الشهيد سهيل أبو الكل من أوائل شهداء معتقل أنصار – نضال حمد
ولد سنة 16-7-1966 ونشأ الشهيد سهيل أبو الكل في كنف عائلة فلسطينية من بلدة الصفصاف قضاء صفد، سكنت بعد النكبة مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين. تعلم ودرس في المدرستين الابتدائية والمتوسطة في مدارس مخيم عين الحلوة، مدارس الانروا. كما كل أبناء جيله ومن كانوا أصغر أو أكبر منه قليلاً. إلتحق سهيل بالثورة الفلسطينية شبلاً وتدرب وتثقف وتعلم كيف وبأي الأساليب سنعود الى فلسطين. فآمن كما آمنا كلنا في ذلك الزمان الفدائي، بأن العودة الى فلسطين لا تتم بدون حرب الشعب الطويلة الأمد والكفاح المسلح والبندقية المقاتلة وحلف مقاوم يمتد من فلسطين الى كل العالم، حيث الثوار والشرفاء والأحرار والنقدميين والثوريين والتحرريين.
عندما استشهد برصاص قوات الاحتلال الصهيوني في معتقل أنصار سنة 1983، (للأسف لغاية اليوم لم أعثر على التاريخ الأكيد باليوم والشهر لاستشهاده). عادت روحه الى الصفصاف في فلسطين المحتلة. حيث لازالت هناك تحلق حول جبل الجرمق بانتظار عودة شعب فلسطين وأهالي الصفصاف الى بلدتهم المحررة ووطنهم المحرر. ربما كانت روح سهيل أبو الكل كما أرواح شهداء الصفصاف ومجزرتها الذين دفنوا قريباً من سفح جبل الجرمق، حيث عاقبت اليد الجرمقية الربانية الغزاة والعنصريين الصهاينة قبل أيام. وحيث كان من ضمنهم الارهابي اليهودي الصهيوني عميرام بن أوليئيل من مستوطنة شيلو شمال الضفة الغربية، الذي ربما مات دعساً بأقدام ونعال أشباهه من المجرمين أو طمراً تحت الركام والحطام، وهو المجرم اليهودي الصهيوني الذي أحرق عائلة دوابشة سنة 2015 في قرية دوما بالضفة الغربية المحتلة، فأودى بحياة الأب والأم وابنهما الرضيع فيما أصيب ابنهما الآخر بحروق بليغة.
عادت روح سهيل كما أرواح كل شهداء الصفصاف في الشتات واللحوء والمنافي الى الصفصاف وجبل الجرمق، الى الجليل وكل فلسطين، لتبقى تحلق هناك بانتظار العائدين في نهاية المطاف. الذي سيعودوون فاتحين، مُحَرِرين ومنتصرين، لا كما عاد أصحاب النهج الاستزلامي والاستسلامي ليتحولوا الى روابط قرى وحراس لمستوطنات ولمستعمرات المحتلين الصهاينة. هؤلاء الذين خانوا وصايا الشهداء واستسهلوا نسيان التضحيات والدماء.
كان سهيل شاباً فتياً وسيماً بشوشاً، قصير القامة ومربوع الجسم. أحب الحياة والجيرة والأصحاب والديرة.. أحب كل ما كان يدور حوله في المخيم وفي الحارة الفوقا، حيث كان يسكن جاراً لدار جدي ودار خالي ودار خالتي. عرفته صغيراً وربما آخر مرة رأيته كانت قبل الغزو الصهيوني واعتقاله بأسابيع قليلة. رحل سهيل شهيداً وبقيت صورته لا تفارق مخيلتنا نحن أبناء جيله ومخيمه وبلدته وحارته.
يوم استشهد كان عمره أقل من الثامنة عشرة، يعني بالاعراف والقوانين الدولية طفل. لكن الاحتلال لم يكن يفرق بين من يعتقلهم سواء كانوا كباراً أم صغاراً. فقد اعتقل الآلاف وزج بهم في سجونه ومعتقلاته. لذا عندما وجد سهيل نفسه أسيراً في معتقل أنصار، وجد نفسه هناك مع والده الأسير لكن لم يكونا في نفس المعسكر ولا في نفس الخيمة، فسهيل كان ف يالمعسكر عشرين وفي الخيمة رقم 1 التي تعرضت لوابل من الرصاص أدوى بحياة الشهيد سهيل وجرح كثيرين منهم الأخ صلاح شريدي. في تلك الخيمة كان هناك الكثيرين من شباب الصفصاف المعتقلين ومنهم صلاح وشقيقه كمال والشهيدان فيما بعد غسان وطه شريدي بالاضافة لناصر حليحيل ويحيى حوراني ابن خال الشهيد سهيل. كل هؤلاء وبالذات سهيل الذي كان نشطاً في جمع وتخزين السلاح الذي تركه المنسحبون أو الفارون من المعركة. علم بذلك بعض العملاء وهم من نفس المنطقة والعائلة والحي، فوشوا به الى الصهاينة المحتلين الذين اعتقلوه بالرغم من صغر سنه. وبحسب ابن عمته يحيى فقد تآمر أحد العملاء مع عملاء آخرين على سهيل وربطوه في البيت ومن ثم اعتقلوه. بالرغم من صغر سنه كان الشهيد سهيل أبو الكل صاحب شخصية قوية وكان فتى جريئاً وشجاعاً. كما قال لي الأخ يحيى حوراني أن سهيلا حمله رسالة الى والدته يشرح لها كيفية اعتقاله، فيها أسماء العملاء الذين تآمروا عليه وسلموه للاحتلال ومنهم أشخاص من نفس عائلة الشهيد. لكن يحيى لا يريد نشر الرسالة لحساسيتها المفرطة ولحساسية المعلومات الواردة فيها.
