الاعتماد الكلي علي التعليم الإلكتروني – الدكتور عادل عامر
إن التعلم الإلكتروني والتعلم التقليدي في هذه اللحظات أصبحا يشكلان نسيجا واحدا يتيح للمعلمين والمتعلمين إمكانيات عدة تساعد في تحقيق أهداف التعليم خاصة في ظل الأزمات الكبرى التي من الممكن أن تتعرض لها الدول مثل أزمة فيروس كرونا الجديد.
رغم الفارق الزمني الهائل بين التعليم التقليدي- الذي بدأ منذ فجر التاريخ سواء بطريقة فردية أو بطريق نظامية- والتعليم الإلكتروني – الذي ذاع صيته مع بداية ظهور شبكة الإنترنت في منتصف تسعينيات القرن الماضي وما صاحبها من تطورات في مجال الاتصالات وحفظ المعلومات- إلا أن كليهما يهدف إلى تحقيق أهداف ونتائج محددة هي تعليم وتثقيف أبناء المجتمع للتوائم مع متطلبات الحياة وسد حاجات سوق العمل بكفاءات متميزة تستطيع التأثير في مكانها وليس فقط إحلالها محل آخرين.
فالتعليم الإلكتروني و تقنية المعلومات ليسا هدفاً أو غاية بحد ذاتهما ، بل هما وسيلة لتوصيل المعرفة وتحقيق الأغراض المعروفة من التعليم والتربية ومنها جعل المتعلم مستعداً لمواجهة متطلبات الحياة العملية بكل أوجهها و التي أصبحت تعتمد بشكل أو بآخر على تقنية المعلومات و طبيعتها المتغيرة بسرعة.
تسببت أزمة تفشي جائحة كورونا في إغلاق أكثر من 180 دولة لمدارسها في أواخر مارس 2020، وهو ما أثّر على أكثر من 1.5 مليار طالب حول العالم، أي ما يُعادل 87.4% من إجمالي الطلاب، ولذلك جاء قرار استكمال التعليم عن بُعد في طليعة الحلول التي يُمكن بها تخطّي قرار الحظر الكلي الذي فرضه عدد كبير من الدول. وهو ما فرض تحديات تتمثل في مدى إمكانية استخدام كافة طلاب المدارس للإنترنت، ولا سيما مع عدم قدرة البنية التحتية التكنولوجية لبعض الدول -خاصة الدول منخفضة الدخل- لتحمل الضغط على استخدام شبكات الإنترنت.
وفي هذا السياق، يُناقش موجز سياسات بعنوان “التعليم أثناء أزمة كوفيد-19: فرص وقيود استخدام تكنولوجيا التعليم بالدول منخفضة الدخل”، معوقات استخدام منصات التعليم الإلكتروني على نطاق واسع أثناء الأزمات، فضلًا عن توضيح الفرص التي أنتجتها أزمة (كوفيد-19)، مع تسليط الضوء على أمثلة واقعية توضح كيفية صياغة السياسات والقرارات المتعلقة بالبرمجة.
الاعتماد الكلي على تكنولوجيا التعليم EdTech لمواجهة الأزمة التعليمية التي خلّفها وباء كورونا، لا يمكن أن يمثل حلًّا وخاصة في الأجل القصير. وكذا فالتوجه حاليًّا للاستثمار في صناعة مناهج تعليمية جديدة، وشراء أجهزة إلكترونية بشكل موسع، أمر غير مناسب.
وهنا يُلقي الموجز الضوء على الفرص الممكنة للاستثمار فيها، ومجالات دعم المعلمين والطلاب في ظل الموارد المتاحة حاليًّا، على أمل تحسين عملية التعليم في الأجل القصير (خلال أسابيع من إغلاق المدارس)، وفي الأجل الطويل (في غضون عام واحد، إما أثناء إغلاق المدارس أو حينما تحتاج البلدان إلى معالجة الفجوات التعليمية التي ظهرت).
أولًا- على المدى القصير (خلال أسابيع):
1- خلق منصات إلكترونية للمعلمين: يُشير الموجز إلى أنه في ضوء أزمة كوفيد -١٩يمكن إنشاء منصة إلكترونية يستطيع المعلمون من خلالها مشاركة أفكارهم ومقترحاتهم حول تطوير تكنولوجيا التعليم. ويضرب الموجز المثال بمنصة DIKSHA الهندية التي ساهمت في استضافة الخطط التعليمية، والمواد المقترحة من قبل المعلمين عبر سنوات، وبدعم من السلطة المركزية.
ويتحدث الموجز عن إمكانية مساهمة المنصات في تحسين قدرات المعلمين على استخدام تكنولوجيا التعليم، وكذا تحسين جودة المناهج عبر مجهودات المعلمين في خلق محتوى تعليمي متطور باللغات المحلية. وفضلًا عما سبق يمكن توفير أدوات لإبلاغ المعلمين بردود الفعل عن مقترحاتهم وما يقدمونه من محتوى، كما في حال منصة Tusome بكينيا، التي ساهمت في سد فجوات التعلم في البيئات محدودة الموارد.
ويقترح الموجز استخدام الحلول التكنولوجية منخفضة التقنية في الدول منخفضة الدخل، كاستخدام الرسائل النصية القصيرة SMS.
2- بثّ الدروس التعليمية عبر منصات التليفزيون والراديو للوصول إلى الطلاب المحرومين من استخدام الإنترنت: فالتلفزيون والراديو أثبتا فاعليتهما بمراحل التعليم الأولى (المرحلة الابتدائية)، ويتم حاليًّا استخدام التلفزيون لبث البرامج التعليمية في دول عدة، من بينها كينيا وتنزانيا. كما تم استخدام الراديو خلال فترات تفشي الإيبولا.
