رسالة من كاتب فلسطيني للأهل في مصر – رشاد أبوشاور
إلى أهلنا في مصر المحروسة: لعلكم تسمعون بما يجري لنا في مدن وبلدات ومخيمات قطاع غزّة منذ أكثر من تسعين يوما، ولا نستبعد أنكم تتعاطفون معنا، تحديدا مع بناتنا وأطفالنا، وأنكم تكظمون غيظكم وغضبكم على شركاء السلام، وتدهشون من وحشيتهم التي لا حدود لها، ولا سابق لها في كل الحروب منذ الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، اللهم باستثناء قصف هيروشيما وناغازاكي بقنبلتين ذريتين أبادتا معالم المدينتين، وقتلتا عشرات الألوف من اليابانيين، وخلفتا كل شئ هباءً منثورا.
كانت الحرب العالمية الثانية على وشك الانتهاء، فألمانيا هُزمت، وإيطاليا لم تعد بها طاقة على مواصلة الحرب، و..اليابان تترنح وهي تتلقى الضربات، وتوشك على الاستسلام..وفجأة أسقطت أمرت إدارة الرئيس الأمريكي ترومن بإسقاط القنبلتين على المدينتين، واستسلمت اليابان لهول وجهنمية السلاح الشيطاني، وابتهج رئيس أميركا ترومان، وفرك يديه سعيدا، فهذا السلاح لم تعرفه البشرية من قبل، وقد بات سلاحا أمريكيا بامتياز، وكل من يفتح فمه محتجا على شئ تفعله أميركا سيتّم إغلاقه بهذا السلاح..وفي هذا تهديد للاتحاد السوفييتي آنذاك، ولكل من لا يخضع للهيمنة الأمريكية!.
نحن يا أخوتنا في مصر لا نطالبكم بإعلان الحرب على شركاء السلام في الكيان الصهيوني منذ كامب ديفد..لا، فكّل ما نطلبه منكم بعض الماء، لأن أطفالنا عطشى، ولأن ..ماذا نقول؟ شركاء السلام منذ كامب ديفد، الذي حشرتموه أنتم يا أهلنا في مصر في سفارة الكيان الصهيوني، وتصدّيتم لكل أساليبه التطبيعية، وأحبطتم كل مخططاته، رغم خبث أساليبه، فبات معزولاً بفضل حراككم الشعبي، أنتم شعب مصر العريق، وبفضل فنانيكم ومثقفيكم وناشطيكم، وبفضل وعي شعبكم العريق الخبير بأساليب المحتلين، وبخاصة هؤلاء المتربصين بمصر، الذين يضمرون لها الشر، وهي لا تخفىه مهما استترت…
أيمكن أن تبخلوا على أطفال غزة بشربة ماء وحبّة دواء؟!
أيمكن أن لا تقدموا لأطفال وطفلات غزة علبة حليب؟!
أيمكن أن تمنعوا خبزكم عن أطفال وطفلات غزة، ونسائها الأمهات، وشيوخها الذين لا ينسون ماء النيل، النيل المهدد بحرمانكم من بعض مائه، بالتآمر بين حكّام اثيوبيا وأعداء السلام الحاقدين على مصر وشعبها وتاريخها، والذين يعبثون بحصتكم من ماء النيل، أنتم الذين بدون ماء النيل..وأرض مصر..ستعطشون مثل الغزازوة!..يا لطيف!.
إننا ننتظر منكم الدواء لأطفالنا يا أهلنا في مصر المحروسة، فأطفالنا يكادون يختنقون تحت الدمار الذي تسببه القنابل الأمريكية التي تزن واحدتها 1000 كغم متفجرات، وهي صناعة أمريكية أرسلتها إدارة بايدن لتمكين (إسرائيل) من الدفاع عن نفسها..نعم دفاعا عن نفسها كما تعلن إدارة رئيس أميركا بايدن الفخور بأنه صهيوني أبّا عن جد، ووزير خارجيته اليهودي الصهيوني الذي يشارك عند كل زيارة سريعة له، وما أكثر زياراته السريعة بهدف الإطمئنان على استمرار مواصلة الدولة الصهيونية الأمريكية في الدفاع عن نفسها، أي عن مصالح أميركا..في اجتماعات مجلس وزراء الكيان الصهيوني المُصغّر!.
