الموقف الدولي من داعش – الدكتور عادل عامر
جدل دولي وتغير سريع في المواقف حول محاربة الدولة الإسلامية بالعراق والشام، “داعش”، فالكل يتعامل مع التنظيم وفق ما تقتضيه مصالحه ، فالمجتمع الدولي يتعامل مع ظاهرة الإرهاب من منظور الكيل بمكيالين فيولي اهتماما كبيرا بداعش في العراق وسوريا ويتجاهل أخواتها في مصر وليبيا. فقد تضاربت الأنباء عن حقيقة الموقف الإيراني حيال التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، وعن مدى صحة مزاعم الإدارة الأميركية بامتناعها عن دعوة إيران للانضمام إلى هذا التحالف.
ففي الوقت الذي يتشدق فيه وزير الخارجية الأميركي بأن إدارته امتنعت عن توجيه الدعوة الى إيران للانضمام إلى الحلف، كشفت وسائل الإعلام الإيرانية على لسان كبار المسئولين، عن عروض أميركية لإيران بالمشاركة في التحالف الدولي التي تقوده الإدارة الأميركية، إلا أن الحكومة الإيرانية رفضت ذلك، لإيمانها بأن «الولايات المتحدة تهدف من وراء مشروع محاربة داعش، التواجد العسكري في المنطقة».
– هذا يعني أنّ واشنطن كانت تصدّق فعلاً فرضية مارتن أنديك عن الانتقال من مرحلة «إيران العدو ويمكن تحييد روسيا إلى مرحلة روسيا العدو ويمكن تحييد إيران»، كما يعني أنّ إيران عندما قالت إنّ الحلف الذي يريد العمل في سوريا من دون إشراك حكومتها والتنسيق معها، هو حلف مرفوض إيرانياً ففرطت حلف كري، الذي كان يراهن على تحييد تركيا عن الحرب، وجمع السعودية وإيران في حلف يصنع تقاسماً إقليمياً للأدوار من سوريا للبنان للعراق للبحرين واليمن.
– يعرض البعض معادلة تقول، تثق إيران أنّ واشنطن تكون جدية بالقضاء على «داعش» عندما تفعل أمرين قبل التحدث إلى إيران، الأول هو الاتصال بالحكومة السورية، والثاني هو إعلان تولي تركيا دوراً محورياً في الحرب، وعندها لا مشكلة لدى إيران أن تكون حليفاً جدياً في حلف جدي.
عد تركيا إحدى الدول المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، الذي أعلنته إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في قمة حلف الناتو، التي عقدت في 4 و5 سبتمبر 2014، ورغم ذلك تدرك واشنطن تعقد الحسابات التركية تجاه المشاركة في هذا التحالف، حيث تحدث وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيجل، في 9 سبتمبر 2014، عن أن تركيا لديها “حدود فيما يتعلق بما يمكن أن تؤديه من دور في قتال مسلحي داعش في العراق”.
وترتبط هذه الحسابات المعقدة بصورة رئيسية بحجم المصالح التركية التي يمكن أن تخدمها هذه المشاركة، وتأثيرات ذلك على الوضع داخل تركيا، وهو ما يجعل الحسابات التركية مختلفة عن الحسابات الأمريكية والغربية بصفة عامة. ولا يعتبر صمت تركيا تجاه تحركات “داعش” على الحدود العراقية-التركية مؤشرًا على عدم النية في المشاركة في أى عمل عسكري ضد التنظيم من خلال حلف الناتو، ولكن نطاق المشاركة يظل يتأثر بالعلاقة بين تركيا والدول الغربية والتي ترتبط بعدة قضايا إشكالية، فمن ناحية، هناك قضية التجسس من قبل أجهزة استخبارات بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة على تركيا، كما أشارت لذلك صحيفة “دير شبيجل” الألمانية، إلى جانب التمثيل الضعيف للولايات المتحدة والدول الأوروبية، في حفل تنصيب الرئيس أردوغان بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة، وهو ما يعكس، وفق عدة تقديرات، كون تركيا “حليفًا استراتيجيًا”، ولكن ليست “صديقًا يؤتمن”. كما لا تبدو أنقرة راضية عن الدعم العسكري الذي بدأت الدول الغربية بتقديمه لقوات “البشمركة” التابعة لإقليم كردستان العراق، حيث تتوجس من إمكانية وصول هذا الدعم إلى حزب العمال الكردستاني. يمكن القول إن فشل تركيا في الضغط على الدول الغربية، منذ تحول الثورة في سوريا إلى صراع مسلح، من أجل التدخل العسكري لإسقاط نظام الأسد، جعلها أكثر “حذرًا” في التعاطي مع أزمات المنطقة، ورغم أن التحالف الجديد يعيد لتركيا دورها كحليف مهم لا يمكن الاستغناء عنه، إلا أنه من المتوقع أن يستمر الحذر التركي فيما يتعلق بمشاركة أنقرة في الحرب على “داعش”، دون أن تتخلى عن لعب دور فعال في العمليات الحربية، حيث أنها تخشى العواقب المحتملة من مواجهة تنظيم “داعش”.