البحث عن الشمس -عزالدبن جلاوجي
البحث عن الشمس – عزالدبن جلاوجي
مسردية
الإهـداء
إلى الطفل الشهيد
محمد جمال الدرة
الذي اصاعد ذات انتفاضة إلى سدرة الشهداء
إلى كل الواقفين في طليعة الأمة العربية
الذائدين عن حياضيها
المنافحين عن عزتها وكبريائها
الرافعين ألويتها خفاقة مكابرة
إليهم جميعا أرفع هذا الإيحاء
بين يدي النصوص
كان كُتَّاب المسرح منذ زمن الإغريق يكتبون نصوصهم إلى الخشبة مباشرة، ولعله لم يدر في خلدهم أن يوجهوا ما يكتبون إلى القارئ، ومع مرور القرون صارت المسرحية تصدر أيضا بين دفتي كتاب مما حفظها من الضياع والزوال، كما ضاعت للأسف الشديد آلاف العروض المسرحية التي كانت ترتبط بالمشاهد في حينها ثم تختفي إلى غير رجعة.
مع تطور وسائل تسجيل الصوت والصورة، تحقق حلم الاحتفاظ ببعض العروض لتشكل مادة خصبة للمتلقي في كل مستوياته، مما هيأ للدارسين المتخصصين فرص دراسة ذلك.
غير أن ظهور وسائط مختلفة سرق المتلقي إلى غير رجعة، بما استطاعت أن تحققه من وسائل إغراء، جعلت المسرح منبوذا إلى حد بعيد، حيث راح يفقد معاقله وسحره، ولم يتخل عنه متلقوه فحسب بل وحتى منتجوه أيضا، وبذلك يكون المسرح قد خسر المشاهد وهو الذي لم يكسب القراء في أي مرحلة من مراحله.
في وقت راح السرد بأشكاله يزحف على الميدان ويكسب ألآلاف بل الملايين الأنصار إلى صفه، مما فرض التفكير في إعادة الألق للنص المسرحي، فيحقق رغبة الناس في قراءته دون أن يفقد خاصية التمسرح فيه، وهذا ما حدا بنا إلى إعادة كتابة النص المسرحي ولكن بنكهة السرد فنكسب القارئ أولا ونأخذ بيديه ليعود إل خشبة المسرح دون أن نجرح كبرياء المسرح، بحيث يكون النص مهيئا أيضا للعرض على الخشبة، ويمكن أن يستفيد منه المخرج والممثل معا.
******************
كانت الظلمة حالكة تبتلع الحجرة بأكملها، تنبعث الرطوبة العالية من كل أنحائها، تكاد تفترس الأنفاس، حركات لفئران وصراصير تعبث في أرضية الحجرة، أصوات خفافيش تنتقل هنا وهناك.
وسط الغرفة كان المقهور يتكور على نفسه مسبوتا، مغطى برداء رث ممزق لا يكاد يستر كل جسده، يرتفع شخيره حينا ويخفت أحيانا.
بعد لحظات يدخل الحجرة الغريب، وهو رجل عليه سمات الوقار، يلبس ثيابا بيضاء جديدة، يطوف هنا وهناك في حيرة كأنما يبحث عن ضالة، يقف عند رأس المقهور وقد هزته المفاجأة.
-
يا إلهي، ما هذا الشخير؟ الأرض تدور.. الكون يدور.. والفلك يدور.. وها…، ذا المقهور في بيته مقبور؟ آه.. آه.. آه..
يستمر الغريب في دورانه من جديد هنا وهناك يضرب يديه في حسرة، ثم يعود ليقف عند رأس المقهور يضربه على رأسه بعصاه في غضب
-
قم، كفـاك نوما، قم… قم.
لا يرد المقهور، ولكنه يتحرك قليلا ينكمش على نفسه، يلكزه الغريب مرة ثانية، ولكن بقوة.
-
قلت لك، قم كفاك خمولا، يا مقهور الأرض تدور، الأفلاك تدور، الكون يدور، وأنت هنا مقبور؟ قم وإلا ابتلعتك الشرور.
يتململ المقهور مرة ثانية ولكنه لا يرد أيضا، ينحني الغريب على المقهور، يمد يده يزيل عنه الغطاء، يمسكه في يده، يحاول رفعه.
-
قم كفاك سباتا.
ينفلت المقهور منه مرة ثانية، وينكمش على نفسه وقد أحس بالبرد الشديد قائلا:
-
دثرني، دثرني، ودعني أنام.
-
كأنما يقطع الكلمة الأخيرة، ينكمش معيدا عليه الغطاء فيعلو شخيره بسرعة، يبحلق الغريب فيه حائرا، يجثو على ركبتيه، وقد صار في صوته رقة وعطف
-
إلى متى وأنت نائم؟ النوم انشطار، وانتثار، واندثار.
يتحرك المقهور ببطء شديد، يجلس حيث هو، يحك أذنيه، فعينيه، ويسأل بحيرة
-
منذ متى وأنا نائم؟
يضحك المقهور مستهزئا
-
منذ متى؟؟؟ لا تدري منذ متى وأنت نائم؟؟؟ ألم أقل لك أن النوم موت؟
يتثاءب المقهور حتى تظهر لهاته، يمد يده فيمسح لعابه بظاهرها
-
لا ليس موتا، ولكنه كالموت فقط.
-
إذن فأنت ترى أن بينهما فرقا؟
-
المهم أني لم أمت، أنا مازلت حيا أرزق، والمهم أن تجيبني عن سؤالي
-
سؤالك؟ وما سؤالك؟
-
منذ متى وأنا نائم؟
يتنهد الغريب بحسرة
-
إيه، تنام ولا تدري منذ متى وأنت نائم، منذ قرون إن أردت الحقيقة.
يفتح المقهور عينيه عن آخرهما مندهشا
-
منذ.. منذ.. قرون؟ منذ قرون؟؟ إنه لزمن طويل حقا، لا بأس، كل ما فات مات، وكل ما مات رفات، ولكن…
يقوم الغريب منزعجا، وقد أمسك بتلابيب المقهور يحاول رفعه
-
ولكن.. ولكن ماذا؟ قلت لك قم.
ينفلت منه وينكمش على نفسه
-
آح ح آح ح، أشعر بالبرد القارص ينهش مفاصلي نهشا.
يبتعد عنه وقد ألمته حالة المقهور، فيسأل بمرارة
-
البرد فقط؟ وهذه الرائحة العفنة التي تملأ عليك المكان، أما أحسست بها؟ وهذا الظلام الذي يسدل ستائره عليك، وهذه الجرذان والصراصير والعناكب والخفافيش التي تملأ عليك الحجرة، وهذه النخلة الميتة التي لم يبق منها إلا الجذر… إني لأعجب كيف أن الدود لم يأكلك؟
يتمتم المقهور يرد بحسرة وقد أنهكه التعب
-
بل أحس بها جميعا، كما أحس بالبرد تماما، ولكن…
يستدير إليه الغريب مقاطعا
-
ولكن ماذا؟
-
ولكن لا حيلة لي.
-
اطلب الشمس.
يجلس المقهور في مكانه سائلا بتعجب
-
أطلب الشمس؟
-
اسمع يا مقهور، إن الشمس لن تخترق الجدران إليك، ولن تتسرب عبر الإسمنت والصخور.
يتكئ على مرفقه حالما
-
الله…لم أر الشمس منذ قرون
يصمت لحظات متأملا في السقف، ثم يفطن إلى نفسه فجأة
-
أسألك سؤالا؟
-
اسأل…
-
ماهو لون الشمس اليوم؟
يضحك الغريب في استهزاء
-
هل تريد أن تتذوق بي أنا؟
-
ألا يمكن ذلك؟
-
أجل، يستحيل ذلك.
يحاول أن يعتدل وقد مد رقبته حائرا
-
والعمل…؟
-
ذق أنت بنفسك، أليس لك عينان ترى بهما؟
يتلمس عينيه بأصابعه وقد غارتا
-
لقد كاد الظلام يطمسهما تماما.
يبتعد عنه منزعجا رافعا صوته.
-
حاول.
-
يتململ في مكانه، وقد ظهر عليه الخوف
-
ربما لا أستطيع.
-
بل تستطيع دون شك.
-
كن أصلب منها وحطمها.
يجول ببصره في أنحاء الغرفة بحيرة شديدة، ويسأل بتعجب:
-
أحطمها كلها؟
-
أحدث فيها ثقبا على الأقل، حتى ترى الشمس أولا، ثم حطمها كلها بعد ذلك.
-
وأنت متأكد من أنني سأجد الشمس؟
-
لاشك في ذلك.
يتمدد على ظهره، يمد ذراعية بعيدا ويستغرق في الحلم
-
إيه، ما أحلى الشمس…هل تعلم أني منذ زمان وأنا أحلم بالشمس، وبأشعتها الدافئة؟
-
لاشيء يعدل الشمس مطلقا، ولكن الحلم لا يكفي يا مقهور.
-
ولكن…
ينتفض الغريب غاضبا وقد أشهر عصاه
-
ولكن ماذا؟ حياتك كلها استدراكات.
-
ولكني خائف، خائف.
-
تخاف؟ ابق إذن في الظلام أبدا، تعاشرك الصراصير والجرذان والخفافيش
يمد الغريب صوته بالكلمة الأخيرة، يندفع المقهور فزعا مرعوبا يضم ركبتيه إلى صدره
-
الصراصصصير والجرذان و الخفافيييييش؟
-
هل تحب الصراصير والجرذان؟
يتغير حاله فجأة إلى الانبساط
-
تريد الحقيقة؟ لقد كدت آلفها.
يتبسم ساخرا من المقهور
-
أو لعلك كدت تمسخ جرذا أو صرصورا.
-
قلها ولا تخف، انظر
يحمل بين يديه جرذا يداعبه
-
أخشى أن تتحول يوما إلى جرذ مثل الذي تحمله بين يديك.
-
أقول لك الحقيقة؟
-
قل.
-
وتقبل قولي؟
-
إن وجدته صائبا طبعا.
-
وإن لم تجده صائبا؟
-
سأرفضه طبعا.
-
إذن فلماذا أقول لك إن كنت سترفضه؟
-
قل وسنرى.
-
أنا أحب الجرذان والصراصير، وأحب السبات وهذا الظلام.
يقترب منه
-
فعلا، من عاشر شيئا أربعين يوما ألفه، وتعود عليه.
يقهقه المقهور، محاولا أن يزم فمه بيمناه
-
أما أنا فقد عاشرتها قرونا.
-
والشمس ألا تحبها؟
-
أجل أحبها… ولكن…
يقاطعه الغريب بحنق وهو يضرب على الأرض بعصاه
-
ولكن، أمازلت في الاستدراكات؟
-
ولكن الشمس أمرها صعب.
-
وما أنت فيه؟
-
ما أنا فيه، أسهل وأبسط.
-
أسهل، ولكنه أهون وأحقر.
يتمتم بين شفتيه مفكرا في تردد
-
الأسهل… الأصعب؟؟؟ الأسهل… الأصعب؟؟؟
-
إذن أنت بين أمرين إما… وإما… وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
يصمت لحظات يعتدل في جلسته، ثم يغير دفة الحديث
-
تذكرت أمرا أريد أن أبوح به إليك.
-
هل هو سر؟
-
لا ليس سرا، ولكن لعلك لا تعرفه.
-
اذكره.
-
هل تعرف كيف كان هذا البيت؟
-
وكيف كان؟
يرفع رأسه إلى الأعلى، يصمت لحظات مفكرا، وقد وضع راحة يمناه على جبهته، يتنهد متحسرا.
-
كان قصرا فخما… عظيما… تطل عليه الشمس، لا تطل إلا عليه… ولا تغرب عنه أبدا… وكانت حوله حدائق غناء… وأزهار وماء… وكان الناس جميعا، رغم اختلاف أجناسهم وألوانهم ومشاربهم، إذا أرادوا استنشاق الهواء، أو رؤية الشمس، جاءوا هنا… صدقني بل لقد كانت تحمل إليهم الشمس، ويحمل إليهم الهواء إلى مساكنهم، نعم هذه هي الحقيقة صدقني لا تظنني مجنونا ولا حالما.
