إلى مثواه في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك الشاعر الفارس خالد أبو خالد يعود شهيداً…
إلى مثواه في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك الشاعر الفارس خالد أبو خالد يعود شهيداً… ومازال يحلم “بسيلة الظهر”
يا حمام الشام الذي لاينام
يا حمام البيوت التي لاتموت …شفق …أو غسق
خاص دمشق : أحمد علي هلال –اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين
في موكب مهيب شيعت جماهير شعبنا الفلسطيني والسوري جثمان شاعر فلسطين الكبير الشاعر المحارب خالد أبو خالد، وذلك بعد ظهر يوم الأحد 2/1/2022، إلى مثواه الأخير في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك، حيث شارك في التشييع عدد من ممثلي فصائل وتحالف القوى الفلسطينية رسمية ثقافية ووفد رفيع من اتحاد الكتاب العرب يتقدمه د محمد حوراني رئيس الاتحاد وعدد من رفاق دربه أعضاء الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين ووفود شعبية، وفعاليات شعبية وحزبية وشخصيات ثقافية ووطنية، ليخترق الموكب شوارع دمشق الرئيسية ، دمشق التي أحبها الشاعر الكبير وأقام فيها بوصفها وطنه الثاني، بعد رحلته القسرية في المنافي والعواصم، لكن الأدل رحلته الشعرية الزاخرة بالعلامات العالية وبالعناوين الباذخة، رحلة شاعر عاشق ظل ينشد للبلاد ناهضاً بأغانيه الطليقة وقصائده المديدة مدوناً إياها على سطور تاريخ يستعيده الشعر ليذهب في عمارة الأرواح، وينهض كما سارية تخفق بعلم البلاد، متجذراً في أرض الشعر والحياة وقابضاً على جمر قضيته بكل ما أوتي من صبر واحتمال ورؤيا..
كانت وصيته أن يصلى عليه في مسجد المحمدي المجاور لبيته ليرتفع الآذان بصعود فارس، ظل وفياً للقضية حتى آخر خفقة في قلبه، وليذهب محمولاً على النداء في شوارع دمشق، مختزناً في صدره روائح الياسمين ومصافحاً وجوه مودعيه بابتسامة عالية، ليصل مخيم اليرموك.. يتهادى الموكب قليلاً لعل أبي خالد يسترجع ذكرياته وذاكرته في مخيم بدأ ينفض غبار الحرب عنه ، كان وما يزال خزاناً للثورة الفلسطينية والتي ظل أبو خالد أحد شهودها وسادن مواويلها، ومن هجروا منه عشية حرب ضروس، ظلت ظلالهم تنتظر ذلك الغرناطي العائد شاهراً جسارته والكبرياء، وضم بيديه كل الورود التي انتظرته على الشرفات، وليمضي الموكب بتسارع محسوب إلى حيث يرقد من سبقه من شهود الثورة ورجالاتها وقادتها وأبطالها، الذين سيستقبلون عريساً جديداً سيضمه التراب مخضباً بدم الفارس ووهج قصائده المحاربة.،سيرة قسامي سليل القساميين، تضوع في الشوارع والأزقة والبيوت ، تاريخا يصافح تاريخ ، وقضية ، تتوهج برجالاتها ، شهودا وشهداء . الآن هنا..
الآن هناك تأتي (سيلة الظهر) بالبلاد كلها لتشعل شمعة وسط عراء المنافي، فكل البلاد في إثره زاحفة، ودمشق بتمام الموعد ستحتضن عاشقها الأثير، ورويداً رويداً ستتفجر الينابيع في مقامه والحضور، كان رفاق الدرب يعتصرون أحزانهم وبفرح أقل لمن أتم رسالته كاملة، وطير (عوديساه) لتصير في السماء نجوماً وأمطاراً وما سوى فضة الروح تبرق في الزمن الجديد، زمن الصعود إلى وطن ظل سطراً أبهى في مدونة الحياة. قال لهم أبو خالد: فلسطين أمانتكم فهي الهوية والعنوان وبيت القصيد، فاذهبوا إليها خفافاً لأنها مازالت تنتظركم، مازالت هي الوعد، وإني قد سبقتكم إليها عائداً من غربتي لائذاً بأبجديتي، صارت قصائدي حمام الشآم، كتابها الذي لا يمسه سوى العشاق ومن افتدوا، أنتم صورة وجهها الأخير. قبيل الوداع..
ظل الياسمين يعانق نرجسة هناك، ويبثها من سيلة الظهر رسالة إلى دمشق، مرَّ المحارب من فوهة بندقية لم تنحنِ، ولن تُباع كما قصيدة ظلت هناك على الروابي، تومئ للسهل لئن تتكاثر شقائقه، وللأقصى ليرتفع فيه الآذان كما أجراس الكنائس تقرع. قال المحارب : هو دمي نخيل للنخيل.. خذوه لتبنوا وطناً في العينين مزنراً بمآثر الشهداء وآلام الأسرى وصبر المرابطين، خذوه لتورق القصائد في الجليل داليةً تهزم الريح بمشيئة المقاوم.. تصبحون على وطن.. تصبحون على وطن.