انا وعبد الكريم العراقي – حسام الدلكي
في منتصف التسعينيات كنت قد امضيت سنواتي الاولى في المانيا . سنوات ثقيلة تمضي ببطىء شديد لزجة كلزوجة القوانين والبيروقراطية الرتيبة الالمانيه .. بعد تجوال وترحال بين عدة سكنات اختارها القدر لي ولم اخترها انا ابدا .. حط بي الترحال في بيت متواضع كان سابقا فيلا فحولت الى شقق صغيرة وغرف مقسمة يسكنها المهاجرين القادمون الجدد الى المانيا في منطقة صناعية نائية جدا تبعد عن مركز المدينة حوالي خمسة او ستة كيلوا مترات اسمها القديس بيتر St peter..فقط محاطة بالمصانع من كل اتجاه .. لا يربطنا في البلده دورماغن والحضاره سوى باص رقم 875 ياتي كل ساعه مره وفي نهايات الاسبوع كل عدة ساعات مره واحيانا لا ياتي ابدا .. وكان سائق الباص ينظر بريبة وإستعلاء لكل ركاب المحطه لان اغلبهم مهاجرين جدد .. كان جيراني من سريلانكا وتركيا وروسيا الخ
كنت في النصف الاخير من العشرينيات من عمري .. وكان عالمي وعلاقتي محصوره ما بين عمل جزئي وعائلتي في هذه المنطقه النائية والمعزولة عن المجتمع كان اولادي كل عالمي وكان صالح قد مليء علي الدنيا فرحا وصخبا .. كان الشتاء قاسي لم يكن هناك فضائيات تذكر ولا انترنت . ولا حتى كتب اقرئها واحرق بها الوقت .. في هذه الوحدة تعلمت العاب الكمبيوتر .. فكنت امضي ساعات طويلة العب نينتاندو ودون توقف .. طبعا اقلعت عن هذه الالعاب بعد فترة وجيزة والى الابد ..
جاء الصيف قاسيًا كما كان الشتاء قاسيا … فاذا باب بيتي في الطابق الارضي يطرق .. كان رجل بولندي صديق وما زال للان صديق .. يشتغل في البلدية يقول لي وصل لهذا السكن رجل عربي ارجو منك مساعدته كوني لا افهم الانجليزية .. سررت بذلك اخيرا لست في المنفى لوحدي .. ذهبت للطابق الاول وجدته شاب ثلاثيني ضخم الجسم ويعرج قليلا وله لحية مهذبة على الطريقة العراقية .. كان بداية متوجسا وسيء المزاج .. اترجم له واساعده وهو ( متعجرف ) في ردوده ويضع رجل على رجل . وكان يتكلم مع زوجته بلغه اسمعها لاول مره .. عرفت لاحقا انها اللغة الكردية رغم ان كلاهما يتكلم العربية وهذا اثناء ترجمتي له ؟ كان متوجسا مني على ما يبدو!!! .. مساء مع حلول الظلام ذهبت للطابق الاول وعزمتة مع زوجتة على طبق الحلوى الاردني او الشامي ( بلاد الشام) المشهور ( هريسة او هرايس ) .. نزلوا لعندنا على إستحياء .. تعارفنا .. هو عراقي من اصل كردي ( كان عراقيا اكثر مما هو كرديا ) من سكان الكويت سابقا وكان يعمل ميكانيكي سيارات كان له قبل غزو العراق للكويت محل لتصليح السيارات في مدينة الكويت اسمه عبد الكريم . وزوجتة خريجة كلية هندسة من جامعة بغداد لا اذكر اسمها الان لكن اصبحت لاحقا ام احمد عراقية كردية من اربيل .. لم يكن معهم اطفال وقتها .. رغم عشر سنوات من الزواج .. سياتي لهم لاحقا وحيدهم احمد وسنفرح به كثيرا .. سالته لماذا توجست مني شرا وانا احاول مساعدتك اليوم ؟ فأجاب ضننتك انك تستدرجني لمصلحة الالمان ؟ والصراحة ظننتك يهودي ؟؟؟؟ قلت متعجبا انا يهودي كيف وصلت لهذه المواصيل ؟ فقال لاني رأيتك حليق اللحية والشوارب فقلت في نفسي هذا ليس عربي ابدا ؟؟؟ من جهتي بررت لنفسي ظنونه كونه جديد وقد يكون عانى حتى دخل الى المانيا واستقر واتى من مجتمع مدمر نتيجة الحصار الامريكي الظالم وتحت حكم به الوشاية عنوان للوصول للمجهول .!!!