-
اطمئن أنا مصدق لك، بل أنا أعرف عنك كل شيء.
يسأل المقهور وقد هزته الدهشة
-
تعرف عني كل شيء، ومن أدراك؟
-
اذكر أمامي حاضرك، وسأحدثك من أنا؟
-
تريد أن أحدثك عني الآن؟
-
نعم الآن.
يكسو الغم ملامح وجهه، فيجيب بحسرة
-
بل منذ زمان طويل، طويل، لست أدري ماذا وقع حتى انقلب الوضع هكذا.
-
لا تدري ماذا وقع؟ لماذا؟ هل كنت فاقد الوعي؟
يمسح عينيه وقد اغرورقتا بالدموع
-
ألم تقل أنك تعرف عني كل شيء؟ أجل لقد كنت فاقد الوعي والحس، كنت مخمورا… ولما أفقت وفتحت عيني… وجدت الظلام يضرب بجرانه من حولي… فذبلت الأشجار والأزهار، ومات كل هزار، وغار الماء، وبدأ القصر يتقلص حتى أضحى حجرة واحدة، وهي هذه التي تراها، وذبلت النخلات الواحدة تلو الأخرى، وهوت أعجازها
ينتحب فجأة باكيا، كأنما تذكر مصيبة
-
وأخبرت بعد ذلك أن قوما سرقوا الشمس، واتجهوا بها إلى الغرب، هل تعرف؟
-
وماذا أعرف؟
-
كم بكيت ذلك اليوم…! بكيت كثيرا… بكيت دما لا دموعا.
يضحك الغريب
-
بكيت فقط؟ إني لأشفق لحالك.
-
وما عساني أفعل؟
-
إن البكاء كأدوية الأمراض العصبية، تضر أكثر مما تنفع.
-
صدقت فأنا كمريض الأعصاب، لا أعيش هذه الأيام إلا على البكاء والأحلام.
-
ولكن ما كان عليك أن تبكي.
-
وما تريدني أن أفعل؟
-
كان عليك أن تقاوم.
ترتسم على محياه ابتسامة ساخرة
-
أقاوم…! كيف؟
-
ألا تعرف كيف تقاوم؟ سبحان الله !
-
حينما أخرجت سيفي وجدت الصدأ قد علاه
يحمل سيفا ورمحا كانا تحت فراشه، وقد علاهما الصدأ، وظهرا قديمين جدا لا يصلحان لشيء
-
وأما رمحي فانظر لحاله لم يبق منه إلا سنانه.. وفوق هذا لقد وجدت هذه الجدران من حولي تمنعني من الانطلاق.. والظلام الحالك يخفي عني كل شيء.
يطرق حزينا، يجلس الغريب قريبا منه
-
لقد كبلوك… سرقوا منك الشمس، وكبلوك حتى لا تلحق بهم.
-
وبقيتُ طوال هذه القرون أعيش في هذا السجن المظلم.
-
ولم تحاول أن تفعل شيئا؟
-
كنت أعرف أني لن أستطيع فعل أي شيء أبدا.
-
فلجأت إلى النوم؟
-
أجل هو ذاك.
-
هكذا ببساطة؟
يصمت لحظات كأنما يبحث عن جواب
-
إن الذي لا يبصر غير الظلام، لا يلجأ إلا للنوم.
ينهض الغريب، يخطو إلى الأمام، وقد تملكه الغضب
-
وما إن رأت عيناك الظلام حتى استسلمت للسبات العميق، إن النوم يسكن نفسك، يعشش في أعماقها وأغوارها لا في الظلام أيها المقهور المدحور.
-
تعودت عيناي الظلام فمالت إليه، شعرت بادئ الأمر بالوحشة، ولكن بعد ذلك استأنست بالجرذان والصراصير والعناكب، لقد كانت لي رفيقة تملأ علي وقتي وتقتل الفراغ.
يقترب منه من جديد
-
والآن، أليس لك شوق إلى الشمس؟
-
رغم أني حاولت طرد طيفها من ذهني إلا أن الشوق إليها مازال يسكنني حتى النخاع.
تتغير ملامحه تعجبا
-
ماذا قلت، حتى النخاع؟؟ !
-
أجل حتى النخاغ.
-
سبحان الله ! وتعيدها؟
يرتبك المقهور فتضطرب الكلمات بين شفتيه
-
هل أخطأت في الحديث؟
-
إن أمثالك لا يملكون نخاعا، ولا يحق لهم أن يتحدثوا عن النخاع.
-
النخاع؟؟
يمد يده يمس ظهره ورقبته للتأكد
-
بقي منه شيء في رقبتي، والباقي التهمه الظلام.
-
صدقت، الظلام يأكل النخاع. لا يحب شيئا أكثر مما يحب النخاع.
تدور عيناه حيرة
-
تعني أنني، أنني……..
يقاطعه الغريب برفق
-
نعم إذا بقيت هكذا فسيزول نخاعك تماما تماما.
يشتد خوف المقهور واضطرابه
-
تععـ…عني، أننـ… نني…
-
نعم، وستموت إذا زال نخاعك.
يتعتع وقد اشتد خوفه
-
تععـ…ـععنني…
-
نعم، وستندثر إلى الأبد، إلى الأبد.
يبتلع المقهور ريقه فزعا
-
ولا أرى الشـ…ـشـمس؟
-
لن ترى الشمس مطلقا أبدا، والشمس لن تراك.
يتحرك في مكانه وقد جحظت عيناه
-
لن تراني؟ ياويلي ما أشقاني!
-
إن الشمس لا تحب الأموات وأهل القبور.
يمد يده كالمستغيث
-
والحل؟
-
والحل؟ تبحث عن الحل؟ الحل في يديك.
يبسط يديه يتأملهما مستغربا
-
في يدي؟ ما في يدي شيء.
-
كي لا تفقد نخاعك عليك أن ترى الشمس وتراك.
تنبسط أسارير المقهور
-
حقا؟
-
إذا رأيت الشمس وأحسست بالدفء نما نخاعك، ونجوت من الموت المحتم.
-
ولكن هذا الحل ليس في يدي.
-
بل هو في يديك.
-
ولكن كيف؟ !
يقترب منه ويجلس إلى جانبه على جذع يابس متهاو
-
هل تطيعني في كل ما آمرك به، وتطبق كل ما أشير به عليك؟
-
السمع والطاعة.
يقف الغريب، يبتعد خطوات، يتجه إليه آمرا
-
قم على رجليك أولا.
-
تعني أني سأرى الشمس حين أقوم؟
-
هذه الخطوة الأولى فقط.
-
وبعدها خطوات؟
-
سترى.
-
الأمر صعب إذن؟
-
حاول، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
يتحرك قليلا في مكانه بخوف، يسند يديه إلى الأرض
-
وإذا لم أستطع.
-
حاول، حرك ما تبقى من جمر تحت هذا الرماد.
-
ولكني أحس بالشلل في ساقيّ.
-
حركهما رويدا رويدا.
يتكئ في مكانه، وقد تسلل اليأس إلى نفسه، ويقول بصوت منكسر
-
أخاف…
-
تخاف، ابق إذن في الظلام كالحشرات، ليس للرعديد مكان في هذه الحياة. (يهم بالانصراف)
يندفع منصرفا، فيعيده المقهور مسترحما
-
لا لا أرجوك، لا تنصرف، لا تتركني وحدي.
يعود إليه الغريب سريعا
-
حسن، لن أنصرف ولكن حاول.
-
ماذا أفعل؟
-
حرك رجليك.
يحركهما ببطء وبصعوبة وهو يضج متألما
-
أي…أي… أي…
-
حاول أكثر حاول.
يحاول المقهور تحريك رجليه
-
حرك رجليك بقوة
يحركهما.. يهتف فرحا
-
جميل لقد استطعت، هذه الخطوة الأولى.
يمسد المقهور ساقيه فرحا
-
لقد أحسست بالدم يسري في رجلي.
-
حاول أن تقوم، هيا حاول، حاول.
يرفع فيه عينيه حائرا مستغربا
-
أقوم؟ !
-
أجل، هل هذا صعب؟
-
وأنت، هل تراه سهلا؟
-
طبعا، طبعا، جرب وسترى.
يحاول دون جدوى وقد كبله الخوف
-
ولكنني، ولكنني…
يقاطعه الغريب زهو يقترب منه غاضبا
-
ولكن ماذا؟ قلت لك ألف مرة كفاك استدراكا، إن الاستدراك من شيم الضعاف.
يرستم الخوف على عيني المقهور فينكمش على نفسه قائلا:
-
ولكني لا أستطيع.
-
لا تستطيع؟
-
أخشى أن لا أستطيع.
-
لا تستطيع؟ ابق إذن في الظلام، لن أعود إليك، إني أكره المنهزمين.
يندفع الغريب منصرفا وقد بدا عليه اليأس، يمد المقهور يديه يسترحمه
-
لا، لا أرجوك، توقف توقف، إني أكره الظلام، أكره الظلام.
يتوقف الغريب دون أن يلتفت إليه
-
لا يكفي كره الظلام، بل يجب أن تعقد العزم الأكيد على تبديده.
-
حاضر، حاضر.
-
يلتفت إليه بصرامة شديدة
-
ولن تتمكن من تبديد الظلام إلا إذا بددته من داخلك وأزلته من على قلبك.
-
يحرك رأسه في إذعان تام
-
حسنا، حسنا سأفعل.
-
هيا، قم إذن.
مستعطفا في ضعف شديد
-
ساعدني على القيام.
-
أساعدك؟ عدت إليها، هذه لعمري الكارثة…
-
ما طلبت محالا.
-
بل طلبت حراما، وإياك أن تعيدها.
-
العفو إن كنت أخطأت.
-
تأكد من أنك أخطأت خطأ فادحا.
-
هل تعتبر طلب المساعدة خطأ؟
يقف الغريب كالخطيب رافعا صوته:
-
من اعتمد على غيره ضاع، ومن أكل بغير يده جاع، ومن قلد غيره ماع.
-
لن تمد لي يد المساعدة إذن؟
-
لا تعود نفسك الاعتماد على غيرك.
-
حسنا سأحاول
يتحرك قليلا محاولا القيام
-
أي.. أي.. أي.. سأستعين بالجدار.
يصرخ فيه الغريب محذرا
-
لا تتكئ على الجدران…لا تتكئ على الجدران… إياك والاتكاء على الجدران.
-
حسن ها أنذا أتخلى عنه.
يحاول أن يقف.. بعد لحظات وقد وقف يصيح فرحا
-
جميل لقد وقفت، لقد وقفت.
-
جميل حقا هذا!
يجهش المقهور فرحا
-
ما كنت أظن…ما كنت أظن.
-
ما الذي لم تكن تظنه؟
-
ما كنت أظن يوما أنني سأقوم…منذ نمت في المرة الأولى كنت أحلم بالوقوف، ولكن حلمي هذا لم يكن يتجسد على أرض الواقع، بل كان يتبخر ويتلاشى، والسبب هو أنني كنت أخشى السقوط.
-
العضو الذي لا يعمل يضمر، والذي يخشى السقوط يعيش أبد الدهر بين الحفر.
-
كدت أضمر كلية، جسمي كله توقف عن الحركة منذ قرون، مذ فرضت علي الظلمة، ودخلت في سبات عميق.
-
بل وحتى عقلك كاد يتوقف.
-
كنت أخشى التفكير، كما كنت أخشى الوقوف.
يشير إليه بيده حاثا
-
تحرك خطوة إلى الأمام.
-
جيد سأحاول
يحاول أن يتحرك فيكاد توازنه أن يختل
-
إياك أن تعود إلى الوراء… إياك… إياك.
-
ولكني لم أستطع، أكاد أعود إلى الوراء.
-
لا تنـف عن نفسك الاستطاعة، أنت أقدر على كل شيء.
-
ولكنني أكاد أعود إلى الوراء.
-
خطوة إلى الوراء تكلفك حياتك، هل فهمت معنى تكلفك حياتك؟
-
لا لم أفهم بعد.
-
يعني ستموت، ستفنى، ستندثر.
يجمد مكانه محاولا التماسك وقد اشتد خوف
-
لا، لا أريد أن أموت، لا أريد أن أندثر.
-
إذن اخط إلى الأمام.
-
أعني على ذلك.
-
اعتمد على نفسك ولا تكن متواكلا.
يحاول المقهور مرة ثانية، ويندفع خطوة إلى الأمام يصفق الغريب مشجعا
-
آه جميل، جميل رائع، اخط ثانية.. اخط.
يخطـو المقهور ثانية، يحثه الغريب مشجعا
-
وأخرى ثالثة.
يخطو خطوة ثالثة وقد بدا أكثر ثقة
-
سر منطلقا الآن.
يندفع المقهور بطلاقة، يصفق له الغريب بفرح
-
أرأيت كم هي الأمور سهلة؟ المهم أن تبدأ، أن تتحرك، ومسافة الميل تبدأ بخطوة.
يشرق وجه المقهور فرحا
-
الحمد لله لقد أنقذتني، لقد قطعت الوثاق الذي كان يعيق حركتي، ما كنت أحسب أني سأسير، لقد سرت الحرارة في جسمي كله.
-
ألم أقل لك حاول فقط وستنجح؟
-
كل هذا بفضلك، وإني لأشكرك؟
-
أنا لم أفعل شيئا، أنت فعلت كل شيء.
-
أنا فعلت كل شيء !
-
أنت تملك الاستطاعة والقدرة، وأنا حركت فيك الاستطاعة والقدرة.
-
إذن أنا أملك الاستطاعة الآن؟
-
أمازلت تشك في ذلك؟ الاستطاعة في داخلك كالجمر غطاه الرماد يحسبه السطحيون رمادا لا جذوة فيه، ولكن ما إن يزال عنه الرماد حتى يتوهج نوره، ويسري دفئه
يحرك يديه ورجليه في حركات رياضية
-
أنت حكيم حقا! ولكن قل لي: هل يمكنني أن أرى الشمس الآن؟
-
لا مازالت أمامك خطوات.
-
طويلة هي؟
-
طولها وقصرها يتوقف عليك أنت، لا يوجد في الدنيا شيء قصير وآخر طويل، الأشياء العظيمة تصغر أمام الهمم العالية، والأشياء الصغيرة تعظم أمام المتقاعسين.
-
ماذا سأفعل الآن إذن؟
-
نظف بيتك من الجرذان والصراصير.
-
ولكن…
يقاطعه الغريب بغضب
-
لا تستدرك، كفاك استدراكا، إلى متى وأنت تستدرك، قم نظف بيتك نظفها، نظفها.
-
حاضر، هل تعينني على تنظيفها؟
-
قلت لك ألف مرة اعتمد على نفسك، ولا تتوكل على غيرك.
-
ولكنني… ولكنني…
-
لا تقل ولكنك لا تستطيع، وأنت بيدك الأمر كله، تنظيف البيت وطرد هذه الحشرات منها ليس بالأمر الصعب، ولا يحتاج منك إلا الإرادة.
ينظر حواليه في أرجاء الكهف
-
إذن فأنـا في حاجة إلى مكنسة، سأستعيرها وأقو…
يقاطعه الغريب
-
لقد ران الحمق على قلبك، إنك لا تستوعب الدروس جيدا، أوصيك، لا تعتمد على غيرك، هي ذي النخلة أمامك خذ منها سعفة ونظف بيتك.
-
حاضر، حاضر.
يندفع إلى الجدار حيث يمتد جذع النخلة، يقطع سعفة، ويبدأ بقتل الصراصير والجرذان والعناكب، يضربها بالسعفة ويدوسها بقدميه.. يهتف فرحا.
-
آه، لقد حققت الوقوف، وقضيت على الحشرات التي كانت تزعجني، لقد أصبح بيتي نظيفا، ما كنت أحلم يوما بهذا لولا ذلك الغريب
ينظر يمنة ويسرة يبحث عنه في حيرة فلا يجده، يثبت مكانه محبطا
-
ترى أين هو؟ لقد اختفى فجأة، ويلي ماذا سأفعل الآن من دونه يارب، ماذا سأفعل؟
يظهر الغريب فجأة من جديد
-
اعتمد على نفسك، حكم عقلك.
-
آه هذا أنت؟ لقد جئت في الوقت المناسب.
-
تريد أن أدلك على ما ستفعل.
-
هو ذاك، ماذا سأفعل؟
-
وأنت فيم فكرت؟
-
أنا في رأي يجب أن أطلب الشمس الآن، الآن فورا.
-
كيف تطلب الشمس؟
يمد أصابعه يتلمس جدران الكهف
-
أزيل هذه الحصون التي تمنعها من الوصول إلي وإلى بيتي.
-
وبماذا ستزيل هذه الجدران؟
-
ممتاز أنا لم أفكر في العدة.
-
أرأيت كيف لا ترتب أمورك؟ إن هذا القفز قد يوقعك في الهاوية.
-
ولكن على رسلك، أنا لا أملك عدة… إذن أنا لا أستطيع.
يضرب الأرض بعصاه غاضبا
-
قلت لك مليون مرة لا تقل لا أستطيع، تكذب على نفسك أم على من؟
يظهر الخوف على ملامح الغريب
-
العفو… العفو… أستطيع… أستطيع ولكن بماذا أستطيع؟
-
وهذا السيف الذي تملكه، وهذا السنان؟
-
سأبقى إذن قرنا كاملا لأثقب الجدار.
-
ابق قرنا، ابق قرنين، المهم أن تثقب الجدار، وتدخل الشمس إلى الدار.
يبدي المقهور استعداده
-
حاضر، حاضر، ولو بقيت قرونا.
-
المهم أن تملك الإرادة على المواصلة.
-
سأثقب الجدار بسنان رمحي.
-
بسنان رمحك خير من مدفع غيرك.
-
حسن سأبدأ العمل، ولكن لم تخبرني من أنت، لقد وعدتني أليس كذلك؟
ينحني ليحمل السنان، فيختفي الغريب فجأة… يندفع باحثا عنه في كل مكان من الكهف متعجبا.
-
الله أين هو؟ لقد اختفى كأن لم يكن مطلقا.
يعود وسط الكهف
-
لا يهم سأبدأ العمل، وحينما سألتقي به ثانية سأسأله.
يبدأ في نقر الجدار بكل قوة وعزيمة… كلما يتسع الثقب في الجدار تزداد قوته وعزيمته… يغبر شعره وملابسه، يتصبب العرق من على جسده كله.. يحس أنه قد كاد يحقق الهدف.. يتوقف عن الثقب يمسح العرق
-
يظهر أن الجدار صلب جدا، فرغم الزمن الطويل الذي استغرقته، ورغم الجهد الكبير الذي بذلته، إلا أني لم أنحت منه إلا القليل، ولكن لا بأس، من طلب الشمس قدم مهرها غاليا، لأواصل.
يعود إلى النقر من جديد…بعد مدة وقد انبسطت أساريره
-
الله أكاد أزيل الجدار ، أكاد أفتح فيه نافذة، سأرى الشمس بعد قليل.
ينقر الجدار بإصبعه ليتأكد
-
لم تبق إلا قشرة رقيقة سأزيلها
بصوت أعلى
-
سأزيلها.
يواصل النقب بحماس… بعد لحظات يفتح كوة فيهتز فرحا
-
الله فتحتها، فتحتها هاهي الشمس تطل علي… ابشر يامقهور لقد رأيت الشمس… بعدما حرمت منها قرونا.
يعود إلى الكوة وينظر منها فينبعث إليه شعاع الشمس… فيجلس حالما
-
آه الحمد الله، سيعود القصر كما كان، وستنمو الأشجار والأزهار… وينساب الماء رقراقا، وتغرد العصافير… ويكتمل نخاعي الشوكي
يعود إلى الكوة فيجدها قد أغلقت فيصرخ مندهشا
-
من فعل هذا؟ من منع عني الشمس؟ من؟
ينصت لحظات، يقلب بصره في كل الاتجاهات، تتملكه الحيرة والخوف، يدور في المكان قلقا، يعود حيث الكوة، يدق على الجدار بقبضتيه، يصله فجأة صوت أجش يتردد صداه في المكان
-
أنا.
يسرع المقهور بالابتعاد عن الجدار مرعوبا، يتلفت ذات اليمين وذات الشمال دون أن يرى مصدر الصوت، يتقدم ثانية من الكوة ويسأل بصوت خافت.
-
أنت؟
يرتفع الصوت من شديد حتى يهتز له المكان
-
أجل أنا أما تعرفني يا…؟
يرتفع ضحكه، يتوسط المقهور المكان خائفا، حائرا
-
أعرفك؟؟؟ وأنّي لي أن أعرفك؟
يقهقه المقهور عاليا
-
ههههههه… سأعرفك بنفسي أيها الجاهل.
يمس المقهور رأسه بحيرة
-
جاهل؟
-
ومغرور يامقهور.
يتملكه الاندهاش فجأة
-
وتعرف اسمي؟
-
وأعرف عنك كل كبيرة وصغيرة.
-
من أنت؟
يتحول صوته الهازئ إلى جد غاضب
-
أنا ملك الشمس وسيدها.
تهز الدهشة المقهور، يفرك عينيه وهو يحدق في الكوة
-
ملك.. ملك الشمس وسيدها؟
-
أجل ملك الشمس وسيدها، يامغرور.
يبتلع المقهور ريقه، يمسد حنجرته، يزيغ بصره، يصرخ فيه الغريب فجأة “اطلب الشمس”، يتردد لحظات، يقترب من الكوة
-
لكن.. لكن.. الشمس للجميع.
تعود إليه شجاعته، يقترب من الكوة يضربها بقبضتيه
-
افتح، افتح.
ترتفع قهقات ملك الشمس
-
كن صبيا وديعا ياهذا، ولا تعاند، قلت لك أنا ملك الشمس وسيدها.
يشتد غضب المقهور فيلوح بيده رافضا
-
ما سمعت بهذا أبدا، الشمس للجميع، لا سيد لها ولا ملك.
-
هل تريد أن تتأكد؟
-
ومم أتأكد؟
-
من أنني ملك الشمس حقا وصدقا، وإن كنت لا أحتاج إلى ذلك.
-
كيف ستؤكد لي؟
-
سأظهر لك لتراني، وتتأكد بنفسك من أنني ملك الشمس الذي يجب أن تخضع له كل الرقاب.
يتطلع متشوقا لرؤية ملك الشمس، يحاول أن يعدل من هندامه، وملامح وجهه
-
أرني نفسك إن كنت محقا.
يظهر ملك الشمس فجأة، رجلا طويلا عريضا، مستنير الوجه، يحمل على رأسه تاجا ذهبيا في شكل شمس، يسير خطوات متبخترا وهو يعبث بعصا في يمناه مقهقا
-
هــاأنذا.
يركز عصاه بقوة في الأرض، ويضرب صدره بباطن يده، متأملا المقهور تحته باحتقار
-
هــأنذا يا مقهور.
يصعد المقهور نظره في ملك الشمس بإعجاب واندهاش، متأملا كل شبر فيه، مشيرا بإصبعه
-
أنت… أنت هو ملك الشمس وسيدها؟
ملوحا برأسه في افتخار
-
ولا سيد لها غيري، انظر إلى جسمي، كأني أنا الذي أرسلها.
ملوحا برأسه مؤيدا
-
حقا…وصدقا!
-
إن المظاهر تدل على المخابر.
-
قد يكون ذلك حقا.
-
بل هو الحق، انظر إلى جسمك.
يشير ملك الشمس إلى جسد المقهور، الذي يشتد ارتباكه، ينظر إلى جسمه يمسه بيديه متسائلا:
-
ما به جسمي؟
يبتسم ملك الشمس في سخرية واستهزاء
-
إن الناظر إليك يدرك أنك ظلامي، ولدت من رحم لياليه الحالكة.
يجثو المقهور أمام ملك الشمس في خنوع، وقد اقتنع بما قاله
-
ولكن، أليس من حقي أن أرى الشمس؟
-
لا، لا حق لك.
