كنعان النشرة الإلكترونية السنة الثانية والعشرون – العدد 6314 – 25-6-2022
كنعان النشرة الإلكترونية السنة الثانية والعشرون – العدد 6314
25 حزيران (يونيو) 2022
في هذا العدد:
■ إلى المؤتمر القومي والإسلامي: التطبيع كيافطة، عادل سماره
■ بغداد بين احتلال المغول والجيش الأمريكي، الطاهر المعز
■ سأعود وساقي معي، قصّة غير افتراضية: رشاد أبوشاور
■ كالينينغراد: كعب أخيل الروسي، إيغور سكورلاتوف، ترجمة د. زياد الزبيدي بتصرف
✺ ✺ ✺
إلى المؤتمر القومي والإسلامي: التطبيع كيافطة
عادل سماره
https://kanaanonline.org/2022/06/25/%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d8%aa%d9%85%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%88%d9%85%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b7%d8%a8%d9%8a%d8%b9/
تحية للجميع،
أمَّا والشعار الأوضح لهذا التجمع هو “مناهضة التطبيع: جميل جداً
ولكن:
ماذا سيصدر عن المؤتمر في هذا اللقاء؟
صحيح أن مصر بقيادة السادات أعلنت التطبيع رسميا ومارسته. هذا دون أن نعود إل عام 1918 أي التطبيع السعودي والهاشمي ثم العلاقات العشقية بين عديد الحكام والكيان. ودون أن نعود لتفنيد أكاذيب من طراز “هذا النظام العربي حليف أو صديق للغرب” بينمالغرب عدو هو الذي جزَّء الوطن العربي.
ولكن،
أولاً: أليس كل نظام عربي و/أو إسلامي واصل علاقاته مع النظام المصري من جينه أو عزل هذا النظام ثم عاد إليه، هو نظام تطبيعي. فالتطبيع مع المبطع هو تطبيع.
ثانياً: إن تمرير تطبيع مصر والتطبيع مع مصر هو الذي ولّد التطبيع الفلسطيني والأردني ومن ثم القطري والإماراتي والمغربي والسعودي المتخفي. ..الخ.
ثالثاً: إن اي حزب عمل في اي قطر عربي متصالح مع نظام مارس التطبيع أو مارس التطبيع مع نظام تطبيعي هو تطبيعي.
رابعاً: وهذا ينطبق على المثقفين.
خامساً: إن رفض التطبيع ثلاثي: اي رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، ورفض التطبيع من التطبيع العربي ورفض التطبيع مع الدول التي تحتضن العدو وهي عدوة للعرب أساساً ومبدئيةً.
وإذا كان هذا التحليل صحيحاً، فهل على أجندة المؤتمر خطة، مسارا، خطابا للوقوف ضد كل هذا التسونامي التطبيعي؟
أو على الأقل، إعلان وجوب التخلص من العلاقة بهؤلاء المطبعين، أو دعوة الشارع العربي لاعتبار كل من طبعوا مع العدو مطبعين يجب التصدي لهم.
عبء كبير، ولكن، هل من مسار آخر؟
سألت هذا السؤال فقط لأن رفض التطبيع هو كما يبدو يافطة المؤتمر.
✺ ✺ ✺
بغداد بين احتلال المغول والجيش الأمريكي
بغداد قبل الغزو الأمريكي الأطلسي
ملخص مترجم من اللغة الإنجليزية (ترجمة غير رسمية وغير محترفة) عن صحيفة “Counterpunch” – 24 يونيو 2022، بتصرف وإضافات بشأن العنوان وبعض التفاصيل والتّواريخ…
الطاهر المعز
https://kanaanonline.org/2022/06/25/%d8%a8%d8%ba%d8%af%d8%a7%d8%af-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d8%ad%d8%aa%d9%84%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d9%88%d9%84-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8a%d8%b4-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d8%b1%d9%8a/
توسّعت الدّولة الأموية (عاصمتها دمشق) بين عامي 661 و 750 إلى الهند والنوبة ومصر وإسبانيا، وأثبت غزو الإسكندرية أنه كان مجزيًا للغاية، لأنه من خلال الاستيلاء على المدينة، وضع العرب أيديهم على المخطوطات القديمة الباقية لمكتبة البطالمة (بطليموس)، وهي خزانة غنية بالمخطوطات اليونانية العلمية والفلسفية، وفي 750 ، حلت الدولة العباسية محل هذه الدولة الأموية واتخذت من بغداد عاصمة لها، وهي مدينة ذات موقع استراتيجي على نهر دجلة.
