تونس وتنوع الاستقطابات … هل تمهد لأبعد؟ – عادل سماره
إصطفافات متناقضة تظهر وتتمظهر تجاه ثورة الشعب في تونس. فالحدث هو تحرك الشعب العربي في تونس قبل أن يتحرك الرئيس نفسه، فأين الخلل ولماذا كل هذا الزعيق! فهل يمكننا القول أنها ثورة تمت تلبية مطالبها أولياً بشبه انقلاب لنسميها ” ثوقلابية”.
ومع ذلك، فمن المغامرة الكتابة عن حدث وهو جارٍ وطازج، ولكنه مغريات المتابعة سياسياً والقلق على قطر عربي يتخلص من براثن الدين السياسي المرتبط بالإمبريالية، وهذا حدث هام.
مختلف أو معظم من يتعاطى مع الحدث يركز هجومه أو نقده أو خبثه ضد الرئيس التونسي من جهة ويهتف باسم الشعب من جهة ثانية فاصلاً بين كليهما! ويطالب الرئيس بكنس أكثر من سبعين سنة من التبعية ونهب تونس ليتم ذلك في ساعات بل ايام!!!
على المستوى الدولي يتحرك العدو الغربي على مستويين:
· إعلام العدو الغربي يصرخ بوجوب التدخل في تونس لإعادة “الديمقراطية” قبل أن تقع بيد الشعب أي يدعو لإعادة تجليس قوى الدين السياسي والفساد على صدر الشعب والوطن. أنظروا إلى أل جارديان، نيويورك تايمز، فايننشال تايمز…الخ.
· في المستوى الرسمي هناك تمثيل وزعم العقلانية حيث يتصل حكام الغرب بالرئيس التونسي بكثافة مُربكة وبوفود صحفية لتبيان أن الرجل في مدار العدو الغربي، وجميعها داعيه لتشكيل وزارة وإعادة البرلمان…الخ. وهذا بحد ذاته تدخل وقح وأستذة وزعم أن الغرب يقود العالم ويُهندس منازل الآخرين. طبعا ليس الرئيس التونسي في وضع مصادمة هؤلاء بل هذا واجب الشعب ومؤيدي الثورة بأن يتحركوا في الشارع ضد تدخل الغرب وحتى ما تسمى نصائحه وهذا يدفع الرئيس إلى تجذير مواقفه مسنودا بالشعب.
في جانب آخر، إعلام الأنظمة العربية المعادية لشعبها اصلاً، تشن هجوما “ديمقراطيا” مفتوحاُ من لندن /أجهزة عزمي بشارة إلى الدوحة وطبعا عبر تركيا واتحاد ما يسمى “علماء” المسلمين الذي يمثل القشرة الحاكمة في العالم الإسلامي بمعنى ان دوره مثقف عضوي لأنظمة وطبقات تابعة! وموقف الإخواني الليبي خالد المشري رئيس “المجلس الأعلى للدولة” المندد بما سمّاه “انقلاباً”.
كل هؤلاء لا علاقة لهم بالديمقراطية الشعبية فما بالك بثورة الشعب. لذا، كان جميلا شعار بعض التونسيين “قاطعوا تركيا”.
بالمقابل، هناك أنظمة عربية تلجأ إلى الخبث سواء النظام المغربي أو الإمارات أو السعودي أو المصري…الخ ولذا، لا يهاجمون بل يثرثرون عن الحرص على تونس وشعب تونس وهي أنظمة ليست أهلاً للنصائح لأنها أنظمة عدوة لشعبها ودورها اساساً ضد العروبة بكل ما في هذا الوطن من قوميات وإثنيات …الخ. والمفارقة أن كل نظام يحاول أن يتصدر الأنظمة العربية في هذا المجال أو ذاك بمعنى أنها غارقة في منافسات التجزئة وليس الوحدة!!
من تابع رسالة ملك المغرب إلى الرئيس الجزائري لم يجد بها كلمة عرب إطلاقاً حتى لو من باب الخداع. كما أن محللاً مغربيا “برلماني سابق” تحدث على الميادين عن كل ما هب ودب في علاقة الجزائر والمغرب ووضع كافة الأخطاء على كاهل الجزائر ولم يتطرق كما لم يسأله المذيع:
· لا عن العروبة وكأن المحلل من ألاسكا وكأن المغرب هي اندونيسيا والجزائر هي روسيا.
· كما لم يسأله عن التطبيع.
ملك المغرب يحاول مشاغلة الجزائر عن اي دعم لتونس بل إن رسالته هي بداية اشتباك ضد الجزائر، وهذا يتسق مع إرهاب الرصاص في خلده/بيروت كجزء من محاولات طعن ثورة الشعب في تونس. وطن واحد يقابله إرهاب واحد لا انفصال بين حدث وآخر. أما قيام الإمبريالية المتهالكة/بريطانيا بوضع نقاط مراقية عدوانية بين سوريا ولبنان فيزيد التأكيد أن كل بقعة من الوطن قيد التهديد بل تحت عدوان.
ولكن، ماذا عن التونسيين رافضي موقف الرئيس التونسي عبر زعمهم تأييد مطالب الشعب. مطالب الشعب ايها السادة تعني أن تنخرط في حراك الشعب وأن تجذره، طالما تزعم أنك جذري وبهذا اساسا تقوي نفسك وقاعدتك الشعبية وتزيد خبرتك الكفاحية.