-
وكل الناس، أليس لهم الحق في هذه الشمس؟
يبتعد عنه في تعال، يخرج من تحته حافظة، يفتحها فإذا هي كرسي كبير عجيب، يجلس عليه، واضعا رجلا على رجل
-
الشمس يا مقهور ملكي وملك حلفائي.
يقترب منه المقهور زاحفا وقد اشتد عجبه
-
حلفاؤك ياملك الشمس! وأين حلفاؤك؟
-
لعل الظروف ستسمح لك برؤيتهم.
-
أتمنى ذلك.
-
عندي فكرة أعرضها عليك.
يقوم مقتربا منه وقد أنس به
-
ما هي؟ هاتها.
-
أن تكون لي خادما.
يندهش المقهور للعرض الذي لم يكن يتوقعه
-
خادما !!؟؟ أنا لم أخدم في حياتي.
-
وعبدا مطيعا ذلولا خنوعا.
يتملك الغضب المقهور
-
وعبدا ذلولا؟ ولماذا أكون لك كذلك؟
-
وسأعطيك الشمس تنعم بها كيف تشاء.
-
الشمس مقابل حريتي؟ حريتي ليس لها ثمن.
-
وأرفعك مع مرور الزمن إلى مصاف الحلفاء.
-
لا، لا تحاول إغرائي، حريتي لا تشترى بالذهب
-
أنت حر فيما تفعل، ولكن دعني أؤكد لك.
-
ماذا ستؤكد لي؟
-
تيقن من أنك ستندم حين لا ينفع الندم.
يختفي ملك الشمس فجأة كأن لم يكن، تتملك الدهشة المقهور، يقلب بصره في كل مكان غير مصدق
-
ماذا وقع؟ أأنا في حلم أم في علم، عجيب هذا الأمر كأنه جن، جن حتما جن، إنه الجن يعبث بي، أنا مؤمن ولا سلطان للجن على المؤمن، لا بد أن أعود للعمل
يعود حيث الكوة
-
يجب أن أزيل الحاجز الذي وضعوه، إن الشمس من حقي أنا أيضا فلماذا أحرم منها؟
يشرع في النقب من جديد بكل قوته… بعد لحظات يتوقف وهو يمسح عرق جبينه
-
مواصلة الحفر هكذا سيفني طاقتي، ولكن لا بأس، إما أن أرى الشمس وأنعم بدفئها وإما أن أموت دون ذلك، إن الحياة بلا شمس حياة دودة الأرض.
يواصل النقب بكل حماس، يحس بحركة خلفة، يتلفت مذعورا، لقد عاد ملك الشمس وبعض حلفائه، يكادون يشبهونه، لكنهم أقل منه قوة، ويحملون على رؤوسهم تيجانا ذهبية صغيرة، تهز المفاجأة المقهور فتسقط من يديه أدوات الحفر، يشير إليه ملك الشمس مخاطبا حلفاءه
-
يجب أن نخرس هذا المشاكس، لقد أكثر علينا الدق وأقلق راحتنا.
يتحمس الحلفاء للفكرة، يقول أحدهم:
-
نقتله ونستريح.
يوافقه ثان بسرعة، وهو يثني يديه ملوحا برأسه
-
فكرة منيرة، لقد نغص علينا حياتنا، وأقلق راحتنا.
يتحمس الثالث للفكرة فيندفع مؤيدا مقتربا من المقهور
-
إذا قتلناه استحوذنا على داره، وضممناها إلينا، أما أن نتركه هكذا بيننا ففي ذلك كل الخطر.
يستل الأول مسدسه من حزامه
-
فعلا يجب قتله، الآن قبل الغد، خاصة بعد أن استيقظ من الغيبوبة التي أدخلناه فيها منذ قرون.
يبعد ملك الشمس المسدس من يد الحليف الأول ويبتعد مع حلفائه يناقش معهم الأمر
-
أما أنا فلا أوافقكم على ما قلتم أبدا، هل تظنون أن الأمر بهذه البساطة؟
-
ماذا تعني؟
-
لا يمكن أن نقهره، رغم ضعفه فهو قوي، عنيد.
-
وما العمل إذن؟
-
نعيده إلى الغيبوبة من جديد.
-
فكرة مقبولة، ولكن كيف؟
يسكت ملك الشمس لحظات كأنما يفكر
-
نقتله بالمماطلة والتسويف، ونشكل له محكمة منا تتظاهر له بالعدل ونصرة المظلوم.
يتهلل الحليف الثاني للفكرة قائلا:
-
فكرة رائعة، إن نجحنا في جره إليها.
يبتسم ملك الشمس في ثقة مربتا كتف الحليف
-
لا تخش فهو مازال طيبا، ويمكن خداعه بسهولة.
-
وهكذا كلما احتاج شيئا لجأ إلى المحكمة يشكوها همه، ولم يزعجنا.
-
وما العمل الآن؟
يشير ملك الشمس للحليف الثالث ثم للأول
-
اذهب وشكل المحكمة، انطلق أنت معه.
يسحب الثاني ملك الشمس بعيدا سائلا:
-
ونحن ماذا سنفعل الآن؟
-
سنستدعيه ونشغله عن طلب الشمس.
-
أسرع وناده قبل أن يهدم علينا الجدار.
ينادي المقهور، وكان قد عاد إلى الحفر
-
يامقهور، يامقهور، لا تكن مغرورا، تعال.
يتوقف المقهور عن النقب
-
ماذا تريد؟ دعني وشأني، لا تشغلني عن طلب الشمس
وقد تغير إلى اللطف واللين
-
حقك نحن نعترف لك به.
يقترب المقهور من ملك الشمس مندهشا، وهو يمسح العرق عنه
-
حقا ما قلت؟ا
-
إني صادق، ملك الشمس لا يكذب أبدا.
يحدث المقهور نفسه بحيرة
-
ملك الشمس لا يكذب أبدا؟؟
-
ماذا قلت؟ مالك تكلم نفسك؟؟؟
ينتبه المقهور من غفلته
-
آه…آه نعم ملك الشمس لا يكذب أبدا، حقا،حقا.
-
نعم ملك الشمس لا يكذب أبدا، ولكن حقك لا تأخذه بالفوضى.
-
ماذا قلت؟ بالفوضى؟
-
أجل حقك لا تأخذه بالفوضى.
يشير المقهور إلى ما في يده من أدوات حفر
-
وهل تعتبر هذا فوضى؟
-
أجل ما في ذلك شك، ولا يختلف في ذلك عاقلان.
-
حسن، وكيف يمكنني أن أتحصل على حقي؟
-
تحصل عليه بالعدل والإنصاف.
-
بالعدل والإنصاف! منك أنت؟
-
أجل مني أنا.
-
سبحان الله مغير الأحوال!!
-
أما تدري أننا نصبنا للعدل محكمة يخضع لها الجميع؟
-
محكمة ! وهل تقيم العدل؟
يرفع صوته في وجه المقهور مؤنبا
-
أو تشك في ذلك؟ إن الطعن في عدالتها لمن سوء الأدب
-
لا، لا حاشاك، حاشاك.
يبدو المقهور ذليلا خائفا فيزداد ملك الشمس غطرسة
-
وكل من يطعن في عدالتها فإننا نصفه بالوحشية، والبداوة، والرجعية، والإرهاب.
يؤيده الحليف بصوت مرتفع غاضب
-
أجل نصفه بالوحشية، والبداوة، والرجعية، والإرهاب.
ترتفع أصوات مرددة العبارة كأنما رجع صدى
-
أجل نصفه بالوحشية، والبداوة والرجعية، والإرهاب.
يشتد رعب المقهور فيلتصق بملك الشمس
-
من هؤلاء سيدي؟
-
هؤلاء أهل الحق والعدل، أغضبهم كلامك البذيء.
-
أهل الحق والعدل! ما أسعدني أن أراهم ياسيدي!
يبعد المقهور عنه
-
استغفر الله الأطهار لا يظهرون إلا للأطهار مثلي ومثل حلفائي.
-
يبدي المقهور أسفه على ما قال
-
لا، لا أرجوك، ما قصدت إلى ذلك أبدا، أنا أحب العدل، وأحب الحق، وأحب كل من يقوم بذلك.
-
إذن فقد قبلت حضور المحكمة الآن؟
-
وقبلت حكمها العادل مسبقا.
-
هكذا تكون إنسانا تستحق الاحترام والتقدير
يجلس ملك الشمس على كرسيه، ويشر إلى حليفه
-
استدع لنا أعضاء المحكمة الموقرة العادلة، للنظر في قضية جارنا المقهور.
-
لا، لا قبل أن ينطلق، عرفني به أولا.
-
أما تعرفه؟ تأمله إن بيني وبينه لحمة نسب ووشائج قربى، وإنك لترى ذلك في محياه.
يحك المقهور رأسه متذكرا
-
أليس هو الحليف الذي ذكرته لي؟
-
الله ! ما أذكاك ! إنه هو بشحمه ولحمه، وإنه لشرف كبير أن تلقاه، وتنعم برؤية محياه.
-
يمد المقهور يده مصافحا فيتجاهله الحليف
-
أتمنى أن تتوطد العلاقة بيننا.
-
وأنا كذلك
يحث ملك الشمس حليفه
-
هيا، هيا انطلق ليس لنا وقت نضيعه..
ينطلق الحليف لاستدعاء أعضاء المحكمة، يتأمل ملك الشمس المقهور
-
انفض عنك الغبار، واستعد لاستقبال العدل.
يندفع المقهور في عجل ينفض عنه الغبار ويعدل من هندامه
-
حاضر، حاضر لقد أنستني الدهشة كل شيء.. ها أنا على أتم الاستعداد.
-
وكن حكيما ورزينا أمام أسيادك، أعرف أنك مندفع وأحمق.
-
اطمئن تماما، سأكون طوع أمركم
يدخل أعضاء المحكمة، يصاب المقهور بالدهشة فيضطرب في وقفته، يشير إليه ملك الشمس دون أن يقوم من كرسيه
-
هاهم أعضاء المحكمة الموقرة، اسجد، اسجد.
يتمتم المقهور مضطربا حائرا
-
أسجد؟ ولمه؟
يقف ملك الشمس غاضبا، فيأمره بصرامة
-
ويلك اسجد للعدل والحق ولا تناقش
يطأطئ له رأسه بالقوة متمتما
-
سنعلمك الانضباط والطاعة أيها الجلف
يطلقه فيستوي في مكانه سائلا ملك الشمس
-
ماذا قلت ياسيدي؟
-
لاشيء.. لا شيء.
يستوي الحكيم رئيس المحكمة في مكانه الذي أعده له الحلفاء، يضرب على الطاولة بمطرقته الخشبية
-
نطلب من الخصمين أن يقفا للفصل بينهما.
يقف ملك الشمس من جهة، والمقهور من الجهة الأخرى يفتتح الحكيم الجلسة
-
باسم الرب الذي في السماء.. باسم العدل والحق والإخاء.. نفتتح جلستنا اليوم، متمنين أن نوفق لخير البشرية جمعاء… وليتفضل كل منكما بعرض شكواه..
ينتظر الحكيم منهما الحديث، يتململ المقهور في مكانه يحثه ملك الشمس
-
قدم شكواك الآن، تفضل لا تخف.
يضطرب المقهور حائرا
-
أقدم شكواي! ماذا أقول؟
يصرخ فيه ملك الشمس
-
ويلك أيها الأحمق ألا تدري ما تقول؟
يعتدل المقهور في جلسته، يتنحنح
-
حسنا… حسنا… أح… أح… أيها القاضي…
يقاطعه ملك الشمس
-
لا، بل سيدي الحكيم المفدى.
-
عفوا…عفوا.
يشجعه الحكيم على الانطلاق في الكلام
-
تفضل، تفضل لا بأس عليك يا مقهور، نحن كلنا رحمة ومحبة.
يتشجع المقهور فينطلق عارضا شكواه
-
أح… أح… سيدي الحكيم العظيم، صاحب العقل القويم، والمنطق السليم، والحسب الكريم، أرفع إليك شكواي يامولاي، لقد طلبت الشمس، ولكن هذا الأحمر الطويل، هددني بالثبور والويل، وقال ليس من حقك الشمس أبدا، فأنا سيدها وملكها الأوحد، إلا أني واثق من أن عدالة سيادتكم العظيمة ستعيد لي حقوقي السليبة.