دُمِّرَتْ بغداد عندما احتلّها المغول سنة 1258 م، مما أسفر عن مقتل مئات الآلاف من البغداديين وحرق عشرات الآلاف من المخطوطات ونهب وتدمير ما يزيد عن 500 عام من الإنجازات الثقافية التي كانت تُمثّل ذروة الحضارة العربية في العراق. وكان التّدمير الثاني والأشدّ خرابًا، 2003 ، عندما حوّلت جُيُوش أمريكا برئاسة بوش الأبن وتابعه البريطاني توني بلير (اثنان من برابرة العصر الحديث) وحلفاؤهما، بغداد إلى ركام، لتكتمل بذلك عملية الدّمار الشامل التي بدأها بوش الأب سنة 1991 ، والحصار والقصف الجوي الذي نفذه الجيش الأمريكي، في ظل رئاسة كلينتون، وطيلة عشر 10 سنوات، وأدّى الحصار إلى موت مليون طفل من سوء التغذية ونقص الأدوية، وكذلك بسبب اليورانيوم المنضب والأسلحة المسرطنة وأسلحة الدمار الشامل الأمريكية.
كانت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت فخورة بدعم هذه الجريمة ضد الإنسانية التي ينبغي أن تذكر العرب بحروب الفَرَنْجَة، أو “الحروب الصليبية” كما يُسميها المُعتدون الأوروبيون…
شارك قادة الناتو وخبراؤه ووسائل الإعلام والسياسيون الذين تسببوا اليوم في الحرب الدّائرة في أوكرانيا، في مذبحة وتهجير (نزوح) ملايين المدنيين العراقيين والسوريين واليمنيين والليبيين والأفغان والفلسطينيين، ورَوّجَ هؤلاء القادة للجشع وكراهية الأجانب والعنصرية والتعصب والحقد، لتوليد الدعم للتدمير “الغربي” للعديد من البلدان العربية، ولإنهاء فترة من الازدهار المادي والفكري.
المساهمة العربية في تنمية البشرية
اخترع الصينيون الورق حوالي سنة 105 م، وهو سر احتفظوا به لأكثر من 500 عام، وقبل نهاية الفترة الأموية بقليل، كشفَ سجين صيني سِرَّ صناعة الورق إلى سجّانيه العرب الذين أدْرَكُوا أهمية ذلك، لتنتشر صناعة الورق وتُصبح شائعة على نطاق واسع. وبناءً على ذلك ، تم تأليف الكتب من قبل علماء عرب وفرس وتم جمعها في مكتبات من بلاد فارس في الشرق، وحتى سردينيا والأندلس في الغرب، بداية من سنة 1151 م، في قلنسية ( فالنسيا ) التي كانت تحت حُكْم العرب، ثم انتشرت صناعة الورق واستخدامه في جميع أنحاء شبه الجزيرة الايبيرية.
استفاد العباسيون من هذا الاختراع وأقاموا المكتبات بجوار المساجد، حيث يعيش الطلاب القادمون من أصقاع العالم، وروى الرّحّالة ابن بطوطة ( 1304 – 1368 ) في القرن الرابع عشر، أن المُدَرِّس (العالِم) يجلس على كرسي مغطى بالسجاد ويُشرف على النّدوات، أما خلال الدّروس التعليمية، فكان للأستاذ مساعدان على يمينه ويساره، ينقُلان كل ما يمليه عليهن لتدوين ذلك فيما بعد، وأصبح هذا التقلي شائعًا للغاية ونَقَلَهُ العرب إلى جميع المناطق التي غَزَوْها، وتم نقل هذا الأسلوب في التدريس إلى جامعة بادوفا (إيطاليا) التي كانت أول مركز تعليمي في أوروبا، وأصبحت هذه الطريقة معيارًا في أديرة العصور الوسطى والجامعات الوليدة في جميع أنحاء أوروبا، وصمم توماس جيفرسون (1743 – 1826) جامعة فيرجينيا (الولايات المتحدة) على هذا النّحو.