لم يكن هناك ما يجمعني بعبد الكريم سوى الضحك والنكت الدائمة فهو ليس له اهتمامات سياسيه عكسي تماما .. يكره صدام( رغم اعجابه باسلوبه الديكتاتوري ) ويكره جلال طالباني ويكره مسعود برازاني ولا يحب احد ابدا من السياسيين وغير السياسيين .. عكس زوجته التي كانت تؤيد الحزب الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني اعتقد ليس لاسباب سياسية كونها غير مسيسة قط .. فقط لاسباب مناطقيه جهوية عشائرية كونها من اربيل .. وهو ايضا ليست له اهتمامات ثقافية او عروبية او اي شيء يجمعنا معا .. فقط اهتمامه اعتقد كان محب للافلام الاجنبية وهذا ساعده باللغة الانجليزية .. اعتقد جمعني به الوضع المعزول الذي جمعنا معا .. وروح النكات وهي من طبعي وطبعه كذلك .. و كونه ابن العراق فكان هذا يكفيني .. هو قال لي انه تربى بين الفلسطينيين في حي اعتقد اسمه الفروانية في الكويت معظم سكانه من الفلسطينيين.. وفعلا لهجته معي كانت اللهجة الفلسطينية عكس زوجته ذات اللهجة العراقيه الجميلة ..
اصبح عبد الكريم جزء من يومياتي بل جزء مهم .. ينزل لعندي كل مساء احيانا نتعشى معا واغلب الاحيان ناكل حلوى الهريسة معا ( كنت لغاية تلك المرحله اتناول الحلوى بكثره قبل ان يزيد وزني واتراجع خشية من الامراض خاصة مع تقدم العمر ) .. كان عبد الكريم يتناول الحلوى بكثرة .. وكان يمزح ويطلق النكات والضحك كثيرا .. اضافه الى مزاحي الدائم اصبح هناك جو من المرح والحياة في هذا السكن المعزول والميت وشبه المشترك .. انا من جهتي تعودت على الحياه المشتركة منذ زمان طويل فمنذ سن الثامنه عشر غادرت الاردن الى الجزائر لاسكن سكن جامعي مشترك فتعودت الحياه المشتركة وتعودت ان استوعب الاخر .. واخذت شيء من البوهيمية في طريقة حياتي رافقتني للان ( الصراحة بهذا العمر اصبحت احب الانعزال والخصوصية واستمتع به من شغلي وبيتي وعائلتي وهواياتي الخاصه ) .. فهمت عبد الكريم وفهمت مزاجه المتقلب وباطنيته فكان يظهر احيانا غير الباطن الذي بداخله واعتقد كما قلت بسبب طبيعه الحكم الذي عاش في ظله في العراق ايام صدام حسين .( الاحظ نفس الملاحظات على اخوتنا السوريين ) لذلك كانت تجتاح عبد الكريم موجات من ( النكد ) دون ادنى داعي احيانا .. فكان مزاجيا في اغلب الاحيان .. لاني لاحظت انه ما. ان اعرفه بشخص ما سرعان ما يصطدم مع هذا الشخص بعد فتره وجيزة ودون اي سبب وجيه ؟ فلم يكن له صديق سوى كاتب هذه السطور .. سأستنتج لاحقا انه اضطر ان يعاملني بشكل جيد ومنفتح لاني لم اترك له مجال الا ليثق بي ويحبني كانسان ..
في احدى الايام نزل لعندي وقال خذني الى الطبيب فاصبع رجلي ازرق ولا يؤلمني ؟
اخذته لطبيبي الخاص الدكتور فرانك الرجل الانسان .. بعد علاجات استغرقت مني ايام ذهابا وايابا مع عبد الكريم للدكتور فرانك للترجمه اكتشف الدكتور انه مصاب بداء السكري وان السكري متقدم في جسده .. بدأ يعطيه حقن الانسولين..
استمر يسهر عندي تقريبا كل ليله مع زوجته وكان يحرص ان يوصي على الحلوى وكنت ارفض ان اعطيه وكان يغضب جدا لذلك … مع الوقت اكتشفت ان سوء مزاجه ومشاكله لها علاقه بداء السكري مما شفع له عندي كثير من تقلبات مزاجه ؟ ولزيادة هفواته ومشاكله اصبح التعامل معه صعب وغير مريح ومزعج احيانا .. ففي احدى الايام وكان محتاج الى فلوس دبرت له عملاً مؤقتاً في تركيب شبابيك لاحدى المساجد وكان صديقي الحالي ورفيق الغربة الحاج كمال الجزائري ( الان اصبح ايضا زميلي بالعمل ) هو من طلب مني عامل وكان يعمل مع شركة المانيه مختصه بتركيب الشبابيك فاحضرت له عبد الكريم ليحسن من وضعه المادي خاصه بعد ان اكتشفت انه اصبح يذهب للطبيب العجوز كل فترة يتحايل عليه ليكتب له حقن أنسولين وأجهزة كشف فحص السكر في الدم الخ وكان يبيعها لصيدلي مرتشي عديم ضمير بثمن بخس .. بكل الاحوال بأول يوم عمل افتعل مشكله مع الحاج كمال دون سبب وجيه …. !!! وبذلت جهود جباره ان لا يطرده من العمل فنجحت لبعض ايام فقط ..
سيكون الدور القادم لي .. افتعل معي مشكلة لا اذكر سببها ابدا ولم يكن لها اي داعي ؟ فقررت ان اقاطعه لانه اصبح ثقيلا ؟ من طبعي لا احقد ابدا ولا اجيد عمل المشاكل واكره جو التشاحن والتباغض والمجادلات لذلك ابتعد عن مصدر المشاكل لارتاح واهرب بنفسي … فعلا قاطعته عدة ايام وارتحت من مشاكله اللامتناهية … صباح ذات يوم وكان نهاية الاسبوع هبطت زوجته لعندنا تبكي وتقول انتم اهل واخوه لنا تحملوا زوجي لانه مريض ارجوكم .. حزنت لكلامها فخرجت وفتحت الباب وصرخت انزل عبد الكريم ساعمل لك صدر كنافه واكثر عليها ( قطر السكر ) وليس فقط هريسة لارتاح منك للابد .. فاجهشت زوجته بالبكاء والضحك وقالت عبد الكريم في المستشفى ولا احد معه يساعده ؟؟ مساء اخذت دراجتي النارية الصغيره وذهبت اليه وكان الجو ربيعي جميل … كنت استمتع بالهواء يلامس وجهي .. ذهبت الى غرفته ملقى بالسرير كئيب الوجه .. قام بوجه حزين كئيب قائلا انت افضل انسان تعاملت معه .. انا مريض واعصابي متلفه من السكر لذلك سامحني .. شتمته ببذاءه مازحا .. ضحكنا وتعانقنا وكأن شيئا لم يكن .. نزلنا ساحة المستشفى نتمشى بالحديقة .. كان يروي لي كيف ان حياته ستمسي صعبه بعد جدول تحديد الطعام القاسي وقائمة الممنوعات التي كتبها له الاطباء وان رجله مهدده بالبتر ومهدد بفقدان البصر .. خاصه ان مرض السكر متوارث في عائلته كابرا عن كابر .. واثناء سيرنا بالحديقة ونسيم عليل يلامسنا سمعنا صوت موسيقى صاخب ياتي من بهو المستشفى .. اقتربنا قليلا .. وجدنا فتيات وشابات يلبسن ملابس ( سواريه)فساتين السهره .. انا قلت اليوم الجمعه اي نهاية اسبوع لا بد ان هناك احتفال ما ( كانت هذه العاده سنوات التسعينات دائما ما تجد احتفالا اخر الاسبوع ) .. نظر عبد الكريم لفتاه ترتدي فستان اسود سهرة انيق يبرز من جوانبه ومن صدره مفاتن وبضاضة جميلة .. قال لي ابو صالح في ( هون كرخانة) ؟ اجبت مستغربا يا متخلف هذه مستشفى وليست دار دعاره .. ضحكنا واكملنا نتابع مصدر الصوت والموسيقى الصاخبة الذي بدأ يزيد ويعلو ؟ فهبطنا الى اسفل طابق بالمستشفى وجدنا هناك ما لذ وطاب من مشروبات وبوفية مفتوح وسلطات مع جو راقص جدا الخ .. دخلنا دون استئذان .. العجيب هو في بيجامه النوم وانا ارتدي جينز .. دخلنا البوفية وانغمسنا معهم اكلاً وشرباً وضحكا وكاننا اصحاب الحفله .. نهرت عبد الكريم انتبه لما تأكل وتشرب .. صاح غاضبا انها الجنه يا ابو صالح يقطع حظك اسكت؟؟ فسكتت ؟ كانت هناك حفله للمرضات والعاملين بالمشفى لا اعرف سببها وكان يدير الحفله مسؤول التمريض وهو رجل اسود كبير في السن من اصول افريقية وكان يقدم لنا ما لذ وطاب بصدر رحب هو وابنته واصبحنا انا والرجل الافريقي لاحقا اصدقاء بعد تقاعده ومرضه من خلال عملي ..
