وداعاً صديقي نادر السويطي .. سأتذكرك رفيقاً وأخاً شهماً – نضال حمد
سنة ١٩٨٤ تعرفت عليه وكان نادر السويطي شاباً هادئاً ومتحمساً للعمل الوطني. غادر الأردن مسقط راسه ومكان إقامته مع عائلته ووصل الى بولندا للدارسة فيها. في ذلك الوقت كانت بولندا لازالت دولة اشتراكية ضمن نفوذ الاتحاد السوفيتي وكان في عاصمتها فرصوفيا يقع مقر حلف وارسو، نقيض حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وصل نادر الى مدينة لودز أو (وودج) حيث كان يقع معهد اللغة البولندية للأجانب. فهناك كان يدرس تلك اللغة مئات من الطلبة الأجانب القادمين من دول مختلفة، تقريباً من كل القارات ولكن بالذات من أفريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية. كما كان للدول العربية نصيبها من البعثات الدراسية والتبادل التعليمي والأكاديمي، حيث كانت هناك مجموعات كبيرة من الطلبة القادمين من العراق وليبيا وسوريا والجزائر واليمن وفلسطين والسودان والمغرب وتونس وقليل منهم من لبنان والكويت ومصر وبعض الدول الأخرى. أما بالنسبة للطلبة الفلسطينيين فقد كانوا من كل فلسطين الداخل ومن مخيمات وتجمعات الخارج في الشتات.
في تلك السنة كانت هناك دفعة كبيرة من الطلبة الفلسطينيين تجاوزت المائة طالب. كلهم درسوا في معهد وودج. بالنسبة لميولهم السياسية وانتماءتهم الحزبية والتنظيمية فقد كانت مختلفة. كما كان هناك عدد لا بأس به منهم، خاصة القادمين من الأرض المحتلة والأردن بلا إنتماء سياسي وتنظيمي، حيث كانت الفصائل تتسابق على تأطيرهم وتنسيبهم وإقناعهم بالانضمام إليها والالتحاق بها. أما صديقي نادر الذي كان متحمساً منذ البداية للعمل الوطني والذي جمعتني به علاقة طيبة، فقط كنا نتحدث ونلتقي يومياً. لكنني لم أطلب منه في يوم من الأيام أن ينتسب للفصيل الذي كنت أنا أنتمي إليه، تركت هذا الأمر متروكاً له، إذ ليس من عادتي الطلب من أي شخص أن يسير خلفي ومعي.
مع مرور الأيام والأسابيع استطاع الرفاق في الجبهة الديمقراطية استقطاب نادر الى صفوفهم. وفي فترة ماروتونية أصبح نادر من أكثر شباب الديمقراطية حماساً وعملاً ونشاطاً على الساحة الطلابية البولندية، حتى كدنا مرات نصطدم معه في النقاشات لأنه أصبح يناقش بحديّة مع أنه لم يمض على انضمامه للديمقراطية سوى أسابيع وشهور قليلة. في مرحلة ما بعد المعهد في مدينة لودز صار نادر كادراً متقدماً في الساحة البولندية وفي اتحاد الطلاب الفلسطينيين.
بقيت العلاقة الشخصية متينة مع نادر الى أن افترقنا وكل منا ذهب في طريقه وإلى وجهتته الجديدة بعد سقوط حلف وارسو وتحول بولندا الى دولة رأسمالية وحليفة استراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية.
بعد فراق عشرات السنين عدنا وألتقينا على الفيسبوك حيث تواصلنا من جديد واكتشفت أنه لم يبق من النسخة البولندية لنادر أي شيء سوى الذكريات بحلوها ومرها.. فنادر يعمل في شركة وأصبح متديناً حيث أنه أرخى لحيته كما جرت العادة مع كثير من شبابنا الذين عادوا الى البلاد العربية حيث المد الديني الساحق. لحسن الحظ كنا حتى وفاته متفقين سياسياً أكثر مما كنا في زمن دراسته في بولندا وفي زمن يساريته الثورية.
ليلة الثلاثاء ٢٤-١-٢٠٢٣ قرأت خبر وفاة نادر عند أحد الزملاء بفيسبوك. توفي نادر بعد عناء مع المرض. رحم الله نادر السويطي رفيق الدرب والتجربة والقضية.
نضال حمد
٢٥-١-٢٠٢٣