-
نشكرك يامقهور على هذه الثقة…وهذه الكلمات الشعرية الجميلة.
يتوجه الحكيم إلى ملك الشمس بالسؤال
-
وأنت ياملك الشمس وسيدها
-
أما أنا فقد قدمت شكواي، وشرحت قضيتي في رسالة وجهتها إلى سيادتكم، ولا داعي لأن أقول شيئا.
-
إذن نستأذنكم لحظات لمناقشة القضية
يناقش الحكيم مع مساعديه القضية همسا… وبعد لحظات
-
بعد الاستماع إلى قضيتكما، ودراسة أبعادها وخباياها قررنا مايلي:
-
نحن هيئة الأخوة والوئام، نندد بشدة بالعملية الإجرامية التي ارتكبها في حقك الأحمر الطويل، وندعو عليه بالثبور والويل، ونناشد الإخوة جميعا أن يقفوا في صفك لتحقيق حلمك، والسلام.
يندهش المقهور لما يسمع
-
والسلام؟!
يمد الحكيم ذراعه بالقرار إلى المقهور.
-
هاك القرار يامقهور، ياصاحب الحق، وثق أننا سنكون إلى جانبك.
-
إن الحكم سيدي لا يكون إلا بإعادة الحق إلى أهله، ومعاقبة المجرم.
يظهر الغضب الشديد على الحكيم من قول المقهور
-
أتقدح في عدالة أسيادك أيها الجلف؟
يبدو الخوف والاضطراب على المقهور
-
لا ياسيدي، ولكن…..
يقاطعه الحكيم بصرامة
-
ولكن ماذا؟ هل تريد أن نقتله؟
يشتد غضبه فيرتفع صوته أكثر
-
إنك رجعي، بدوي، إرهابي، إن الأمور في مجتمع المدينة لا تعالج إلا بالحكمة.
يخرج أعضاء المحكمة غاضبين، يحاول ملك الشمس تهدئة المقهور
-
لا بأس يا مقهور، ما ضاع حق وراءه مطالب، حاول مرة أخرى، حاول وستنجح، ولكن كل لطيفا أكثر لتكسب عطف العدالة إلى جانبك.
-
ولكنك لم تعاقب أبدا.
-
ورغم ذلك فإني أهنئك أيها الفارس البطل.
يصافح ملك الشمس المقهور بحرارة
-
على ماذا تهنئني؟
-
هل تعرف مَن خصمك؟ إنه ملك الشمس وسيدها يجب أن تعلم أن هيئة الأخوة والوئام لم تندد بي مطلقا إلا من أجلك، وهذا نصر كبير لك.
-
وماذا أفعل بالتنديد؟
-
ألا تعلم أنك ستأخذ حقك إذا كسبت ثلاثة تنديدات ضدي من هيئة الأخوة والوئام؟
ينبسط وجهه فرحا
-
أحقا ما تقول؟ إن كان الأمر كما تقول، فهو سهل يسير.
-
أو تكذبني؟ وأنا منبع الحق والعدل والصدق.
-
حاشاك سيدي ملك الشمس، حاشاك.
يبتسم ملك الشمس، يربت كتف المقهور ثم ينطلق خارجا، يجلس المقهور لحظات مبتسما في رضى تام، ثم يقوما نشطا متحمسا
-
يجب أن أعود للنقر حتى أحصل على تنديد ثان.
يعود إلى النقر من جديد، بعد لحظات يظهر ملك الشمس مع حليفه الأول
-
لقد عاد هذا الفأر للنقر من جديد.
-
وما العمل ياملك الشمس؟ إن تركناه هكذا سيهدم الجدران التي تقف أمامه حاجزا، وسيشاركنا في الشمس حتما.
-
عندي فكرة قد تكون ناجحة.
-
هاتها، عجل هاتها.
-
ربيبي.
-
وما به ربيبك ياملك الشمس؟
-
هو الآن ليس له بيت، فهو يسكن عندنا فقط ويشاركنا كل شيء.
-
هذه حقيقة، وماذا تريد أن تفعل؟
-
الحقيقة أني سئمت من ربيبي، فهو يتدخل في شؤوني، ويطمع في أملاكي.
-
لقد حذرتك من كل ذلك.
-
ما دمنا قد اتفقنا سنضرب عصفورين بحجر واحد.
-
لن أخالف لك رأيا، فما عهدتك إلا حصيفا سديد الرأي، والربيب مثلما يشكل عليك خطرا يشكل علي خطرا أيضا، بل وعلى كل الحلفاء.
-
إذن نحرض ربيبي، بل حرضه أنت على أن يسكن مع المقهور، وهكذا سنتخلص من الربيب ونشغل المقهور عن أن ينقر الجدار علينا فيقلق راحتنا.
يشرق وجهه فرحا
-
فكرة عبقرية
يضحكان متصافحين
-
وسنمد الربيب بكل ما يحتاج.
-
فلنسرع للتطبيق.
-
هيا…هيا يا ملك الشمس.
ينطلقان مسرعين، يتوقف المقهور عن النقر، ينفض عنه بعضا من الغبار الذي غطاه، يمسح وجهه، يتأمل ما أحدثه من ثقب
-
كدت أنقب الجدار، إن الاستمرار في الدق سيجعلني أكسب تنديده ثانية إن شاء الله، سأواصل، يارب انصرني.
يواصل النقر، بعد لحظات يظهر ملك الشمس مع حليفه وربيبه، يمد يده إلى كتف ربيبه قائلا
-
اسمع جيدا، نحن سنقوم بإلهاء هذا الغبي، ونشغله بالحديث، وأنت تسلل خلسة وابن بيتا لك في ركن بيته.
يمسك الحليف بيمين الربيب
-
ولا تخش شيئا، إنّا معك لن يمسك بأذى أبدا أبدا.
منبسط الوجه فرحا يفرك يديه
-
هذا ما كنت أحلم به، وأتمناه، إن الحقد الذي أحمله لهذا المقهور المغرور ليهد الجبال الرواسي ويخسف بالأرض خسفا.
-
وها نحن نحقق لك ما تمنيته وحلمت به.
-
ولا تنسوا يا جماعة أن هذا من حقي، لقد كان لي الدور الأساسي في سرقة الشمس منه، وتخديره كل هذه القرون.
-
لن ننسى لك الفضل أبدا، المهم أن تنفذ ما خططنا له.
-
سأقيم بيتا لي داخل بيته، ولكن ما عساي أن أفعل له إن هو ثار ضدي، كيف أواجهه؟
يطمئنه ملك الشمس وهو يتأمل المقهور الغارق في نقر الجدار
-
سنوجه غضبه إلى هيئة الأخوة والوئام، ألست أنت الذي أوحيت لنا بفكرة إنشائها؟
-
اتفقنا إذن.
-
اختف هناك، وحينما نشغله نحن بالحديث تسلل أنت إلى الداخل، وشيد بيتك بسرعة.
يختفي الربيب مستعدا للتسلل فيما ينادي الحليف المقهور
-
يامقهور، كفاك نقرا، لقد أزعجتنا، ألا تقيم للجار وزنا؟
يتوقف عن النقر، يلتفت إليهما، متوجها بالحديث إلى ملك الشمس
-
ماذا تريد ثانية؟
-
أقبل لنتحاور، كفاك عبثا وهمجية.
ينفض الغبار عنه، ويتقدم منهما
-
حسن، ماذا في جعبتك.
-
والله إن كنت تريد الحقيقة، نحن جئنا لنطمئن على عملية النقر.
يبتسم الحليف مؤيدا بتحريك رأسه
-
حقا ما قال، نحن منشغلون جميعا بقضيتك، نفكر فيها ليل نهار.
-
بل تمنينا من أعماق قلوبنا أن نمد لك يد المساعدة.
ترتسم الدهشة على محياه الشاحب
-
يد المساعدة؟! لي أنا؟
-
أجل لك أنت، أنت تستحق كل الخير.
يقاطعه المقهور وهو يكاد يعانقه
-
إنكم حقا أناس طيبون، لم أر أطيب منكم في حياتي، ولا حتى في سباتي، أجل في سباتي، نمت قرونا ما رأيت لكم مثيلا، إني أعلن أني أحبكم، أحبك يا ملك الشمس، يا ملك النجوم كلها.
-
ونحن نعطيك العهد أننا سنمد لك يد العون والمساعدة، خاصة في هيئة الأخوة والوئام.
-
خيركم يعمني يا سادتي الأفاضل، بل وكل..
يقاطعه الحليف
-
إلا أننا… أننا…
-
ولكنكم ماذا؟ قل ولا تخف، فطلبك محقق.
-
ولكن أعذرني ياأخي…
-
قل ياأخي ولا تثريب عليك.
-
سأقولها أنا بدلا عنه، أنت تعرف أنك حين تنقر الجدار يبلغ الصوت آذاننا، فينغص علينا نومنا وراحتنا.
-
هذه حقيقة لم أنتبه إليها، ولكن ما المطلوب مني يا ملك الشمس؟
-
حين تدق الجدار لا تكن عنيفا،كن رحيما بنا وبالجدار، ماعهدناك إلا صاحب قلب يذوب رحمة وعطفا.
-
من هذه الناحية اطمئنوا كل الاطمئنان، سأكون رحيما بكم وبالجدار، وسأثبت لكم حسن نيتي وأتمنى أن أكون عند حسن ظنكم.
-
اتفقنا، مدّ يدك نبايعك.
يتصافحون بحرارة، ويختفي ملك الشمس وحليفه، يعود المقهور إلى النقر فيفاجأ ببيت داخل بيته، ويصاب بالدهشة
-
ماهذا.. ماهذا..؟؟ !!
يتجه مباشرة إلى الربيب الذي كان يجلس فوق كرسي أمام بيته الجديد
-
ألا تعرف ماهذا يامقهور؟ ظننتك ذكيا، ولكن لا بأس سأعلمك
يقوم مكانه مشيرا إلى البيت
-
هذا بيت.. وهذا بابه..، وهذه نا…
يقاطعه المقهور غاضبا صائحا في وجهه
-
يالك من ماكر !! أتقيم بيتا داخل بيتي؟
-
وما في ذلك ياأخي؟ ألسنا إخوة؟
-
الأخوة لا تكون على حسابي ياصاحبي.
-
متمسكنا متظاهرا بالحزن والألم
-
وأين تريدني أن أذهب ياأخي العزيز؟
يقلده غاضبا
-
يا أخي العزيز؟ هذا أمر لا يهمني، اذهب إلى الجحيم، إلى البحر، إلى ا لهاوية، المهم أن تخرج من بيتي.
-
ماأقسى قلبك ! أنت لست إنسانا، أنت متوحش.
يتباكى الربيب، فيندفع إليه المقهور معنفا
-
اخرج من بيتي وسمني بأي اسم شئت.
يغير الربيب لهجته متحديا المقهور
-
وأنا أقول لك لن أخرج، لن أخرج، أما علمت أن هذا البيت الكبير الذي تستحوذ عليه وحدك لي فيه حق؟ إن أبي كان يسكن هنا حينما كنت أنت في سبات، بل قبل ذلك.
-
لاتختلق الأعذار سأطردك رغم أنفك.
-
لا يامقهور، لا تكن مغرورا، أنت لا تغلب بعوضة، فكيف تطردني أنا، أنا أخطر منك وأقوى.
-
حسن، سأظهر لك من منا الأقوى.
يدخلان في صراع عنيف، وبعد لحظات يتغلب المقهور على الربيب ويكاد يقضي عليه
-
ما رأيك الآن؟ من منا الأقوى؟ سأنكل بك تنكيلا.
يظهر ملك الشمس فجأة
-
ماذا تفعلان أيها الأحمقان؟ ماذا تفعلان؟؟ هيا قوما.
يبتعد المقهور عن الربيب، الذي يقف منتحبا وهو يسوي هندامه
-
أرأيت ياسيد الشمس وملكها، لقد اعتدى علي هذا الجبار.
يندفع إليه المقهور مهددا
-
أنا اعتديت عليك ياغدار؟
-
أجل، أجل لا تأمنه، إنه مكار.
