غزة .. والديك الأبيض !!- بفلم : عادل أبو هاشم
غزة .. والديك الأبيض !!- بفلم : عادل أبو هاشم
تحتفل الطائفة اليهودية الأرثوذكسية كل عام بـ ” يوم كيبور” أو عيد الغفران ، وفي هذا اليوم يمسك الأب بديك أبيض يديره مرات عديدة فوق رأس ابنه في طقوس ترمز إلى انتقال ذنوبه إلى الديك مما يسوغ ذبحه ، وقد دفعت هذه الصورة الرمزية أحدهم إلى التعليق بقوله هل الفلسطيني ديك أبيض . ؟!
من وجهة نظر قادة العدو الصهيوني فإن الفلسطيني ديك أبيض وعليه أن يحمل جميع أوزار وخطايا شعب الله المختار ثم يقدم على المذبح ، فرب الحرب والجنود يعلن في العهد القديم أن عهده في لحم بنيه عهداً أبدياً ، أما عصابة القتلة في تل أبيب فتعلن أن عهدها في لحم الفلسطينيين عهداً أبدياً . !!
ولكن هل نتنياهو حالة استثنائية في الكيان الإسرائيلي الذي يعتبر الفلسطيني ديك أبيض . ؟
إن تاريخ الحركة الصهيونية منذ المؤتمر الأول لها في بازل بسويسرا عام 1897م إلى عهد بنيامين نتنياهو يشير إلى أن الإسرائيليين حكومة وشعباً وأجهزة متمسكين بسياسة الإرهاب الرسمي ، والتي تدعمها وترعاها الدولة العصابة بكل ما أوتيت من القوة ، وإن هذا الإرهاب يرتدي طابع العنف المقدس الذي يبحث عن أضحية تجد تعبيرها في الديك الأبيض الذي عليه أن يحمل جميع خطايا شعب الله المختار وليطهرهم منها ، والديك الأبيض هنا هو الشعب الفلسطيني أينما كان وأينما وجد . !
لقد كان الإرهاب الصهيوني ــ ولا يزال ــ لا أحد المكونات الرئيسية للسياسة الصهيونية ، وأحد الدعائم التي استندت إليها الصهيونية في تحقيق أهدافها في فلسطين ، وقد اقترن قيام الكيان الإسرائيلي كدولة بأبشع أشكال الإرهاب الذي مارسته الحركة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المجاورة ، وضد كل من حاول ويحاول أن يعرقل تحقيق أهدافها، وكان إرهاباً مدروساً ومنظماً مارسته المنظمات الصهيونية الإرهابية في البداية ، ثم مارسه الكيان الصهيوني بعد اغتصابه فلسطين .
فالإرهاب والقتل لم يكونا وسيلة استخدمتها الصهيونية لإقامة دولتها ، فحسب بل جزءاً أساسياً من تكوين الفكر الصهيوني والتقاليد المتوارثة من هذا الفكر .
فالدولة العبرية والإرهاب متلازمان ، ووجهان لحقيقة واحدة ، والإرهاب بالنسبة إلى إسرائيل أسلوب عمل إضافة إلى كونه من مقومات إيديولوجيتها ، وإذا كان الإرهاب نزعة شاذة في السلوك البشري ، فهو ليس كذلك في العرف الصهيوني الذي يعتبر الإرهاب ركيزة يستند إليها نظام الفرد والمجتمع الإسرائيلي ، ومن هذا المبدأ ارتكزت المذابح الجماعية التي قامت بها الدولة العبرية في جميع مدن وقرى ومخيمات فلسطين على مدى أكثر من ستة عقود على اعتماد قانون ” الحق المطلق ” الذي يضع الصهيونية في جهة أعلى من بقية البشر ، وعلى الإيمان بالحقد الأعمى على العرب ، ونقض حقوقهم الطبيعية نقضاً كاملاً إلى درجة تصبح فيها جريمة إبادة الجنس العربي هدفاً مطلوباً بحد ذاته .!
هذا الإرهاب هو الذي جعل الجندي الإسرائيلي المشارك في العدوان على غزة دافيد عوفيديا يفتخر بقتله 13 طفلا فلسطينيا ، وان هذه البداية لقتل أطفال مسلمين . !
هذا الإرهاب هو الذي جعل الصهاينة يغنون في شوارع القدس الغربية وتل أبيب ، و يفتخرون بقتل الأطفال الفلسطينيين ، ويرددون شعارات مثل :
” المدارس في غزة لن تفتح لأنه لن يبقى أطفال في غزة ” .!!
” الجندي العزيز كم طفلا فلسطينياً قتلت اليوم في غزة ، اللهم أكثر من قتلهم “. !!
هذا الإرهاب هو الذي وصف السفاح باروخ جولد شتاين بأنه ( كان أطيب رجل ، إنه لم يكن يستطيع أن يضر قطة ) !! ولكن هذا الطيب استطاع قتل عشرات من الفلسطينيين وهم يؤدون الصلاة في الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل في شهر رمضان عام 1994 م متمثلاً قصة الديك الأبيض .!
حينها سارع الإعلام الإسرائيلي والساسة في تل أبيب إلى القول عن أن الفاعل مجنون ، وأعلن بعض أبناء جلدتـنا أن هذا مجنون يحاول أن يخرب إتفاق أوسلو الذي أنتج لنا سلام الشجعان .. سلام الأقوياء .. سلام أبناء العم .. سلام الشرفاء ..!
و عندما أضرم المتعصب الصهيوني مايكل روهان النار في المسجد الأقصى في أغسطس 1969 م زعم المحققون الإسرائيليون أن الفاعل مجنون ، وخرج بعض أبناء العروبة علينا بالقول بأن هذا الفاعل مجنون ، وليس بمستغرب أن يظهر مجنون واحد فقط من أبناء عمومتـنا ليحرق المسجد الأقصى .!
حتى يجال عامير قاتل رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين ( الذي أطلقنا عليه صفة شهيد السلام .! ) حاول البعض أن ينتحل له عذر الجنون لينفى عن الإسرائيليين شبهة أنهم إرهابيون يقتلون حتى حكامهم ..!
إن السجل الدموي الصهيوني ضد الفلسطينيين حافل بجرائم غريبة في بشاعتها يندر أن تجد مثيلا لها في أي مكان ، أو في أي زمان ، إلا في العصور المظلمة التي عانت فيها البشرية من جحافل التتار أو البربرية أو النازية أو الفاشية .!
فبصمات الإرهاب الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني لم ولن تمحوها الأيام ، فإسرائيل هي التي فرغت الأرض من أصحابها الأصليين بالقتل والطرد في العراء ، وهي التي استخدمت كل أساليب القمع وما تفتقت عنه عبقرية جنرالاتها من وسائل وحشية لإخماد الصوت الفلسطيني من اغتيال القيادات الفلسطينية والكوادر العلمية العربية ، وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين ، واستخدام القنابل المحرمة دولياً ، وإحراق شباب الإنتفاضة من خلال وضعهم في إطارات مشتعلة ودفنهم أحياء ، وتسميم مياه الشرب ، وقطع الماء والكهرباء عن أحياء كاملة لأشهر طويلة ، وإغلاق المساجد ودور العبادة وإحاطتها بالأسلاك الشائكة ومنع الفلسطينيين من إقامة الصلاة فيها ، وإجهاض النساء الحوامل ، واقتحام المدارس وقاعات العلم وإغلاقها لسنوات عدة ، وفرض منع التجول على مناطق واسعة من الأراضي المحتلة لمدة طويلة ، وحرب التجويع والحصار ضد المدن والقرى والمخيمات ، وقصف منازل المواطنين بالطائرات و بالصواريخ المضادة للدبابات وقذائف المدفعية في مثال واضح على الإرهاب الإسرائيلي .
فالإرهاب الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية لا يختلف في شيء عن الإرهاب النازي ( شاهدنا ذلك وجنود الإحتلال يضعون الأرقام على أيدي المعتقلين الفلسطينيين ) .
هذا الإرهاب الإسرائيلي المنظم هو الذي دفع بالمفكر والسياسي اليهودي إسرائيل شاحاك إلى القول :
( لا يوجد شيء جديد في الحقيقة القائلة بأن إسرائيل دولة إرهابية ، فمنذ قيامها استخدمت الموساد للقيام بأعمال عنف وإرهاب بما في ذلك الاغتيال الذي تعتبره ضرورياً لتحقيق رغباتها ، وإن جميع الحكومات الإسرائيلية قد مارست الإرهاب وأن جميع الأحزاب الإسرائيلية تؤيد هذه الممارسات) .!
لا أحد يستطيع أن يلتمس من عدوه أن يكون رقيقـًا وعادلا .. فلحسن الظن بالجنرالات الذين دبروا المذابح ضد الشعب الفلسطيني ونكلوا بشبابهم ورملوا نساءهم ويتموا أطفالهم .. لحسن الظن بمثل هؤلاء حدود لا ينبغي تجاوزها ..!!
وإذا كان معتادًا من الإسرائيليين خاصة واليهود عامة نقضهم للعهود ، وتجاوزهم لكل ما هو إنساني وأخلاقي ، فإن العالم بأسره يشاركهم المسؤولية بهذه المذابح .!
نعم .. اليهود قوم انتزعت من قلوبهم الرحمة ، وغُـيبت الأخلاق والمبادئ عنهم، ولكن البشرية تحفل بالمنادين ليل نهار بحقوق الإنسان ودعاة السلام والمحبة ، فأين أصبحت ضمائر كل هؤلاء عما ترتكب من مجازر يومية ضد شعب أعزل لا يريد سوى حريته وأرض حرة كوطن مستحق .. هي أرض الآباء والأجداد .
إن سلام المذابح و القبور المفتوحة الذي فرضه العدو الإسرائيلي على شعبنا الفلسطيني منذ توقيع إتفاق أوسلو قد ولى إلى غير رجعة منذ اليوم الأول للعدوان على غزة ، لأن الحسابات الفلسطينية مختلفة جدًا عن الحسابات الإسرائيلية كالإختلاف بين الجلاد والضحية ، لأن الجلاد في كل الأحوال لن يعترف بأن هناك ضحية قام بقتلها ..!!