ملائكة الرحمة في المخيمات الفلسطينية بلبنان – نضال حمد
أهداء الى كل الأطباء والطبيبات الفلسطينيون والفلسطينيات في مخيمات لبنان.
اهداء خاص الى الأطباء والطبيبات في مخيمنا عين الحلوة وأذكر منهم ومنهن: محمود عوض الصالح، باسم شريدي، جمال الصالح، ماهر كروم، فداء عبد الكريم، فداء عزب، وائل وجودت ميعاري، محمد شكيب شريدي، طلال أبو جاموس، بسام البني “العصفور” ورائد عطا دعيبس ومحمود حمادي. كذلك الى الطبيبين حمد محمود حمد وعلي أمين حمد، فقد خدما شعبنا في المخيمات لسنوات عديدة قبل أن يسافرا خارج لبنان. اعتذر عن ذكر بقية الأسماء مع أن الاهداء يشمل الجميع، فأنا فعلاً لا أتذكرها ولا أعرفها كلها.
أما بعد
فالأطباء الفلسطينيون في مخيمات لبنان ومنها مخيم عين الحلوة، يقفون مع شعبهم والى جانب فقراءه، يساعدون بما يستطيعون. لا أتحدث فقط عن العاملين في مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني والعيادات التابعة لجمعيات انسانية وصحية وعالمية مختلفة. بل بالذات عن الأطباء الذين يعملون في عيادات مخيمية خاصة أو من بيوتهم في المخيمات. فعيادة الطبيب الفلسطيني أو الطبيبة الفلسطينية هو منزل ذويهم-ن أو محل ذويهم-ن سابقاً، الذي تحول بعد وفاة الوالد من دكان خضراوات أو سمانة الى عيادة طبية. عيادة للعلاج العام، عيادة لطب الأسنان، أخرى للأذن والأنف والحنجرة، للعيون، للباطنية، للقلب، للأطفال… الخ.
في المخيم يمكن للطبيب الفلسطيني أن يعمل رغماً عن أنف القانون اللبناني الذي يمنعه من مزاولة المهنة. في لبنان سُنَت بعد النكبة وبعد وصول اللاجئين الفلسطينيين إليه قوانين عنصرية تمنع الفلسطينيين من مزاولة مهن كثيرة وصلت الى أكثر من مائة مهنة، لكن مع مرور الزمن والاعتراض على ذلك أصبحت الآن قائمة الممنوعات تضم أكثر من سبعين مهنة، ممنوعة على الفلسطيني. مع العلم أن الفلسطينيين ساهموا بشكل كبير جداً في بناء لبنان الحديث على كافة الصعد، ولا يمكن لأي عاقل في لبنان أن ينفي ذلك. أما ما تردده الدعاية المضادة للفلسطينيين، الدعاية الانعزالية فهذا مجرد هراء. خاصة أن الانعزاليين كانوا ولازالوا أبواقاً وحلفاء للعدو الصهيوني.
في المخيم يمارس الأطباء المهنة في ظروف صعبة وبدون مقومات ومعدات حديثة. لكنهم يفعلون كل ما يستطيعون لعلاج مرضاهم وبالذات الفقراء والمحتاجين، غير القادرين على دفع مبالغ كبيرة لتلقي العلاج. فحالة الناس في المخيم معظمها صعبة وتحت خط الفقر. لذا العمل في تلك البيئة يتطلب صبراً وارادة وأخلاق عالية وانتماء وطني وحس انساني عالي. هذه الأشياء كلها متوفرة في غالبية أطبائنا وطبيباتنا بالمخيمات. خاصة في هذه الأيام حيث لبنان يعاني ويعيش أسوأ وأصعب أيامه وسنواته، تعيش البلد بلا كهرباء وبلا دواء وبلا مازوت وبلا “دولارات” ولا بوادر أمل بانفراجة سريعة. ففي لبنان يعيش من يملك “سيولة” و”كاش عملة صعبة”. فيما يعاني بشدة وربما يموت من لا يملك مرتباً ومدخولاً بالعملة الصعبة. أو يعيش فقط على المعاش بالعملة المحلية أو بدون أي عمل أو معاش في ظل هذه الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الانتحارية، التي تقف خلفها أيضاً تدخلات خارجية هدفها تغيير خريطة البلد السياسية والأمنية وتلبية مطالب العدو وحلفاءه المحليين والاقليميين والعالميين.
عندما عاد أطباؤنا وطبيباتنا الى مخيماتهم -تهن كانوا يعرفون وكن يعرفن كل تلك الأشياء وماذا ينتظرهم-ن والكم الهائل من الوقت والعمل والعناء في خدمة الناس. وافقوا ووافقن بإرادتهم –ن على ذلك وفضلوا وفضلن أن يكونوا ويكونن مع شعبهم-ن. فمصيرهم-ن مثل مصيره وهم ليسوا وهن لسن أفضل منه. لقد عملوا وعملن وأقاموا وأقمن في المخيمات مع أهلهم-ن. واظبوا وواظبن على المكوث يومياً في المخيم مع الناس وتقديم العلاج والمساعدة لهم. ولازالوا ولازلن يفعلون ويفعلن ذلك بالرغم من الظروف والأوضاع الأمنية السيئة التي عصفت بالمخيمات وخاصة مخيم عين الحلوة خلال السنوات العشرين الأخيرة.
الناس يحبون الأطباء المتواضعين، الانسانيين، الشعبيين، الوطنيين، المنتمون لوطنهم فلسطين ولشعبهم الفلسطيني، الذين لا يعيبهم العمل ولا العيش بين البؤساء والفقراء واللاجئين. لأنهم أبناء هؤلاء الناس كانوا ولازالوا فلسطينيين. كلنا نذكر أين كان يعمل الطبيبان الثوريان القوميان الكبيران الراحلان، جورج حبش ووديع حداد، المتخرجان من الجامعة الأمريكية في بيروت. كانا يعملان في مخيمات شعبنا بالأردن ومجاناً. بدون مقابل سوى راحة ضميرهم وخدمة وطنهم وشعبهم وأمتهم. وتعزيز الروح الثائرة والقومية والوطنية والفدائية لدى أبناء وبنات شعبنا وأمتنا. لذا يمكننا القول لهما: ناما قريرا العين فأطباء مخيماتنا يواصلون حمل رسالة الشرف الأخلاقية والمهنية الطبية والوطنية والانسانية التي بدأتماها في المخيمات قبل أكثر من 60 سنة.
نضال حمد
1-8-2021