المقاومة هي الردّ القومي على هزيمة حرب حزيران المفاجئة والعدوانية. – د. غازي حسين
مرّت الذكرى السادسة والخمسون على حرب حزيران العداونية عام 1967 التي اشتركت فيها الولايات المتحدة مع العدو الصهيوني . ولاتزال تدافع عن الاحتلال “الإسرائيلي” للأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية المحتلة داخل الأمم المتحدة وخارجها. وتلم أتباعها من الحكام العرب الهرولة للتطبيع والابراهيمية والقبول والموافقة على تهويد وضم القدس والجولان.
جاءت الحروب العدوانية التي شنَّتها بالاستراك والتَّعاون الكاملين مع الدول الاستعمارية لضرب التيارالقومي في سورية ومصروبقية البلدان العربية , ولعرقلة التنمية والتطور والوحدة العربية ولإضعاف حركات المقاومة وترويضها وتصفية قضية فلسطين وتفتيت البلدان العربية ونهب ثرواتها وقيادة “اسرائيل” العظمى للشرق الاوسط الجديد..
جاءت حرب حزيران العدوانية بعد اتفاق الولايات المتحدة والكيان الصهيوني على إشعالها وعلى أهدافها وتقديم الدعم الأمريكي العسكري والاقتصادي والدبلوماسي لها للاحتفاظ بالأراضي الفلسطينية والعربية المحتلّة والمساومة عليها لتهويدها ولتصفية قضية فلسطين.
أظهرت السنوات الماضية أنَّ الغرب والكيان الصهيوني استخدم القوَّة العسكرية لتحقيق الخرافات والأطماع التي رسَّخها كتبة التوراة والتلمود والمؤسِّسون الصهاينة في فلسطين وبقية البلدان العربية على حساب الشعب الفلسطيني وبقية شعوب المنطقة .
وظهرت “إسرائيل” على حقيقتها ككيان استعماري استيطاني وإرهابي وعنصري يرفض الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم وضمّ الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة والقدس بشطريها المحتلين وأعلنتها عاصمتها الأبديّة , واعترف الكونغرس بضمها للكيان الصهيوني ونقل سفارته من مستوطنة تل أبيب إليها، مما جسَّد أخطرالانتهاكات الأمريكية الفظّة لمبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة , وقرارات مؤتمرات القمم العربية ومنظمة الدول الإسلامية , وتحدياً وحشياً لمشاعر العرب (من مسلمين ومسيحيين) ومشاعر المسلمين في جميع أنحاء العالم .
كانت نكبة فلسطين عام 1948وحرب السويس العداونية عام 1956ونكسة حزيران عام 1967 خطة أمريكية – صهيونية للهيمنة على الوطن العربي واستنزاف ثرواته وتفتيت الدول العربية بإشعال الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية لجعل إسرائيل القائد والمركز للمنطقة.
بدأت الاستجابة للأهداف السياسية لحرب حزيران وانحراف بعض الزعماء العرب واستسلامهم للمخططات والمصالح الأمريكية والإسرائيلية بتوقيع اتفاقات الإذعان من كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة .وبدأت مرحلة الخنوع لإدارة واشنطن وتل أبيب وشرعنة حكم الخونة العملاء والمتصهينين والفاشلين. وبدأت محاولات استئصال الوجود القومي والإنساني للأمة العربية , وإلغاء دورها الطبيعي في الوطن العربي , وإشعال البلدان العربية في فتن طائفية وحروب أهلية لنهب ثروات الأمة , وإلغاء دورها في العصر الحديث والقضاء على الأمن القومي العربي والتحالف مع “اسرائيل” وفرض الهيمنتين الأمريكية والصهيونية عليها .
وتنازل أمراء وملوك الخليج وجامعة الدول العربية عن الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني , وفي مقدمتها عن عروبة فلسطين وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم وتبادل الأراضي لبقاء القدس بشطريها المحتلين عاصمةً للكيان الصهيوني وضم أكثر من 85% من المستعمرات في الضفة الغربية لإقامة أكبر غيتو يهودي عنصري وإرهابي في قلب البلدان العربية والإسلامية .
إنَّ “إسرائيل” كيان استعماري استيطاني وعنصري وإرهابي , غريب على المنطقة دخيل عليها وجاء من وراء البحار لخدمة مصالح الإمبريالية والصهيونية العالمية ومعاد لحقوق ومصالح شعوب المنطقة العربية الإسلامية وبقية شعوب العالم .
وقام باستغلال معزوفتي اللاسامية والمحرقة النازية وباستخدام القوة العسكرية, وبدعم وتأييد كاملين من الدول الاستعمارية وبعض الأمراء والملوك العرب ,وإشعال الحروب العدوانية , وارتكاب المجازر الجماعية , و تهجير اليهود إلى فلسطين ,وترحيل العرب منها , وذلك لإقامة دولة يهودية استعمارية وعنصرية في قلب الوطن العربي لتفتيته ونهب ثرواته وصهينته وتغريبه.
يحرِّم القانون الدولي وميثاق الأمم وبقية العهود والمواثيق الدولية استخدام القوة في العلاقات الدولية باستثناء حالتي الدفاع المشروع عن النفس ومقاومة الاحتلال .
شجعت الولايات المتحدة العدوالإسرائيلي على التمسُّك باحتلال الأراضي العربية حتى اليوم , والاستمرارفي تهويدها ,وبناء المستعمرات فيها , وممارسة الإرهاب والاعتداءات على العواصم العربية بدءاً من بيروت حتى تونس والخرطوم.