أما لجوء يسار إلى التنظير الذي يستدعي لينين ، بينما هم إنتظاريون، ويسار يتخدق إلى جانب قوى الدين السياسي/النهضة، يهاجم الرئيس ويطالب الديمقراطية ويلعن “الاستبداد” في ترديد مكشوف للهاث عزمي بشاره ولكن متى؟ اي تحت اي سقف زمني؟ !!! في أيام. وهذا الضغط في افضل حالاته هو جر الرئيس لقرارات سريعة تحتوي احتمالات واسعة للخطأ . كيف لا وهم انفسهم الذين يدينون الرئيس على خطئه في اختيار آخر رئيس وزراء هشام المشيشي والذي اصطف مع الغنوشي. ألا يتذكرون أن عبد الناصر في البداية تحالف مع محمد نجيب! وطبعا لم يكن محمد نجيب سيئا، لكنه لم يكن ثورياً.
وهناك بعض اليسار في تونس الذي يدعو لجبهة وطنية تقدمية يسارية واشتراكية، والسؤال هو: هل يشتغل هذا الفريق على المطلوب أي:
· المشاركة في الحراك الشعبي
· تشكيل لجان شعبية لحماية الشعب والثورة
· تشكيل لجان التنمية بالحماية الشعبية بدءأ بالتعاونيات المنزلية والغذائية ومن ثم الإنتاجية.
· التصدي لمؤامرات الثورة المضادة
· التوعية اليومية لمخاطر دور الغرب وتدخل الغرب ونصائحه الخبيثة
· التوعية من المطبعين العرب والفلسطينيين.
· حلقات تثقيف شعبي
لماذا لا نتوقع اشكال مؤامراتية من قوى الدين السياسي/النهضة وقوى الفساد من حلفائها بان تقوم باشكال من الطعن ضد الثورة تحت شعارات الحرص على البرلمان والديمقراطية وتشكيل حكومة…الخ سواء محاولة الغنوشي كسر أقفال البرلمان، واستقوائه بالغرب ودعوة الغرب للتدخل في حديثه مع الجريدة الإيطالية، والغرب الذي دمر ليبيا وهي اقرب مثال، وتهديد الغرب بموجات الهجرة بل البدء بتحريك موجات الهجرة كي يجد العدو الغربي فرصة للعدوان ولكي ترتبك السلطة التونسية ولكي يبدو الرئيس وكأنه لم يعالج شيئاً.
وهناك “فلاسفة” العرب اي بين يساري وقومي شوفيني وفاشي وحتى قومي ينكر المحرقة ضد اليهود ليثبت أنه عروبي، هؤلاء يغوصوا في خطاب الغرب عن “الديمقراطية والاستبداد والمطالبة بحكومة في ايام …الخ. بل بعضهم يتمسك بجزئيات صغيرة لإدانة الرئيس والتشكيك في موقفه من التطبيع مثل تسلل لاعب صهيوني إلى تونس وكأن الرئيس موظف مطار. في تلك الفترة كان الرئيس يشتغل على استعادة البلد وهذا وضع لا شك تمر منه صغائر.
إن الأستذة والتشكيك ارتكازا واتكاء على الزعم بالعروبة ينخرط من حيث النتيجة في خطاب اردوغان وقناة العربية والجزيرة وقنوات عزمي بشاره.
فلماذا لا يأخذ الرئيس وقته للاستشارات؟
كما يجب ان لا ننسى أن الرجل لم يطرح نفسه ابعد من كونه شخصية وطنية يحاول استعادة أموال الشعب لصالح الشعب. إن الحديث عن حجم الأموال المنهوبة ومنع المتهمين من السفر يبين بأن هناك ثروة في تونس تكفي لعيش كريم للناس وهذا يؤكد المقولة الاقتصادية المعروفة ل ماركس وغيره بأن:
“لدى كل شعب ثروة تكفيه إذا تم توزيعها بشكل مقبول”.
وهذا يطرح السؤال: ما الأجدى:
شكلانية ديمقراطية وبرلمان وحكومة تتعامل مع الأمور الملحة بيروقراطيا مع وجود ثغرات بل بوابات لتمرير ولتغطية الفساد، أم محاصرة اللصوص واستعادة ثروة الناس عبر حصر الصلاحيات بيد قوية وأمينة ولو إلى حين؟ وهذا لا يمنع تشكيل وزارة و حل مشكلة البرلمان أو حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة. إن المهم هو التنفيذ الميداني كي لا تُنهب خزينة الدولة بعد نهب جيوب الناس وحينها لا قيمة لتشكيل وزارة ولا لتعديل دستوري ولا لانتخابات برلمانية لأن الطبقات الشعبية والوسطى سوف تتدفق إلى الشوراع مجددا أو تُقمع إلى حين تنهض مجدداً.
هذا التقوُّل من جانبي ليس سوى اجتهادا. إنه بعيد تماماً عن الزعم بمعرفة الميدان الذي هو للشعب التونسي، فلا أستذة على الأستاذ الأول :الشعب. ولا ننسى أن التجزئة حالت دون عميق معرفة من بلد عربي بالآخر سوى معرفة المخابرات ووزارات الداخلية. لذا، لا أحد منا من حقه أن يُنِّصب نفسه “قوميسار” سياسي عقائدي عربي على كل الوطن، ولا “كومنترن” على الطريقة البلشفية.
نحبكم ولذا نتحدث.