حوارمع الناشط المُبعد إلى فرنسا صلاح الحموري:- أحمد بدير
غادرتك يا وطني مجبرًا ومكرهًا..
حوار”بوابة الهدف” تحاور الناشط المُبعد إلى فرنسا صلاح الحموري: فلسطين قضيّة وليست جغرافيا وسنُحرّرها من رأس الناقورة حتى أم الرشراش
باريس _ خاص بوابة الهدف
“نحن لا نُساوم على حريُتنا، حتى لو دفعنا ثمنًا باهظًا أحيانًا، وليست مسألة عنادٍ بقدر ما هي مسألة كرامة، ومبدأ الحريّة التي لن نتخلى عنها، نحن الفلسطينيون، مثل كل شعوب العالم، لن نرضى أن نعيش راكعين. وما يقوّي عزيمتنا أن نعرف أنكّم أيضًا لا تنوون الاستسلام، وهو ما لا يُدركه المحتل. أشعر بذلك في قلبي، ولذلك حتى حينما يشتد المطر والظلام، أرى أنّ الشمس ستشرق مرّةً أخرى”، يقول المحامي والناشط المقدسي الفلسطيني المُبعد قسرًا إلى فرنسا صلاح الحموري مخاطبًا أبناء شعبه العربي الفلسطيني.
الناشط الحموري قرّرت وزيرة الداخليّة “أيليت شاكيد” الانتقام من هويته المقدسيّة فجر يوم الأحد 18/12/2022، حيث قامت بترحيله إلى فرنسا بعد أن قامت بسحب هويته المقدسيّة قبل عام، راجيةً من ذلك انجازٍ سياسي قبل مُغادرتها منصبها في الحكومة الحاليّة.
المعركة القادمة مركزها القدس !
الحموري تفاجأ بنقله في سيارةٍ عسكريّةٍ من سجن “هداريم” إلى مكانٍ مجهول عند منتصف الليل، وتم احتجازه في السيارة مكبلًا بيديه وقدميه حتى الساعة السادسة والنصف صباحًا، وحينها نُقل إلى الطائرة، حيث ظل الحموري مكبلًا طوال الرحلة وصولاً إلى فرنسا.
“بوابة الهدف الإخباريّة” حاورت الحموري من محل إقامته في فرنسا، إذ تحدّث لنا عن حيثيّات القرار الخطير وأبعاده، والأهم من ذلك تطرّق لما ترنو إليه حكومات الاحتلال المُتعاقِبة من هذه القرارات التي تستهدف الوجود الفلسطيني والمقدسي على وجه الخصوص، لأنّ المعركة القادمة ستكون على أرض القدس، هكذا يتنبّأ صلاح.
يقول الحموري، إنّ “مسألة مُلاحقتي من قِبل سلطات الاحتلال الصهيوني بدأت وأنا عمري 15 عامًا واستمرت حتى يومنا هذا، لكنّ إجراءات سحب هويتي المقدسيّة بدأت منذ العام 2019، حيث تم إبلاغي من قِبل وزير داخلية الاحتلال في حينه أرييه درعي بسحب هويتي المقدسيّة، ومن ثم أكملت الإجراءات الوزيرة الحاليّة أيليت شاكيد، وهي التي اتخذت القرار النهائي بحسب هويتي في شهر ديسمبر الجاري”.
الترحيل جزء من مسلسل مُلاحقة مستمر
ويؤكّد الحموري، أنّ “هذه المُلاحقة، وهذا الترحيل القسري هو جزء من مسلسل مُلاحقة مستمر، وأعتقد أنّه لن ينتهي بترحيل صلاح الحموري، وإبعادي هو انتقامي بحت ومحاولة بائسة من أجل كسر إرادتي، لا سيما وأنّ شاكيد أصرّت على انجاز ملف الانتهاء من صلاح الحموري قبل خروجها من الوزارة، وعقب ذلك سجّلت سلسلة من مقاطع الفيديو للتحدّث والتباهي بهذا الأمر، إلّا أنّ الأمر بالنسبة لي شديد الوضوح، سواء قبل الانتخابات “الإسرائيليّة” أو بعدها، هم يريدون تسجيل المواقف على حساب الدم الفلسطيني والمعاناة الفلسطينيّة، وشاكيد كان واضحًا أنّها بحاجة إلى إنجازاتٍ سياسيّة قبل خروجها من الحلبة السياسيّة كوزيرةٍ للداخليّة”.