يقول المؤرخ الفرنسي جان سوفاجيه ( 1901 – 1950 ) أن الورق “كان ذا أهمية قصوى في القرن التاسع [في بغداد] حيث أقيمت مكتبات جيدة التجهيز حول المسجد الرئيسي، بالإضافة إلى المكتبات العامة المفتوحة للجميع، وانتشرت غرف القراءة حيث يمكن للجميع، مراجعة الكتاب الذي يختارونه، مُقابل بعض الرُّسُوم “.
أصبح هارون الرشيد خليفة، سنة 786، ووصف المُؤرخون عهده بالعصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية، وفي عهد ابنه المأمون أصبحت بغداد مركز العالم المعروف آنذاك، فقد كان مشغوفًا بالعِلْم وبحث المأمون عن المعرفة حيثما كانت، وأحاط الخليفة نفسه بالعلماء والفقهاء واللاهوتيين والمعاجم والمحللين وعلماء الرياضيات والجغرافيا وعلماء الأنساب، ومَكّن العلماء من تَبَوُّإ مراتب عالية، وأشار المستشرق الفرنسي “غاستون ويت” ( 1887 – 1971 ) أنه “يجب على الغربيين أن يعربوا علنًا عن امتنانهم لعلماء العصر العباسي، الذين كانوا معروفين ومُحترمين في أوروبا خلال العصور الوسطى”. علاوة على ذلك ، كان الخليفة المأمون هو المحرض على ترجمات الأعمال اليونانية إلى العربية، وأسس أكاديمية بغداد “بيت الحكمة” حيث يوجد علماء تمت دعوتهم وتجميعهم من جميع الأعراق والأديان للعمل هناك سَوِيّةً، وتمثلت مهمتهم في الحفاظ على التراث العالمي، كما جعل الخليفة المأمون من بغداد مدينة فريدة ومركزا للعلم وللتجارة، فكان مشهد السفن الصينية مألوفا في موانئ بغداد (على نهر دجلة) والبصرة، وكان الأوروبيون يتبادلون السّلع مع التجار الصينيين، في بغداد والبصرة، كما كانت مدينة بغداد تضم عددًا كبيرًا من القلاع والحمامات ومراكز التعلم والاستجمام.
قبل وفاته سنة 1071 م، كتب “الخطيب البغدادي” أعظم أعماله “معجم ثروات بغداد”، وذكر أهمية أسواقها، وعدد علمائها وشخصياتها المهمة، وفي العام 1299 ، أطلق الجغرافي / الببليوغرافي ياقوت الحموي على المدينة لقب “أم الدنيا ، سيدة البلدان”.
قبل إعادة اكتشاف فلورنسا لجذورها اليونانية والرومانية فيما يسمى ريناسيمنتو، أطلقت دمشق وبغداد عصرًا ذهبيًا لم يسبق له مثيل بين العرب والمسلمين، وأصبحت بغداد بوتقة انصهار عالمية، تربط الفكر اليوناني والروماني القديم بالتقاليد الصينية والهندية والفارسية القديمة، وفي النهاية نقلت هذا الازدهار الغني بالثقافة العربية إلى أوروبا عبر الأندلس وصقلية وسردينيا.
في العصر العباسي ، تم إنشاء أربعة مراكز تعليمية: بيت الحكمة الرّسمية في بغداد ودار الكتب في البصرة ودار العلم، ومكتبة جامع الأزهر في القاهرة، والعديد من المكتبات ومراكز التعلم الأخرى تم إنشاؤها في باليرمو في صقلية وخلال العصر الذهبي للأندلس في غرناطة وطليطلة وقرطبة وإشبيلية.
كانت بغداد مركزا علميا وثقافيا انبثقت منه حماسة كبيرة للتعلم، وتُرجمت آلاف الكتب إلى العربية من الفارسية والسنسكريتية والصينية واليونانية واللاتينية، وتم نسخ آلاف الرسائل العلمية وكانت بمثابة الأساس لإنتاج عشرات الآلاف من الكتب والمخطوطات العربية الضخمة والأعمال الأصلية التي تضمنت موضوعاتها الفقه وعلم الفلك والبصريات وعلم التشريح (مصور بالكامل) وعلم النبات (بما في ذلك الرسوم التوضيحية للنباتات والحدائق الطبية)، وأدوات الملاحة والإبْحار (الإسطرلاب) ورسم الخرائط، وكتابة السير الذاتية، وعلوم التأريخ وعلم المعادن، وغيرها، وتم نشر الشعر والنثر وأدب الرحلات والمخطوطات الموسيقية، والعديد منها مع المخططات والرسوم التوضيحية (بما في ذلك الأعمال الفنية المصغرة) وتم جَمْعُها في مخطوطات وكتب…
برع العباسيون في مجال العمارة وفنون النسيج، وفي مجال التصميم الغرافيكي، تم نقش الخط العربي الغني بالخطوط والإنحناآت والإيماآت الأنيقة داخل وخارج المباني، وتم مزج البلاط المزجج بالفسيفساء ذات الرّسوم المعقدة، متعددة الألوان على الأسطح الداخلية والخارجية بثراء كبير. كان الخط أيضًا متشابكًا في فنون الألياف ونُقِش على المزهريات المعدنية والزجاجية والخزفية والبرونزية وغيرها من أواني الزينة والأواني الوظيفية المُستَخْدَمَة في الحياة اليومية، وانتشرت فُنون الزخرفة الجدارية وزخرفة المائدة والأثاث والأواني، وأضاف لها الفن الشّامي (الدمشقي ) ترصيع عرق اللؤلؤ في الأثاث والأدوات المنزلية وزخرفة قطع الخشب المقطوعة مسبقًا بألوان مختلفة وأنماط كبيرة على الأثاث وأشياء أخرى …
تضرّرت عشرات الآلاف من الكتب والمخطوطات في بغداد بين القرنَيْن العاشر والثاني عشر، بسبب الرطوبة والفيضانات وخمسة عشر حريقًا كبيرًا، ما تسبب في إتلاف أعداد كبيرة من الكتب والمخطوطات التي لا تقدر بثمن، لكن أسوأ دمار حدث سنة 1258 م عندما غزاها هولاكو خان ، حفيد جنكيز خان، الذي دَمّرَ المدينة وحوّلها إلى رُكام، تمامًا كما فعل بوش الأب والإبن، وحلف شمال الأطلسي، وحوّل هولاكو المدينة إلى مجرد حطام وذبح مئات الآلاف، وقدّر البعض عدد الضّحايا بحوالي مليون شخص في العراق، حيث تم إحراق جميع مكتبات بغداد، وتحويل المساجد إلى إسطبلات لخيول الغُزاة، وألقيت آلاف الكتب في نهر دجلة، كتب المؤرخون الذين نجوا من الموت في ذلك الوقت إن عدد الجثث والمخطوطات المتناثرة في النهر كان كبيرًا جدًا لدرجة أنها شكّلت سدودًا صغيرة تُمكّن الناس من العبور فوق الكتب، بيْن ضفّتَيْ النّهر، وأفاد الشهود أيضًا أن مياه النهر تحولت إلى اللون الأسود بسبب الحبر المتحلل، وظلت كذلك لأسابيع، وأكد مؤرخ في ذلك الوقت ان “كليات بغداد اجتاحها النهر وشكلت كتبها جسرا مر فوقها الفرسان والمشاة وأصبحت المياه سوداء تماما بعد ان سال حبر مخطوطاتها”. (غاستون ويت، الصفحات 122-124)
