الأرشيفالجاليات والشتات

النرويجي الطيب بيير بيورغي وداعاً…

سنة ١٩٩٤ وبعد مرور أقل من سنتين على وصولي النرويج ذهبت الى مصحة (سوفيس مندي) في اوسلو وكانت يومها لاتزال في منطقة (كارل بارنش بلاس)، لتركيب طرف اصطناعي بعدما تلف وتقادم كثيراً الطرف السابق الذي كنت استخدمه وكان أول طرف اصطناعي استخدمه بعد إصابتي في مجزرة صبرا وشاتيلا في ايلول- سبتمبر ١٩٨٢، وهو صناعة ايطالية.. تمت صناعته من قبل طليان وعلى أنغام (بونجورنو ماريا، بونجورنو ديو) و ( تشاو بيلا تشاو)… واستخدمته ١١ سنة، من سنة ١٩٨٣ حتى ١٩٩٤.
في (سوفيس مندي) استقبلني شخص نرويجي طويل القامة، مكتمل الجسم، أشقر، بخدين حمراوين وابتسامة لا تفارق وجهه.
عرفني على نفسه بإسم (بيير بيورغي) واخبرني انه المسؤول عن تركيب الطرف الاصطناعي لي .
بعد ان تعارفنا وتحدثنا وعرف أنني من ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا أبدى تعاطفاً كبيراً معي وزاد اهتمامه بي. كان على دراية بالمجزرة وبما حصل في المخيمين وببشاعة وقذارة الاحتلال “الاسرائيلي”ولا انسانيته.
منذ ذلك الوقت تمتنت علاقتي وصداقتي ب(بيير) الذي قال لي ذات مرة عندما علم أنني أنشط في حقل التضامن وتنظيم التظاهرات والندوات والخ وعن انتخابي لرئاسة الجالية الفلسطينية بالنرويج سنة ٢٠٠٤
اعطاني نصيحة هامة جداً وهي التالية:
عندما تنزل الى الشارع أنت وغيرك من الضحايا والجرحى الفلسطينيين عليكم الكشف عن سيقانكم وأياديكم المبتورة. لأن الناس هنا سيفهمونكم أكثر عندما يرون بأم العين إصاباتكم وجراحكم.
بعد سنة من حديثنا المذكور جلب العدو بموافقة السلطات النرويجية والأوروبية، حافلة نقل عام (اسرائيلية) كانت تعرضت للتفجير من قبل مواطن فلسطيني. جلبوها بغية تفعيل الدعاية الاحتلالية ضد الفلسطينيين.
يومها وخلال تصدينا للحملة تلك وأمام الاوتوبيس في ساحة (يونغس تورغي) باوسلو تذكرت كلام (بيير بيورغي) فقمت باستدعاء الصحافيين ونزع سروالي (بنطالي) لكي يروا ساقي الاصطناعية التي صنعها وركبها لي (بيير) بعدما بترتها قذيفة دبابة ميركفاه (اسرائيلية) في بيروت.
بتلك الطريقة ساهمت في افشال تلك الحملة وشعرت بنشوة النصر.. وبعد ذلك اتصل بي بيير وأثنى على شجاعتي وجرأتي وما قمت به. فقد شاهد الحدث في نشرات الأخبار النرويجية.
في اعقاب ذلك انتقل من اوسلو للعمل في مدينة (طونسبرغ) ومنذ ذلك الوقت لم أره ولم ألتق به..
قبل أيام قليلة كنت في مقر (سوفيس مندي) الجديد لتركيب طرف اصطناعي جديد، وعند حديثي مع الصديق النرويجي العتيق (روني) الذي أصبح مسؤولا عن حالتي بعد إنتقال (بيير )الى مدينة (طونسبرغ) سألته عما إذا كان يعرف ما هي اخبار (بيورغي) ففاجأني بقوله إن (بيير) توفي مؤخراً بسبب أزمة قلبية حادة.
حزنت كثيرا على رحيله لكننا بالنهاية كلنا سنمضي على نفس الدرب.
وداعاً (بيير بيورغي) أيها النرويجي الطيب فالطيبون لا يموتون.
نضال حمد
موقع الصفصاف-وقفة عز
١٦/١١/٢٠٢٤