه الآخر لمنظمة التحرير الفلسطينية. كانت الفكرة ان أتحدث أكثر عن منظمة التحرير الفلسطينية كي استطيع إظهار هذا الوجه الثقافي والمؤسساتي للمنظمة لكي تظهر ان هذه المنظمة التي تحارب عسكريا لديها أيضا القدرة على بناء مؤسسات تخدم الشعب الفلسطيني. ومن الممكن أن تكون الوجه المستقبلي للدولة الفلسطينية القادمة وللحلم الفلسطيني. وشعرت بأنه من الضروري ان لا نتحدث فقط للجان التضامن مع الشعب الفلسطيني في الغرب ، فهؤلاء يقفون مع القضية الفلسطينية ، رأيت أنه من الضروري إخراج القضية الفلسطينية من الأطر الضيقة الخاصة بلجان التضامن والمتضامنين مع الفلسطينيين ونقلها الى الشارع ، الى الناس الى القواعد الشعبية في أوروبا والعالم. ولمخاطبة الناس الذين عادة لا يعرفون شيئا عن النضال الفلسطيني والحالة الفلسطينية. باختصار كان يجب الخروج من دائرة لجان التضامن والتوجه الى جمهور آخر غيره ، الى الجمهور العريض ، إيصال هذه الفكرة الى للناس الذين لا يملكون معلومات كافية عن القضية الفلسطينية. بغية انضمامهم للآخرين المؤيدين للقضية الفلسطينية.
كيف للإنسان العادي أن يفهم رسالة الفيلم الوثائقي؟
دائما الفيلم الوثائقي جمهوره أقل وعلى طول أقل بكثير من جمهور الأفلام السينمائية العادية ، التجارية ويصل دائما لعدد محدود من الناس. لقد اخترت الأفلام الوثائقية لأنها سهلة الإنتاج مقارنة مع الأفلام السينمائية أو الروائية التي تحتاج لانتاجات ضخمة، والافلام الوثائقية غير مكلفة كما الأفلام العادية ولا تخضع لتحكم أصحاب المال ، ففي صناعة السينما ممكن ان يعطيك احدهم تمويلا لكن إذا لم يكن الهدف تجاريا فمن الصعب الحصول على التمويل. لذلك فضلت البقاء ضمن الأفلام الوثائقية حتى استطيع التحرك بطريقة اخرى ولكي اقدر أيضا على إيصال الرسائل بشكل أكثر مباشرة .
مونيكا ماورير .. لقد عملتِ مع الإعلام الفلسطيني الموحد في بيروت ، وتعرفتِ على القيادة الفلسطينية هناك، كيف تتذكرين تلك الأيام ؟
تقول مونيكا ماورير : اهتمامي بالقضية الفلسطينية يعود لما قبل حرب الأيام الستة حزيران – يونيو 1967 ، أول مؤسسة تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية بدأت علاقتي معها وكانت وطيدة هو اتحاد العمال الفلسطينيين . وتضيف ايضا : أنه من خلال عمال فلسطين وحتى وهي تعيش في ألمانيا استطاعت ان تعيش تجربة حرب 1967 من خلال كثير من هؤلاء العمال الذين كثيرين منهم تشردت عائلاتهم وخسروا منازلهم. من خلال هؤلاء العمال وليس من خلال الإعلام الأوروبي استطاعت أن ترى هذه الحرب. وبدأت العمل في الأفلام عن القضية الفلسطينية بعد حرب سنة 1967 . مع العلم أن لها أفلاما أخرى تعالج قضايا أخرى.
ما هي أفلامك الأخرى وماذا عالجت؟
أخرجت فيلما عن العمال المهاجرين في ألمانيا الذي كانوا يعانون من تفرقة عنصرية ضدهم .
وتقول ماورير انه لغاية الآن وضع هؤلاء لم يتغير . وهؤلاء عالم ثالث مازال يحيا داخل العالم الأول. ولغاية هذا اليوم مازالوا يعيشون في ظروف صعبة في الدول المتقدمة .
هناك فيلمان الأول كان عن الحركة العمالية أما الآخر فكان محددا أكثر لأنه يعالج إضراب ويروي قصة احتلال اماكن عمل من قبل حوالي 11 ألفا من العمال المهاجرين من الأتراك والمغاربة والأسبان والطليان واليونانيين وغيرهم في مدينة كولن الألمانية.
هناك أيضا فيلما ثانيا انجزته عن الإضراب في شركة ” إم دبليو “..