يعتبر الموقف العربي من الحرب على تنظيم داعش الإرهابي ملفا” شائكا” ومعقدا” بسبب الإبعاد والاعتبارات التي يشملها عنوان الحرب على داعش فمواقف الدول العربية متباينة بالنسبة للحرب بين داعش والعراق من جهة ومتباينة ايضا” في المواقف بالنسبة للحرب بين داعش والنظام السوري من جهة أخرى ! كما أن العديد من الدول العربية تتباين مواقفها من الحرب بين داعش وفصائل المعارضة السورية باختلاق اتجاهاتها السياسية والطائفية .. ومما زاد الامر تعقيدا” على الصعيد العربي الحضور العسكري الدولي واسع النطاق والمتمثل بالتحالف الدولي الذي تشكل بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وبمباركة من لدن الامم المتحدة اثر المباغتة الستراتيجية لتنظيم داعش باجتياحه لأربعة محافظات عراقية في 10/6/2014 وتهديده للعاصمة العراقية بغداد وعاصمة اقليم كردستان اربيل وارتكابه انتهاكات واسعة عديدة بحق المدنيين العزل . الا أن ما يلفت النظر على الصعيد العربي هو الاتفاق على أن تنظيم داعش الارهابي بات خطرا” على أمن واستقرار الدول العربية وينبغي تحجيمه ان لم يكن القضاء عليه ! استنادا” لما سبق فان الموقف العربي يمكن قراءته بالشكل الاتي :-
1 . مواقف الدول الخليجية من الحرب على تنظيم داعش:- على الرغم من أن عدة دول من مجلس التعاون الخليجي انضوت تحت لواء التحالف الدولي لمحاربة داعش وتشارك في الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة في سوريا، وربما مستقبلا” في العراق ، فانه يصعب الوثوق بان موقفا خليجيا جديدا” قد تبلور تجاه ما يحدث في العراق من حرب مع تنظيم داعش الارهابي الذي كان يتلقى دعما” وتمويلا” خليجيا” (بحسب نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الذي اتهم في كلمة له أمام خبراء في جامعة هارفارد بتاريخ 3/10/2014 تركيا والسعودية والامارات وحلفاء واشنطن الإقليميين بتمويل التنظيمات المتطرفة ) وذلك بسب عدد من المشاكل والاختلافات بين حكومات دول مجلس التعاون التي يمكن أن تؤدي في النهاية الى عواقب خطيرة . فالسعودية على سبيل المثال بدت الأكثر حماسة من بين دول مجلس التعاون الخليجي انطلاقا من اعتبارات مصالحها القومية العليا، حيث تزامن مؤتمر جدة مع المؤتمرات الدولية التي عقدت لهذا الغرض سعيا من الرياض لتوحيد مواقف دول الخليج ورفع درجة مساهمتها المالية في هذه الحرب والتي ستكون الأضخم. كما سارعت السعودية بالمشاركة في أولى الضربات الجوية التي قامت بها قوات التحالف ضد التنظيم على الأراضي السورية. وتتلخص اهداف السعودية للمشاركة بالتحالف الدولي ضد داعش ، بالمنافسة التي شكلها تنظيم داعش وهو تنظيم سنى متطرف يسعى لتكريس شرعية زائفة لقيادة العالم السنى والنيل مباشرة من الدور القيادي للسعودية على مستوى الاقليم ، وتحملها مسؤولية حماية الثروة النفطية (آبار البترول) التي باتت بدورها مستهدفة من مثل تلك التنظيمات. ومن ناحية أخرى فان مشاركة السعودية بهذا القدر والحجم في التحالف يحقق لها مصلحة اضافية تمكنها من تقديم ارادتها في اسلوب دعم المعارضة السورية التي ستشارك في الحرب على داعش وفي مواجهة النظام السوري المتحالف مع خصمها الإقليمي التقليدي ايران . لذلك يمكننا القول أن الطريقة التي انضمت من خلالها قطر والسعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة إلى الحرب ضد (داعش) تعكس الأبعاد الخفية وراء سياسات هذه الدول الداخلية، و الاختلافات في سياساتها الخارجية، وطريقة التوافق على البدائل المختلفة في التعامل مع التداعيات المحتملة لتطور الأوضاع في العراق، وضرورة أن يتم تقييم تلك البدائل بشكل منتظم، وفقاً لما تشهده الساحة العراقية من مستجدات. حيث تسعى دول الخليج إلى استعادة بعض ما خسرته في العراق، وفي الوقت نفسه تأمل بتغيير في سورية لم تكف عن المطالبة به ، وهو ما يجعل الأزمة العراقية مرشحة لأن تأخذ منحنى إقليميا أكثر عمقاً، نظراً لمخططات داعش الإقليمية، وسعيها لإقامة إمارة إسلامية تشمل دولا” خليجية عديدة . في الوقت الذي تشكل فيه التوترات داخل دول مجلس التعاون الخليجي ، تهديدًا لتماسك التحالف الدولي ضد داعش.