امضينا ليلة صاخبه من اجمل الليالي .. منتصف الليل رجعت للبيت وطمأنت زوجته التي كانت تنتظر في بيتنا .. لقد تركته يرقص فرحا !!!!
خرج عبد الكريم من المشفى واحتفلنا بذلك في بيتي بعشاء فاخر الا ان عبد الكريم لم يلتزم ابدا بقائمة الممنوعات التي اعطاها له الطبيب !!!!
بدأ المنزل الذي نقيم به يأتيه مهاجرون جدد وبأعداد كبيرة ومما هب ودب .. واعتقد تشاجر عبد الكريم مع نصفهم او معظمهم لاتفه الاسباب .. كنت انا عمليا اقود النظام في المنزل وافصل في اي اشكال يقع وكان هذا مرحب به من قبل الجميع .. فكثيرا ما كنت حكما في مشاكل عبد الكريم الا متناهية ..
في ليلة شتويه وقعت حادثة سرقة او شيء من هذا القبيل واتت الشرطه مع كلابها البوليسية وكانت ليله مشهوده بين بعض الافارقه والشرطه … قلت لعبد الكريم ان هذا المكان لم يعد آمن وانا عندي مبلغ بسيط من النقود اذا سرق مني ساعود للصفر … قال لي انه خبير في اخفاء الاشياء .. ضحك هو وزوجته وقاموا باحضار مفك وفتحوا علبة مفتاح الكهرباء اعطيتهم النقود ووضعوها داخل العلبه واقفلوا العلبه ؟؟ قالوا لا يمكن لانس او جن ان يصل لهذا المكان .. فرحت بذلك وارتحت وكنت اثق به ثقه عمياء كاخ لي في هذه البقعة المعزولة من العالم …لكن هل كان يبادلني نفس الثقه ؟ هذا ما سيأتي لاحقا ..
بعد عشر سنوات زواج جاء الطفل المنتظر لعبد الكريم وزوجته .. اسمه احمد .. فرحنا جميعا بهذا اليوم العظيم .. كان ابني صالح ابن العامين عنوان لتلك السهرات وكان عبد الكريم يقسوا احيانا على صالح ويتعامل معه كولد بالغ راشد !!!! ولم اكن انهر عبد الكريم كونه ما زال لم يجرب الاطفال بعد ..
في احد نهفاته العجيبه التي لا انساها واثناء سهره في منزلي وكانت زوجته معه … قال لي هل تعلم ابو صالح ان الرجل بعد عشرة سنوات زواج من نفس الزوجه تتحول الزوجة من زوجه الى اخت له !! قلت له كيف توصلت لهذه النظرية؟ قال لي عندما تصل لعشر سنوات زواج ستصبح ام صالح اختك العزيزه ؟ واردف قائلا لزوجته؟ شو رأيك اختي ام احمد ؟ فأجابت كلامك صحيح اخي ابو احمد وضحكنا كلنا من قلوبنا. … طبعا بعد ذلك بدأت النكات على مدار اشهر .. مثلا ياتي لعندنا يسال اختي ام احمد عندكم ؟ او يجدني لوحدي فيسئالني اين اختك ام صالح ؟ وتطور الامر ان كان لنا جار تركي متزوج قديما .. فأقنعه عبد الكريم بنظريته .. فاصبح يساله كلما وجده كيف اختك ( بشيره ) اسم زوجته .. او يقول لي ساذهب للتسوق غدا انا واختي ام احمد .. كان له نهفات لا تنسى ابدا …
