الأرشيفعربي وعالمي

المنهج العنصري الصهيوني في الكتب الموجهة لتعليم العرب – د عادل عامر

وحينما يتعرضون لتاريخ بني أمية وتحليله أو العباسيين فإنهم يركزون على أن الأمويين فتحوا البلاد ونشروا الإسلام بحد السيف متجاهلين تماماً ان الاسلام حرر الشعوب من العبودية ومن الاقطاع والفقر والجهل ، ثم يقولون إن العباسيين أقاموا حضارتهم على أكتاف الأعاجم من العلماء كابن سينا والفارابي وغيرهما ، وبالطبع فإنهم يتغافلون عن عمد ما لدور العرب وفكرهم في تطور الحضارة والثقافة في تلك العصور ، ثم انهم يتناسون أن هؤلاء العلماء المسلمين ضمتهم عقيدة واحدة وحضارة واحدة هي حضارة الدولة العربية الاسلامية ، (إن سرد تاريخ العرب بهذا الشكل على أنه ثورات وفتن داخلية واعتماد على الآخرين يعطي صورة سيئة عن العرب من خلال الاحداث التي صنعوها كما يعطي انطباعاً عن تفكك العرب طوال العصور مما يبعد فكرة وحدتهم)

   وحين يتحدثون عن المثل العربية القديمة والحديثة فانهم يحللونها بشكل يثير التشكك لدى القارئ العربي ، فالوحدة العربية مثلاً ما هي الا شعار فاشل ، ودليل فشله الوحدة التي قامت بين مصر وسورية عام 1958 ، ودون ذكر الظروف التاريخية والاجتماعية التي ادت الى الفشل ودون ذكر ما لدور مؤامرات الاستعمار الغربي والصهيوني في افشالها.

   والمهم برأي المنهج العنصري الصهيوني وضعُ الطروحات النظرية التي من شأنها تشويه المثل العربية ، ووضع التحليل على هذا الشكل يجعل عقل العربي في فلسطين في حالة تشكك بذاته كونه ينتمي للأمة العربية ولتاريخها الطويل ، المتشعب الجذور في العمق التاريخي وحينا يذكرون الصفحات الطوال عن تاريخ اليهود يركزون على ارتباط الإنسان بالارض وبمعنى آخر يركزون على الارض التي يزعمون ان الرب وعدهم بها وبنوا عليها حضاراتهم المزعومة ومن ثم يركزون على الإنسان الذي عبر التاريخ حضارياً وثقافياً (وتستمر التحليلات في الكتب في إطاء اليهود الصفات الاساسية للشعب والامة والتركيز عليهما ، واذا اضطرت الامة ظروف معينة للنزوح عنها فهي تعود اليها مهما طال الزمن ، وهذا ما تركز عليه الكتب أي ارتباط اليهود بأرض الآباء والاجداد وهي الارض التي تعرف تاريخياً بأ،هم فتحوها تفحاً من ساكنيها وقتلوهم وغدروا بهم ونكلوا بهم قبل آلا السنين)”3″.

  ويبث الصهاينة في الكتب الموجهة لتعليم العرب كثيراً من قصص الحروب التي وقعت بين أبناء اليهود والشعوب الأخرى متناسين بذلك عدة أمور أهمها .

   1- فلسطين أرض العرب الكنعانيين منذ الالف الثالثة ق.م وجاء اليهود اليها غزاةً غادرين عام 1200 ق.م وهذا حسب رأي التوراة اليهودية نفسها ، وحسب رأي الباحثين في تاريخ فلسطين وآثارها .

   2- اليهود الذين يقيمون الكيان الصهيوني ليس لهم صلة بيهود الامس المندثرين ، والمعاصريون هم خزريون آريون وليسوا من العرق السامي .