2. الموقفان الاردني والمصري من الحرب على تنظيم داعش : –
ان طبيعة الدور المصري وحجم مشاركتها في الحرب على داعش ضمن اطار التحالف الدولي ضد داعش الذي انضمت اليه مصر ، سيظل مرهونا بعوامل أخرى وفق ما تمليه مصلحتها القومية أسوة بالدول الأخرى المنضمة للتحالف ، فعلى سبيل المثال ستظل أولويات مصر مرتبطة بالمخاطر التي تهددها مباشرة سواء على حدودها الشرقية (سيناء)، أو الغربية (ليبيا التي باتت تحت سيطرة الاخوان المسلمين مع جماعات تكفيرية أخرى مثل جماعة أنصار الشريعة وغيرها) لذا فهي قد تقصر مشاركتها في المرحلة الحالية على التعاون اللوجستي والأمني دون ارسال قوات على الأرض، حيث لا تعتبر أن لديها مصلحة مباشرة في المعارك الدائرة على الأراضي السورية أو في اسقاط النظام السوري . كذلك فان التوتر السابق في العلاقات المصرية الأمريكية ربما القى بظلاله على درجة حماس القاهرة للتحالف الدولي الذى تتزعمه الولايات المتحدة و الذى أدى الى تجميد جزء من المساعدات العسكرية المقدمة لمصر. ومع هذا فان الساحتين الاردنية والمصرية تعتبران ساحتين مفتوحتين ومتاحتين لقوى وشخصيات معارضة للنظام العراقي الذي تشكل بعد عام 2003 ، الا أن الظروف السياسية والامنية في مصر في اعقاب الاطاحة بنظام حسني مبارك ومن ثم الاطاحة بحكم الاخوان المسلمين لاحقا” جعلت من الساحة المصرية بيئة غير مريحة لأي تحرك سياسي للمعارضة العراقية فركزت نشاطها في العاصمة الاردنية عمان ، التي وطالما شهدت العاصمة الاردنية عمان اجتماعات ولقاءات لقوى وتيارات سياسية معارضة عراقية كان من ابرزها مؤتمر المعارضة العراقية الذي عقد في عمان منتصف يوليو تموز 2014 اي بعد اجتياح تنظيم داعش لمساحات واسعة من الاراضي العراقية وقد حضرت المؤتمر قوى عشائرية وفصائل مسلحة (سنية في الغالب) اعلنت صراحة في وقتها دعمها وتبنيها لما يجري على الاراضي العراقية من قتال بين تنظيم داعش الارهابي وقوات الجيش والامن العراقية ، وتبنيها لتشكيل حكومة انقاذ وطني عراقية..! الأمر الذي يدل على أن الاردن لم يكن بعيدا” عما كان يجري أو ما سيجري على الارض في العراق وعن ما هو مخطط له ! فأرادت الحكومة الاردنية أن يكون لها حصة مستقبلية او نفوذ أو دور مؤثر في ما ستتمخض ربما لا توجد أدلة دامغة يمكن الركون إليها للوقوف على حقيقة التهديد المباشر الذي يمثله تنظيم «داعش» بالنسبة إلى مصر. فمن جهة، تتلاقى تقارير استخباراتية مصرية وأخرى إسرائيلية عند رصد وجود تنسيق بين جماعة «أنصار بيت المقدس» في مصر وتنظيم «داعش»، تبرز بدورها سعي التنظيم الحثيث من أجل التموضع بالقرب من الحدود المصرية- الإسرائيلية. إذ رصدت تلك الدوائر مؤشرات خلال الآونة الأخيرة على تبلور حلف جديد بين تنظيم «أنصار بيت المقدس»، الذي ينشط في سيناء ومصر عموماً، و«داعش»، كان أبرزها ما كشفت عنه نتائج تحقيقات مع قيادي في «أنصار بيت المقدس» كان ضالعاً في قتل 25 جندياً مصرياً، في آب (أغسطس) من العام الماضي، فضلاً عن تكرار ظاهرة قطع رؤوس جنود ومواطنين مصريين في سيناء على نحو يشبه أسلوب «داعش» في العراق وسورية. ومع تتابع ظهور الأدلة على وجود علاقات وثيقة بين التنظيمين، لم يستبعد خبراء إسرائيليون ومصريون إقدام «أنصار بيت المقدس»، الذي أعلن في الماضي مبايعته للظواهري وولاءه لتنظيم «القاعدة»، على التحلل من تلك البيعة والتنصل من هذا الولاء، توطئة لمبايعة «داعش» وزعيمه أبو بكر البغدادي، أسوة بتحولات سابقة في الولاءات والبيعة من جانب تنظيمات جهادية وجماعات متشددة شتى لم تتورع عن إعلان مبايعتها لـ «داعش» بعد سيطرته على أجزاء من سورية والعراق وإعلانه دولة الخلافة الإسلامية في الموصل. فإضافة إلى ما فعله أبو بكر البغدادي حينما انشق عن تنظيم «القاعدة» في بلاد الشام عام 2013 كي يؤسس لإعلان الخلافة برعاية «داعش»، أعلنت جماعة «جند الخلافة» الجزائرية المتشددة قبل أيام انشقاقها عن تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي، ومبايعة تنظيم «الدولة الإسلامية/ داعش» وأبو بكر البغدادي.
ومن جهة أخرى، دأب بعض عناصر «داعش» في رسائل نشروها عبر حساباتهم على «فايسبوك» و «تويتر»، على دعوة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من القوى الإسلامية بـ «تحالف دعم الشرعية» إلى الانضمام إلى صفوف التنظيم والهجرة إلى دولة الخلافة الإسلامية التى أنشأها، والتخلي عن قياداتهم وجماعتهم. وبالتوازي، تقاطرت التغريدات والتصريحات من جانب بعض كوادر «داعش» وقياداته، لم تخل من تهديدات بمفاجآت غير سارة داخل مصر. حتى أن هناك تغريدات لشاب «داعشى» مصري أشار في أكثر من موضع إلى أنه يتوعد بفتح مصر وإعادة نشر الإسلام على الطريقة «الداعشية». يكتسب انضمام مصر الى الائتلاف الدولي ضد «داعش» أهمية استراتيجية حيوية. فإلى جانب كونها قوة إقليمية ذات غالبية مسلمة سُنية، فإن ثقلها السياسي الإقليمي يمكن أن يوفر مظلة شرعية للتعاون العربي مع الغرب في هذا الائتلاف، خصوصاً بعدما أكدت مصادر في الجامعة العربية أن محادثات كيري مع أمينها العام في القاهرة لم تتمخض عن موافقة الجامعة على توفير غطاء سياسي عربي لهذا التحالف أو لعملياته العسكرية داخل سورية والعراق. هذا في وقت من شأن جيش مصر القوي والمنظم والمتماسك أن يمنح زخماً عسكرياً مؤثراً للتحركات العسكرية الدولية والإقليمية ضد «داعش».وتوخياً للاستفادة من تلك المزايا النسبية للدور المصري، عمدت إدارة أوباما إلى استرضاء القيادة الحالية في مصر بشتى السبل، بغية استجداء انضمامها الى التحالف الدولي. فعلى الصعيد العسكري، أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري إبان زيارته الأخيرة للقاهرة أن بلاده قررت تسليمها عشر طائرات مروحية عسكرية من طراز «آباتشي»، بغرض دعم جهودها في مكافحة الإرهاب في سيناء. يأتي هذا بعدما كانت الولايات المتحدة قد جمدت، فى تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، المساعدات العسكرية لمصر والبالغة نحو 1.5 بليون دولار، معلقة إياها على مضي القاهرة قدماً في الإصلاحات الديموقراطية بعد إطاحة الرئيس محمد مرسي، ثم ما لبثت واشنطن أن أعلنت فى نيسان (أبريل) الماضي أنها تعتزم استئناف بعض بنود المساعدات العسكرية السنوية لمصر، مساندة لجهودها في مكافحة الإرهاب.