وبالنظر إلى أن التليفزيون والراديو وسيلتا تعلم في اتجاه واحد، حيث يتلقى الطلاب المعلومات فقط دون التفاعل مع المعلمين؛ يمكن الاعتماد على خدمات الرسائل النصية القصيرة SMS، وتوسيع تفعيل مجموعات التواصل بين الطلاب والمعلمين عبر تطبيق الواتساب، الذي يحتل مكانة كبيرة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.
وجدير بالذكر أنه يمكن الاستفادة من البنية التحتية الحالية والتكنولوجيا الرخيصة لإعداد المبادرات بسرعة وعلى نطاق واسع وبقليل من الاستثمار، حيث تم تصميم تطبيقات لتكنولوجيا التعليم للعمل من خلال الهواتف العادية عبر الرسائل النصية القصيرة SMS مثل: (textTETEA في تنزانيا، أو Eneza Education في كينيا وغانا وكوت ديفوار).
3- عمل مواقع شاملة الموارد التعليمية عبر الإنترنت: تضم دورات تعليمية مختلفة ومجانية، ويمكن الوصول لتلك المواقع من قبل الطلاب أنفسهم أو بمساعدة آبائهم. ويضرب الموجز المثال بأكاديمية خان Khan Academy. ويؤكد الموجز على ضرورة إدراك صانعي السياسات أن دورات الإنترنت عبر المنصات العالمية تختلف في الجودة والثقافة واللغة، ولهذا يجدر على كل دولة الاستثمار في تطوير محتوى الدورات الإلكترونية بما يتلاءم مع ثقافتها ولغتها المحلية لتعظيم الاستفادة التعليمية، مع ضرورة إتاحة المحتوى التعليمي مجانًا للطلبة، فضلًا عن عمل شراكات مع مؤسسات رسمية وغير رسمية ودولية للارتقاء بالمحتوى التعليمي الرقمي المُقدّم، سواء على المدى القريب أو البعيد.
ثانيًا- على المدى الطويل (خلال عام واحد):
1- تطوير نظام التعليم عبر اللعب: لو طال أمدُ إغلاق المدارس فسيفقد الطلاب حماسهم تجاه العملية التعليمية، ولن يستطيع الآباء تشجيعهم بمفردهم على مواظبة التعلّم، ولذلك هناك حاجة لتطوير تطبيقات تعليمية على شكل ألعاب، تحتوي على الدروس التعليمية المختلفة، ويتم بثها عبر الإنترنت أو الراديو أو التليفزيون، مع منح نقاط تحفيزية للطلبة المتقدمين على أقرانهم.
ويوضح الموجز أن الكتب الورقية وأوراق العمل هي جزء فعال وتحفيزي في إطار عمل البيئة المدرسية وبمساعدة المعلم، ولكنه غير جذّاب للطفل في حال اعتمد عليه بمفرده في المنزل، ولذا فإن تحويل المحتوى الدراسي إلى ألعاب بات أمرًا ضروريًّا، ويتزامن مع ضرورة تعزيز الهوية الوطنية لتحفيز الطلاب على الدراسة، عبر بث رسائل وطنية مفادها أهمية خلق جيل متعلم يساهم في تطوير الآفاق الاقتصادية الوطنية مستقبلًا.
2- تدشين قاعدة بيانات تعليمية: ستساهم تلك القاعدة في توفير البيانات الأساسية عن الطلاب واحتياجاتهم، وظروفهم الاجتماعية، مع تحديد “التكنولوجيا المتاحة داخل كل أسرة”، والثغرات المتعلقة بعدد الأطفال المتسربين من التعليم، فضلًا عن استخدام تطبيقات فعالة في تكنولوجيا التعليم، تتلاءم مع السياق المحلي، مع توضيح نقاط الخلل التي ينبغي تحسينها للتغلب على مشكلات الحصول على التعليم، إلى جانب مراعاة مبدأ خصوصية البيانات.
ويمكن الاعتماد على تطبيقات الهاتف المحمول للحصول على تقييمات المعلمين لطلابهم، وجمع البيانات اللازمة عن العملية التعليمية في المجمل جغرافيًّا. ويضرب الموجز مثالًا بمنظمة اليونيسيف التي تعمل حاليًّا على رسم خرائط توصيلية للمدارس في جميع أنحاء العالم، وتهدف لرسم خريطة توصيلية تعبر عن احتياجات كل طالب حول العالم مستقبلًا.
3- امتلاك التكنولوجيا المناسبة “لتشخيص ومعالجة” فجوات التعلم التي ظهرت أثناء الأزمة: تُساعد برامج التعليم الرقمية على سد الفجوات في البلدان منخفضة الدخل. فعلى سبيل المثال، ساعد برنامج Mindspark الذي تم تطبيقه في الهند، في تحسين درجات المتعلمين في الرياضيات بنسبة 38٪ على مدى أربعة أشهر ونصف، حيث تُقيّم تطبيقات الأجهزة اللوحية “التابلت” مستوى الطلاب الحالي، وتمنحهم دروسًا وتمارين مخصصة.
ويوضح الموجز أنه من الممكن مساهمة المبادرات التعليمية في التغلب على معايير التفاوت الجندرية للتعلم داخل بعض المجتمعات، كما في حال مبادرة “onecourse” بملاوي، التي حالت دون ظهور فجوة بين الجنسين في القراءة والرياضيات بين طلاب الصف الأول الابتدائي.
ولتحقيق ما سبق ذكره فالدول بحاجة للبحث عن سبل تطوير التكنولوجيا، وملاءمتها مع السياق المحلي، مسترشدة بالتجارب الدولية المختلفة، ومطبقة ذلك على مراحل متتابعة.
—
الدكتور عادل عامر
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان