بوتين وحلم استعادة الدولة السوفيتية – نضال حمد
ذات يوم قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن “انهيار الاتحاد السوفييتي أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين”. هذا كلام لضابط كان عمل سابقاً في جهاز المخابرات السوفيتية الشهير كي جي بي. ثم أصبح أقوى رئيس لروسيا منذ سقوط وتفكك الاتحاد السويفتي، أخذ على عاتقه مهمة إعادة أمجاد الامبروطورية الروسية والاتحاد السوفيتي.
سنة 2016 في معرض جوابه عن سؤال وجهه له أحد الصحافيين حول الاتحاد السوفيتي، أجاب بوتين: “من لا يراوده الأسى لغياب الاتحاد السوفيتي، إنسانٌ بلا قلب، ومن يعاوده التفكير في إمكانية إعادة مثل هذه الدولة، إنسانٌ بلا عقل”.
هذا الكلام يدلل على مدى تأثر بوتين بانهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي. ويقودنا الى فهم تفكيره المستقبلي والذي يعتمد على اعادة بناء الدولة العظمى واستعادة التاريخ والأمجاد التي غابت وتفككت. ما يدلل على ذلك قوله قبل نحو شهرين من الآن وتحديداً في 13-12-2021 في تصريحات صحافية، أنه بعد تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي عمل كسائق تاكسي لتحسين حالته المالية. ووصف انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي بأنه انهيار لروسيا التاريخية. في ذلك الوقت أثارت تلك التصريحات التكهنات حول نواياه تجاه أوكرانيا، الجمهورية السوفيتية السابقة. أما اليوم فنرى أن بوتين قرر تغيير الخريطة بعدما فشلت كل محاولات روسيا مع الناتو كي يبتعد عن مناطق يعتبرها جزءا من أمنه الاستراتيجي. لذا قرر البدء بإعادة السيطرة ولو جزئيا أو كنفوذ مباشر على مناطق يعتبرها جزءاً من الامبروطورية الروسية ومن الاتحاد السوفيتي. ويعتبر دخولها في حلف الناتو تدخلاً في الشأن الروسي وعدواناً على روسيا.
بالنسبة للغرب فقد أصبح الآن متيقناً من ذلك، وإذا لم يقبل بمطالب روسيا في أوكرانيا ستكون الحرب العالمية الثالثة، لكنها لن تكون حرباً مثل سابقاتها فتهديدات بوتين للغرب هذا اليوم الخميس 24-2-2022 كانت واضحة جداً وبنبرة عالية جداً وغاضبة جداً. وهو يعرف على ما يبدو مكامن الضعف عند الغرب. واستغلها بشكل جيد، فلو كان الغرب حريصا على اوكرانيا ويريد منع غزوها روسياً لكان وافق على عضويتها في حلف الناتو قبل غزوها. فدخولها في الحلف ربما كان يجعل الروس يفكرون في عواقب الغزو والمواجهة المباشرة مع الناتو، هذا من جهة أما من جهة ثانية يبدو أن الروس درسوا كل الخيارات والاحتمالات واتخذوا قرارهم. فيما الأمريكان كانوا متأكدين من ذلك فألتزموا سياسة التهديد بالعقوبات الاقتصادية وليس أكثر من ذلك. كما أنني شخصياً لا أظن أن العالم مستعد أو جهاز لمثل هذه الحرب المدمرة، التي قد تقضي على كثير من الدول والأمم وعلى النظام العالمي برمته، هذا إذا ما قضت على البشرية.
هذه الحرب التي نشهدها الآن في أوكرانيا ربما هي بداية التغيير الجدي في النظام العالمي الذي قام بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. نظام القطب الأمريكي الواحد الذي نشر الفوضى والرعب والارهاب في العالم أجمع وبالذات في العالم العربي. هذه الحرب ستكسر سيطرة الطرف الواحد على العالم مرة واحدة وإلى الأبد. لكن ثمنها سيكون مرتفعاً وباهضاً جداً. ربما دول حلف وارسو سابقاً ستكون أمام خيارات صعبة جداً وامتحان صعب خاصة تلك التي تشهر عدائها الشديد لروسيا، بحكم العلاقة التاريخية المتوترة والصدامية بينهما، ولأسباب واعتبارات مختلفة. يجب أن لا نقبل كفلسطينيين بلادنا محتلة، قيام دول باحتلال دولاً أخرى. ويجب علينا أن نتفهم مخاوف بعض الشعوب تلك من التجربة التاريخية التي عاشوها خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية وما تبعهما في سنوات الحرب الباردة وما بعدها. كما علينا أن نتفهم مخاوف روسيا من حصارها من قبل الناتو والولايات المتحدة الأمريكية.
دول وشعوب المعسكر الاشتراكي سابقاً لا تشعر بأي ود اتجاه الدولة الروسية وتعتبرها خطراً دائما على وجودها. نفس هذه الدول والأنظمة تساهم بقوة في الحملة التحريضية والاعلامية ضد روسيا، متسلحة بالأمريكان والناتو، حيث أقيمت لهم قواعد عسكرية وأمنية واستراتيجية على حدود روسيا، ونشرت فيها صواريخ أمريكية استراتيجية تهدد الوجود الروسي. الأمريكان موجودون على حدود تلك الدول مع روسيا، فإن اشتعلت الحرب فإن تلك الدول ستكون عرضة للدمار الشامل قبل ولايات أمريكا المتحدة. لذا على شعوب اوروبا الشرقية أن تتمهل وتفكر بعواقب سياسيات أنظمتها المشبعة بالعداء والكراهية لروسيا بسبب العوامل التاريخية والتجارب السابقة.
صحيح أن تلك الشعوب والدول لازالت تعيش تحت وطأة وثقل التجربة السابقة مع الروس الذين تعتبرهم كانوا غزاة ومحتلين احتلوا بلادهم في السابق. عليهم أن لا يضعوا كل بيضهم في سلة الولايات المتحدة الأمريكية التي خذلت على مر التاريخ دولاً وأمماً كثيرة ليس آخرها في افغنستان والعراق والأكراد… كما أن بريطانيا وفرنسا سبق وخذلتا بولندا نفسها في الحرب العالمية الثانية حيث تركت وحدها تواجه الجيش النازي الذي تمكن في النهاية من احتلالها. ولم تلتزما بالاتفاقية الدفاعية المبرمة بينهم ونفس القصة حصلت مع رومانيا والتشيك… الخ.
صحيح أن النزاعات التاريخية بين الدول المجاورة لروسيا وألمانيا، القوتين العظمتين في أوروبا لازالت ماثلة في عقول الأوروبيين وذاكرتهم وخاصة دول شرق اوروبا، التي بدلت الثوب السوفيتي بالثوب الأمريكي والأطلسي. لكن كل عاقل يجب ان يبحث عن التفاهم والسلام بين الشعوب وليس عن الحرب، فالحروب تدمر وتهدم ولا تبني الأوطان. أعتقد ليس هناك في الدنيا أسوأ من الحروب والاحتلال والارهاب ودائما الأبرياء هم من يدفع ثمنها. فنحن في فلسطين منذ سنة 1948 ندفع ثمن خطأ عالمي وأوروبي بل ثمن جريمة ارتكبها العالم الغربي المتصارع فيما بينه الآن، والذين ارتكبوا الخطأ الجريمة بحقنا لا يفكرون بالاعتذار عن الجريمة أو تصحيح الغلطة. بل يواصلون دعمهم للاحتلال الصهيوني ولارهابه بحق الفلسطينيين.
نضال حمد
25-2-2022