في نفس المعتقل لكن ليس في نفس المعسكر لت في نفس الخيمة كان والد سهيل أيضا معتقلاً. يوم استشهاده كان والده حاضرا، لم يشاهد الجريمة التي ارتكبها أحد الجنود الصهاينة الذي أخذ يطلق الرصاص على الأسرى من رشاش “ماغ” كان مثبتاً فوق ملالة، ولم يشاهد كيف سقط نجله البكر سهيل شهيداً على الفور، بعدما إخترق الرصاص جسده الطريّ. ففي ذلك اليوم المشهود، من نهاية سنة 1982 أو بداية سنة 1983 استشهد البطل سهيل أبو الكل في معتقل أنصار، حيث كان معتقلاً هو ووالده وكثيرين من أقاربه ورفاقه وأصحابه وجيرانه وأبناء حارته وبلدته ومخيمه. رفض الاحتلال الساح لوالده المشاركة في تشييعه واطلاق سراحه مما أحدث انتفاضة في معتقل انصار قام بها المعتقلون، فأجبروا الاحتلال على اطلاق سرح والد سهيل. الذي تمكن من المشاركة ف يتشييع نجله الشهيد في مخيم عين الحلوة ومدينة صيدا اللبنانية. وللعلم فأن والد الشهيد كان من قيادات الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في مخيم عين الحلوة. وهو من المقاتلين الأوائل والقدامى في مخيمات لبنان، بداية العمل الفدائي وخدم في العرقوب ومناطق ومواقع متقدمة على حدود فلسطين المحتلة مع لبنان.
بهذه المناسبة تجدر الاشارة الى أن الغالبية الساحقة من المعتقلين والأسرى تم اعتقالهم من بيوتهم ومنازلهم وأماكن عملهم، ولم يكونوا مقاتلين عسكريين. كان العدو يفعل ذلك لكي يقدم دعاية لنفسه وليقول للمستوطنين الصهاينة ومجتمعه الاستعماري أنه اعتقل فدائيين. فقد كان يجبر المعتقلين على ارتداء بزات وبدلات عسكرية ويقوم بتصويرهم على أساس أنهم عسكريين تم اعتقالهم في المعركة. الحقيقة أنه في ذلك الوقت كان الاحتلال يدخل الأحياء الصيداوية ومخيمي عين الحلوة والمية ومية، ليعتقل كل من يصادفه في الشارع، وليعتقل أيضاً الشباب والرجال والفتية. ثم يقوم بتجميعهم في ساحة الراهبات، حيث كانوا يتعرضون للإهانة والشتائم والضرب والتعذيب والتنكيل. بعد تعصيب أعينهم وربط أياديهم وأرجلهم. بحسب بعض الشهود فقد مات من العطش والجوع والتعذيب في ساحة الراهبات 7 معتقلين تم دفنهم في جبانة مدينة صيدا.
عندما توفي جد الشهيد سهيل والد والده، وكان ذلك بعد ثلاث سنوات من استشهاد سهيل، عند فتح قبر الشهيد لوضع جثمان جده معه في القبر تبين أن جثمان الشهيد سهيل لم يتحلل وبقي كما هو وكانت الدماء لا زالت ظاهرة على كفنه.
أكتب اليوم عن الشهيد سهيل أبو الكل لكي تتعرف الأجيال الناشئة على هذا البطل الذي كان من أوائل شهداء معتقل أنصار سنة 1983. ولكي تبقى ذكراه خالدة في ذاكرة مخيم عين الحلوة وبلدة الصفصاف وفي سجل الخالدين الفلسطينيين.
المجد والخلود للشهيد ولكل شهداء ثورتنا وقضيتنا ونضالنا الطويل.
نضال حمد
الثالث من أيار – مايو 2021