سيطر الإغريق والرومان على عصر ما قبل المسيح، ثم سيطر العرب على القرون الأربعة التي سبقت العصور الوسطى، وأثناءها، ويقول المستشرق برنارد لويس (في مرحلة ما قبْلَ بَثِّ سُمُومِهِ العنصرية) “… بحلول القرن الحادي عشر أصبحت اللغة العربية ليس فقط الأداة الرئيسية للاستخدام اليومي، من بلاد فارس إلى جبال البرانس، ولكن أيضًا الأداة الرئيسية للثقافة، فَحلت محل اللغات القديمة للثقافة القبطية والآرامية واليونانية واللاتينية…”
رافق احتلال العراق عام 2003 تدمير البنية التّحتية ومحطات معالجة المياه وشبكات الكهرباء والمطارات والطرقات والمصانع والمباني السكنية والعامة والخاصة وناطحات السحاب والجسور والسدود والمدارس والمستشفيات والمساجد والفنادق التي تواجد فيها صحفيون دوليون، وكذلك الموانئ ومواقع تاريخية وثقافية، وارتكب الجيش الأمريكي وحلفاؤه عمليات القتل العَمْد لمئات الآلاف من المدنيين، وسدّد “جوليان أسانج” ثمناً باهظاً، لنشر وثائق تثبت جرائم القتل، واغتصاب الفتيات المراهقات أمام عائلاتهن (ثم حرق جثث عائلات بأكملها لتدمير الأدلة)، وما حصل بسجن أبو غريب سيئ السمعة، والتعذيب السادي، بالإضافة إلى السرقات من البيوت والمباني العمومية ونهب التراث العراقي والكنوز الثقافية، وتعد هذه السرقات مُواصَلَة للممارسات الاستعمارية لبريطانيا العظمى وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وما إلى ذلك، ويكفي عمل جرد للأعمال المعروضة في متاحف اللوفر والمتحف البريطاني أو مكتبة برلين، لمُعاينة السرقة والنّهب…
✺ ✺ ✺
سأعود وساقي معي
قصّة غير افتراضية: رشاد أبوشاور
https://kanaanonline.org/2022/06/25/%d8%b3%d8%a3%d8%b9%d9%88%d8%af-%d9%88%d8%b3%d8%a7%d9%82%d9%8a-%d9%85%d8%b9%d9%8a%d8%8c-%d9%82%d8%b5%d9%91%d8%a9-%d8%ba%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%81%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%b6%d9%8a%d8%a9-%d8%b1%d8%b4%d8%a7/
انتهت أعمال الندوة التي دعيت للمشاركة في أعمالها في بيروت، وكنت حضرت من عمّان، وقررت المكوث في بيروت أياما إضافية على نفقتي، ولذا انتقلت إلى هذا الفندق البسيط المتواضع في شارع خلفي مواز لشارع الحمراء.
تناولت الإفطار، ثم انتقلت وجلست في قاعة الاستقبال، وطلبت قهوة، وأخذت في تأمل حركة الناس الصباحية، مستذكرا أياما خلت.
دُفع الباب ودخل رجل يعرج متوكئا على عكاز. وقف وتأمل القاعة، ثم ابتسم وخطا باتجاهي فنهضت غير واثق أنه يريد رؤيتي. توقف وهو يتكئ على عكازه، وأمال رأسه، واتسعت ابتسامته، فحاولت أن أتذكره. هز رأسه:
-لن تتذكرني، فأنت رأيتني مرتين ثلاث..ومن بعد افترقنا.
خطا خطوتين وثبّت جسده وفتح ذراعيه، ورفع صوته:
-بالعبط…
فاحتضنته.
-الم تكن تردد هذه العبارة؟ بالعبط…
-أنا ناصر..ناصر صاحب الساق التي دُفنت في بيروت، وكتبت أنت نعيا لها..قرأته في حلقة من حلقات برنامجك( كلامنا بلدي) في إذاعة الثورة؟!
أُرتج علي. أخذت في تأمل وجهه، وشعر الشيب على فوديه، وانحسار شعر جبينه، محاولا استعادة ملامحه عندما كان يرقد في المستشفى، واصطحبني صديقي الفنان المصري عدلي فخري وعرفني به.
جلسنا متقابلين. ابتسامته واسعة مضيئة، ونحن نغرق في الصمت.
انتبهت للدموع وهي تبدو كغشاوة في مؤقيه، وأنا أشعر ببلل عيني وثقل في صدري.
