المُنصف المرزوقي وراء القضبان… – فوزي بن حديد
المُنصف المرزوقي وراء القضبان.. ما تداعيات ذلك على سياسة تونس؟ – فوزي بن حديد
ولم تكتفِ السلطات التونسية بسحب الجواز الدبلوماسي منه في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بل عمدت إلى الدعوة إلى اعتقاله ومحاكمته على الجرم الذي اقترفه بحق وطنه تونس.
منذ إجراءات الخامس والعشرين من شهر تموز/يوليو الماضي، تشهد تونس تجاذبات سياسيّة بين مختلف الأطياف الحزبية والمنظمات المجتمعية والسياسيين، انقسم التونسيون في إثرها إلى قسمين؛ قسم مع رئيس الجمهورية السيد قيس سعيّد وقسم آخر ضده. وقد أثار ذلك شجون التونسيين بين فرحة غامرة وعارمة، واستياء ومعارضة، وكلا الفريقين عبّر عن رأيه تحت شعار “الديمقراطية للجميع”.
وفي تونس التي شهدت ثورة على الاستبداد والديكتاتورية، قامت ثورةٌ أخرى في الداخل على كل منْ يستقوي بالدول الأجنبية لإحباط المسار التصحيحي الذي اتخذه السيد قيس سعيّد، فانبرى الشعب التونسي غاضباً على أيِّ تصريح يمكن أن يمسّ بتونس من قريب أو من بعيد.
وفي ظلِّ هذه الأحداث المتسارعة في البلاد، أثارت تصريحات الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي الرأي العام التونسي، باعتباره ما جرى حينذاك انقلاباً على الشرعية، وطلبه فرنسا عدم التعامل مع الحكومة المعينة من قبل سعيّد لإفشال مشروعها الإصلاحي، ومناشدته إلغاء القمّة الفرنكوفونية التي كانت ستُعقد في تونس، وتحديداً في جزيرة جربة.
كلّ ذلك كان من سيّئات المرزوقي التي تراكم بعضها فوق بعض في الفترة الأخيرة، في محاولة منه لاسترجاع شعبيته التي انهارت منذ أن تخلّت عنه حركة “النهضة” في انتخابات 2014م، ومنذ أن اتهمها بالكذب والطعن في الظهر إثر تحالفها مع الباجي القايد السبسي ومنحه أصوات مناصريها.
وبعد أن تعمّد السيد المرزوقي فِعْل ذلك لكسب أصوات التونسيين من جديد، من خلال مواجهة الرئيس سعيّد وإعلان الحرب الإعلامية والنفسية عليه عبر بعض القنوات التلفزيونية، أضحى كبش فداء للمتآمرين على تونس من خلال هذه النوافذ، وصار يرسل إشارات سلبيّة أساءت إلى تونس أكثر مما أفادتها.
ولعلَّ زيارته إلى فرنسا ولقاءه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وطلبه عدم التعاون مع الحكومة الجديدة هو الذي أفاض كأس خيانته لوطنه، في ما اعتبرته السلطات التونسية دعائم كافية لتوجيه التهمة إليه، ولا سيما أنَّه كان يحمل الدبلوماسية التونسية بصفته الشرعية السابقة.
ولم تكتفِ السلطات التونسية بسحب الجواز الدبلوماسي منه في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بل عمدت إلى الدعوة إلى اعتقاله ومحاكمته على الجرم الذي اقترفه بحق وطنه تونس.
أعتقد أنَّ هذه الخطوة قد تثير الرأي العام التونسي، وخصوصاً من قبل أنصاره – إن كان له أنصار – وقد يستغلها البعض لحسابات سياسية ضيقة لنشر الشائعات وإحداث البلبلة السياسية، بعد أن وضعت الحكومة الجديدة قدمها في مسار الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولكنها، في رأيي أيضاً، خطوة مهمة وضرورية لقطع الطريق على كلِّ من يريد السوء لتونس ويستقوي بالدول الأجنبية لإحداث الشقاق السياسي في بلاده.
وهناك من يقرأها من جانب حقوق الإنسان، ويرى ما تم إقراره اعتداء على حرية التعبير، وإذلالاً للرئيس الأسبق، وتنكيلاً به، لمعارضته سياسات الرئيس قيس سعيّد، ويحاول أن يقلب الصفحة ليُرينا وجهها الآخر ويخفي الوجه القبيح، لأنه لا يستطيع أن يكون موضوعياً في طرحه، بعد أن كشفت الدولة التونسية تآمره الواضح على كيانها من خلال تحركاته المعادية وتصريحاته المثيرة.
لكنَّ الحقيقة التي لا يمكن أن تختفي أو أن يخفيها أحد أنَّ الرجل عندما شعر بالإهانة ممن كان يعتقد أنهم سيناصرونه ثم خذلوه، أراد من خلال هذه التصرفات المجنونة أن يحفظ ماء وجهه، لكنه في الحقيقة صبغه بصبغة ترفضها التربة التونسية الطيبة التي لا تنبت إلا طيباً، وترفض أي بذرة هجينة يمكن أن تسكن في جزء منها.
ومن المؤكّد أنَّ الرئيس التونسي الأسبق خسر مكانته السياسية بعد هذه التصريحات. واليوم، وبعد تداول هذه الأخبار، وبعد استقراء الأحداث، اختارت السلطات التونسية في عهدها الجديد أن تُصدر مذكرة اعتقال دولية بحقه، بعد أن تمادى في نشر التصريحات المشينة لبلاده والمسيئة إلى الوطن، لتبرهن للعالم أجمع أنَّ كل من يتعدى الخطوط الحُمر لا بدَّ أن يعاقب وينال جزاءه، ولو كان المذنب بحجم الدكتور المنصف المرزوقي، وهو ما يؤكد سياسة العدل وتطبيق القانون التي اتبعها السيد قيس سعيّد في مساره الإصلاحي بحق كلِّ من يسيء إلى تونس من قريب أو بعيد.
نعم، هذه تونس الجديدة. تقف صارمة في وجه من يتعدى عليها متبجحاً أو مستقوياً بالأجنبي، أياً كان، أو يحاول النيل من أمنها، بعد اكتشاف نفق بمسافة 300 متر يصل إلى مقر السفير الفرنسي في العاصمة، لتعلن أن كل ذلك لن يمر مرور الكرام، بل ينبغي أن يُحاسب كل مسيء، حتى لا تسول نفس أيٍّ كان للتطاول على بلادنا بأيّ شكل من الأشكال.
إن الخطوة التي اتخذتها السلطات التونسية من شأنها أن تُقوّي موقف رئيس الجمهورية أمام الشعب، وهو الذي وعد أنه سيحاسب كل الفاسدين والمتورّطين والمسيئين إلى هذه البلاد وشعبها، ولن يترك لهم مجالاً للتنفس لإحداث الفوضى أو نشر الشائعات وإفشال ما كانت تريد أن تُقْدم عليه الحكومة برئاسة نجلاء بودن.
عاشت تونس حرّة أبية في عهدها الجديد، قوامُها محاربة الفساد، وعنوانُها تنمية البلاد والمحافظة على المكتسبات، لتزدهر ورودها من جديد ويعبق ريحها إلى بعيد.