الأسيران العارضة ويعقوب بكما يتشرف الشرفا
يوم أمس ليلاً وبعد يوم كامل حافل بالبوسطات والكتابة والتعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي بسبب خبر اعتقال الاسيرين العارضة ويعقوب، اللذين حررا أنفسهما في عملية نفق (فقوعة) أو سجن جلبوع الصهيوني الحصين المقام على اراضيها هو وسجن شطة. قمت بكتابة عاجلة عن الموضوع. ونشرتها قبل منتصف الليل بقليل. لكنني عندما صحوت فجر هذا اليوم وجدت خبراً مؤلماً ومحزناً ومفجعاً آخرا وهو اعتقال البطلين زكريا الزبيدي ومحمد العارضة شرق الناصرة حيث كانا متواريان عن الأنظار في منطقة أم الغنم. ولا يزال هناط بطلين أحراراً يتوارون في وعلى أرض فلسطين المحتلة، تتبعهم دولة الاحتلال الصهيوني واقمارها الصناعية واجهزتها الأمنية جميعاً وشرطتها وجيشها وعملاءها من العرب والفلسطينيين. بطلان بلا سلاح وبلا مأوى وبلا طعام وشراب يواجهان ستة ملايين من الصهاينة، في بعض الأخحيان ربما يحضوون بدعم شعبي من أشخاص فلسطينيين في ال 48 بالرغم من وحشية وقساوة العقوبات الصهيونية بحقهم في حال اكتشف الصهاينة أنهم ساعدوا الأسرى المحررين الملاحقين. فلا يمكن أن أقتنع بأن لا أحد من شعبنا ساعدهم. ربما لم تكن المساعدة كافية وكما يجب أن تكون، لكنهم بالتاكيد نالوا مساعدة ما من فلسطينيي الناصرة وضواحيها.
يوم أمس كتبت ونشرت التالي:
شئنا أم أبينا علينا الاعتراف بعجزنا عن مساعدة الأسرى الستة الذين نجحوا في الدوس بنعالهم على هيبة وقسوة السجن والسجان وعلى كيان الاحتلال الصهيوني كله، الدوس عليه بالأحذية والنعال، بكل صلفه وبطشه وارهابه، بكل ما يملكه من معدات وتقنيات وأجهزة أمن ومخابرات وتحصينات وجيش وشرطة ووحدات خاصة وكلاب أثر يهودية عبرية وأخرى فلسطينية وعربية.
إن العجز وعدم توفر من يمكنهم تقديم المأوى والمساعدة لهم حتى يصلوا الى بر الأمان في الضفة أو القطاع أو حتى في الجولان أو الأردن، شيء يدعو للحيرة وللحزن وللخجل. لكننا نحيا في زمن فلسطيني صعب، زمن لا يشبه الفلسطينيين بشيء. العجز شبه شامل واللامبالاة شبه عامة. زمن سوس الاستسلام والسقوط والهزيمة والتطبيع الذي لازال ينخر في شعبنا وأمتنا منذ ما قبل وبعد أوسلو وأخواتها وأجهزتها للتنسيق الأمني وقيادتها لنشر ثقافة الهزمية والتطبيع والاستسلام وحتى العمالة للاحتلال.
بالرغم من السوداوية البادية على كلامي إلا أنني مقتنع تماماً بأن الأسرى تلقوا المساعدة من فلسطينيين في فلسطين ال ٤٨، فلولا ذلك لما تمكنوا من البقاء في الحرية ومتخفين كل هذه الفترة، التي استمرت أياما عديدة.