-أين أنت حاليا؟
-في النرويج. ألم يخبرك نضال حمد؟
حاولت أن أتذكر:
-مرّة زمااااان أخبرني…
-رحلتي طويلة طويلة. من ميناء بيروت على متن السفينة المتوجهة إلى عدن، ثم بعد فترة نقلت إلى روسيا..أقصد أيام الاتحاد السوفييتي، وهناك ركبوا لي ساقا …
ضرب على الساق الصناعية:
-بعدئذ إلى بولونيا، ومن هناك إلى النرويج..و..حصلت على الجنسية..وتزوجت بنتا فلسطينية من فلسطينيي لبنان، من عين الحلوة..وأنجبنا ولدين وبنتا..كبروا…
غشاوة من حزن على وجهه وفي عينيه اللتين ذبلتا مع مواصلته الكلام.
-أترى! هذه نهاية..ألهذا…
مسح دموعه، وهز رأسه، وعض شفته السفلى.
-ألهذا؟ و..كما قلت أنت في نعيك لساقي، ونصحتني قبل رحيلنا على السفن: دع ساقك مدفونة هنا يا ناصر، دعها مزروعة في تراب لبنان..في بيروت..لصق جدار مقبرة الشهداء،وعد ذات يوم و..زرها، واقرأ لها الفاتحة. لقد فعلت..ونبشت الأرض التي دفنتها فيها.ووجدتها..عظاما بيضاء هشّة. مددتها في بيت آلة كمان..واتكلت على الله و..توجهت بالطائرة إلى الأردن. ومن بعد إلى الجسر، فأنا أحمل الجنسية النرويجية..وعند جسر اللنبي طلب مني الجنود اليهود…أن أفتح بيت الكمان، ففعلت، وعندما رأوا ما في داخله أخذوا ينادون بلغتهم غير المفهومة، و..حضر من يبدو أنهم مسؤولهم، وقال بلؤم وهو يتأمل عظام ساقي، وكأنه عرف نيّتي: هاتها..لا دخول لك وهي معك…
-هذه ساقي و..لا أتخلى عنها. لقد أحضرتها لأعيدها إلى …
لم أكمل، وكدت أقع من دفعه القوي لي.
-غادر..لا دخول!
-و..السلاااااام..و..أوسلو. أنا قادم من النرويج…
-عد إلى هناك..أو هاتها لنرميها بعيدا..هناك في النهر.
واشار صوب نهر الأردن الذي كان يجري قريبا من حاجز العبور.
استدرت، و..نمت ليلة في عمّان، ثم عدت إلى بيروت..أول أمس. اتصلت بصديقي نضال فأخبرني أنك في بيروت، وأنك تنزل في هذا الفندق..وها أنا أمامك.
-وساقك؟!
سألته بلهفة لأعرف مصيرها:
-لا، لن آخذها إلى أوسلو..ستبقى هنا في بيروت..ف..ما زالت العودة بعيدة، و..ساقي لن تمر وهم هناك. بيروت وطنها..حتى…
مسح دموعه:
-يوما ما..سينقلها أبنائي إلى..هناك قرب صفد..قرب صفد.
نهض وفتح ذراعيه.. وتعانقنا:
-أنا حاجز وسأسافر مساء اليوم. سعيد أنني شفتك…
مضى متمهلاً وهو يتأمل كُلّ شئ وكأنه يبحث عن ما فقده ويحاول استعادته.
لبثت واقفا اتابعه بنظري حتى توارى في شارع فرعي.
طلبت سيارة أجرة لتوصلني للمطار، فطائرة عمّان موعدها الرابعة مساء…
وهكذا اكتشفنا ىمبكرا الكذبة..كذبة العودة في زمن أوسلو!
*إلى نضال حمد في أي مكان من تلك البلاد البعيدة. إلى ناصر حيث يقيم..وإلى ساقه المدفونة في بيروت التي كنست الاحتلال وطاردته حتى الجنوب قرب الشمال الفلسطيني…
✺ ✺ ✺
كالينينغراد: كعب أخيل الروسي
إيغور سكورلاتوف *
ترجمة د. زياد الزبيدي بتصرف
يونيو 2022
https://kanaanonline.org/2022/06/25/%d9%83%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%86%d9%8a%d9%86%d8%ba%d8%b1%d8%a7%d8%af-%d9%83%d8%b9%d8%a8-%d8%a3%d8%ae%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%88%d8%b3%d9%8a%d8%8c-%d8%a5%d9%8a%d8%ba%d9%88%d8%b1-%d8%b3%d9%83/
اليوم ، من الواضح تمامًا أنه من بين الخيارات العديدة لاستراتيجية تطوير منطقة كالينينغراد بعد فرض الحصار البري عليها ، فإن السيناريو الأكثر واقعية هو “حاملة الطائرات الروسية غير القابلة للإغراق في أوروبا”.