اتى لعبد الكريم ضيف من مدينة بون هو ابن خالته ليبارك له بالمولود احمد .. امضينا ليله بالضحك والنكت حد الاغماء .. وهم يكلموني عن مغامراتهم بالكويت .. وقصصهم غريبه واحيانا مقرفه لكنها ذات طابع كوميدي .. مثلا كيف اصطادوا فأرا وقطعوا رجليه بشكل فني ووضعوا له حديد اسلاك ليصبح فأرا آلياً!!! وكيف شقيقة قطع ذنب قط بضربة حجر واحده ؟؟ كانوا جدا عجيبين في طريقة تفكيرهم واذكر انهم قالوا اجمل حكم بالعراق هو الاعدام ؟ لماذا ؟ لان الرجل يتمرجح مسترخيا على حبل المشنقه بعد موته ؟ قلت لعبد الكريم هل انت بعقلك ؟ فأجاب يا ابو صالح المشنقة ( مرجيحة الرجال ) تذكرت حفلة اعدامات محكمة المهداوي في ستينيات القرن الماضي في العراق .. وكان عبد الكريم يفكر بشكل سادي مع ابن خالته فسال عبد الكريم لو يقع في يدي الفنان كاظم الساهر هل تعرف افضل طريقة لتعذيبه .. طبعا ابن خالته اقترح عشرات الطرق التي لا تخطر ببال انسان حتى في العصور الوسطى .. الا ان عبد الكريم رفض كل مقترحات ابن خالته السادية واقترح طريقة عجيبة يذل بها كاظم الساهر للابد ؟ ؟ انتظرنا اقتراح عبد الكريم .. فقال انه سوف يحضر شفرة حلاقه حاده ويقطع أوتاره الصوتيه من حنجرته ويتركه بحال سبيله ؟ وصارا يقلدان صوته بعد قطع اوتاره الصوتيه وسط ضحك هستيري وأعترف انه اغمي علي من الضحك تلك الليله … رجع ابن خالته الى بون وعبد الكريم يقول قصائد شعرية بابن خالته يمتدحة .. بعد يومين او ثلاث يرن جرس الهاتف وكنت الوحيد الذي يمتلك هاتف منزلي في العماره الصغيرة ( قبل اختراع الهواتف المحمولة) فاذا به ابن خالة عبد الكريم .. طلب عبد الكريم .. فلم يكن موجود كان ذهب مع زوجته حسب ما اذكر لجنوب المانيا لاقارب لزوجته هناك … اتصل بعد يوم فقلت له لم يأتي بعد ؟ فصرخ في وجهي انك كاذب !!!! جن جنوني واغلقت التلفون ؟ رجع عبد الكريم من سفره .. اتصل معه ابن خالته وشتموا بعض شتائم لا تسمعها الا في الحانات !!!! لم اعرف السبب ولا اذكر السبب الان .. في المساء كان عبد الكريم مسترخيا ويشرح لي كيف كان يزور دار خالته ليستمتع بعراكات وضرب ابناء خالته لبعضهم البعض حد الاغماء احيانا !!! فكان لخالته عدد كبير من الاطفال يتعاركون كل مساء ويقع قسم منهم على الارض مضرجا وكان يضحك وهو يقول اتذكر معركة احد في فلم الرسالة وانا اشاهدهم ؟؟؟ سأكتشف لاحقا ان لكل عائلة عبد الكريم تراث كبير وعريق في المشاكل فيما بينهم !!!!واخبرني عن مشاكل والده ووالدته فتزوج والده من زوجه ثانيه .. ومعارك والدته مع ضرتها وزوجها واولادها ومع اخواتها ( خالات عبد الكريم ) ومرضها بداء السكري نتيجة حتميه لتلك الحياه الحافله بالمعارك…..
