كهرباء لبنان… بين العروض الإيرانيّة والحصار الأميركي – زياد ناصر الدين
قدمت إيران بين العامين 2006 و 2020 عروضاً عدة لحل أزمة الكهرباء المستعصية التي يعاني منها لبنان، إلا أن هذه العروض لم تقابل بأي رد فعل إيجابي وتم رفضها، بشكل يعارض مصالح لبنان واللبنانيين.
منذ أعوام، تتردّد أصداء عروض الكهرباء الإيرانية للبنان، حيث أبدت الجمهورية الإسلامية استعدادها لحل هذه الأزمة التي تعاني منها البلاد منذ عقود عبر بناء معامل إنتاج تعمل على الغاز، وقدمت خطة كاملة تتضمن إلى جانب المعامل الحديثة شبكة نقل ومراكز استقبال وتوزيع.
عروض بالجملة
في العام 2006، رفضت الحكومة اللبنانية عرضاً إيرانياً للمساعدة في ملف الكهرباء، وفي العام 2009 وجهت إيران إلى وزارة الطاقة اللبنانيّة رسالة مكتوبة للتعاون في هذا الإطار.
وفي العام 2010، تجدّد العرض في زيارات رسميّة متبادلة بين البلدين، قام بها رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري ووزير الطاقة جبران باسيل، وجرى الحديث عن استعداد إيراني لبناء معملين لإنتاج الكهرباء بقدرة 1000 ميغاواط وبكلفة زهيدة، لكن الجانب اللبناني ردّ طالباً التريّث حتى إنجاز الصيغة القانونية. وبطبيعة الحال دخلت المناكفات السياسية لإيقاف عجلة العرض المغري.
وفي العام 2012، كرّر السفير الإيراني الراحل غضنفر ركن آبادي موقف بلاده بالاستعداد لبناء معامل كهرباء في لبنان. وقال حينها إنّ الشركات الإيرانيّة أنجزت كل الخطوات التمهيديّة، وهي مستعدة لإنتاج 500 ميغاواط خلال سنة، وإن أراد لبنان أكثر فطهران مستعدة وحاضرة. وكرّر خلفه السفير محمد فتحعلي عرض آبادي، إلا أنّ الرفض اللبناني كان سيّد الموقف مجدداً.
في العام 2017، جدّد معاون وزير الطاقة الإيراني للشؤون الدولية علي رضا دائمي، خلال لقائه وفداً إعلامياً لبنانياً زار وزارة الطاقة الإيرانية، العرض للتعاون مع لبنان وبناء معامل توليد الكهرباء . ومجدداً لا جواب.
وفي العام 2019، أكّد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، خلال زيارته للبنان، أنّ عرض بلاده لإنقاذ لبنان من أزمة الكهرباء لا يزال قائماً.
العرض الأخير كان في العام 2020، وذلك خلال زيارة رسمية لرئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني للبنان، حيث جدّد في لقاءاته التي عقدها مع المسؤولين اللبنانيين، ولا سيّما مع الرؤساء الثلاثة، استعداد إيران لمدّ يد العون في مجالات اقتصادية عديدة، وفي مقدمتها إنشاء معامل إنتاج كهرباء بمواصفات مميزة واستثنائية تناسب الجغرافيا اللبنانية، وتزويد لبنان بالمشتقات النفطية المتنوعة بأسعار مدروسة وجودة عالية. لكن العرض الإيراني قوبل بالرفض، بحجة المخاوف من احتمال أن تقوم الولايات المتحدة بفرض عقوبات على قطاعات مصرفيّة واقتصاديّة لبنانيّة.
إذاً، رُفضت هذه العروض من دون تقديم أي بديل بالمستوى نفسه، ومع الوقت تبيّن أنّ ملف الفيول يحتوي أسراراً سياسية كبيرة، وله دور أساسي في الاستنزاف النقدي، كما تبيّن أيضاً أنّ الفيول استخدم بشكل مباشر لتثبيت الحصار الأميركي، وجرى إحباط كل العروض ومنعها من التنفيذ بأدوات الدولة العميقة التابعة مباشرة للأميركيين، عبر الترهيب بعصا العقوبات.