وعلى الصعيد الاقتصادي، شدد كيري على عزم بلاده دعم المشروعات التنموية الطموحة والإصلاحات الاقتصادية المزمعة في مصر. وسياسياً، ثمَّن الوزير الأميركي الدور المصري في استئناف المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، كما أشاد بالخطوات التى تتبناها الإدارة الحالية في مصر على درب التحول الديموقراطى، بما فيها تأكيد السيسي أن الانتخابات البرلمانية ستجرى قبل نهاية العام الجارى. وفي مسعى منه لضخ موجة من الدفء على العلاقات القلقة والمتوترة بين البلدين الحليفين، أكد كيري أن مصر تعتبر بمثابة «مفتاح منطقة الشرق الأوسط»، وأن الجانبين تربطهما علاقات صداقة قوية وحقيقية تصب في مصالحهما المشتركة ومن ثم يتعين العمل على تعزيزها واستمرارها.
يأتي الحرص الأميركي على إشراك مصر في التحالف الإقليمي الدولي ضد «داعش» في إطار بحث واشنطن عن غطاء عربي سنّي لحربها على «داعش» لدحض ادعاءات هذا التنظيم أنه يتحدث باسم السنّة المضطهدين في سورية والعراق الآن، ولئلا يفسر التحالف الدولي ضد الإسلام الراديكالي السنّي على أنه انحياز أميركي إلى جانب الشيعة ضد السنّة في المنطقة. وبينما أكد الرئيس السيسي إبان استقباله كيري حرص مصر على تحقيق أمن المنطقة واستعدادها الدائم لبذل كل الجهد في هذا الصدد، دعا وزير خارجيته سامح شكري إلى «تحرك دولي» لمواجهة كل الجماعات المتطرفة في المنطقة والتي ترتبط بـ «داعش»، ما يستوجب تأليف تحالف دولي شامل لمواجهة الإرهاب بحيث لا يقتصر على دحر تنظيم بعينه والقضاء على بؤر إرهابية بذاتها، وإنما يمتد ليشمل كل البؤر الإرهابية سواء في منطقة الشرق الاوسط أو في أفريقيا. وحذّر السيسي من تبعات انخراط المقاتلين الأجانب في بعض دول الصراع في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما سورية والعراق، وتأجيجهم الصراعات من جهة، فضلاً عما يمثلونه من خطر حال عودتهم إلى دولهم الأصلية من جهة أخرى.
ونفت مصادر مصرية مطلعة ما أوردته جريدة «صنداى تايمز» البريطانية، من وجود قوات مصرية وباكستانية على الحدود السعودية – العراقية للمشاركة في مواجهة «داعش»، وأكدت القاهرة رفضها إرسال قوات خارج حدودها للمشاركة، مشددة على أنها تستخدم قواتها في محاربة ما تواجهه من إرهاب داخلي، وتأمين الحدود على الاتجاهات الاستراتيجية كافة. وأرجعت مصادر مطلعة رفض القاهرة مشاركة قوات عسكرية مصرية في الحرب على «داعش» إلى أن إرسال قوات كهذه خارج الحدود يحتاج إلى إجراءات قانونية ودستورية معقدة، إذ يمنع الدستور المصري الحالي رئيس الجمهورية من اتخاذ قرار بإرسال قوات خارج البلاد من دون الحصول على موافقة البرلمان، الذي لم يتم انتخابه بعد. حيث تنص المادة 152 على أن «رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة لا يُعلن الحرب ولا يرسل قوات في مهمة قتالية خارج حدود دولته إلا بعد أخذ رأي مجلس الدفاع الوطني والحصول على موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب».
ودولياً، لا يوجد أي إلزام قانوني أو دستوري يجبر مصر على المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة «داعش». فوفقاً لأحكام القانون الدولي، يستند التحالف ضد «داعش» إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على حق الدول فرادى أو جماعات، في الدفاع الشرعي عن نفسها، وهو ما يعطي الحق للعراق بمحاربة «داعش» ودعوة دول العالم الى مساندته في تلك الحرب من دون إجبار لأي منها.