ويُشدّد الحموري: “المنفى لن يُغيّر أبدًا من قناعاتي ومواقفي. نعم هم استطاعوا تغيير موقعي ومكان إقامتي، لكنّهم لم ولن يستطيعوا تغيير الفكر الذي أحمله ولا الرؤية التي أتبنّاها ولا الإرادة الفولاذيّة التي أتحلّى بها”.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ القانون الإنساني الدولي يمنع طرد الأشخاص المحميين من أرضٍ محتلة ويحظر إكراههم على إعلان الولاء لقوّة الاحتلال، وصلاح الحموري يحمل الجنسية الفرنسيّة، فكيف قرأ رد فعل الحكومة الفرنسيّة. هل كان كافيًا، أم ماذا كان المطلوب منها؟ يقول صلاح: “الحكومة الفرنسيّة بكل تأكيد لم تقم بالدور المطلوب منها، وهذا ليس الآن فقط، بل على مدار السنوات الماضية فرنسا لم تكن بالمستوى المطلوب وإجراءاتها لم تتعدّى المُطالبة والمُناشدة ومحاولة استجداء موقف من “إسرائيل”، بل إنّها على العكس مُستمرة بمُعاملة دولة الاحتلال كدولةٍ فوق القانون الدولي ولا يتم مُحاسبة “إسرائيل” على الجرائم التي ترتكبها حتى بحق مواطن يحمل الجنسيّة الفرنسيّة”.
دور فرنسي وفلسطيني رسمي عاجز
وحول الدور الرسمي الفلسطيني، يرى الحموري أنّه “أيضًا لم يكن بالمستوى المطلوب، فقط كان هناك بعض الإدانات والمناشدات الرسميّة، لكنّ المستوى الرسمي الفلسطيني لم يُفاجئني ما صدر عنه، لأنّ النهج الذي يسير عليه هذا المستوى الرسمي كان واضحًا أنّه لن يتم تجاوزه من أجل ملف صلاح الحموري”، فيما أشار إلى أنّ “المؤسّسات المجتمعيّة الدوليّة صدر عنها العديد من بيانات الإدانة، ولعلّ أبرز ما صدر هو بيان الأمم المتحدة الذي وصف إبعادي بأنّه “جريمة حرب”، إلّا أنّ الأمر بالنسبة لي واضح وهو أنّ كل هذه الإدانات لا تشكّل أي عبء أو ضغط على دولة الاحتلال، ويبقى المطلوب خلال الفترة القادمة مواقف حقيقيّة وإجراءات على الأرض والتوجّه إلى محكمة الجنايات الدوليّة ومُلاحقة أشخاص دولة الاحتلال الذين ارتكبوا جرائم إلى المحاكمة”.
كثيرون وصفوا قرار الإبعاد بأنّه “مرعب” خاصّة للعاملين في مجال حقوق الانسان، خاصّة وأنّه قد يكون مقدّمة لسلسلة ابعادات ممنهجة لسكّان مدينة القدس، لا سيما وأنّ هناك محاولات “إسرائيليّة” منذ العام 1967 وحتى اليوم لإفراغ مدينة القدس من سكّانها الأصليين وسحب الإقامات والهويّات وطرد السكّان والتضييق عليهم من أجل ابقاء المدينة مقدّسة لليهود فقط، يُشدّد الحموري على أنّ “قرار الإبعاد كان استثنائيًا على الصعيد القانوني والسياسي، بل كان مُخالِفًا لكل الشرائع والقوانين الدوليّة، بالتالي حجم التشخيص من قِبل المؤسّسات الدوليّة بأنّ ما جرى “مرعب ووحشي” هو شيء استثنائي”.
القدس هي الهدف..
