فيلم بولندي “اسرائيلي” أمريكي قصير… نتنياهو أهلاً وسهلاً في بولندا…
تبرئة نتنياهو وحمايته من الاعتقال. – مقالة لنضال حمد:
أتحدث في هذه المقالة عن تصريحات لرئيس بولندا ورئيس وزراءها، التي أثارت الرأي العام البولندي وألهبت مواقع التواصل الاجتماعي خاصة لدى جمهور عريض من المتضامنين مع فلسطين.. الذين دعوا يوم الغد الجمعة لتظاهرة في العاصمة وارسو.
في تصريحين خطيرين للرئيس البولندي اندريه دودا ولرئيس الوزراء دونالد توسك أدارا فيه ظهريهما لقرار محكمة العدل الدولية باعتقال نتنياهو على خلفية ارتكابه جرائم حرب وإبادة في غزة. رحب كلاهما بحضور الارهابي والمجرم نتنياهو وأي شخصية “اسرائيلية” أخرى فعاليات إحياء ذكرى تحرير معسكر اوشفتس نهاية الشهر الجاري. هذا يعني أن بولندا تخالف اتفاقية روما التي وقعت عليها وهي ملزمة بموجب ذلك باعتقال نتنياهو وغالانت في حال دخلا الأراضي البولندية، وأكثر من ذلك تسليمهما إلى محكمة العدل الدولية لحبسهما ومحاكمتها كما جرت العادة مع مجرمي الحرب من النازيين وغيرهم.
بيان مجلس الوزراء البولندي يدل على انحياز حكومة ورئاسة بولندا إلى جانب مجرمي الحرب على حساب الضحايا الفلسطينيين وبشكل لا إنساني وغير لائق على الاطلاق. بيان فيه كم هائل من الخذلان والتواطؤ والاستهتار بحيوات الضحايا، من الفلسطينيين في غزة. وبعقول الشعوب والأمم وبمشاعر عائلات مئات آلاف المقتولين والمفقودين والجرحى والمعتقلين والمختطفين من الفلسطينيين في غزة. كما وفيه كثير من اللامبالاة والاستخفاف بعقول البولنديين أولاً، ما يجعلنا نطرح سؤالاً على الشعب البولندي: هل هذه الحكومة ومعها الرئيس(الذي لا يحبها وهي بالمثل لا تحبه) يمثلون مصلحة شعبكم البولندي الذي ضحى وناضل لأجل الحرية بعد ١٢٣ عاماً من الاحتلالات والويلات؟
واضح بأنه لا استقلالية ولا مبادئ أو أخلاق ولا مشاعر انسانية للسياسيين والحكام في بولندا، فإملاءات اللوبيات اليهودية الصهيونية ومعها الادارة الأمريكية لها تأثير يفوق الخيال وكل التوقعات. تفعل مفعولها مثل السحر فينقلب الحمل الوديع إلى وحشٍ ضارٍ والسياسي إلى بوق إعلامي ينفخ الكذب ويعممه حتى هو نفسه في النهاية يصدق كذبه.
بعيداً عن الأمريكان والروس والصهاينة والألمان والفلسطينيين و”أوربان” هنغاريا ومجموعة أصدقاء نتنياهو في أوروبا الشرقية سابقاً… أليس من المفترض بحكومة تمثل شعب عانى كثيراً من الإبادة والاحتلال أن تكون أكثر حكمة وانسانية وتعاطفاً مع الضحايا؟ أليس من المفترض أن لا تكون منحازة ومنافقة بهذا الشكل المخجل؟ أليس من المفترض ان تلتزم بالقانون الدولي الانساني وبالاتفاقيات التي وقعت عليها؟
عار على الحكومة والرئاسة وكل ما نطقتا به تبريراً لنتنياهو وجرائمه ضد الانسانية ونكرانا لقرار محكمة العدل الدولية، الذي أدانه هو ووزير دفاعه الأسبق غالانت. فبولندا كما ذكرنا دولة موقعة على اتفاقية روما الخاصة بمجرمي الحرب وعضو في الاتحاد الأوروبي، الذي بدروه يلزم كل دوله باعتقال نتنياهو ومجرمي الحرب “الاسرائيليين”. لذا كان من المفترض بحكومة بولندا أن تشعر أكثر مع غزة ومع الضحايا الفلسطينيين خاصة وأن معسكر “أوشفتس” النازي حيث حصلت الابادة التي قام بها النازيون، موجود على أرضها، فهناك أبيد مواطنو بولندا من اليهود وغير اليهود البولنديين، هؤلاء لم يكونوا “اسرائيليين” ولا “صهاينة” ولا من مواطني دولة “اسرائيل” لم تكن أصلاً موجودة في ذلك الوقت.