-
ولكنك أنت الظالم.
-
بل أنت
يسأل ملك الشمس
-
من وجدته فوق الآخر ياملك الشمس العظيم؟ قل بالله عليك.
يتوجه ملك الشمس باللوم إلى المقهور
-
إن ما قمت به يا مقهور لعمل وحشي، حيواني، رجعي، إرهابي.
-
لا تصفني بالوحشية فأنا إنسان، نعم أنا إنسان.
-
الإنسان لا يظلم أخاه الإنسان، ولا يحقره، بل يعاشره بالمعروف.
-
لعلك في صفه، وإن كنا عرفناك صاحب حق وعدل.
-
يتظاهر ملك الشمس بالحياد
-
لا دخل لي فيما بينكما، فأنا لا ناقة لي ولا جمل في القضية، ولم أسمع بها إلا الساعة.
-
إذن كيف تصفني بما وصفتني به، دون أن تعرف الأسباب.
-
وما هي الأسباب؟
-
لقد أخذ جزء من بيتي…
-
ومن أجل هذا فقط تريد أن تقتله؟
-
وهل ما فعله قليل؟
-
وأين تريده أن يذهب؟
-
يشتد غضب المقهور وقد رأى حياد ملك الشمس وتحيزه
-
يذهب إلى الجحيم… أو خذه إلى بيتك.
-
أرأيت ياسيدي العظيم، يملك هذه الدار الواسعة الشاسعة، ثم يحرمني منها.
-
الحقيقة أقول لك يامقهور، إنك متوحش مفترس، ولو كنت إنسانا لتركت أخاك الإنسان يسكن معك ما أقسى قلبك! أترضى أن تطرد هذا الإنسان الوديع انظر إليه إنه لكالحمل.
-
كالحمل، كالحمار أنا أرفض ذلك تماما.
-
ارفع أمرك إذن إلى هيئة الأخوة والوئام.
-
وماذا ستفعل هيئة الأخوة هذه؟
-
أتريد أن نصمك بالوحشية، والبداوة، والرجعية، والإرهاب؟
ترتفع أصوات غاضبة كرجع الصدى
-
بل نصمه بالوحشية، والبداوة، والرجعية، والإرهاب.
ينكمش المقهور خائفا
-
من هؤلاء ياسيدي؟
-
هؤلاء أهل الحق والعدل، أغضبهم كلامك البذيء.
يبدي المقهور اعتذاره الشديد
-
لا، لا أرجوك، ماقصدت إلى ذلك أبدا أنا أحب العدل والحق، وأحب أهل العدل والحق، ولكن ماذا سأفعل يا سيدي يا ملك الشمس؟
-
ترفع دعواك إلى هيئة الأخوة والوئام، وهي تفصل في قضيتك بالحق والعدل.
-
وأنا رضيت بالحق والعدل.
-
سنستدعي الهيئة فورا للنظر في أمركما
يعطي الأمر للحليف
-
استدع لنا الهيئة سريعا فالأمر خطير
ينطلق الحليف سريعا لإحضار الهيئة
-
سأحضِّر نفسي لذلك ريثما يأتي الحكيم ومساعداه.
ينزوي بعيدا ليحضر نفسه، فيما يتوجه ملك الشمس إلى الربيب يوصيه
-
كن ذئبا وإلا التهمك هذا الذئب المتوحش.
-
ولكني أعزل من السلاح، ولا يمكنني أن أهدده.
-
لا تخش، سنزودك بما تحتاج عما قريب، لا تخف فنحن معك.
-
وأحتاج إلى الشمس، فالمكان مظلم وبارد.
-
سنفتح لك نافذة كبيرة تصلك منها الشمس.
-
والوثائق هل حضرتها؟
يقدم ملك الشمس رزمة من الأوراق للربيب
-
ها هي، فيها إثبات بأن لأبيك الحق في هذا البيت.
ينحني الربيب معترفا بالجميل
-
لن أنسى لك هذا الفضل ما حييت
يقترب المقهور منهما فيسرع الربيب بإخفاء الوثائق، يسأل المقهور
-
ألم تحضر هيئة الأخوة والوئام؟
-
ستحضر في الحال، لا تخش فهي لن تتخلف عن نصرة الحق أبدا.
يدخل الحكيم ومساعداه، يقول ملك الشمس للمقهور وهو يشير بيده إلى الداخلين
-
ها هي قد لبت النداء، خدمة للعدل والجق
يعتدل أعضاء الهيئة
-
عملا على إرساء دعائم الحق والعدل وروح التفاهم بين الإخوة الأشقاء، ونزولا عند رغبة المقهور، ها نحن نعود للاجتماع، فما في جعبتك أيها المقهور؟
-
سيدي الحكيم، ياأمل الضعفاء، وخليفة الأنبياء، يا ناصر المساكين، وخاذل الظالمين، أشكو إليك الربيب، لقد هتك حرمتي، وقاسمني بيتي، ولما ثرت في وجهه اتهمني بالوحشية والرجعية والإر…
يقاطعه الربيب كالخطيب
-
أجل ياسيدي فأنا أتهمه بالوحشية، والرجعية، والإرهاب، فهل رأيتم إنسانا يطرد إنسانا آخر؟ هل ترضون أن يعيش آمنا مطمئنا؟ وأعيش أنا مشردا؟ إن هذا لا يقر به عاقل، ولا يفعله إلا همجي ابن همجي، همجي جده.
-
سيدي الحكيم لاشك أن ظلمه ظاهر، واعتداءه سافر، وإننا نضع فيكم الثقة الكاملة، وملتقي على…
يقاطعه الربيب مرة ثانية
-
سيدي الحكيم يجب أن تعلموا علم اليقين أن لنا من الحق أكثر مما أخذنا، ولكننا سنكتفي بما في أيدينا، ولن نسمح لأحد أن يأخذه منا إلا إذا قتلنا.
-
لعلكم سيدي تلاحظون تهجمه علي رغم بطلان دعاويه.
-
سيدي الحكيم إن عندي ما يبرهن على صدق كلاميي
يخرج وثائقه من جيبه
-
هذه الوثيقة تثبت أن لي حقا في هذه الدار، ورثت ذلك أبا عن جد، أما عن ظلم المقهور لي واعتدائه على شخصي، فهاهو ملك الشمس المبجل وسيدها المكرم يشهد على ذلك.
يسلم الحكيم الوثيقة.. يتأملها فاحصا، يوجه الحكيم سؤاله لملك الشمس
-
أدل بشهادتك يا ملك الشمس.
-
سيدي الفاضل، أقسم بشرفي أني لن أقول إلا الحق والصدق، وما عرف عني إلا حب الحق والصدق والخير، ومواساة المظلومين أينما كانوا، أشهد أني رأيت المقهور بعيني هاتين، وأنا في كامل قواي الجسمية والعقلية رأيته يلقى بالربيب أرضا، وينزل فيه ضربا.
يتشاور الحكيم مع مساعديه لحظات
-
بعد الاستماع إلى قضيتكما ودراسة أبعادها وخباياها قررنا ما يلي:
-
نحن هيئة الأخوة والوئام نندد بشدة بأعمال الربيب كما نعبر عن أسفنا الشديد عن كل عمل وحشي رجعي من شأنه أن يحط من قيمة الإنسان، ويقضي على روح الأخوة الإنسانية.
يعجل إلى الحكيم يتسلم التنديد فرحا
-
هات التنديد
يمسكه ويعلقه بجوار التنديد الأول على صدره.. تنصرف هيئة الأخوة والوئام.. يصيح مفتخرا مفتخرا في وجه الربيب
-
ها قد انتصرت عليك أيها المغبون.
يتقدم منه ملك الشمس مصافحا بحرارة
-
أبارك لك هذا الفوز، ياصديقي العزيز.
يدور منتشيا في كل الأرجاء صائحا
-
أصبح الآن بحوزتي تنديدان، ولم يبق لي إلا تنديد واحد وأقضي عليكما.
-
لا، لا أيها المغرور، يظهر أنك لا تفهم القانون.
-
القانون يحدد ثلاثة تنديدات.
-
وأنت لك تنديد واحد.
-
وهذا التنديد الذي تحصلت عليه الآن؟
-
هذا ضد الربيب، وحتى تطرده يجب أن تحصل على ثلاث تنديدات ضده.
يبدو على ملامحه أسى وحسرة
-
إيه، ما أطول المسافة…إذن سأعود للعمل.
يعود بسرعة إلى حمل أدواته والشروع في نقب الجدار، يندفع ملك الشمس باتجاه الربيب فرحا
-
مبارك عليك الانتصار، يظهر أن الأمور تسير على الدرب الذي خططنا بالضبط.
-
وأين ما اتفقنا عليه؟
-
تقصد السلاح؟
-
أجل السلاح، والشمس قبل السلاح حتى لا يموت نخاعي البرد هنا شديد والظلام حالك.
-
لا تخش شيئا نحن معك.
يصفق فيقبل ثلاثة جنود يوجه إليهم أوامره
-
انقلوا إليه سريعا كمية من السلاح، وأثثا له بيته الجديد.
يسرع الجنود بتنفيذ الأوامر
-
هذا عمل لن أنساه مطلقا.
-
أنا تحت أمرك، لا تطلب شيئا إلا كان أمامك حاضرا في أقل من لمح البصر.
يتابع الربيب الجنود وقد أكملوا عملهم سريعا، يحيي ملك الشمس
-
بوركت ملك الشمس، لقد أكملوا التأثيث.
-
بقي لهم أن يفتحوا لك نافذة لتتسرب منها الشمس إليك.
-
وذلك هو الأساس.
يصفق للجنود فيحضرون سريعا
-
أكملتم ما أمرتكم به؟
-
يرد الجنود بصوت واحد
-
نعم ياسيدي.
-
افتحوا في بيت سيدكم نافذة لتشرق الشمس منها، وضعوا في البيت أشجارا للزينة، وأزهارا عطرة
يسرع الجنود في تنفيذ الأمر دون تعليق، فيشرق وجه الربيب ابتهاجا
-
هذا عمل جبار، لم أكن أحلم به مطلقا.
-
مازالت هناك أمور يجب أن ننفذها، سنأمرك بها في حينها.
-
أنا في الخدمة دوما.
يصافحه مودعا وهو يشير إلى المقهور الغارق في النقر
-
سأنصرف الآن، ادخل بيتك واهتم به، ذاك شيطان مريد وإن أفلت منا سيكون وبالا علينا.
-
ولكني أخشى غدر المقهور.
-
أتخشى المقهور؟
-
أجل أنا أخشاه، أنت تعرف أنه متوحش وعنيد.
يربت كتفه مطمئنا
-
لا تخف لقد رسمنا خطتنا المميتة.
-
كيف؟
-
سنشغله نحن بطلب الشمس، وسنترك لك هؤلاء الجنود لحراستك.
-
لن أنسى لك هذا الفضل أبدا، لقد أوجدتني من العدم.
-
المهم أن لا يصل المقهور إلى الشمس حتى لا ينبت له نخاع، أنت تعرف ماذا سيفعل بنا إن حقق ما يريد.
-
لن يصل إليها أبدا، أتريد أن تضع في يده خنجرا لطعننا؟
-
إلى اللقاء إذن…
يودع الربيب ملك الشمس ويدخل داره الجديدة فيما يستمر المقهور ينقر الجدار بقوة وقد كساه العرق وغطاه الغبار… بعد مدة يعود ملك الشمس
-
إيه أيها المقهور ألا تدعنا ننام؟ لقد أقلقت راحتنا.
ينظر المقهور إليه شزرا، ثم يكمل العمل دون أن يرد، يتقدم منه ملك الشمس أكثر
-
بدأت تنبت لك قرون، أصبح رأسك غليظا.
يتوقف المقهور عن العمل ويتقدم من ملك الشمس، وهو يمسح العرق وينفض الغبار
-
سمني كيفما شئت فأنا لن أتوقف عن النقر حتى أرى الشمس.
-
ستراها في الوقت المناسب.
يتقدم منه أكثر حتى يكاد يلامسه وقد اشتد غضبه
-
لا تكذب كثيرا، لقد مللت وعودك المعسولة.
