لماذا يُريد واحدكم أن يكون رئيسا؟! – رشاد أبوشاور
ما زلت أتذكر فيلما من بطولة الفنان الراحل فريد شوقي، وهو يدور حول شبيه لإمبراطور سيحضر زائرا (للبلد) و..عليه خطر، فكان أن تمّ الاهتداء إلى شخص فقير يعيش حالة بطالة يشبه الإمبراطور الذي سيحضر في زيارة، وهناك خشية عليه من اغتياله..يعني سيقوم (الدوبلير) بالدور الخطر لقاء أجرة لزمن محدود، هو زمن الزيارة!.
عرضوا على (الدوبلير) أن يلعب الدور، وألبسوه الزي الفخم، وعلّموه كيف يتصرّف كإمبراطور. في لحظة ضاق ذرعا بالتمثيلية التي لا تناسبه، وتوسل لمن ( التقطوه) من الشارع:
-يا اخوّانا أنا عايز شغلانة ثابتة!
كلما تناهت إلى سمعي أخبار( المجموعة) في رام الله، وصراعاتهم التناحرية التي يظنونها خافية عن شعبنا المُجرّب العريق، على (الوراثة)و(التركة) أُدهش، وتخطر ببالي حكمة وتواضع الإمبراطور المُزيّف: يا اخوانّا أنا عايز شغلانة ثابتة!
والحقيقة، وهذا ما أراه، أن (الشغلانة)-شغلانة رئيس للسلطة الفلسطينية بعد رحيل أبي مازن..أمد الله في عمره- غير ثابتة، بل وخطرة، من جهة العدو الذي يحتل (كل) فلسطين، سيما الضفة والقطاع.والذي سيبهدل صحّة -تعبير ملطّف- من يخلف الرئيس أبومازن، وسيواصل مصادرة الأرض، وزرع المستوطنات، واعتقال النساء والرجال والأطفال، ومصادرة أموال( المقاصة) بحيث يضعف أكثر وأكثر موقع ( الرئيس) الخلف، ويبتزه، و…
ومن جهة أُخرى فإن الشعب الفلسطيني لن يقتنع بشخص غير(تاريخي) بسهولة، فأبومازن هو آخر تاريخيي قادة فتح، وبعده سيكون الانتقال إلى من جاءوا في حقبة ما بعد التأسيس،وفي ظروف ملتبسة، فالمتصارعون المتنافسون لم يكونوا قد بدأوا مع الرصاصة الأولى، وهم برزوا في زمن إسكات الرصاص والانتقال للتنسيق الأمني، والوعود بدولة فلسطينية لم تتبق لها أرض، وباتت معلقة كيافطة تلعب بها الرياح وتثقبها وتمزقها …
قبل أيّام في جلسة مع أصدقاء، مناضلين قدامى، أخبرني أحدهم: أتدري! الأخ أبومازن – صديقي فتحاوي أصيل- كلما رأى أولئك الأشخاص يتجولون حول مكتبه فإنه يعاملهم بنفور ويخاطبهم يغضب: روحوا إلى الناس. اسمعوا كلام الناس، و..تفاعلوا معهم، وانزلوا للشارع..ولكنهم يضحكون بعد ابتعادهم، و..يواصلون اللف والدوران حول المكتب، ونيّال من يتاح له الدخول وتبادل الكلام، اي كلام، مع الرئيس.
هذه البطانة درجت على هذا السلوك، وتربّت في زمن المكاتب والامتيازات، وهي لن تُغيّر ما نشأت عليه، وأحسب أن ابا مازن يعرف أنهم لن يبتعدوا عن ( المقاطعة)..ولا أقصد مقاطعة الاحتلال!
قلت لصديقي: هذا يذكرني برواية ( ـندريه مورياك) الروائي الفرنسي المعنونة ب( عُقدة الأفاعي)، والتي تدور حول رجل متقدم في العمر، يملك ثروة، وهو في حالة احتضار، يتمدد في سرير فوق الشرفة المطلة على الدور الأول حيث يتجمع كل أفراد العائلة منتظرين رحيل الوالد صاحب الثروة الكبيرة التي يتصارعون بصمت لينال كل واحد منهم النصيب الأكبر منها..وكان الرجل يسمعهم، وهو لا يموت، مستمتعا بصراعاتهم غير الخافية عليه، ويأسف لحالتهم المخزية المنفرة التي تحركها أطماعهم وجشعهم وعدم وفائهم…
بحسب ما يتوفر لدي من معلومات، ولدى غيري أكثر مما لدي، فإن أفراد (المجموعة) يُجمّعون الأتباع والمحاسيب، بل وما تيسر من السلاح – ليس لمقاومة الاحتلال-للتلويح به في وجوه الطامعين الآخرين، و..ربما ينسجون جميعهم علاقات ، يعتبرونها شطارة وسياسة، مع كل الجهات التي أوصلت الوضع الفلسطيني إلى هذا الحال المزري، كي تبارك تطلعاتهم لمنصب قد يخلو في أي وقت، والأعمار بيد الله، بينما صاحب التركة من الذكاء بحيث لا يُسمي واحدا منهم للمنصب بشكل حاسم، وهو يترك تركة كلها أعباء ومشاكل وتعقيدات..ولعله يقيدهم بتصريحاته الأخيرة المتواصلة عن خيارات بديلة، و..من سيأتي بعده ستطيح وتعصف به الخيارات، فإن واصل الخيارات القديمة المستكينة (الكلامية)..فهو بنظر شعب فلسطين معزول ومتهم، وإن قاوم فلا بد له أن ينزل للشارع…وهو نزول يكلفه أن يتخلّى عن كل الامتيازات، يعني بلا حراسة، ولا مال، ولا وحدة وطنية، ولا مصالحة، ..وليس له سوى الشعب الفلسطيني الذي يواصل تقديم الشهداء، والأسرى المضربين، والأسيرات المقهورات..والأرض التي تطوى من تحت أقدامه، والتطبيع بين حكّام تابعين يخونون القدس وفلسطين وشعب الجبارين..ولا خيار له سوى أن يكون ( رئيسا) مقاوما جاهزا للسجن وللشهادة..وهو يعلن انتهاء زمن (الخداع) الأمريكي الاحتلالي الصهيوني..وأكاذيب التابعين (العرب)!
لست متشائما، وثقتي بشعبنا العريق ومقاومته كبيرة، ولكنني قلق جدا، وحزين جدا، و..سأبقى قلقا من أشخاص يتسابقون على( رئاسة) بلا أهمية، وهمومها ثقيلة، والمطلوب منها وطنيا تكلفته كبيرة، وهي غير ثابتة..ومن يريدون المنصب، والوجاهة، ومواصة إطلاق تصريحات تندد بالممارسات التي لن توصل إلى حل الدولتين يحسبونها دائمة ، ولديهم الجاهزية للقبول بها رغم تواصل خسارات فلسطين وشعبها!!
أ
نا أنصح أولئك الأشخاص جميعا: ابحثوا عن (شغلانة) ثابتة، يعني قاوموا مع شعب فلسطين، وكونوا قادة في الميادين، وبرهنوا على أنكم لم تعودوا تثقون بأمريكا عدو فلسطين..وأن المشروع الصهيوني لن يمنح الفلسطينيين دولة حتى في أريحا وحدها..تكفيكم أوهام ( أوسلوية) كلّفت فلسطين وشعبها الكثير الكثير الكثير!