وتعطيها أحدث أنواع الأسلحة والتكنولوجية العسكرية , وتتبنَّى مخططاتها وتسوقها لبعض الأمراء والرؤساء والملوك وبعض القيادات الفلسطينية.
ووضعت الإدارات الأمريكية “إسرائيل” الإرهابية والعنصرية فوق القانون الدولي والعهود والمواثيق والقرارات الدولية , حيث حملت الأمم المتحدة عام 1991 على إلغاء قرارها رقم 3379 الذي ساوى الصهيونية بالعنصرية .
إنَّ استيلاء “إسرائيل ” في حرب حزيران العدوانية على كل فلسطين والجولان ومزارع شبعا , وإقامة المستعمرات اليهودية فيها , انتهاك جسيم لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات المنظمة الدولية , وشكَّل ويشكِّل عقبة كأداء في تحقيق السلام العادل والشامل , والتنمية , والتطور, والازدهار في المنطقة.
فالحروب العداونية هي أكبرالجرائم في القانون الدولي المعاصروينصُّ على معاقبة مرتكبيها وملاحقتهم وتقديمهم إلى المحكمة الجنائية الدولية كمجرمي حرب وإلزامهم بدفع التعويضات عن الخسائروالأضرارالتي ألحقتها ” إسرائيل” المعتدية بفلسطين والأردن وسورية ومصرولبنان والعراق.
رأى قادة العدوالصهيوني ومنهم بيغن وشارون ونتنياهو أنَّ حرب حزيران العداونية قد حققت لليهود الاستعمارالاستيطاني الذي رسَّخه كتبة التوراة والتلمود والمؤسسون الصهاينة .
في حقيقة الأمر جلبت حروب ” إسرائيل” العدوانية والمجازر الجماعية والعنصرية والفصل العنصري والتطهير العرقي والاحتلال الإسرائيلي لكل فلسطين والجولان وبقية الأراضي العربية المحتلة كارثة عظمى لـ” إسرائيل” والصهيونية العالمية , لأنَّها أقنعت العرب والمسلمين ونخب فكرية وسياسية عديدة في العالم استحالة التطبيه والتعايش مع الكيان الصهيوني ككيان استعماري استيطاني وعنصري وإرهابي إجلائي وإحلالي. وتالياً حملت حروب ” إسرائيل” العدوانية ومنها حرب حزيران في طياتها بذور زوالها من الوطن العربي .
يقول قادة العدو الصهيوني: إنَّ حرب 1948منحت ” إسرائيل ” شرعية دولية وأزالت حدود التقسيم وقضت على إقامة الدول الفلسطينية بموجب قرار التقسيم ويقولون: إنَّ العالم اعترف باحتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1948ويرفض الاعتراف باحتلالها عام 1967 لذلك طرحت فكرة تبادل الأراضي وشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي وافقت عليها جامعة الدول العربية في مبادرة السلام العربية وفي بيان حمد بن جاسم في واشنطن في نيسان 2013 باسم لجنة المتابعة للجامعة العربية .
ويعتقدون أيضاً أنَّ العديد من الدول العربية قد غيَّرت مواقفها من الصراع معها حيث انحصرت مصالح هذه الدول في إعادة الأراضي التي احتلتها “إسرائيل” في حرب حزيران العداونية .
وأدّى التغيّرفي مواقف هذه الدول إلى التوقيع على اتفاقات الإذعان في كامب ديفيد ووادي عربة . وبالفعل قايض السادات عودة سيناء منقوصة السيادة في الاعتراف بالعدو والتطبيع معه على حساب القدس وفلسطين والجولان وجنوب لبنان.
وأعلن قادة العدو مراراً وتكراراً أنَّ نتائج حرب حزيران قد غيَّرت المواجهة العسكرية والسياسية والاقتصادية مع العرب , فلم تعد المواجهة بين “إسرائيل” والدول العربية بل بينها وبين الفلسطينيين .
وتعتقد أوساط واسعة في الكيان الصهيوني أنَّه بعد مرور75 عاماً على تأسيسه ومرور 56عاماً على حرب حزيران العداونية وثصاعد فاشية المجتمع ترفض حكومة نتنياهو بن غفير الانسحاب من الأراضي التي احتلتها مع تبادل الأراضي وشطب حق العودة مقابل إنهاء الصراع واتفاق دائم يعرِّض للخطر الإنجازات السياسية المهمة التي حققتها ” إسرائيل ” في الاتفاقات مع مصر والأردن والتحالف مع أمراء وملوك الخليج وتعمل على التهويد حتى النهروالتوطين والوطن البديل.
وهكذا أدى اشتراك الولايات المتحدة مع العدو الصهيوني في حرب حزيران العدوانية عام 1967 ودفاعها عن الاحتلال “الإسرائيلي” وتبنّي مخططاتها لتهويد القدس وتصفية قضية فلسطين إلى كسر إرادات ملوك وأمراء الخليج وبعض الرؤساء العرب وإلى توطيد التحالف بين أمريكا والصهيونية وأتباعهم العرب لتصفية قضية فلسطين وحركة المقاومة والتحرر الوطني العربية وإنجاح المشروع الصهيوني في الوطن العربي.
لقد أثبت التاريخ البشري أنَّ ماأخذ بالقوّة لايسترد إلاّ بالقوّة, وأنَّ العدو الصهيوني لا يفهم إلالغة القوة وأن النصر دائماً وأبداً للشعوب المناضلة, لذلك يبقى خيار المقاومة المسلحة هو الرد والأسلوب العملي الوطني والقومي والديني والإنساني لاجتثاث كيان الاستعمار الاستيطاني العنصري والإرهابي من فلسطين العربية وعودة المستوطنين إلى أوطانهم الأصلية.