يبدو أن الأسرى انقسموا الى ثلاث مجموعات كل محموعة تضم أسيرين وبالتأكيد كل مجموعة اتجهت الى مكان جغرافي مغاير ومختلف لتشتيت العدو وأجهزته الأمنية، بغية عدم توفير أي إمكانية للعملاء والجواسيس لكشف مكانهم ومتابعة مغامرتهم التي ستصبح اسطورة فلسطينية وربما تمثل فيلماً عالمياً سينال جوائز بالجملة. فالفرار من سجن مثل سجن جلبوع محصن بكل وسائل التقنية الحديثة والحراسة والبناء والجدران والابراج والمساحة الخالية وبعدها الجبال والأحراش، والكلاب البوليسية… وحراس سجن يقومون بتسجيل عدد الأسرى كل ربع ساعة والخ .. هذا عمل أسطوري بالفعل. وربما اشتغل عليه الأسرى لسنوات، بأداوتهم البدائية التي تم فيها حفر النفق. مثل ملاعق الطعام.
هؤلاء الستة الملائكيين، الفدائيين، المقاومين، الذين حملوا ولازالوا يحملون أرواحهم على أكفهم استطاعوا أذلال وقهر كيان الاحتلال وكل ما يملكه هذا الكيان الاستعماري، الأمني، العسكري، الاحتلالي من قوة وتكنولوجيا وتفوق.
هؤلاء الشبان الشجعان تنفسوا الحرية وتمتعوا بمشاهدة أرض وطبيعة فلسطين وتعرفوا على أهلهم في فلسطين ال٤٨ حيث خط المواجهة الأول بيننا وبين الصهاينة المحتلين.
أنا على يقين بأن فلسطينيين من هناك قدموا المساعدة لهم واحتضنوهم وربما كانوا على تنسيق معهم قبل الانتهاء من حفر النفق والخروج من السجن الى الحرية. فما قيام الاحتلال بنشر خبر أن شرطياً فلسطينياً درزياً من الناصرة قام بالوشاية بهم وفي الناصرة بالذات، سوى محاولة منه لدق إسفين بين أبناء شعبنا الفلسطيني في داخل الداخل المحتل وفي الضفة والقطاع حيث الحصار والعزل والمواجهات اليومية والجدار العازل والمستوطنات والحواجز. فعملاء الاحتلال والذين يخدمون في جيشه من كل الطوائف الفلسطينية وإن كان الأكثرية والأغلبية والأقدمية للدروز والبدو منهم.
هؤلاء الأبطال الستة حاولوا ونجحوا في تحقيق الحرية ولو لأيام ولم يخسروا شيئاً. أما البطلان العارضة ويعقوب إذا صح ما قيل عن اعتقالهما يوم أمس الجمعة، فهما إن شاء الله سوف يكونان ضمن صفقة تبادل الأسرى المرتقبة. يجب أن يكونوا كلهم في حال استطاع الاحتلال اعادة اعتقالهم ضمن صفقة التبادل القادمة، من أجل اذلال الاحتلال مرة أخرى.
أمل من كل الفلسطينيين والعرب وأحرار العالم عدم نشر صور الأسيرين لحظة إدعاء العدو باعتقالهما ولا حتى فيديو اعتقالهما لأن نشر هذه الصور أو الفيديو يخدم مآرب العدو. فالأخير يريد إظهار البطلين ضعيفين وهما في حقيقة الأمر بطلين صنديدين وعظيمين. لقد واجها جيشاً متوحشاُ ومتطوراً ودولة وحشية فاشية بكل أجهزتها الأمنية. واجهوا أيضا الذين يعملون في خدمتها من الصهاينة وصهاينتهم. نعم واجهوا كيان كامل من 6 ملايين صهيوني مع كل عملاءه.
هم الذين حققوا حريتهم بأيديهم وصبرهم وصمودهم وعبر حفر النفق في مؤخرة الاحتلال وخرجوا للحرية من نافوخه. فلم يخسروا شيئاً وتنفسوا الحرية وشاهدوا بلدهم المحتل فلسطين قبل أن يقعوا في فخ عميل سلمهم للعدو أو قبل أن يتم اعتقالهم بطريقة أو بأخرى.
هم رايتنا وبهم يتشرف الشرفا.
نضال حمد
١١-٩-٢٠٢١