عاهد .. زكريا .. اسماعيل .. محمد !- د.امديرس القادري
عاهد .. زكريا .. اسماعيل .. محمد !- د.امديرس القادري
طمنونا عنكم ، وكيف هي الحياةُ عندكم في جنات النعيم ؟ هل انقطعت أخبارنا عنكم هناك حيث أنتم ؟ ألا يوجد عندكم فيس بوك وتويتر وواتس اب ؟ كيف تتواصلون إذا إجتماعيا يا ترى ؟ وهل يبدو العيش صعباً وقاسياً بمعزل عن مواقع التواصل الإجتماعي وبعيدا عنها ؟ يقول بعض رواد الفضاء المقيمين في المحطات البعيدة التي تدور حول الكرة الأرضية بأنهم يستطيعون رؤية الإنفجارات وألسنة اللهب وما يصاحبها من غبار ودخان جراء القصف المجرم الذي تقوم به طائرات ومدفعية العدو الصهيوني لأهلنا الشرفاء على أرض قطاع غزة ، فهل تستطيعون أنتم رؤية ذلك أيضا من موقعكم ؟ إبعثوا لنا الإجابة عبر رسالة قصيرة إن أمكنكم ذلك !.
فقط ، ولمن لا يعلم ، فالأربعة الذين تتربع أسماؤهم على صدر هذا المقال هم أربعة أطفال من عائلة بكر ، ولقد اكتشفت ” إسرائيل ” أنهم يشكلون خطراً على أمنها ومستقبلها فإستشهدوا وتحولوا إلى أشلاء بعد أن قصفتهم من البحر مدفعية بوارجها في الوقت الذي كانوا يلهون و يلعبون فيه على رمال شاطىء غزة ، نالوا الشهادة ففازوا بما أعدهُ الله لهم ، والله لا يخلف وعده ، لذلك فهم هناك في العلياء ، يُحلقون ويَنعمون بالرضوان الذي أعده الرحمان خصيصا لهم ، ولمن سبقهم من الشهداء ولمن سيأتي من بعدهم ، فحبل الشهادة الذي يجب أن يمتد حتى تتحرر فلسطين من دنس الغاصبين لا يزال طويلاً ، وهذه واحدة من الأسباب التي استدعت أن يكون عرض الجنة مساوٍ لعرض السموات والأرض !.
ثلاثة أسابيع حتى الآن من العدوان الهمجي والبربري ، ثلاثة أسابيع من القتل النازي والفاشي ، ثلاثة أسابيع يتواصل خلالها مسلسل عودة الأرواح إلى خالقها ، وصعود الأجساد التي استشهدت إلى السموات العلى ، فماذا عسانا أن نكتب ؟ وماذا يمكن أن نقول ؟ فلقد كتبنا الكثير وقلنا ما هو أكثر ، العرس يجري حتى اللحظة على أرض غزة ، وكل من يريد المشاركة فيه من أهلها وناسها وأحرارها وشرفاءها فلا بد أن يكون مستعداً بالدم ، وبالدم فقط ، ليضمن شرف المشاركة في رحلة هذه العودة وهذا الصعود ، فكل أنواع العملات من غير الشهادة مرفوضة على أرض هذا القطاع ، وكل محاولات المساومة الوسطية محكوم عليها مسبقا بالفشل الذريع ، وحتى ولو هادنت غزة بعض الشيء فسرعان ما تنكشف الأمور التي يريدون تمثيلها وتمريرها عليها ، فالجذور راسخة ، والهامات شامخة ، وبلمح البصر يمكن تصويب أي إعوجاج هنا أو هناك !.
ولذلك ، فحذاري حذاري من أية محاولات قد يقوم ” البعض ” بها للعبور من خلال جسور الدم واللحم التي شيدها وبناها أهلنا الصابرون والمرابطون على أرضها ، لكل هؤلاء نقول إياكم أن تفكروا في أن تركبوا موجة هذه الشهادة الطاهرة والمقدسة ، والتي باتت تمتاز بها غزة وناسها من دون كل البقية الباقية وحتى اللحظة ، وهذا ما يجب أن تفكر به جيداً وملياً الضفة الفلسطينية واليوم وليس غداً إذا ما أرادت أن يكون لها نصيبها وحصتها من عرس الإستشهاد الدائرعلى هذا الجزء الصغير من أرض الوطن الفلسطيني الكبير !.
هذه هي المنازلة الثالثة بين غزة وبين عدوها الصهيوني وفي أقل من ستة سنوات ، وها قد أتى اليوم الذي بات يتجلى فيه الفرز واضحاً بين من هم معها ، وبين من هم عليها ، وبين اؤلئك الذين لا هم لديهم سوى التسلق الرخيص على أجساد الشهداء من أطفالها ونساءها وشيوخها ، فليحذر الجميع من غضبها ومن جهادها ، ومن مقاومتها التي أصبحت تغطي اليوم كل مساحة الوطن الفلسطيني من أقصى شماله وحتى أقصى جنوبه ، اليوم لا مفر ولا هروب ، ولا أعذار ولا مبررات ، فالذليل والجبان الصهيوني يزداد الآن ذلاً ، وها هو أنف عصابات جيشه يمرغ في رمالها ووحلها وترابها !.
وأما المُعتل الفلسطيني في منظمة التحرير ، وفي سلطتها العبثية ، أو في فصائل ترهلت وحادت عن الدرب الوطني بعد أن أسقطت بوصلتها من يدها ، كل ذلك وغيره ممن اختار أن ينضوي تحت راية أوسلو العار والخذلان والعمالة والسقوط في مستنقع التنسيق الأمني المشين والمذل والمريب ، كل هذه المكونات الدخيلة على آمال وطموحات شعبنا هي أمام إمتحان تاريخي ومصيري ، هي أمام فرصة تمنحها إياها دماء أطفال غزة الطاهرة ، وعليها بالتالي أن تقرر ، وأن تختار أين تريد أن تكون ، وفي أي إتجاه تريد أن تذهب !.
لقد قالوا عنها أنها عبثية ، وطالبوا بإعتقال وقتل كل من يطلقها ، ولم يتركوا فرصة ولا مناسبة لملاحقة ومطاردة كل السائرين على درب النضال والمقاومة ، واختاروا مسارالعاروالذل عبر الشراكة والتنسيق الأمني ” المقدس ” مع عدونا المجرم ، وهددوا بقمع أية محاولة للإنتفاضة ، وانحازوا قلبا وقالبا إلى جانب مفاوضات فارغة إستسلامية وعبثية ، وباعوا كل ما هو مقدس باليورو والدولار ، وبعثروا كل مكونات هوية شعبنا الوطنية ، وحاولوا طمس معالمها عبر أوهام الوظيفة والراتب ودولة الكرتون التي روجوا لها ، وها هي دماء أطفال غزة ولحومهم تعطيهم الفرصة للتوبة ، والتراجع عن درب الخيانة والتعامل وإلا فالويل لهم من حساب يوم عسير !.
اليوم يقولون بأن سقوط غزة لا سمح الله هو البداية لتدمير المشروع الوطني ، ويقولون يا ويلنا نحن الفلسطينيون إذا كسرت غزة ، ولذلك يجب أن تتحول المعركة في غزة إلى منازلة يجب أن يتحمل كل الفلسطينيون شرف المشاركة فيها وعلى كل الصعد والمستويات ، اليوم يقوم رئيسهم محمود عباس وفي خطاباته أمام الفضائيات بتلاوة آيات من القرآن من تلك التي تحث الناس على الإنخراط في الجهاد في الوقت الذي كان يتنازل فيه بالأمس عن مسقط رأسه صفد ، فسبحان الذي يغير ولا يتغير !.
أشياء كثيرة على هذا الرئيس القيام بها إذا ما أراد الحصول على براءة ذمة ، وعلى تبييض صفحته السوداء أمام شعبه ، وأمام الأطفال الأبرياء الذين يقتلهم هذا العدو القاتل المجرم – ألف شهيد وستة ألاف جريح حتي اللحظة – ، وبغير ذلك فسوف تطارده طهارة وقداسة هذه الدماء التي سفكت على يد من يراهن هذا الرئيس على أنه شريك لهم في صناعة السلام الكاذب والمزعوم !.
عدونا المجرم نتنياهو ، شريك الرئيس أبومازن في صناعة السلام المزعوم هو الآن ومعه عصابات جيشه في موقع المهزومين على رمال غزة ، وهاهو يتوسل المساعدة عند جون كيري وزير الخارجية الأمريكي لكى يساعده على الهروب من جحيم غزة ، أما أنت يا ” سيادة ” رئيس المنظمة ، والسلطة ، والدولة ، وحركة فتح ، فإن أوراقك قد تم إحالتها إلى أرواح وأجساد الشهداء من أطفال فلسطين امثال عاهد وزكريا و اسماعيل ومحمد ، فهم أصحاب القرار في الحكم عليك وعلى مستقبلك ، فدافع عن نفسك وعن ما ارتكبته يداك بحقهم ، عل وعسى أن تتعلم منهم بأن الحياة ما هي إلا وقفة عز وكرامة وكبرياء !.
د.امديرس القادري