وبناء عليه، يمكن القول إن الرؤية المصرية للمشاركة في التحالف الإقليمى والدولى المناهض لـ «داعش» ترتكز على أمور أساسية: أولها، أن مصر، التي تحارب الإرهاب منذ فترة داخل أراضيها وعلى طول حدودها الشرقية والغربية والجنوبية، لن تتعامل مع الإرهاب بالقطعة وإنما ستتعامل معه بطريقة شاملة عبر مواجهته عالمياً في كل زمان ومكان عبر سد الثغرات في الدوائر الأربع العالمية: دائرة حركة البشر، دائرة حركة المال، دائرة الإعلام، ودائرة حركة الأفكار. أما على الصعيد الإقليمي، فإن مواجهة الإرهاب تعني تكسير أضلاع المثلث كلها: الدول الراعية للإرهاب، والحركات والمنظمات الإرهابية، وتفكيك منظومة الإرهاب الفكرية وأدواتها التي تشرعنه وتبرره.
وثانيها، لما كانت مصر تشاطر كل الأطراف السنية الإقليمية الخوف من نيات واشنطن الحقيقية نتيجة الحرب على «داعش»، التى جاءت متأخرة وبغير مدى زمني واضح، فإنها ترى من الأهمية بمكان أن يستظل التحالف وعملياته بمظلة الأمم المتحدة. وهي الرؤية التي تتماشى مع تصور خبراء الأمم المتحدة، الذين يحققون في جرائم الحرب في سورية، والذين طالبوا التحالف الدولي ضد «الدولة الإسلامية» بضرورة احترام قواعد الحرب التي تفرض حماية المدنيين، وتراعي مبادئ التمييز والتناسب، أثناء العمليات الحربية.
وثالثها، ضرورة مراعاة حرية القرار السيادي لكل دولة مشاركة في التحالف، بما يستوجب موافقة الدول كافة التي تطوي أراضيها بؤراً إرهابية قبل التدخل العسكري فيها.
ورابعا، ضرورة تحديد مدى زمني واضح ومحدد وغير مبالغ فيه للعمليات العسكرية، حتى لا نفاجأ بامتداد تلك العمليات لسنوات طوال ترهق الأطراف المشاركة فيها إلى حد قد يحيد بالحرب عن أهدافها الأساسية ويولّد نتائج عكسية على غرار ما جرى خلال الحرب على أفغانستان، والتي استمرت خمس عشرة سنة ثم في حرب العراق التي امتدت لعشر سنوات. وبينما أكد كيري أن من السابق لأوانه الحديث عن تحديد دقيق لأدوار الأطراف الإقليمية المشاركة، لافتاً إلى حق كل دولة في اختيار الطريقة التي ستشارك من خلالها في التحالف، أمام ما يجري من تداعيات للإرهاب في المنطقة، يثير بعض الدعاة والمشايخ اصطلاح (الخوارج) محاولين إسقاطه على الجماعات المسلّحة من (داعش، القاعدة.. إلخ)، وهم في ذلك الإسقاط يحاولون ما يلي:
– استعارة مفهوم الخروج الذي حصل في التاريخ من فرقة الخوارج التي ثارت على الإمام عليّ بن أبي طالب، حيث يحصل لهم بتلك الاستعارة المادة الضخمة التي تدين فرقة الخوارج، كما جاءت في مدوّنة أهل الحديث بدءًا من أئمة الحديث وصولًا إلى ابن تيمية الذي أنتج الكثير من تلك الإدانة والشجب لتلك الفرقة .
– كذلك تبرئة الذات التي تستند إلى نفس المرجعية التي تقوم عليها تلك الجماعات المسلّحة، وسنرى بعد قليل ما هي أوجه تلك الاشتراكات العقدية والفكرية التي تتشابه فيها تلك الجماعات، وبالأخص داعش، مع المُنتج العقدي السلفي، والذي أثبتت داعش أنها تستند عليه كمادة شرعية تقوم على محدداته الأيديولوجية والحركية. وكما تفعل القاعدة أيضًا، فهي تصف داعش بالخوارج؛ وذلك لأن القاعدة تستخدم ذات اللعبة المستندة إلى ذات الأدوات التي تتكئ على تراثٍ يقدّم مادة ممتازة وجاهزة لإسقاط الاصطلاح. بينما في الحقيقة هناك بعض التزييف الحاصل، تاريخيًّا ومنطقيًّا، يجعل من العبث تسمية هؤلاء بالخوارج، ويكشف اللعبة اللفظية التي تستخدمها الأطراف السلفية اليوم في توجيه تلك الدلالة.