في يوم من ايام بداية الشتاء زاره مجموعه من الرجال لهم شوارب كثيفه جدا ووجوه عابسة جدا كانهم قادمون من قبر .. جلسوا عنده في البيت يتكلمون بلغه كردية .. فقررت الانسحاب حتى اتركهم يرتاحون مع بعض دون احراج … لحق بي عبد الكريم بوجه عابس وهو يقول هولاء اخوات الق.. ح .. به ( كان يستعمل هذه الكلمه مع كل شخص يذكره !!)هم اقرباء زوجتي كونها مغروره بكبر ومكانة عشيرتها فصار يلعن ويهدد زوجته وضيوفها .. قلت له لا يجوز ان تترك ضيوفك وتهبط لعندي .. شتمهم مرة اخرى ورجع لبيته وكان خائفا منهم لا اعرف لماذا … بعد ان اولمت زوجته لاولاد عمومتها ذهبوا بالمساء راجعين .. بعد تلك الحادثه كان لعبد الكريم وام احمد جولات لا تنتهي من المشاكل والعراك… هي موجوده اصلا لكن زادت وتيرتها …
حتى لا اطيل عليكم مئات التفاصيل … ذات صباح يوم بارد حملت اغراض وحقائب كثيره مع ام احمد وعبد الكريم ووضعناها في الباص المتجه لمحطة القطارات .. قال لي عبد الكريم ستذهب زوجته في اجازه الى اقاربها جنوب المانيا .. كان يتكلم طوال الطريق معها باللغه الكردية فلم احاول ان افهم شيئا .. حملنا لها الحقائب مع الطفل الصغير احمد وانطلق بها القطار لا اعرف الى اين ولم يدر في خلدي ما كان يخطط له مع زوجتة واني ساكتشف لاحقا انني اداة تنفيذ ساذج استخدمه وزوجته لكني لم أفكر بالغدر من طرفه ابدا …
كون عبد الكريم اصبح في غرفته يسكن لوحده فكنت اسهر عنده يوميا … كل زيارة اجد ان اثاث البيت يتناقص!!!! طلب مني ان اساعده في تفكيك بعض الاثاث .. فكوني لا اعرف ابدا شغل التركيب والفك واصلاح المنزل ( المثل الالماني يقول عندي يدين اثنتين شمال ) فقلت له احضر لك الحاج كمال ليساعدك .. وفعلا هذا ما حصل … بناء على طلبي كان يأتي الحاج كمال يفك له الاثاث وهو يحشوه في كراتين كبيره .. لاحقا طلب مني مساعدته بالكراتين كونها كبيره وبعثها الى البريد .. احضر الحاج كمال سياره كبيره واوصلنا اغراضه الى البريد … مساء لم يبقى في منزله سوى السرير .. قلت له ماذا تفعل ؟ فأجابني اشحن الاثاث لجنوب المانيا لاقارب زوجتي ؟ لم يكن كلامه مقنع لكني حقيقه لم ادقق فهو حر في منزله ؟ كان يهبط لعندي يتعشى كل يوم كون منزله لم يعد به اي شيء من اغراض المطبخ .. قال لي الحاج كمال هل هذا الرجل صادق معك وهو متقلب جدا ؟ اعطيت الحاج كمال عشرات المبررات عن حالته النفسية ووضعه مع اقارب زوجته وان زوجته تساعد اقاربها في تاثيث منزلهم في جنوب المانيا ؟ ضحك الحاج مستغربا دفاعي عن عبد الكريم .. الاحد يوم عطل وممل جدا … عملت الشاي وخرجت لغرفه عبد الكريم ليهبط يشرب الشاي معي كالعاده.. وجدت البيت مفتوحا فارغا تصفر به الرياح ولا يوجد به احد .. بحثت عنه طوال النهار دون جدوى… !!!! انتشر خبر اختفائة .. وبدوري مكثت اسابيع اترقب البريد عسى ان يبعث لي رساله اعرف مصيره اين ذهب .. مع مرور الوقت تيقنت انه قد يكون سافر الى بريطانيا او السويد ولم يخبر اي احد حتى اقرب الناس اليه وهو انا فالمنطق يقول ان زوجته سبقته وقدمت لجوء في احدى هذه الدول وهو سيلحق بها ؟ .. فطالما شتم المانيا والالمان رغم انه تحصل على الاقامه بشكل جدا سريع واصبح بامكانه السفر والتحرك .. .. وكان يكرر ان اقاربه مرتاحون بالسويد .. وبريطانيا افضل كونه يتحدث الانجليزيه بشكل مفهوم .. كم كنت غبيا وانا احمل له الكراتين الى البريد على مدار ايام .. لم افكر حتى بقراءة العنوان على الكرتونه… كنت اثق به .. والظاهر انه لم يكن يثق بي ابدا !؟ مكثت اسابيع واشهر بعد تلك الحادثه انتظر رسالة منه.. لم تصل الرساله للان .. عشنا حوالي عامين او اقل قليلا كأخوة … وها هو يختفي حتى دون كلمه وداع ؟ لا اعرف ان كان حيا ام ان داء السكري قضى عليه كونه كان اخر الايام جدا يعاني من اطرافه وهو شخص لا يمارس اي حمية غذائية ابدا … اعترف اني لو القاه لن اتردد في احتضانه.. كثير من التفاصيل والذكريات وليالي شتاء طويله جمعتنا نروي حكاياتنا لبعض .. وكنا نتبادل النكات ونضحك من قلوبنا .. الله يسامحك ويسهل عليك عبد الكريم العراقي ابو احمد
( من دفاتر مذكراتي .
بلجيكيا / منطقة بحر الشمال الحدود الفرنسية . الاحد 31/10/2021