المناضل الراحل علي عبدو البكري – الحلقة الثانية والأخيرة
في شهر أيلول – سبتمبر 2001 مرض علي بكري في غزة حيث كان يقيم بعد العودة الى فلسطين من تونس. للأسف الشديد فقد إستشرى مرض عضال في جسده ويبدو أنه لم يكن يعرف ذلك… وهذا حال الكثير من الناس الذين يقتلهم ذاك المرض اللعين.
في شهر أيلول المذكور وصل لسليم البكري في ميونيخ اتصال من زوجة شقيقه أبلغته خلاله بأن علياً مريض بالسرطان وأنه يحتاج للعلاج. ثم أرسلت له صور أشعة وتحاليل طبية، قام سليم بعرضها على أطباء ودكاترة يعرفهم ولهم مراكزهم في ميونيخ الألمانية، فسليم نفسه يعمل معالجاً طبيعياً وبدنياً في ميونيخ. كما عرض التحاليل والصور على مراكز طبية مرموقة في ميونيخ. حيث أكد له جميع الأطباء هناك بأن شقيقه علي مريض والسرطان قد انتشر في كل جسده. كما أن مدة بقاؤه على قيد الحياة قد لا تتجاوز ال3 شهور إلا إذا حضر الى ميونيخ للعلاج فقد يعيش 6 شهور لكن بالنهاية الأعمار بيد الله.
قال لي سليم بكري بأنه عمل المستحيل لإحضار شقيقه علي بكري للعلاج في ميونيخ. فقد كان سليم يريد لأخيه الميت لا محالة أن يحيا ستة شهور بدلاً من الشهور الثلاثة التي حددها الأطباء له، في حال بقي في غزة.
صديقي سليم بكري والذي كنت زرته اثناء دراسته في مدينة كارل ماركس الألمانية الشرقية صيف سنة 1988، حيث قضيت بصحبته وقتاً جميلاً كان في ذلك الوقت بشوق للقاء شقيقه علي الذي كان مع الشهيد القائد أبي اياد في تونس. عندما تم اغتيال القائد صلاح خلف إنتاب القلق سليم بكري فلم يكن يعرف ماذا حصل مع شقيقه علي، هل إغتيل أيضاً أم لازال حياً. بقي كذلك الى أن اتصل به علي وطمأنه بأنه على قيد الحياة. بعد تلك المكالة انقطعت أخبار علي عن سليم لبعض الوقت. فتبين أنه غادر تونس الى الجزائر، لكن فيما بعد عرف سليم بأن شقيقه علي أصبح يسكن مع عائلته في غزة.
حين تحدثنا عن تلك الفترة من مرض علي ووجوده في ميونيخ قال لي سليم بأن مدة اقامة شقيقه علي عنده في ميونيخ كانت من أجمل فترات حياته لكنها كانت أيضاً من أقساها بالنسبة لي، فقد كان يعرف إنها آخر مرحلة من حياة أخيه التي قضاها فدائيا منذ صباه حتى تمكن مرض العضال منه، المرض الذي لن يدعه يعيش أكثر من عدة أسابيع. لقد كانت تلك هي الفترة الأصعب التي لأول مرة في حياة سليم تعرف فيها على شقيقه عن قرب.
قال سليم بقينا معاً لأسابيع ولم يكن يريد العودة الى غزة حيث عائلته. كان يريد أن يرتاح قليلاً ولم يكن يعرف أن بانتظاره راحة أبدية بعد شهور قليلة. لقد كانت مرحلة قاسية وأليمة حيث كان أخي يتوجع ويصرخ بالليل. صراخ وألم ووجع وتمنيت وقتها أن آخد عنه بعض الوجع والألم لكثرة حبي له” يقول سليم بكري.
سليم بدوره كان أخفى عن إبنة شقيقه حقيقة مرض والدها وبأن السرطان قد تفشى في كل جسده وأنه لا أمل بأن يحيا أكثر من ستة شهور. كان يتألم كثيراً لأنه يرى شقيقه علي وهو يموت ببطء أمامه. يتوجع ويتألم ويصرخ في غالبية أوقات اليوم.
أما ألاصعب لسليم كان تعامل المنظمة وفتح مع شقيقه، الكادر في المنظمة والحركة، الفدائي الذي كان معروفاً للجميع من القادة حتى رئيس السلطة نفسه. المنظمة تركته لوحده يصارع الموت وترددت وتباطأت في مساعدته والسؤال عنه. من بعد انتهاء فترة العلاج والكيماويات، وبالمناسبة علي بكري كان يعتقد بأن معه سرطان خفيف أما سليم فقد تمنى أن يتعرف على أخيه في مناسبة مختلفة عن تلك.
في شباط فبراير سنة 2002 توفي علي بكري شهيد المرض العضال والتباطؤ والاهمال واللامبالة من قبل السلطة. في ذلك الوقت اتصلت زوجة علي بكري بشقيقه سليم وأخبرته بأن علياً فارق الحياة.
أما سليم الذي آلمه مرض أخيه وأحزنه رحيله الذي كان مؤكداً قال: “من خلال تجربة أخي تعلمت بأن المناضل والفدائي الشريف لا أحد يسأل عنه. أما الفاسد والخائن فالكل يحسب له حساب. ويستحضر سليم من ذاكرته تسلسل احداث وصول وعودة شقيقه الى غزة. قال بأن رئيس السلطة فيما بعد “أبو مازن” اتصل به وسأله إن كان صحيحاً أن شقيقه علي يتلقى العلاج عنده في مدينة ميونيخ الألمانية. سأله “هل صحيح علي عندك بميونخ”… كما وسأل أيضاً عن كيفية وصول شقيقه علي الى ميونيخ لأنه حسب عباس كان من المفروض أن يتعالج في مصر وليس في ألمانيا. صديقي سليم أجابه: “هو أخي وموجود عندي ووضعه خطير”. لكن لاحظت بأنه (عباس) لم يأخذ كلامي على محمل الجد، فقد كان كل همه أن يعرف كيف خرج شقيقي علي من غزة ووصل الى ميونخ للعلاج فيها وليس في مصر”.
يتذكر سليم كذلك أنه قبل دخول شقيقه المستشفى طلبوا منه أن يأتي بموافقة منظمة التحرير الفلسطينية أو مكتب السفارة الفلسطينية في برلين. في ذلك الوقت كان السفير عبدالله الافرنجي. تواصل معه سليم وطلب منه بأن يرسل فاكس للمستشفى بأن شقيقه علي بكري على ضمانة السفارة الفلسطينية. عبد الله الإفرنجي سفير المنظمة والسلطة وعضو اللجنة المركزية لفتح رفض إعطاء ضمانة. فأضطر سليم لدفع مبالغ ضخمة كضمان لعلاج شقيقه علي. لكن سليم استدرك وقال “فيما بعد تدخلت السفارة وقدمت ضمانة للعلاج ومشي الحال”… صديقي يا سليم بكري عقبال ما نصحى يوماً ما ونرى السلطة وقد زالت هي والاحتلال من مشهدنا الفلسطيني. رحم الله الراحل علي عبدو البكري الذي قدم حياته لفلسطين.
إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف
26-12-2021