أنصار «جبهة النصرة» في لبنان! -يوسف المصري
داخل معركة تحصين لبنان من نتائج غزوة التكفيريين على عرسال، توجد معركة سياسية لا تقل أهمية في خطورتها عن المعركة العسكرية التي خاضها الجيش اللبناني لإخراج المسلحين منها. وتتفاعل هذه المعركة ضمن عناوين عدة ، يعبر عنها جميعاً وجود اتجاه لجعل سقف اتجاه الدولة اللبنانية لتحرير المخطوفين العسكريين من أيدي جماعتي داعش وجبهة النصرة منخفضاً جداً، وأكثر من ذلك، لأخذ مجمل معادلة الأمن اللبناني بمواجهة الإرهاب التكفيري إلى توازن رعب ومختل مؤداه جعل سياسة استضافة لبنان للنازحين السوريين تخضع لمعايير داعش وجبهة النصرة الابتزازية وليس لمعايير القانون الدولي. وهذه المعادلة تسايرها عن قصد أو غير قصد هيئة العلماء المسلمين أو بعض شخصياتها إضافة لهيئات تتلطى بجمعيات حقوق الإنسان ذات التمويل المشبوه. أما قوام هذه المعادلة التي يتم الآن ابتزاز الدولة اللبنانية بها، فهي تقسيم مرحلة التفاوض بالواسطة مع جماعتي داعش وجبهة النصرة إلى مرحلتين اثنتين، الأولى تطالب بإبداء الجيش وأجهزة الأمن اللبنانية نوايا حسنة للخاطفين عن طريق وقف حملات مطاردة المشبوهين بانتمائهم للجماعات التكفيرية من الجنسية السورية المقيمين بين ظهراني تجمعات النازحين السوريين. وأكثر من ذلك يطالب هؤلاء بضرورة التزام الدولة اللبنانية بتلبية شروط هذه المرحلة إذا أرادت الدخول إلى المرحلة الثانية الخاصة بالتفاوض على إطلاق الجنود المحتجزين.
ويتم في إطار هذه الوساطة الهادفة إلى التلطي وراء ملف الجنود المحتجزين للحصول على ضمانات تجعل من لبنان ملاذاً آمناً لحركة إرهابيي جبهة النصرة بخاصة وداعش، إطلاق حملة إعلامية تحاول تقديم رواية مغايرة لما حصل في عرسال، وذلك عبر إطلاق أسئلة من نوع من أطلق النار على وفد هيئة العلماء خلال ذهابه للتوسط أول مرة مع الإرهابيين في عرسال؟ واستتباعاً من قصف مخيم النازحين السوريين قرب البلدة؟ ولماذا تم توقيف الإرهابي أبو أحمد جمعة في هذا التوقيت علماً أنه سبق له ومر على حواجز الجيش اللبناني، الخ…
وكل هذه الأسئلة يتم طرحها عبر وسائل الإعلام بغياب تحرك النيابة العامة لقطع حبلها على رغم أنها تتضمن تشكيكاً بموقف الجيش وأيضاً محاولة مكشوفة لتبرئة جبهة النصرة مما حدث والادعاء بأن كل القصة كانت محاولة من جمعة بالتواطؤ مع جهة لبنانية والنظام السوري لتسجيل نقاط سياسية.
والواقع أن أغرب ما في رواية أحداث عرسال بحسب ما يرويها من يقدمون أنفسهم على أنهم وسطاء بين النصرة وداعش من جهة والحكومة اللبنانية من جهة ثانية، هي إصرارها على تكرار النقاط التالية في متن سردها لأحداثها:
أولها- تقديم رواية تفيد أن جبهة النصرة بريئة من هجوم المسلحين على عرسال، وأنه تم استدعائها من خلال اتصال أحد علماء هيئة العلماء المسلمين بأميرها في القلمون أبو مالك الشامي، إلى البلدة وذلك لكي تقوم بالدفاع عن عرسال بمواجهة هجوم داعش عليها، وإخراج الأخيرة منها !! . وتكيل هذه الرواية المديح للشامي بوصفه براغماتي وميال للحلول الوسط وأنه ضد الجهاد في لبنان وأنه بطل إطلاق الراهبات في معلولا.
ثانياً- تورد روايتهم أن جماعة الشامي اضطروا لإخراج الجنود المحتجزين لديهم بعد أن اعترض سكان اللبوة على وصول المساعدات الإنسانية إلى عرسال خشية وصولها إلى المسلحين. وتبريرهم في ذلك أن جبهة النصرة خشيت أن يحمل أهالي عرسال وجود مسلحيها في بلدتهم مسؤولية أنه بحجتهم لا تصل المساعدات إليهم فبادرت إلى الانسحاب من البلدة ومعها الجنود الذين تحتجزهم، إلى جرودها !! .
ثالثاً- تتقصد رواية هذه الجهات طرح نقاط أخرى مشبوهة أقل ما يقال فيها أنها لا تخدم معركة لبنان ضد الإرهاب، ومنها على سبيل فبركة قصص تخدم فكرة أن جبهة النصرة لم يكن لديها أي هدف من دخولها عرسال سوى طرد داعش منها وضرب تواطؤ جماعة جمعة مع جهات لبنانية والدولة السورية، إضافة إلى تحصيل ضمانات بعدم إيذاء أهالي عرسال والنازحين في لبنان. وتطالب هذه الرواية انطلاقاً من فبركة كل هذه الوقائع المبتدعة، بضرورة أن تبادر الدولة اللبنانية لإجراء تحقيق لمعرفة خلفيات ما حدث في عرسال، وكل الهدف تبرئة المهاجمين التكفيريين وتبرئة بيئتهم الفقهية والسياسية الحاضنة وتوجيه الأنظار لمكان آخر.
رابعاً- ركزت الرواية المفبركة أيضاً على تأكيد أن كل المسلحين جاؤوا من الأراضي السورية ولم يكن بينهم أي نازح مقيم في منطقة عرسال، وصولاً إلى سرد وقائع عن حصول الغزوة التكفيرية لعرسال تعتمد بالكامل الرواية التي أوردها بيان جبهة النصرة عن مسار أحداثها، وذلك على حساب روايات بيانات الجيش وتصريحات قائده للإعلام.
*البناء