   3- نظرة متفحصة الى اليهود تدلنا على أنهم ليسوا من عِرْق واحد بل من سبعة عشر عرقاً ، ويلاحظ ان سمة التفوق إن كانت فردية أو جماعية هي التي تأخذ المساحة الاوسع من صفحات الكتب التاريخية المؤلفة للطلاب العرب داخل الوطن المحتل ، وهذه الكتب تُبرِز ما يسمونه بالحضارة اليهودية أو الثقافية التي خلقها اليهود القدماء او ساهموا في بنائها لا سيما في مصر والاندلس وفلسطين والعراق .

   اما عندما يتحدثون عن الشخصيات التاريخية فانهم وبوضوح يتغافلون عن ذكر الكثيرين من مشاهير العرب أو العرب الفلسطينيين ، ويوردون اسماً لم يكن في الحقيقة ذات نصيب وافر من العطاء على كافة نواحيه الفكرية والسياسية والاجتماعية والادبية وغيرها ، أما عن الواقع المعاش فان تلك الكتب تستخدم المقارنة بين قومية عربية ممزوجة بالدين تعصبية ، وبين ما يزعمونه عن قومية يهودية ذات حضارة وحدوية راقية ومنفتحة وبالطبع فان التفصيل في بحث الفئات الدينية والدوافع الدينية لأحداث تاريخية هو الاسلوب المتبع لتركز هذا الاتجاه في ذهن الطالب .

   وهذا باختصار ما يكون الاتجاه العنصري السائد في كتب التاريخ ، فالعملية من أساسها تستهدف تربية الاجيال على معلومات خاطئة أو مزيفة وبالتالي تخلق التشكيك وعدم الثقة في الشخصية الوطنية العربية لدى الطلب العرب.

   اما على نطاق التربية الحديثة أي التربية المسلكية فان السلطات الصهيونية تلجأ الى بث المسلك الصهيوني الذي يطلب من العربي معاملة الصهيوني كأخ له يجب الحفاظ عليه وخلق الروابط المتينة بينهما متغافلين عن كون هذا الصهيوني يسرق أرض العربي كل يوم بل ويقتله معنوياً ومادياً ويريده أ، يبقى عبداً لسيادته .

   وبالمقابل فان المعلومات المتحدثة عن سلوكية اليهودي تؤكد حسب زعمهم مقاومة اليهودي للاحتلال الروماني لفلسطين وللاحتلال الصليبي أيام صلاح الدين ، كذلك ليؤكدوا للعربي انه يختلف عن اليهودي ، فالعربي لا يقاتل ولا يقاوم الاحتلال واليهودي يقاتل في سبيل ارضه ولعل أسطورة الماسادا تؤكد لنا أن الصهاينة يهولون الامر حتى يصبح لديهم تقديساً رومانسياً غريباً ، ومن خلال هذه الاسطورة يصورون أن اليهودي يفضل الانتحار على التسليم لأعدائه .

– العربي في مناهج التربية العنصرية :

   كحكم اولي نرى أنه ليس في الوجود اقرب شريعة الى شريعة الغاب من الصهيونية ، وليس من باب الحقد الانفعالي ، وليس من باب الموقف الوطني من الحرب الدائرة بيننا كعرب وبين الصهاينة كمحتلين ، ليس هذا ولا ذاك إنما المسألة تأخذ حجمها الطبيعي وواقعيتها من خلال رؤية احدى الزوايا الحادة التي يعيشها الكيان الصهيوني نفسه ، هذه الزاوية هي التي ينحصر فيها منهج التربية وخصائصه الامبريالية المنتشرة في جنوب افريقيا وامريكا والعالم الرأسمالي ، وبغض النظر عن المواد التي يدرسها الطلبة فان المناهج الثقافية والفكرية والادبية لا تكاد تخرج عن نطاق اقصى التطرف العسكري ودمويته .

  ومنذ البدء نسأل كيف تتضح العنصرية ضد العربي من خلال تربية النشء ، والطلبة والشبيبة ثم ما هي الوسائل المستخدمة في التصوير ؟ هل هي وسائل فكرية أم صحفية هل هي شعر أم رواية ، هل هي سينما أم مسرح ، ثم ما هو دور رجال الدين في عملية التربية ؟ كيف ينظرون من وجهة نظر دينية الى الإنسان العربي ؟ .