هذا وأخرجت ماورير كذلك فيلما في تشيلي عن العمال وظروفهم الصعبة في مرحلة حكم الثورة (سلفادور دالي) وكان الفيلم عن الثورة والتنظيم في المناطق الفقيرة حول العاصمة التشيلية سانتياغو. ويروي الفيلم كيف تمت إقامة اتحادات عديدة بمساعدة الثورة اليسارية هناك.
وأخرجت فيلما في نيويورك سنة 1966 عن نيويورك كميناء لتجميع الناس من كل العالم ، ويحكي الفيلم عن التجمعات العرقية والاثنية من بلدان وجنسيات مختلفة في مناطق من نيويورك .
وكذلك أخرجت فيلما في فرنسا عن إضراب عمال مصنع للساعات اليدوية واحتلالهم المصنع وبقيت معهم هناك لمدة سنة في المصنع تصور الفيلم ، إذ كان العمال مضربون ولكنهم حافظوا بنفس الوقت على بقاء المصنع شغالا ورفضا منهم لتوقفه ورغبة منهم في المحافظة على مستوى الإنتاج في المصنع.
بعد سنة 1968 في تلك الفترة لم يكن توزيع الأفلام الوثائقية سهلا أبدا، كان يوزع على نطاق ضيق ، وكنت شخصيا في البدايات اخذ الفيلم ، احمله واذهب الى الاتحادات العمالية الجامعات ، المدارس و النوادي الشعبية لعرضه على الناس.
برأيك مازال للفيلم الوثائقي دورا مؤثرا يتقبله الجمهور؟
نعم فالأفلام الوثائقية أخذت تستعيد الأهمية فيها. في البداية في سنوات الستينات من القرن الفائت كانت الأفلام الوثائقية مؤثرة بقوة ثم تراجع هذا الأمر في السنوات التي تلتها والآن أخذ الفيلم الوثائقي يستعيد مكانته وعاد الاهتمام بالفيلم الوثائقي يزداد لسببين :
السبب الأول هو الأزمة الاقتصادية العالمية التي جعلت الكثير من شباب العالم ينزلون الى الشوارع وينتفضون مثل الشباب الذين احتلوا وول ستريت في الولايات المتحدة الأمريكية لأن الأزمة الاقتصادية أوجدت مشكلة للشباب وهؤلاء الشباب يعبرون عن أنفسهم ولأجل ذلك نراهم ينتفضون وهم بحاجة للفيلم الوثائقي . وفي العالم العربي هناك نهضة للشباب العربي. ولم يعد احد يستطيع إغلاق أفواههم لأنهم يريدون ويطالبون بحقوقهم ولا بد أن ينتصروا. وهذا الجيل من الشباب يعرف عن الحركات التي كانت موجودة في الستينات والسبعينات من القرن الفائت وهو يحاول البحث عنها وبناء علاقة معها لكي يستطيع الاستفادة منها، العثور على أشياء يقدر يستفيد منها في تجربته الحالية.
والسبب الثاني للاهتمام بالأفلام الوثائقية هو المعلوماتية ، وشبكة الانترنت لان كثير من المعلومات منتشرة الآن في العالم ، ولكن كثير صعب أيضا أن تقدر تميز أي من هذه المعلومات حقيقية أو لا. وما هو صحيح وما هو غير صحيح ، ولا احد يعرف من الذي يقف وراء المعلومة لذا من المهم إنتاج أفلام وثائقية بخلفية سياسية لتستطيع إيصال رسالتك.
بسبب هذه الفورة التقنية صار من السهل أن تستطيع إنتاج فيلم بعيدا عن الانتاج الضخم ويقدر يوصل الى جمهور كبير من العالم.
أنت كنت من ضمن لجنة حكام مهرجان الأرض السينمائي هذا العام في مهرجان كالياري بسردينيا في ايطاليا ، وكان فيه أفلام وثائقية كثيرة .. برأيك هل هذه المهرجانات للأفلام وبخاصة الوثائقية تساعد الجمهور الأوروبي ومرغوبة لدى هذا الجمهور؟
كثير مهم ان يكون في هيك إنتاج يخاطب الجمهور الأوروبي لان السؤال الفلسطيني كان من الأسئلة الهامة خلال السنوات الثلاثين الأخيرة ضمن الأسئلة العالمية و لكن اللوبي الصهيوني الأمريكي ضغط واستطاع إخراج القضية الفلسطينية من الأولوية في الإعلام العالمي ، وعلشان هيك كثير مهم ان تضغط لإرجاع هذا الاهتمام وتنتج نوع من الأفلام تقدر تخاطب الجمهور الأوروبي والعالمي بشكل عام.