ما هي محددات الخوارج؟
الخوارج الأوائل تقوم فكرتهم العقدية على جملة من المحددات التي كانت ثمرة الواقع السياسي في وقتهم، وتتلخص فيما يلي:
– تكفير كلّ من (عثمان، وعليّ، ومعاوية، وعائشة، وطلحة، والزبير).
– عدم اشتراط قرشية (الخليفة).
– تأمين (أهل الذمة) وعدم قتلهم أو انتزاع أي شيء منهم .
– العمل بالآيات القرآنية دون الأحاديث، وهم بذلك لا يطبقون حدّ الرجم كونه لم يرد في القرآن .
والآن، هل تنطبق على داعش أيّ من تلك المحددات السابقة؟
– أحد وجوه الاختلافات الواضحة بين (الخوارج) وبين داعش هي مسألة قرشية الحاكم أو الخليفة، فداعش تستند إلى رأي (سنّي/سلفي) يمتدّ إلى مدرسة أهل الحديث في مسألة الإمامة واشتراط القرشية في الخليفة، يقول ابن تيمية: (وَأَمَّا كَوْنُ الْخِلَافَةِ فِي قُرَيْشٍ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا مِنْ شَرْعِهِ وَدِينِهِ، كَانَتِ النُّصُوصُ بِذَلِكَ مَعْرُوفَةً مَنْقُولَةً مَأْثُورَةً يَذْكُرُهَا الصَّحَابَةُ) (منهاج السنة: ج1 ص 521).
– ومن وجوه الاختلافات كذلك مسألة الموقف من أهل الذمّة؛ فقد كان الخوارج الأوائل يتوخون الإحسان إلى أهل الذمة، في تلك القصة الشهيرة، حينما قابلوا مسلمًا ونصرانيًّا، فقالوا: احفظوا ذمّة نبيّكم، فأطلقوا سراح النصراني، وأوصوا به خيرًا (انظر: مصطفى الشكعة، إسلام بلا مذاهب ص122). وهذا طبعًا من باب الالتزام بالنص، وإلا فهم قد قتلوا المسلمين وأطفالهم ونساءهم، كغيرهم تمامًا. لكننا نجد الأمر مختلفًا عند داعش وكذلك القاعدة، والذين كانوا يأخذون كل كنيسة غصبًا، هذا غير الهدم والتشريد.
ولكن من أين جاءت داعش وغيرها بهذا التنظير؟ لنر ماذا يقول ابن تيمية في هذه المسألة:
(… إن الإمام لو هدم كل كنيسةٍ بأرض العنوة كأرض مصر والسواد بالعراق، وبر الشام ونحو ذلك، مجتهدًا في ذلك، ومتبعًا في ذلك لمن يرى ذلك، لم يكن ذلك ظلمًا منه؛ بل تجب طاعته في ذلك) (مجموع الفتاوى: ج28/ ص634). وقوله أيضًا: (بل إذا كان لهم كنيسة بأرض العنوة، كالعراق ومصر ونحو ذلك فبنى المسلمون مدينة عليها، فإن لهم أخذ تلك الكنيسة؛ لئلا تترك في مدائن المسلمين كنيسةٌ بعد عهد) (مجموع الفتاوى: ج28/ ص635).
– كما إن من أهمّ الاختلافات البنيوية (المهمّة) بين الخوارج الأوائل والدواعش المعاصرين مسألة اقتباس الأحكام من القرآن دون الحديث، وهذا ما كان عليه الخوارج الأوائل، حيث ينكرون حدّ الرجم كونه لم يرد في القرآن. والحقيقة أن داعش تتبع نفس منهج (أهل الحديث) الذي تستند إليه السلفية اليوم. فنلاحظ أن الدواعش يعلنون بعض الأحكام العامة التي تسنتد حتى على أحاديث ضعيفة، فضلًا عن أن الثقافة التي تحرّك المنظومة (الداعشية) هي الثقافة الحديثية الممزوجة بالتراث العقدي المكتنز بالموقف السلبي من الآخر. وهو تراث سلفي بامتياز. فأين هؤلاء من الخوارج الأوائل؟
ما سبق مجرد أمثلة فقط لبعض أوجه الاختلاف الجذري والعميق بين الخوارج الأوائل وبين داعش. وهو ليس تبرئة للخوارج الأوائل، أو محاولة لعرض تاريخهم على أنهم كانوا أكثر (ليبرالية) من السلفيين، بل هم أيضًا استخدموا ذات الطريقة في التكفير وسفك الدماء، ولكننا نتحدث عن أيقونات فارقة عند الجماعتين؛ من أجل الردّ على تسطيح ما يجري من وصف لداعش بأنهم خوارج دون الاعتراف بالحقائق الموجعة.