أنتم تقومون بتعمية أبصار الناس ونقلها من التعايش والتآخي والصداقة والتضامن والمحبة والسلام والانسانية إلى العداء والعنصرية والهمجية.
أنتم تعلمون الناس فن العبودية والخنوع والنفاق وفن الخروج من العلاقات الدولية القانونية والشرائع البشرية التي تساوي بالعدل كل الأمم والشعوب إلى غابة مظلمة يفترس فيها القوي الضعيف.
أنتم مثال على نوعية غير حضارية مشبعة بالكذب والنفاق والتشويه والتزوير والانقلاب على المعايير الاخلاقية والقوانين الدولية والعلاقات الانسانية.
منذ ان اتخذت محكمة العدل الدولية في لاهاي قرارها باتهام نتنياهو وغالانت وطلب اعتقالهما كتبت عدة مرات أن دولا عديدة سوف تخضع للضغط الصهيوني وللابتزاز الأمريكي. لأنها مرتبطة بالولايات المتحدة الأمريكية. فمنذ تبدل النظام السياسي في شرق اوروبا، صارت غالبية تلك الدول حليفة وتابعة بشكل أعمى للسياسة الأمريكية. كما كنت كتبت في مقالات عديدة أنهم سوف يغيرون القوانين والاتفاقيات الدولية لأجل إنقاذ “الاسرائيليين” ومنع وصولهم إلى نفس مصير مجرمي الحرب النازيين. ما فاجأني هي حكومة بولندا التي قفزت فيها رئاسة الوزراء عن خلافاتها التي لا تعد ولا تحصى مع رئيس البلاد، واتفقا سوية على استقبال وحماية نتنياهو والتنكر لمحكمة العدل الدولية وللقانون الدولي، و.للضخايا الفلسطينيين .. ومارستا الكذب العلني على الشعب البولندي والعالم. فقد كنت أظن أن الالتفاف على القرار وتجاهله سيبدأ أوروبياً من ألمانيا أو المجر، لكننا نشاهد فيلم بولندي أمريكي “اسرائيلي” قصير، يعلن افتتاح مهرجان تبرئة نتنياهو وإفشال قرار محكمة العدل الدولية.
في الختام أقول انني تابعت اليوم الخميس النقاش المحتدم على صفحات التواصل الاجتماعي بين البولنديين، وشاركت به معبراً عن غضبي وعن رأيي، بالنهاية أولادي بولنديين وأنا أشعر بأشياء كثيرة تشدني الى بولندا وبانتماء ووفاء للأصدقاء وللصديقات في بولندا، الذين عشت وأعيش معهم في بولندا والنرويج منذ عشرات السنين.
أعلم علم اليقين أن قرار الرئاسة والحكومة أثار الرأي العام البولندي ومن يقفون إلى جانب الفلسطينيين… ولازالت النقاشات حوله محتدمة في مواقع التواصل الاجتماعي وسوف تبقى مستمرة لفترة من الزمن حسب معرفتي بالبولنديين، وسوف تؤثر على الحياة السياسية والانتخابات في بولندا مستقبلاً.
نضال حمد
٩ يناير ٢٠٢٤
موقع الصفصاف – وقفة عز