العقوبات الغربية ردا على الحرب في أوكرانيا لا تترك خيارًا آخر ، ويؤكد إعلان الحصار المفروض على نقل البضائع إلى المنطقة برا عبر ليتوانيا ، باستثناء السلع الإنسانية (الغذاء والدواء) اعتبارًا من 18 يونيو / حزيران هذا الاتجاه.
من الواضح أن منطقة كالينينغراد هي كعب أخيل روسيا ، والتي يمكن للغرب أن يضغط عليها على أمل تهدئة الصراع مع أوكرانيا. علاوة على ذلك ، فإن روسيا ليست في وضع يمكنها من الرد ، باستثناء التهديد اللفظي. لا تؤخذ التهديدات باحتلال ممر سوفالك على جانبي سكة الحديد و الطريق البري أو استخدام الأسلحة النووية في الاعتبار لأنها غير واقعية.
من المفيد الآن لروسيا أن تتجاهل أن أحدأ داس على “رجلها” ، متظاهرة أنه لم يحدث شيء خاص ، وأن القيود المفروضة على العبور البري يمكن تعويضها عن طريق التوسع في نقل البضائع عن طريق البحر والجو.
يمكن أن تؤدي مثل هذه التكتيكات إلى مزيد من تصعيد التوترات من طرف الاتحاد الأوروبي، ولا سيما:
– فرض حظر تام على نقل المواد الغذائية والأدوية ؛
– فرض حظر على نقل الركاب بالسكك الحديدية عبر ليتوانيا ؛
– توسيع حدود المياه الإقليمية لإستونيا وفنلندا في خليج فنلندا إلى التقاطع او التلامس (في أوائل التسعينيات ، خفض هذان البلدان حدودها البحرية طواعية لإنشاء ممر بحري وجوي لروسيا).
الخيار الأخير يعني حصارًا كاملاً لمنطقة كالينينغراد بحرا و جوا. في ظل هذه الظروف ، أكثر من مليون نسمة من سكان المنطقة مهددون بكارثة إنسانية ، ولروسيا لاحقًا بخسارة المنطقة.
لتجنب ذلك ، من الضروري الالتزام الصارم باستراتيجية القلعة المحاصرة. يجب استبعاد السيناريوهات الأخرى لتنمية المنطقة وتحويل الموارد وخلق ضغوط غير ضرورية على البنية التحتية مثل:
– جذب المستثمرين لبناء المصانع ؛
– جذب السياح لتطوير صناعة الترفيه ؛
– جذب المهاجرين لتطوير مشاريع البناء.
يجب أن يكون مفهوما أن المصانع والمباني السكنية ليست ضرورية على قاعدة عسكرية ، والسياح يمكن أن يجلبوا الضرر. استراتيجية “حاملة الطائرات الروسية غير القابلة للإغراق في أوروبا” تشير ضمناً إلى توجيه جميع الجهود لاحكام السيطرة على الإقليم.
للقيام بذلك ، سيكون من الضروري إبقاء أقل عدد ممكن من السكان في المنطقة كما هو ضروري لدعم القوات العسكرية. وفقا للبيانات الأولية – بما لا يزيد عن 250 ألف شخص. هؤلاء هم عمال الزراعة ، و كوادر الصناعة والطب والتعليم والأمن والإدارة. يجب إجلاء البقية إلى الأراضي الرئيسية في روسيا.
وهذا سيجعل من الممكن تجنب النفقات الكبيرة لتموين المنطقة في ظل ظروف الحصار والقضاء على خطر السخط الاجتماعي الذي يهدد بزعزعة استقرار الوضع.
* بروفيسور ودكتوراه في العلوم السياسية
______
- تابعوا “كنعان اون لاين” Kana’an Online على
- “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
- عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
- يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org