-
ألم أقل لك أن قرونا بدأت تنبت لك؟ ولكن لا بأس سأثبت لك أنني لا أكذب أبدا، وأنني مفعم بالإنسانية والحب والإخاء، وسأسمح لك برؤية الشمس.
يصيح المقهور من فرط الدهشة فرحا وقد رمى أدوات النقر
-
أحقا ما تقول؟
-
سترى الحقيقة بنفسك.
يظهر الربيب فجأة، وقد خرج من بيته المحصن
-
أرى أنه لا يستحق شعاعا واحدا من الشمس.
-
لا، لا تكن قاسيا، ياصديقي.
-
إن المقهور ياملك الشمس يزعج راحتنا، وينغص حياتنا، إنه يدق بالليل والنهار لا يتعب أبدا.
-
حقا فعل ذلك، وتعدى شيئا ما حدود الآداب والأخلاق، وانتهك حرمة الشرائع السماوية، ورغم…
يتدخل المقهور مقاطعا وعيناه تقدحان غضبا
-
ولكن…
يقاطعه ملك الشمس وهو يمسك بذراعه
-
لا بأس عليك، كل ما يأتي منك مقبول، إنك معذور يا مقهور.
-
ولكن الربيب أخذ جزء من بيتي، وأنا مازلت مصرا على طلب ما سلب مني.
-
يقهقه الربيب ساخرا
-
هيهات أيها الغافل، لقد أثبت بالوثائق أن لي إرثا في هذا البيت.
يندفع المقهور إليه مهددا
-
لا، هذا تزوير لا أقبله أبدا، أنت دجال منافق.
يندفع ملك الشمس بينهما
-
مهلا، مهلا، أنا عندي فكرة قد ترضيكما.
-
اعرضها علينا لننظر فيها، فما عهدناك إلا سديد الرأي، مخلص النية.
-
أحسنت يامقهور، أعرفك عاقلا، الفكرة أن تقتسما ما أخذ الربيب بينكما.
يندهش المقهور للفكرة
-
نقتسم البيت؟ إنه بيتي، إنه بيتي، بيتي أنا.
يرتفع صوت المقهور، يمسك ملك الشمس به مهدئا
-
على رسلك لا تكن عصبيا، أنا أقصد القطعة التي أخذها الربيب.
ينفلت المقهور من ملك الشمس رافضا
-
كيف أقسم حقي مع غيري، ما فعل هذا مجنون، فكيف يفعله عاقل؟ قل بربك فكيف يفعله عاقل مثلي؟
يقف الربيب مقابل المقهور في تحد
-
وأنا لا أقبل القسمة أبدا، لي من القوة ما أقهرك به، بل ما آخذ به حتى الذي مازال تحت يديك.
-
أتهددني ياتافه؟ أتسرق بيتي وتهددني؟
-
أجل أهددك وأهدد ألفا معك.
-
أنا أرى أنه لا داعي للمناوشة والشجار، وإني أقترح عليكما الصلح والصلح خير وفضـ.
يقاطعه المقهور وقد بدأ يهدأ
-
ولكن أيها السيد الملك، لا يقبل…
يقاطعه ملك الشمس مغريا
-
ولاتنس بأننا سنسمح لك برؤية الشمس.
يهدأ صامتا لحظات وقد انبسطت أساريره
-
إذا كان كذلك فقد رضيت، قد رضيت، هيا لنبدأ القسمة.
يبتسم الربيب بمكر ساخرا موجها خطابه لملك الشمس
-
وأنا لن أقبل بهذا أبدا، البيت بيتي وبيت أجدادي، أم نسيت ياملك الشمس؟
-
أرأيت ياملك الشمس من منا المتوحش المتعصب، ومن منا الإنسان الوديع المتسامح؟
-
مشيرا بإصبعه للربيب يدعوه للسكوت
-
اسكت لا تـنطق ثانية
ينسحب الربيب بعيدا، يتوجه ملك الشمس للمقهور
-
قبلنا القسمة.
-
هيا لنبدأ، ولتباركنا السماء.
-
لا ليس الأمر بالسهولة التي تتصور، يجب أن نشكل لجانا لدراسة الوضع، وقياس المسافات والزوايا، والبحث في الأحوال والملابسات، وما سينجر عن كل حركة نقوم بها، ونعطي كل التفسيرات المحتملة لذلك…
يقاطعه المقهور بتعجب
-
حسبك، حسبك ياملك الشمس، إن هذا ليستغرق سنوات طوالا.
-
وقد يستغرق قرونا.
-
ولكن هذا…
يقاطع ملك الشمس المقهور
-
ولكن ماذا؟ أتظن الأمر بسيطا؟ أنت معذور أيها المقهور، هذا الأمر نحن نحيط به علما، أما أنت فلا نخاع لك.
يذعن المقهور وقد فغر فاه مندهشا لشرح ملك الشمس
-
حق ذاك أيها السيد الملك، فأنا أجهل الناس بالقانون.
-
ثم تقدم تقاريرها لهيئة الأخوة والوئام لدراستها، وستدعونا جميعا للاجتماع، وإذا تمت الموافقة سنقسم القطعة بينكما.
يسير خطوتين محدثا نفسه
-
وإذا تمت الموافقة سنقسم القطعة بينكما.
-
يصمت لحظات ثم يلتفت إلى ملك الشمس سائلا
-
وإذا لم تتم الموافقة؟
يبتسم ملك الشمس وهو يربت كتف المقهور
-
ستعود إذ ذاك كالبطل للميدان لتدافع عن حقك، ولا أحد يجرؤ إذ ذاك على أن يتهمك بالوحشية.
يشمخ بأنفه، مذعنا للفكرة
-
قبلت وسأكون حاضرا لطرح قضيتي، فإما نصر وإما جهاد حتى النصر، لن أكون إلا كما كان أجدادي دوما، شلالا للدماء والتضحيات، ونهرا لـ…
يقاطعه ملك الشمس
-
نعم الخلف والله يامقهور، ونعم الدرب يامقهور درب الدماء، ولكن لا تتعب نفسك
يقاطعه المقهور في حيرة
-
ما تقصد أيها السيد؟
-
أقصد لا تتعب نفسك استرح تماما، وسنقوم بالعمل وحدنا، فحقك سيصلك إلى بيتك كاملا.
-
ثقتنا فيكم كبيرة.
-
مهمتك أيها المقهور أن تدعو لنا بالتوفيق، إن الله يستجيب للضعفاء أمثالك.
-
يجثو المقهور على ركبتيه سريعا، ويبسط كفيه للسماء
-
يارب وفقهم وانصرهم على أعدائهم، يارب وفقهم وانصرهم على أعدائهم، يارب..
يقاطعه ملك الشمس وقد أمسك بكتفه
-
ليس الآن يامقهور، لك متسع من الوقت اختل بنفسك، وتفرغ للدعاء، وسيستجاب لدعائك حين نكون نحن في ميدان العمل، أما الآن فسنفتح لك نافذة لترى منها الشمس.
يقبل يده مرارا، وقد جثا على ركبتيه
-
لك الشكر والحمد سيدي
-
ولكن يجب أن تعرف أشياء.
يرنو إليه متسائلا دون أن يغير وضعيته
-
ماهي أيها السيد الملك؟
ينحني عليه، يمد سبابته موصيا
-
لا تقترب منها إن نورها سيحرقك لا محالة، رغم أننا سنخفف لك نورها.
-
لماذا تخفف لي النور ياسيدي؟ أنا في حاجة ماسة للشمس، حتى ينمو نخاعي.
-
لاتتعجل أيها المقهور نحن لا نريد لك إلا الخير ألسنا جيرانك وأحبتك؟
يقف، محاولا التقاط أدوات النقر المتناثرة
-
أتمنعني من الشمس بعد أن وعدتني، ثم تقول أني أحب لك الخير؟
-
لابأس سأشرح لك الأمر، إن جسمك الآن أصبح غريبا عن الشمس أليس كذلك؟
-
بلى.
ينكمش المقهور على نفسه وقد أحس بالبرد، يمد ملك الشمس يده إليه يجس جسده النحيف
-
وحتى يتعود على الشمس تدريجيا يجب أن يكون نورها خافتا، وكلما تعود جسمك زدنا في حرارة الشمس، أما إذا أرسلنا على جسمك الشمس دفعة واحدة فستحترق.
-
تعني أن جسمي لا يملك القابلية؟
-
هو ذاك بالضبط، لقد أصبحت تحسن التفكير.
-
فضلكم لن أنساه أبدا ياسيد الشمس وملكها.
مشير بإصبعه حيث كان المقهور ينقر الجدار
-
هيا عد إلى بيتك وانتظر الشمس.
يعود المقهور حيث أشار ملك الشمس، ويجلس ناظرا إلى الكوة، يقبل الربيب متسائلا بحيرة
-
هل تريد أن تمنحه الشمس حقا؟
-
عد إلى بيتك وطبق ما اتفقنا عليه، ولا يهمك باقي الأمر
-
حاضر، حاضر
يعود الربيب إلى بيته، وينطلق ملك الشمس، في حين ينكمش المقهور على نفسه منتظرا الشمس، وهو يحدث نفسه
-
لقد طال انتظاري، وعيل اصطباري، متى تظهر الشمس الرؤوم، وتلتئم الكلوم؟؟ سأجعل من ذلك اليوم عيدا فريدا، وأكتب قصيدا، لا بل قصائد وأشعارا، وأقيم هنا منارا، وأدق هنا المسمار، وأشتري سريرا وثيرا، أنام فوقه قريرا، أنام، أنام لا أستيقظ طول الأيام.
ينتبه إلى نفسه، يتلفت يمينا وشمالا في حيرة
-
ولكن أين هي الشمس التي وعدت بها؟ لعلها خدعة جديدة ما أغباني! كم تخدعني الكلمات المعسولة!
فجأة تفتح الكوة وتظهر منها الشمس، يقوم المقهور فرحا
-
الله! ما أجمل الشمس!! لقد ظننت به سوء، ما أحقرني، إن بعض الظن إثم، وظني من هذا البعض.
يخر ساجدا للشمس
-
لجلال وجهك أسجد أيتها الشمس العظيمة.
يرى جرذانا وصراصير تنزل منها داخل بيته… يصيح خائفا مضطربا
-
آه.. ما هذا؟ ما هذا؟؟
يدق على الجدار بشدة صائحا
-
الويل لكم يا مناكيد، الويل لكم مني الويل.
يظهر ملك الشمس فجأة
-
ما هذا يامقهور؟؟ ماعهدناك إلا عاقلا فماذا حل بك اليوم؟
يلتفت إليه مضطربا وقد هزته المفاجأة، يحاول أن يتماسك معتذرا
-
عفوا سيدي، ولكن…
يقاطعه ملك الشمس بصرامة
-
ماذا تريد أعطيناك الشمس كاملة وما زلت تدق علينا وتقلق راحتنا إنك لوقح حقا.
-
العفو ياسيدي أنا لا أفهم، ولكن ماهذه الجرذان والصراصير والمياه العفنة؟
-
يجب أن تظهر هذه الأشياء مع الشمس، أنت لا تفهم، أنت معذور يامقهور.
يستسلم المقهور لأفكار ملك الشمس مقتنعا بها
-
أنت أدرى بالأمور فدعها تكون.
يمسك ملك الشمس المقهور من أذنه محذرا
-
وإياك أن تمسها بسوء.
-
أمرك أيها السيد العظيم.
-
لعلك لا تعرف أن هناك هيئة عليا لحماية الجرذان والصراصير والمياه العفنة.
يفغر المقهور فمه مندهشا
-
أحقا ما تقول؟
-
وهل عهدتني أكذب عليك يا أحمق؟
-
لا حاشا لله فأنت الصدق… ولكن هل هذه الهيئة تقيم العدل مثل هيئة الأخوة والوئام؟
-
لاشك في ذلك، كل ما أقمناه لا يكون إلا على الحق.
-
الحق ما ذكرت ياسيدي، يا ملجأ الضعفاء.
-
إذن، فإياك والتعرض لها.
-
إلى أي شيء؟
-
للجرذان والصراصير والعناكب.
-
لا لن أتعرض لها مطلقا، ستمرح في بيتي آمنة مطمئنة.
-
والشمس إياك أن تمسها أو تقربها، ابتعد عنها كل البعد، فهي خطيرة وقد تؤذيك.
يفزع المقهور وقد سمع التحذير
-
تؤذيني؟ أليست رحيمة رؤومة كما يقولون؟
يتلعثم ملك الشمس وهو يرد
-
لا، نعم نعم، هي كذلك طبعا، ولكنها ولكنها لم تألفك بعد.
-
آه فهمت الآن، لن أقربها أبدا، لن أقربها حتى تألفني.
-
جميل هذا أيها الحمل الوديع.
-
وما أخذ من بيتي، كيف هو أمره؟
-
لا تحمل هما دع الأمر لنا، نم قرير العين هانئ البال وسنقوم بالمهمة.
-
عظيم ما تفعله أيها الملك العظيم !
-
وحينما نصل لنتيجة سنأتي لنوقظك.
يضحك سعيدا بما قال ملك الشمس
-
سأنام ملء جفوني.
-
وسنسهر نحن ونختصم.
يضحكان عاليا
-
إذن سأدعو لك بالنصر المبين.
-
وكم نحتاج إلى دعائك أيها الحمل الوديع المطيع !
-
بارك الله فيك.
-
عندي هدية لك.
-
هدية؟؟!
يصفق فيحضر جندي يحمل في يده كيسا
-
بماذا ستفاجئني ياسيدي؟
يسلمه الكيس
-
خذ هذا الفراش الوثير، لقد صنعناه لك من الحرير الخالص، ابسطه بعيدا عن الشمس ونم في أمان، وهذا غطاء تدثر به هو من الحرير الخالص أيضا، لم يصنع إلا للملوك.
يبسطهما المقهور فرحا متعجبا من جودتهما
-
شكرا شكرا سيدي، حقا أنا أحب النوم، أحب النوم.
يصمت لحظات مبهورا بالهدية
-
هل يفيدني النوم؟
-
تأكد من أن نخاعك سينمو سريعا، سريعا، ليس أفيد للنخاع من النوم، ألم يقل الشاعر، مافاز إلا النوم.
-
دعني أقبل يديك، دعني أقبل يديك
يجثو على ركبتيه، يقبل يد ملك الشمس
-
لا عليك لا عليك، أتركك الآن في أمان، وإياك أن تنسى ما أوصيتك به.
-
أنسى نفسي ولا أنسى وصاياك القيمة.
ينطلق ملك الشمس ويبقى المقهور محدثا نفسه
-
الله! ما كنت أحلم بهذا مطلقا، كل شيء تحقق ببساطة، يظهر أن هؤلاء الجيران طيبون وملك الشمس أطيب، إنهم يـحبون الخير حقا وصدقا، يجب أن أنام الآن، وأفكر في الطريقة التي أرد بها الخير لهم.
يعود إلى بيته، يبسط الفراش بعيدا عن الشمس، وينام ملء عينيه، يرتفع شخيره شيئا فشيئا، يظهر الغريب فجأة، يقلب نظره في المكان في دهشة وقد لاحظ ما لحقه من تغيير
-
الله ! ما أرى؟؟ ماهذا السكون؟؟… وما هذا الشخير الذي أسمعه، وماذا فعل المقهور من بعدي…
-
يقترب منه أكثر، يحركه بعصاه، ينقلب في مكانه مدثرا بالحرير ويشتد شخيره
-
ياألله ! إنه نائم، ياللداهية! ياللكارثة! سأضربه بقوة بهذه العصا عله يفيق، لأضربه قبل أن يدخل في سبات عميق
يضربه مرارا بقوة
-
قم، قم من نومك أيها الغبي
ينقلب على جنبه الآخر، ينكمش على نفسه ويستمر في نومه، يشتد غضب الغريب
-
قلت لك قم، قم أيها الأبله، قم.
يواصل ضربه، يستيقظ المقهور، يتمطط مادا ذراعيه ورجيله
-
آه أيتها الشمس الدافئة.
-
قم تبا لك، إن الشمس لا تحصل عليها بالأماني والأحلام قم، قم.
يمسكه من ذراعه ويخضه، يقوم المقهور فزعا
-
ما هذا، ما هذا؟
-
أفق من نومك، الويل لك.
يفرك المقهور عينيه جيدا
-
أهذا أنت قد عدت؟
ينهض فرحا به، يحاول معانقته
-
أهلا بك أهلا، كنت أفكر فيك أنا في حاجة ماسة إليك.
-
ماذا تريد مني؟ نصيحة أو مشورة، أعرف ذلك.
-
لا، لا بل ماكان يشغل بالي هو من أنت؟ لقد وعدتني بأن تكشف لي عن هويتك، ولكنك لم تفعل.
يصرخ فيه غاضبا
-
ما أتفهك!لا تهتم إلا بالشكليات.
-
أتعتبر هذا من الشكليات؟
-
أهملت اللب، ورميته وراء ظهرك، واحتفظت بالقشور، إن الجوهر لا يجانس إلا الجوهر… تعسا لك لقد خاب ظني فيك أيها الأحمق.
-
بل عليك أن تفتخر بي.
-
ولمه أيها الألمعي العظيم؟
-
ألا تراني وقد تحصلت فراش وغطاء من حرير؟
يرفعهما ويبسطهما أمام الغريب
-
ياسلام فراش وغطاء من حرير؟!
-
وتحصلت على الشمس؟ .
يشير إليها بيده
-
انظر.. انظر
-
وما هذه الصراصير والجرذان والعناكب والخنافس؟ وهذه المياه العفنة؟
-
كل هذه الأشياء جاءت مع الشمس، ولا وجود للشمس إلا بها.
-
ياسلام على الفيلسوف، من أين تعلمت هذا؟
-
من ملك الشمس تعلمته أيها الغريب.
وقد بدت على ملامحه حسرة مريرة
-
حقا هو ملك الشمس، وأنا غريب.
يرفع صوته بغلظة
-
اسمع ياغبي الشمس للطهارة والنقاء، للخضرة والصفاء، لا للمزابل والقاذورات.
كأنما يفطن من مخدر
-
أحقا ما تقول؟ ما أغباني كيف غاب عن ذهني هذا؟
-
ثم أين الشمس التي تزعم؟
يشير إليها بيده
-
انظر أمامك ألست تراها؟ إني أراها.
-
حقا إنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
-
ماذا تقصد؟
يمسك الغريب المقهور من يده ويسحبه
-
تعال نقترب من هذه الشمس لنراها.
يصرخ المقهور في الغريب محذرا
-
إياك أن تقترب منها، احذر أن تحترق.
-
ياويحك خدعوك، خدعوك.
-
لا أكاد أفهمك.
-
يمس الغريب الشمس
-
هذه أيها الأحمق ليست شمسا، لقد وضعوا لك صورتها ليخدعوك بها.
يهتز المقهور دهشة لحقيقة مايرى
-
ليست شمسا؟!! مستحيل، مستحيل.
يفرك عينيه غير مصدق ويمس جسده
-
بل هي الحقيقة، أرادوا أن يخدعوك وينوموك ليقضوا حاجتهم، انظر.
يمزقها أشلاء متناثرة، يصدم المقهور مما يرى، يدور بعينيه في الفراغ.
-
هكذا إذن؟
-
ثم إن كان ما أعطوك شمسا كما زعموا، أين إذن ضوؤها ونورها؟
-
حقا ماتقول، ليست أدري كيف غاب كل ذلك عن ذهني.
ينظر الغريب حواليه متعجبا
-
وما لي أرى بيتك أصبح ضيقا؟ من عاشرك فيه؟
-
ربيب سيد الشمس.
يصرخ الغريب في المقهور
-
لا سيد للشمس ولا ملك، هي ملك لكل من يطلبها، لا تحجب ضوء ها عن أي كان أبدا، إن الشمس تؤخذ ولا تعطى.
-
هم قالوا لي هذا.
-
وأنت صدقت طبعا؟
-
أوهموني بذلك ودفعوني إلى تصديقه.
-
المهم هذا الربيب يجب أن ينزاح فورا، يجب أن تطهر بيتك منه، هو العلة الكبرى.
-
سأبدأ بتنظيف البيت من هذه الحشرات والقاذورات
-
لا تكـن كالطبيب الأحمق الذي يعالج أعراض المرض ويترك أسبابه.
-
ماذا تقصد؟
-
أنت هكذا دائما بليد، لا تكلف نفسك عناء التفكير، لتفهم ما وراء الألفاظ.
-
ساعدني على الفهم.
-
إن قدرتهم على إرسال الحشرات والقاذورات إليك أضعاف أضعاف قدرتك على التنظيف.
-
حقا.
يضرب الأرض بعصاه محرضا
-
إذن يجب أن تقضي عليهم.
-
على ملك الشمس تقصد؟
-
على الجميع
-
ولكنني لا أستطيع.
يصرخ فيه غاضبا
-
لا تستطيع؟ ابق إذن ذليلا حقيرا.
يرتعش في مكانه خائفا
-
ألا تعلم أنه يملك أسلحة كثيرة، ويحرسه جنود أشداء؟
-
الإرادة أقوى من كل شيء.
-
تريدني أن أهجم عليهم.
-
هو ذاك بالضبط.
-
ساعدني إذن.
-
من اعتمد على الناس لحقه الإفلاس.
متعجبا وهو يتأمل ضعف ذراعيه
-
أتريدني أن أقاتل أربعة؟
-
لا خيار لك، لن تمنح الشمس صدقة وهدية، لابد أن تأخذها.
-
أنت ترى ذلك؟
-
لا يفل الحديد إلا الحديد، وبالقوة يجب أن تواجه القوة.
يسكت لحظات، ثم يبدأ في جمع أدوات الحفر
-
قبلت.. قبلت وأمري إلى الله.
يسرع في إعداد نفسه متحمسا
-
أنا لها، قبلت الفكرة وسأعمل على تطبيقها.
-
دونك بإرادتك تنتصر، بإرادتك تكون عملاقا
-
سأقتلهم جميعا
-
دع الشمس تقتلهم، اطلبها بصدق، اطلبها بإصرار
-
أنا لها، هلمي أيتها الشمس هلمي
يندفع إليها يمد ذراعيه لاحتضانها، يلتفت إلى الغريب
-
وحين أطلبها هل معنى ذلك …
يفاجأ باختفاء الغريب
-
أين أنت أيها الطيب، أين أنت؟
يبحث عنه دون جدوى
-
اذهب حيث شئت، أنا في غنى عنك الآن، سأشحذ هذا الرمح جيدا
يقعد أرضا، ويشرع في شحذ الرمح، موزعا نظره في كل الاتجاهات، ما يكاد يعده حتى يندفع إلى الجدران يدفعها بقوة، يسرع إليه الربيب وملك الشمس والحلفاء، يسعون لإقناعه بالتوقف دون جدوى، يدفعونه بعنف لكن إصراره يتغلب عليهم، وهو يصيح
لابد لجدران الظلام أن تتهاوى
لابد للشمس أن تشرق
لابد للشمس أن تشرق
فجأة تتهاوى الجدران، يشع النور في كل مكان، يسرع الجميع بالفرار إلى الزوايا المظلمة، يصرخ المقهور من أعماقه وقد امتلأ قوة وابتهاجا
*****
من أعمال الأديب الروائية:
-
الفراشات والغيلان
-
سرادق الحلم والفجيعة
-
راس المحنه 1+1=0
-
الرماد الذي غسل الماء
-
حوبه ورحلة البحث عن المهدي المنتظر
-
العشق المقذنـــــــــــــس
ومن أعماله المسرحية:
-
الأقنعة المثقوبة
-
البحث عن الشمس
-
النخلة وسلطان الميدنة
-
التاعس والناعس
-
الفجاج الشائكة
-
حب بين الصخور
-
هستريا الدم
-
أحلام الغول الكبير
ومن أعماله النقدية:
-
النص المسرحي في الأدب الجزائري
-
المسرحية الشعرية ي الأدب المغاربي المعاصر
للاتصال بالمؤلف
djelaoudji@yahoo.fr
772359314 (00213)
0550443030 (00213)