ما سبب زيارتك لأوسلو؟
أنا موجودة هنا في أوسلو للمشاركة في المعرض الفني في ” فوتو غالياري” بالعاصمة أوسلو ، الذي بدأت به وتديره الفنانة النرويجية رونه كارلسن . وأنا سعيدة جدا بان أكون هنا وأشارك بمثل هذه المبادرات الإيجابية الخلاقة. مثلما كنت أنا في الستينات و السبعينات من القرن الفائت احمل الأفلام واذهب الى أي مكان لإيصال الرسالة الفلسطينية عبر عرض الأفلام الوثائقية. وأنا الآن أتواجد هنا في أوسلو مع فيلمي الوثائقي عن أطفال فلسطين لنفس هذا السبب.
ما رأيك بالأفلام الوثائقية المشاركة في هذا المعرض بفكرة الأفلام ورسالتها ؟
هناك 3 أفلام مشاركة لمخرجين ثلاثة واحد طلياني ، واحدة نرويجية وواحد فلسطيني من مخيمات الشتات في لبنان هو علاء العلي وفيلمه كثير مهم لأنه من المهم بمكان ان يكون هناك مخرج فلسطيني من جيل الشباب يقدم فيلما عن الشتات والقضية الفلسطينية. وهو الذي يعبر عن صوت الشتات. خاصة ان عنوان المشروع هو رسائل من الشتات. ويجب ان ننتبه دائما ان معظم الشباب الفلسطيني يعيش في الشتات. كما يجب ان تتعزز وتنتشر اكثر فكرة ان الشباب الفلسطيني يعيش في المنفى وعليه إعلاء صوته والقول انه يعيش في الشتات والمنفى.
وأنا سعيدة لأنني موجودة هنا معه في هذا النشاط وهذه التجربة لأنه يعبر عن صوت من أصوات الجيل الشاب الجيل الجديد في الشعب الفلسطيني. أمس كنت اعرض فيلمي الوثائقي عن أطفال فلسطين والفيلم عمره بالتأكيد أكثر من 30 سنة و المأساة التي قدمها الفيلم لم تتغير كثيرا وبل صارت أسوأ. قبل ثلاثين سنة كانت الثورة الفلسطينية تستطيع إعطاء الأمل أما الآن لا ، فالشعب الفلسطيني يتعرض للاعتداء دون ان يستطيع الرد. لذا بالنسبة لي من المهم ان أشارك مع علاء وكذلك المخرج الايطالي الشاب ماركو بوسكويني في هذه التجربة . وماركو اخرج فيلما وثائقيا عن الوضع الفلسطيني بلبنان بعنوان ” مستشفى غزة” ، المستشفى الذي كان اكبر مستشفيات منظمة التحرير الفلسطينية في مخيمات لبنان ، وكان يقع في مخيم شاتيلا ثم بعد حرب المخيمات بين حركة أمل اللبنانية والفلسطينيين بين عامي 1985 و1987 توقف عن العمل وصار مأوى للفلسطينيين المشردين من كل مخيمات لبنان.
فيلم ماركو بوسكويني الذي سيتحدث عنه ماركو نفسه معك،هو عن مستشفى غزة ومن خلال المستشفى يتحدث عن 30 سنة من تاريخ الشعب الفلسطيني ومخيمات لبنان . الفيلم مهم جدا لأنه فيلم عن التاريخ الفلسطيني في لبنان و الذاكرة المصورة وقد استخدم ماركو في الفيلم أرشيفي ( ارشيف المخرجة مونيكا ماورير ) وكنت سعيدة جدا ان الأرشيف الذي عملته خلال 30 سنة استطاع شخص ما أن يستفيد منه ويقدم تجربة جديدة. وهذا المشروع بحسب مونيكا ماورير كان مهما جدا لأنه هو الذي حفزها على العمل على توثيق أرشيفها ولكي تستطيع ان تقوم بتحويل المادة السينمائية التي لديها من 16 ملم الى ديجيتال. وتضيف ايضا : هذا عمل صعب وشاق .. ولكي تتمكن من العمل فيها كمادة ديجتال ولكي يستطيع جيل الشباب الذي يعمل الآن على توثيق التجربة الاستفادة من هذه المادة. وفي ختالم حوارنا معها شبهت ماورير هذا الشيء وكأنه تسليم الشعلة من جيل الى جيل.
الحوار مع مونيكا ماورير
مونيكا ماورير في سبعينات القرن الفائت بمنطقة العرقوب بجنوب لبنان مع الفدائيين الفلسطينيين
الصورة من أرشيف خاص بالمخرجة
منشور في الجزيرة الوثائقية
حوارات أخرى
safsaf.org – 30-10-2012