ويُشير الحموري خلال حديثه مع “بوابة الهدف”، إلى أنّ “الاحتلال يُهدّد المقدسيين على وسائل التواصل الاجتماعي بأنّ أي أحد سيكون له أي نشاط سياسي سيلقى مصير صلاح الحموري، وأي أحد سيفعل أي شيء ضد الاحتلال فمصيره حتمًا النفي والإبعاد”، مُؤكدًا أنّ “إبعاده رسالة خاصّة للمقدسيين، لأنّ الاحتلال يُدرك جيدًا أنّ المواجهة القادمة ستكون في قلب القدس. نعم القدس هي المركز، وعلى هذا الأساس يتصّرف الاحتلال ويعمل على إخلاء أي بؤرة مواجهة في مدينة القدس”.
ويُتابع الحموري: “الإجراءات الاحتلاليّة لا تُعد ولا تُحصى بالنسبة لمدينة القدس، لا سيما وأنّ الاحتلال واضح في مشروعه تجاه مدينة القدس، واليوم أكبر عدد من “الإسرائيليين” وأقل عدد من الفلسطينيين هو موجود في شطري المدينة الشرقي والغربي، وفي سبيل ذلك يتم اتخاذ مجموعة من الإجراءات سواء استيطان أو تهجير أو اعتقالات أو هدم بيوت أو فرض ضرائب، فهذا الاحتلال لا يعمل بالصدفة، بل إنّ كل هذا مخطّط له وفق رؤيّة أمنيّة وسياسيّة من أجل فرض السيطرة الكاملة على القدس”.
رسالة لأبناء شعبي
الحموري وُلد وتربى وترعرع وتعلّم في مدينة القدس، وفي ختام حديثه مع “الهدف” من منفاه، خاطب الحموري أبناء شعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجده قائلاً: “رسالتي لكم.. أنا اليوم بلغت 22 عامًا من المُلاحقة والتعذيب والإصابة والاعتقال الإداري والإبعاد عن وطني كما هو حاصل اليوم. فلسطين هي قضيّة وليست جغرافيا، ونحن نتمسّك بفلسطين كل فلسطين، من رأس الناقورة حتى أم الرشراش، رسالتنا واضحة: قضيتنا واحدة، وشعبنا واحد، ونضالنا واحد على شعارات واضحة نرفعها عاليًا وهي: حريّة، عودة، تقرير المصير. هذه الشعارات يجب أن تكون الناظمة لعملنا السياسي وبوصلتنا دائمًا هي القدس، فهذه المدينة لن يحميها إلّا مشروع مقاومة يتمثّل بـ14 مليون فلسطيني في كافة أماكن التواجد، لذلك يجب العمل على خلق جميع الأدوات التي تحمل هذا المشروع المُقاوِم”.
ويُشار إلى أنّ صلاح يحمل الهوية المقدسيّة والجنسية الفرنسيّة، وهو الابن الأكبر لأبٍ فلسطيني وأمٍ فرنسية، لديه أخوين كارولين وأمير، وتزوّج في العام 2014 من إلسا وهي فرنسيّة الجنسية وهو أب لطفل لم يبلغ العامين بعد، وتعيش زوجته وابنه في فرنسا، فمنذ ترحيلها مُنِعت من العودة وأنجبت ابنهما هناك، واعتاد صلاح أن يُسافر كل شهرين للقائهما وقضاء الوقت معهما، كما تفيد مؤسّسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الانسان في تقاريرها الحقوقيّة.
“إنّ فلسطينيتنا خيارٌ واختيار، وفاءٌ وانتماء، أرضٌ وذاكرة، مكانٌ وزمان، فلا قرار تهجيرٍ قسري، وتطهيرٍ عرقي يُرهبني، ولا يردعنا ولا يردّنا عن خيارنا بالمقاومة، ولا قوّة فوق الأرض تستطيع أن تقتلع فلسطين، وشعب فلسطين من عقولنا ووجدنا. أنا أغادرك اليوم يا وطني مُجبرًا ومُكرهًا، أنا أغادرك اليوم من السّجن إلى المنفى، لكن تأكّد جيدًا أنني سأبقى كما عاهدتني وفيًا لك، وحريصًا على حريتك، سأحملك معي أينما كنت، ستبقى أنت بوصلتي الوحيدة، وإلى أن نلتقي مجددًا، وأعانقك في القدس والجليل، وحيفا، لك أن تطلب مني ما تشاء، وأعاهدك أن أبقى جنديك الوفي أبدًا أبدًا أبدًا”، يُخاطب الحموري فلسطين.