في بولندا: اليسار واليمين موقفهما سيء إتجاه فلسطين
في المقابل هناك نمو كبير وملحوظ في التعاطف الشعبي البولندي مع الفلسطينيين
في بولندا يبدو أن الفرق ضئيل بين مواقف اليمين واليسار من القضية الفلسطينية. فالقوى اليمينية واليسارية الفاعلة والتي توجد في البرلمان، مواقفها تتراوح بين مؤيد ومناصر للكيان الصهيوني وبين متفهم لمطالب للفلسطينيين ضمن ما يعرف بقرارات الشرعية الدولية وليس أكثر. وفي حقيقة الأمر يشعر اي انسان يفهم ويفقه اللغة البولندية ويعرف البلد وحياتها السياسية والثقافية والاعلامية أن لليهود وخاصة الصهاينة تأثيرهم الكبير في كل نواحي الحياة ببولندا. فالاعلام اعلامهم والمؤسسات مؤسساتهم والسياسة الخارجية سياستهم والمال مالهم والتأثير تأثيرهم. هذا كله حقيقي مع وجود معادين للسامية وتمييز وبعض العنصريين وجماعة الاسلاموفوبيا وعدد لا بأس به من أعداء للمهاجرين ولللاجئين الأجانب وخاصة المسلمين والأفارقة.
اليسار التقليدي البولندي أو يسار شمعون بيريز الأوروبي جماعة الاشتراكية الدولية وهو موجود أيضاً في بولندا يعتبر كل من حركتي حماس والجهاد الاسلاميتين الفلسطينيتين، حركتان ارهابيتان، مثله في ذلك مثل الادارة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وغالبية الدول الأطلسية ومثل الأحزاب الفاشية والشعوبية والمسيحية الصهيونية واليمينية المحافظة التقليدية المعروفة.
استغربت من وجود يساريين صهاينة في قيادة الأحزاب اليسارية البولندية مثل عضو حزب اليسار الجديد والبرلمان البولندي آننا ماريا غوشيفسكا، التي كانت ايضا من قيادات تحالف اليسار الديمقراطي البولندي المنحل. النائبة غوشيفسكا بالمناسبة من أصول يهودية ومواقفها لا تختلف عن المواقف الصهيونية المعادية للفلسطينيين.
لم أسمع طيلة الهجمة الارهابية المتوحشة، الصهيونية منذ ٧-١٠-٢٠٢٣ على غزة موقفاً مندداً بها لا من اليسار ولا من اليمين التقليديين البولنديين. بالعكس الحكومة والرئاسة في بولندا وبعض أعضاء البرلمان من المعارضة والأحزاب الرئيسية المعارضة للحكومة أيضا أيدوا “اسرائيل” منذ الشابع من اكتوبر ولم يبدلوا مواقفهم وإن التزموا الصمت المطبق فيما بعد وكأن ما يجري في غزة لا يعنيهم.. نفس هؤلاء هم أكثر الناس مع الأمريكيان والبريطانيين يرفعون الصوت بلا ملل وبدون كلل في نصرة اوكرانيا وعداء روسيا…
على كل حال يبدو أن هناك شيء واحد يمكنه توحيد الإخوة الأعداء البولنديين وهو الموقف الذي يرضي الأمريكان والخاضع ل”اسرائيل” بالرغم من المزاج الشعبي البولندي المعادي للصهاينة. على كل حال فإن الذين أدانوا الصهاينة وارهابهم وصمت العالم ومشاركة آخرين في الابادة بغزة هم بالذات كتا وصحفيين ومثقفين ونشطاء ونشيطات من اليمين واليسار المتشددين في البلد. صبحانك فلسطين فقد تمكنت من جمع النقيضين على موقف واحد من قضيتك.
لا أذكر أن هناك تظاهرة خرجت منذ اكتوبر ٢٠٢٣ في بولندا شارك فيها ممثلون للأحزاب البرلمانية التقليدية المعروفة، بإستثناء تظاهرة في وارسو شارك فيها عضو برلمان بولندي يساري، للأسف هاجم فيها حركة حماس واعتبرها ارهابية وبنفس الوقت عارض العملية “الاسرائيلية” في غزة. موقف تقليدي مكرر ومجتر. طبعاً هذا موقف سخيف وغير محبب بالنسبة للفلسطينيين من شخص يعتبر صديقاً للشعب الفلسطيني وعضو في البرلمان البولندي وفي لجنة أصدقاء فلسطين بالبرلمان.
لم أشاهد أي سياسي بولندي أو حزبي يشارك في تظاهراتنا الفلسطينية ما عدا ممثلون عن مجموعات يسارية صغيرة وآخرون من جماعات يمينية متشددة. أما البقية فهم من المواطنين البولنديين المناصرين للفلسطينيين ومنهم مثقفون وطلبة وعمال والخ.
بصراحة لا أعرف أين يكمن الخلل ولماذا لا توجد قوى سياسية يسارية فاعلة في بولندا ولها مواقف مبدئية من القضية الفلسطينية والقضايا الأخرى التحررية في العالم. حتى أيام الدولة الاشتراكية التابعة للاتحاد السوفيتي كانت المواقف الميؤدة لفلسطين سياسية لأن خلف وارسو في معركته ضد الناتو والأمريكان والغرب كان يمارس سياسة دعم حركات التحرر المناهضة للامبريالية الأمريكية والاطلسية. لكنها برأيي لم تكن مواقف مبدئية بل مواقف آنية مصلخجية في ذلك الوقت. لذا لم يترك النظام ولا حزب الحاكمين وراءهما اي أثر لثقافة دعم الشعوب الأخرى وحركات التحرر العالمية. فقضية فلسطين ليست هماً للبولنديين ولا يعرفون الكثير عنها. وما يزيد الطين بلة أن بولندا منذ سقوط نظامها السابق وتحولها الى دولة رأسمالية اصبحت تتبع السياسة الأمريكية بشكل مطلق سواء كان الحكم فيها يساري أو يميني.
يبدو أن موضوع واحد وحد كل البولنديين وإن كان شائكاً والسير فيه كمن يسير في حقول الألغام وهو موضوع معاداة روسيا والوقوف مع أوكرانيا وفي صف أمريكا. مع أن الموقف الأمريكي المؤجج للحرب والذي يزود اوكرانيا بالسلاح ليس اخلاقياً بل مدمراً ومؤججاً للحروب. الذين أدانوا الغزو الروسي واتخذوا مواقف معادية جداً له هم أنفسهم إما وقفوا مع العدوان الصهيوني على غزة أو لم يقدموا مواقف مماثلة تدين “اسرائيل” وابادتها للفلسطينيين في غزة… ولا نقول تقدم أي دعم للفلسطينيين على غرار ما يفعلوه ويفعلونه لأجل اوكرانيا.
عالم أمريكا الاستعماري الامبريالي الرأسمالي الصهيوني الناتوي (من ناتو) منافق ومنحاز وبعضه عنصري، عدواني، لا انساني ولا أخلاقي .. فحياة شعبنا الفلسطيني وأطفاله لا تساوي شيئاً عنده… حتى أنهم يعاملون ويقدرون حياة القطط والكلاب أكثر من حياة اطفال غزة وفلسطين. هذا عالم ليس لنا ولسنا منه ولن نكون مثله ولا منه. عالمنا هو عالم الشعوب الحرة وأصدقاء القضية الفلسطينية في العالم أجمع… الذين رأيناهم ونراهم يتظاهرون في الميادين الأوروبية والعالمية كل يوم.
نضال حمد 2-12-2023