   إن التعليم يشكل قطاعاً هاماً من قطاعات بث الفكر الصهيوني والتعاليم الدينية وكما هو في العالم العنصري فإن الدولة تولي اهتماماً واسعاص لجيل النشء باعتباره الرصيد الهائل للمستقبل كماً وكيفاً وككيان متوتر الاعصاب فإنه يعتبر التعليم على طريقته الخاصة أمراً محتماً طالما أن وجود الكيان نفسه يحتاج لأجيال معبأة متوترة دوماً نحو الحرب.

   ومن المسلم به أيضا ان التربية تلعب دوراً اساسياً في تحديد الاطر الفكرية للطلبة لا سيما في مراحلهم الأولى .

   والطفل كأي مخلوق يتغذى وينمو ، فاذا كان الغذاء حقناً باتجاه الدموية والعنصرية فلا بد ان يكون الانعكاس اتجاهاً دموياً عنصريا ، ومن الصعب في هذه الحال ان تغير وجهة نظر رجل عاش طفولته في جون مشحون متوتر ، صحيح ان للبيئة دوراً في خلق الشخصية لدى الطفل ، لكن ما بالنا اذا كانت التربية المدرسية والبيت والبيئة تجنح في توجيه واحد ؟ من المحتم ان الطفل الذي هو كالعجينة يصبح في متناول ثلاث بؤر للتربية بيت + مدرسة + مجتمع ، وبالتالي فان الناتج سيكون محصلة لثلاثة وجوه قوية في التأثير . وهنا نرى أنه من الصعب انتغير انساناً عاش وترعرع وشب في ظل سيطرة عقلية منزلية واجتماعية ذات غاية تربوية عنصرية واحدة.

   من هنا يمكن ان نتفحص المناحي الثلاثة ونصل الى حقيقة التوجه التربوي الصهيوني فمن المعروف ان مراحل الدراسة في الكيان الصهيوني تنقسم الى مرحلة 1- ابتدائية 2- اعدادية 3- ثانوية 4- عالية او جامعية . إضافة الى مرحلة الحضانة والتحضيري قبل الابتدائي وفي كل مرحلة خطة تربوية مختلفة غير ان مسألة تصوير الشخصية العربية من خلال هذه التربية مسألة اساسية ، ففيها التوجيه الديني والتوجيه الفكري والتوجيه الأدبي ، وضمن التوجيه الديني يدخل التوجيه التاريخي والاجتماعي والجغرافي الى جانب التوجيه النفسي .

   في البدايات تركز التربية على جانبي 1- جانب ديني محض 2- وجانب فكري .

   وفي الجانب الاول تختار هيئات التربية نصوصاً من التوراة والتلمود وتحفّظ للطلبة بعد شرح مفصل لها . وهذه النصوص تبتعد كلياً عن مفاهيم العبادات وتركز على حروب اليهود وعلى ما أوحى لهم ربهم بشأنها وبتركيز أكثر توضح النصوص علاقة اليهود بالكنعانيين العرب والفلسطينيين والعمالقة وغيرهم من بطون الشعب العربي القديم الذي عاش في المنطقة منذ فجر التاريخ البشري على الأرض .

  ومن جانب أولي تُظهر النصوص أعداء (إسرائيل) بانهم مجرمون خونة قتلة وتجب إبادتهم .

  ومن جانب ثان تُظهر النصوص عظمة اليهود عنصراً وفكراً وروحاً فهو من شعب الله المختار الذي لا يعادله شعب آخر ويجب ان يعيش فوق الارض المقدسة لوحده .   ومن هذا القبيل نرى أن التلاميذ يرددون وبشكل دائم وفي كافة مراحل تعليمهم نشيد موسى وبني (اسرائيل) التليد حسب زعمهم :   يقول (سمعي يا شعوب المقهورين، فليمتلك الخوف منا الفلسطينيين وليرتعد من هولنا صناديد البترا، وليرتجف عول وموآب،