ألا تتذكرون يا أهلنا في مصر كيف أُنقذ جيش الكيان الصهيوني من الهزيمة الماحقة ببطولات جيش مصر، جيش العبور المُظفّر، بالجسر الجوي العسكري الأمريكي عندما ترنح الكيان وجيشه إبّان حرب تشرين في أُكتوبر 1973 التي باغتت الكيان وجيشه بعبور جيش مصر العظيم الذي ثأر لهزيمة حزيران..وباقتحام وتحرير الجيش العربي السوري للجولان..فتمّ إنقاذ جيش العدو بما تدفق من أسلحة كانت تنزلها الطائرات العملاقة في مطار العريش وهي جاهزة، وفيها بعض الأطقم..يعني تنزل من الطائرات لتتجه لأرض المعركة فورا؟!
نحن لا نطلب منكم سلاحا يا أهلنا في مصر المحروسة، نحن نطلب دواءً وخبزا ووقودا..وأنتم ترون حجم معاناتنا بعد أن دمّر عدونا و..عدوكم..أم أنه ليس عدوكم؟ ..أبنيتنا وبيوتنا فوق رؤوسنا، فهلك من هلك ومن نجا خرج وهو ينزف بأشلاء جسد..وهو ببقايا نفس ينظر صوب مصر، ينظر بصمت..ولا يطلب شيئا، ولكنكم تعرفون أن أهل القطاع هم أهلكم، ودمهم دمكم، وهو وأنتم أكثر من جيران..وأنتم عندما تسمعون بأن تركيا وقع فيها زلزال تبادرون لتقديم التبرعات من أدوية وغذاء وكساء..فلماذا تبخلون على أهلكم في قطاع غزّة، وهم عرب مسلمون ومسيحيون.. وهم يصدّون كيد عدونا وعدوكم عنكم بأجسادهم؟!
ما هذا الصمت يا أهلنا؟!
في أميركا تخرج المظاهرات الحاشدة، وفي قلب نيويورك، وقلب واشنطن قرب البيت الأبيض، هاتفة بحرية فلسطين وتجريم الصهاينة القتلة،وفي لندن تغّص الشوارع بزحوف البشر الغاضبين، وهم يهتفون بتحرير كل فلسطين، بعد أن اكتشفوا حجم الخديعة لهم عبر عقود، وتمسكن الصهاينة، فإذا بهم تنطوي نفوسهم على الوحشية وبشاعة الإبادة التي ينفذها جيش الاحتلال في مدن وبلدات ومخيمات الفلسطينيين..أم تراكم لا ترون يا أهلنا في المحروسة؟!
الحدود المشتركة بين مصر وقطاع غزة هي حدود فلسطينية مصرية، أو مصرية فلسطينية، والسيادة عليها ليست للمجرمين المحتلين..فإذا كانت الدولة لا تدفع بالمساعدات عبر بوابة رفح إلى المعبر من جهة فلسطين، ولا مبررات لهذا، فلماذا لا تندفع الجماهير المصرية بعشرات الألوف حاملة الماء والدواء والطعام والأغطية لأهلكم الذين ينامون عراة تحت الأبنية المدمرة..فلماذا لا تفعلون شيئا يا أخوتنا وأهلنا وناسنا؟!.
هل تقيدكم عن الفعل دعاية مضللة؟ لا، هذا ما لا يقنع، فمن حاولوا تضليلكم بأن أمريكا صديق وأنها ستدعمكم في انفتاحكم الذي بشّر بهد السادات..والمهم أن تُنهوا القطاع العام، و..تتخلوا عن..ماذا نقول؟!
ماذا قدموا لمصر المحروسة؟ البطالة والفقر والتخلّي عن كل عناصر قوتها، وأولها تشبثها بدورها القومي الذي كان في مقدمة أسباب قوتها وعزّتها وعظمتها…
إذا انهارت غزّة، لا سمح الله، سيقف الُمحتلون الصهاينة على حدو مصر، وسيكونون وجها لوجه مع مصر، وسيهددون أمن مصر أكثر مما هو مُهدّد..أفلا ترون أن قطاع غزة هو المانع القوي والعنيد والشجاع والمقاوم في وجه عدونا وعدوكم: الكيان الصهيوني الذي لا يكف عن التآمر على مصر..وكل بلد عربي يطمح أن يكون حرّا سيدا مستقلاً ؟!
ما يحدث من تقاعس عن النخوة..ليس من شيمكم، فاندفعوا إلى الحدود واعبروها وأنتم تحملون الماء والدواء وبعض الكساء لأجساد اطفال قطاع غزة المرتجفة في هذا الشتاء القاسي..ومن هذا القصف بالقنابل الأمريكية التي فاقت بدمارها الذي يُذهل العالم ما ارتكبته أمريكا في هيروشيما وناغازاكي!
هل التصدّي لتهجير أهلنا في قطاع غزة يكون بحرمانهم من الماء والغذاء والدواء والوقود؟ أهكذا تتصدى مصر لتهجير أهلنا في القطاع؟ ..علما أن شجاعة أهلنا ومقاومتهم هي التي تُفشل مخططات قادة الكيان الصهيوني في التهجير..وأنتم في مصر تعرفون أن أهل قطاع غزّة افشلوا التهجير عام 1955 وأسقطوه بتظاهراتهم الحاشدة وهم يهتفون:
نموت نموت ولا نرحل
ألاتتذكرون، بخاصة الكبار منكم، كم قاومت غزة العدو الصهيوني أثناء احتلالها في العدوان الثلاثي عام 1956؟!
أتنسون دور أهلنا في قطاع غزة ومقاومتهم للاحتلال الصهيوني بعد هزيمة حزيران 1967؟!
أتحتاجون للتذكير بما عاناه قطاع غزة وأهله، وما قدمه من تضحيات؟!
طوفان الأقصى هو طوفان على الاحتلال الصهيوني، هو طوفان على من يريدون هدم الأقصى لبناء (الهيكل)..هو حماية لكل الوطن العربي بدوله المتخاذلة المطبعة، والتي بعضها تدعم الكيان الصهيوني بعد ما طبّعت وتصهينت!
الفلسطينيون المقاومون، فلسطينيو الطوفان، وضعوا الكيان الصهيوني بحجمه الصغير وكيانه العنكبوتي أمامكم وأمام العالم، وحققوا المعجزة غير المتوقعة..أليس هذا لمصلحة مصر..وكل العرب الشرفاء؟!
أهل قطاع غزة العرب الفلسطينيون الأباة لا يستجدون العون من أحد، و..بارك الله بالشرفاء الذين يقفون معهم، ويضحون معهم..ويرون ويؤمنون بأن المعركة واحدة، والأخ يقتسم رغيف الخبز مع أخيه، ولا يتركه ليموت عطشا..أليس كذلك؟!
هل سنفتح عيوننا صبيحة يوم قريب ونرى مئات ألوف المصريين والمصريات يتدفقون و..يقتحمون معبر رفح وهم يحملون الماء وعلب الحليب والطعام نجدة لقطاع غزة، ومعكم كل الحق، فالمعبر من جهتكم مصري ومن جهة غزة فلسطيني..فاعبروا ..اعبروا ولا تسجلوا على أنفسكم أنكم خذلتم غزة والقدس وفلسطين ..ننتظر ولن نياس!
ومهما حدث فلن نكفر بأخوتنا..وسننتظر عبوركم!