ما هي تأثيرات ملف الفيول على الاقتصاد اللبناني؟ وكيف أسهم في الحصار الداخلي؟
• كلفة الفيول السنوية تُقدّر بما بين 1.5 و2.5 مليار دولار، وعلى مدى 20 عاماً دفع لبنان نحو 33 مليار دولار، مع العلم بأنّ كلفة بناء مصانع جديدة بحدّها الأقصى تبلغ 2 مليار دولار. وبالتالي فإنّ الاقتصاد اللبناني دفع ثمن عرقلة بناء المصانع بأدوات داخلية وإشراف خارجي.
• تحويل المصانع للعمل بواسطة الغاز يوفّر مليار دولار سنوياً ككلفة، ويحقق إيرادات من فواتير الكهرباء، ولم يكن ليسبّب عجزاً في الموازنة العامة.
• حلّ مشكلة الفيول كان سيؤدي إلى خفض كمية المازوت المستورد، ولم يكن لبنان سيحتاج إلى استخدام نحو 25 مليار دولار في آخر 10 سنوات من احتياطيّه النقدي.
• استُخدم الفيول في لعبة الفوائد، فمقابل شرائه تم إصدار سندات اليوروبوند بفوائد مرتفعة وصلت كلفتها إلى 93 مليار دولار في ظل هذا النظام النقدي الاستغلالي.
كيف تساعد عروض إيران الاقتصاد اللبناني؟
وبالتالي، فإنّ ما تقدّمه إيران من عرض متطوّر من ناحية معامل الإنتاج وشبكات التوزيع، حيث تكون مساهمة الدولة بالعملة الوطنية وبأفضل الشروط، يساعد على:
• استعادة الثقة بالليرة اللبنانية.
• تخفيض فاتورة الاستيراد، ما ينتج عنه فوراً تخفيض سعر صرف الدولار بنسبة 50%، بحيث سيبلغ 15 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد.
• انخفاض جميع الأسعار، وتخفيف الضغط عن الرواتب والأجور، وتحسين القدرة الشرائية.
• عودة الروحية إلى الإنتاج والمساهمة في إنتاج اقتصادي يساوي 3 إلى 4 مليارات دولار.
• توفير 1.2 مليار دولار كلفة بدائل الكهرباء التي يدفعها المواطن اللبناني.
ومنذ أيام، طرح الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، في مقابلة مع “الميادين”، عرضاً لا يقاوم على الحكومة اللبنانية، يقضي باستيراد المازوت الإيراني كهبة مجانية لتشغيل الكهرباء شرط موافقتها. وكالعروض القديمة، قوبل هذا الطرح برفض بعض الجهات السياسية والمراجع الدينيين بحجج واهية مرتبطة بعقوبات مفترضة، علماً بأنّ الهبات لا تخضع للعقوبات، والوزارات في لبنان تلقّت هبات من جميع الدول، وسيكون للتدقيق الجنائي دور كبير في الكشف عن الكثير من الهبات التي وصلت للوزارات ولم تعلم بها الحكومات. كما أنّه في العام 2017، أصدر مجلس الوزراء قانوناً يسمح بقبول الهبات من دون العودة إليه.
أخيراً، باتت المعادلة واضحة، هناك من يسعى لإنقاذنا من المجاعة ومساعدتنا في بناء اقتصاد مستقل ويعرض علينا 14 ساعة كهرباء من دون شروط، في مواجهة من يريد فرض دفتر شروط سياسية مرتبطة بالغاز وترسيم الحدود مع العدو الإسرائيلي وتطبيع العلاقات معه، بدءاً من الملف الاقتصادي، مقابل ساعتي كهرباء، وهذا ما لا يقوى لبنان على تحمّله.
إنّه الصراع بين الخير والشر بكل وضوح..إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً
الميادين