أما في مسألة التكفير، فهي أوضح المسائل التي جاءت في الإنتاج السلفي، وسنلاحظ أيضًا أن ابن تيمية يقول في (ذات السياق) الجيوسياسي المكرر عبر التاريخ: (هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى) (مجموع الفتاوى: ج35/ ص149).
صحيح أن للتكفير ضوابطه وشروطه في المدوّنة السلفية، إلّا أن تلك الشروط من السهولة إلباسها على أي واقع. بمعنى أن المعيّن يسهل تحديده بسهولة بمجرد أن يتم الإسقاط الدلالي على أمّ رأسه، فيتعيّن أنه المقصود بالردّة أو البدعة أو غير ذلك. يقول أيضًا ابن تيمية: (وسائر الصحابة بدؤا (بدأوا) بجهاد المرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب) (مجموع الفتاوى: ج35/ ص 159). وهذا ما يفسّر لماذا بدأت داعش بقتال جبهة النصرة (المرتدّة) كأولوية سبقت قتالها للنظام السوري (الكافر أو المشرك) أساسًا بحسب رؤيتهم. وهكذا يتم الإسقاط، ولكن الأدوات ليست من ابتكار الواقع، ولا من ابتكار الخوارج الأوائل، وإنما هي صناعة معروفة المصدر في عمق التراث.
من هنا نجد أن المرجعية التي تستند إليها داعش وأخواتها هي ذاتها المرجعية التي نطالب اليوم بأن يكون لديها الشجاعة الكافية كي تفتح ملفات موروثها العقدي والفقهي، في زمنٍ لم يعد هو ذلك الزمن الذي كان في وقت تدوينها. إننا بحاجة أكثر إلى تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية، فلا يكفي رمي تهمة (الخروج) وإسقاط اصطلاح الخوارج على فئة ما، دونما البحث عن أصول وجذور المادّة الأساسية المحرّكة التي دفعت بهذه الفئة أو تلك إلى هذه السلوكيات التي –للأسف– لها ما يغذّيها في أعماق ذلك التراث. وهذا هو التجديد الذي نطلبه اليوم: تجديد فهم الدين والنصوص في زمنٍ متغيّر ومتبدّل ومختلف؛ وإزالة العوالق الاجتهادية التي سببتها ظروف زمنية ماضية كانت لها سياقاتها المختلفة.
وفي النهاية، فهذه ليست دعوة إلى اتهام السلفية اليوم بأنها هي المصدر الرئيس، وإنما هي دعوة إلى التصحيح، تصحيح التراث العقدي والفقهي، لا أقول (الإسلامي)، بل المذهبي، وتحديدًا (السلفي)؛ كونه المنتج لهذه المادة المحرّكة والجذابة للعناصر التي تقاطرت على المشروع الجهادي. إن الإٍسلام كدين لم يتدخل في تلك التفصيلات الاجتهادية التي ساقها علماء وفقهاء و(شيوخ الإسلام) كما وُصفوا وحمّلوا من ألقاب أثقلت ذممهم العلمية، والإسلام كذلك لم يكن بحاجة إلى كل تلك المدوّنة العقدية الضخمة التي تقرر من يدخل في رحمة الله ومن يخرج منها بحسب التفصيل المذهبي الإضافي الاجتهادي الذي سبّب كل هذه الفُرقة والشتات لأمة الإسلام.
لن تنتهي مشكلة الاحتراب الطائفي والديني إلا إذا تمّ تحييد كل ذلك التراث (المذهبي) عند كل الأطراف، ثم الدخول بعقل وحكمة في حالة جديدة من العودة إلى مشتركات القرآن –وحده- كأيقونة مشتركة يمكن أن تشكّل قطب التقاء الجميع، وهذا يتطلب ميثاق شرف لكافة علماء الأمة –إن كانوا يقدّرون المخاطر ويعون حجمها– وحينها يمكن أن نصادق على أن من يخرج فعلًا عن هذا الميثاق فهو الذي يعتبر من (الخوارج)، وحينها نضع النقاط على الحروف، وتجد الأمة لها خارطة طريق توصلها لبرّ الأمان.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية