جبهة التحرير الفلسطينية – بيان سياسي صادر عن اجتماع القيادة المركزية الذي عقد في دمشق
جبهة التحرير الفلسطينية – بيان سياسي صادر عن اجتماع القيادة المركزية الذي عقد في دمشق
تشهد القضية الفلسطينية تطورات غاية في الخطورة وسط مشهد دولي واقليمي وعربي عاصف فعالم أحادي القطب الأمريكي الذي حاول على الدوام التحكم بالعالم بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة ، وعلى مدى أكثر من عقدين من الزمن ادار الحروب العدوانية في قارات العالم وخصوصا في بلادنا واتخذت شكلا استعماريا جديداً وقام بزرع المنطقة بالقواعد العسكرية والامنية والاساطيل التي تجوب بحار المنطقة ، وسعت ولازالت بجهود عدوانية اجرامية خطيرة لاقامة الشرق الاوسط الكبير والذي بموجبه خططت ( للفوضى الخلاقة ) سايكس – بيكو جديدة بهدف اخفاء دول واقامة دويلات من طبيعة طائفية وأثنية مذهبية وعرقية وقبلية ، لتفتيت النسيج الوطني الاجتماعي للبلدان العربية على وجه الخصوص ، واضعاف كل المكونات الأصيلة في نسيج الاقليم والإبقاء على الكيان الصهيوني كقوة اقليمية متفوقه وسط بيئات محيطه هشة وضعيفة وممزقه لا تقوى على الدفاع عن كينوناتها ، ومثل هذا التمزق يشكل الغطاء الافضل لاستمرارية العنصرية الصهيونية والتبرير الأقوى ( ليهودية الدولة ) العنصرية في القرن الحادي والعشرين .
لكن هذه العدوانية الاميركية ومعها الغرب والكيان الصهيوني وأدواتهم الرجعية العميلة ليسوا قدراً على امتنا وعلى شعوب المنطقة والعالم ، فبات اليوم هناك جبهة عالمية ناهضة ضد هذا العدوان وهذه الغطرسة مدعوماً بشعوب في كافة القارات واقتصادات ناهضه وتنمية مستدامه وصناعات هائلة وأسواق واسعة ، هذه الحقائق لن تلغيها كل الحروب التي تصنعها الادارة الاميركية وكارتلاتها وشركاتها الكبرى داخل الولايات المتحدة الاميركية وحول العالم وبات الشريك الاوروبي الملحق باستراتيجيات الولايات المتحدة الاميركية يستشعر خطورة هذه السياسات على مصالحه ودفع ثمنها على حدوده ان كان علة مستوى اوروبا الشرقية أو قبالته على الشاطئ الأخر في المتوسط بما في ذلك الحوض الشرقي للمتوسط .
وقد نجحت التحالفات والتشكلات الدولية والإقليمية في التصدي لهذه الاستراتيجية العدوانية بإقامة تكتلات اقتصادية وسياسية كبرى حول العالم من دول البركس الى منظمة شنغهاي الى دول الألبا في أمريكا اللاتينية الى قوى المقاومة والممانعة في بلادنا .
الســـــــاحة الفلسطينية
شهدت ساحتنا الفلسطينية في ظل الهيمنة الأحادية الاميركية وخاصة بعد حرب الخليج الثانية وانطلاق قطار مدريد ومن ثم اتفاقيات اوسلو ووادي عربة تطورات تدميرية خطيرة وكارثية على الحقوق الوطنية الفلسطينية استكملت بدخان الفوضى والعواصف التي هبت على المنطقة العربية وفق منظور استراتيجي اميركي ، شكل الغطاء الأهم للسياسات العنصرية والاستيطانية على أرض فلسطين ، فضلا عن وضع القضية الفلسطينية في أخر الاولويات بأحسن تقدير ، وغيرت مفاهيم وحقائق الامن القومي والذي تضررت منه القضية الوطنية الفلسطينية أولا ، وايهام الشارع العربي من قبل بعض الاطراف الرجعية وخاصة الخليجية المتورطة بهذا المخطط أن الخطر على الامن القومي لا يأتي من الكيان الصهيوني ، لا بل بدت هذه الاطراف متموضعة الى جانب الكيان الصهيوني في صناعة مفهوم الامن القومي الجديد لأمتنا ؟!!
فالعنصرية الصهيونية تسابق الزمن في استثمار هذه الحالة العربية فتزرع القدس والضفة الغربية بالكتل الاستيطانية وقطعان المستوطنين وبوتائر غير مسبوقة لتثمر مسار اوسلو بنتائج ترتقي الى مستوى تصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية ، يشجعها على ذلك الحالة العربية المنهارة من جهة واستمرار حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية من جهة اخرى ومن بين أهم العوامل التي أبقت على حالة الانقسام هو التدخل الاميركي – الصهيوني المباشر الذي حرص على حماية قواعد اللعبة الاميركية – الصهيونية بحق القضية الفلسطينية وبدعم من الحالة السائدة في النظام العربي وما تسمى جامعة الدول العربية لهذه السياسة ولهذه القواعد ، والتي اختزلت بالاستفراد الاميركي – الصهيوني من خلال الرباعية الدولية بقضية شعبنا الوطنية وصورت وكأنها تجسيداً ( لإرادة المجتمع الدولي ) .
لكن المشهد الانتخابي الصهيوني يوضح بما لايقبل الشك استهانة العنصرية الصهيونية الفالتة من عقالها بكل ما من حولها والعالم بأسره حين أقدم العنصري منظم الارهاب والاجرام والاستيطان نتنياهو على تفجير القنبلة الانتخابية في يوم الانتخاب حيث تعهد أمام جمهوره الانتخابي برفض حل الدولتين على الملأ وبتحد غير مسبوق في وجه الرئاسة الاميركية وليست الادارة الاميركية حيث هناك جزءاً كبيراً من الادارة والمؤسسات الاميركية تتبنى سياسته ، لابل وضع الاتحاد الاوروبي في الزاوية وجعله في حيره من أمره .
لقد مثلت نتائج الانتخابات تكريساً لنهج العنصرية وسيترتب عليها نتائج وسياسات خطيرة تتصل بالتطهير العرقي ، وقد كشف المشهد الانتخابي أن كل التيارات الصهيونية من اليمين الديني الى اليمين واليمين الوسط وما يسمى باليسار أن التباينات في البرامج لا تتعدى البرامج الاجتماعية والمطلبية الداخلية ، أما حيال القضية الفلسطينية لا تكاد ترى أي ملمح وليس تمايز ، فالجميع يستسلم للمزاج الانتخابي العنصري الصهيوني .
أما في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 فان شعبنا منذ النكبة يتصدى على الأرض بكفاح ضارِ ونضالات متواصلة للحفاظ على الانغراس بالأرض والدفاع عن الهوية الوطنية والعربية ، فواجه كل سياسات ومخططات الاقتلاع والتهجير والتهميش والتفتيت وطمس الهوية الوطنية ، فلا زال يناضل ضد كل سياسات الضرائب ومصادرة الاراضي ومحاولة اعادة سكان مئات القرى المهجرة داخل الوطن الى قراهم وممتلكاتهم ، ونجحت الحركة الشعبية والوطنية في العديد من المعارك وقدمت التضحيات الجسام ويوم الارض الذي يصادف الثلاثين من أذار القادم ذكراه التاسعة والثلاثين والذي بات يوما وطنيا فلسطينيا لكل الشعب الفلسطيني في أرض فلسطين التاريخية والشتات ، نعم استطاعت القوى الوطنية الحاق الهزيمة بالكثير من التشريعات والقوانين الصهيونية بما في ذلك مشروع برافر في صحراء النقب ، وأمام هذه التحديات ومخاطر العنصرية الصهيونية الزاحفة فكان للموقف الفلسطيني الموحد الذى أفضى الى تشكيل القائمة العربية وحصولها على موقع الكتلة الثالثة في الانتخابات ولطالما حددت هذه التوافقات أولوياتها الوطنية والاجتماعية والتي تنطلق من الحاجة الوطنية والصمود والحفاظ على الهوية والثقافة الوطنية والقومية ، فضلاً عن كونها أصلا لم تضع موضوع المشاركة في الحكومة على اجندتها واعتبرت هذا التوحد هو نقطة الانطلاق في المشروع الوطني كجزء من الشعب الفلسطيني في مواجهة العنصرية جرائم الحرب والعدوان بحق شعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة والتمسك بحق العودة على رأس اولوياتها ، يصبح من المفهوم لدينا تحفظ بعض القوى داخل ال 48 بمقاطعة الانتخابات على أن لا يتعدى هذا الموقف حدود التحفظ ( فالخلاف لا يفسد للود قضية ) .
فالشعب الفلسطيني استقبل هذا الجهد التوحيدي بارتياح ، خاصة أن المشروع الوطني الفلسطيني يعاني من حالة الانقسام بما يجعله أضعف في مواجهة الاستحقاقات القادمة في ظل الحالة العربية المفتتة من حوله ، ومن باب المصلحة الوطنية أن تقدم هذه الحلقة نموذجا وطنيا وتوحيديا فلسطينيا يحتذى به في الداخل والخارج .
كما وقفت القيادة المركزية لجبهة التحرير الفلسطينية أمام الازمة الوطنية البنيوية ورأت أن ما يجري في ساحتنا يتجاوز مفهوم الأزمة السياسية وقد ساءها استمرار الخطاب الاعلامي الانقسامي القائم على الاحقاد الفئوية والكيدية السياسية التي وصلت بالبعض أن يرى أولوية صراعه للأسف مع الخصم السياسي الداخلي ، رغم ما تفعله عصابات المستوطنين وحكومتهم العنصرية ، واخطر ما في الامر غياب وتهميش دور الحركة الوطنية الفلسطينية وكان الصراع يدور بين قبيلتين سياسيتين ، فيما تهود القدس وأراضي الضفة وتصادر الأراضي وتقطع الاشجار وتحرق المزروعات وعصابات المستوطنين تعبث بالأرض فساداً ويجري طمس القدس ومعالمها الحضارية والتاريخية والدينية ، وفيما يستمر حصار قطاع غزة ومنع اعادة اعماره وحرمانه من ابسط الحقوق الانسانية وقرارات الاعمار الدولية والعربية في مهب الريح ، وشبكة الامان المالية العربية التي وعدت بها السلطة الفلسطينية هي الاخرى في مهب الريح .
وفيما يهيم عشرات الألاف من المهجرين الفلسطينيين في سوريا واللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان بالصحارى والبحار والفصائل الفلسطينية وقياداتها هي أول من يتحمل مسؤولية التقليل من هذه الخسائر وهذه المعاناة ولا شك أن من شأن الحالة الموحدة أن تقلل من هذه الخسائر ومحاصرتها ومواجهة نتائجها .
كما توقفت القيادة المركزية لجبهة التحرير الفلسطينية أمام الاجتماع الاخير للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي انعقد في رام الله وان ثمنت التوصية التي اتخذها المجلس وطالب اللجنة التنفيذية بوقف التنسيق الامني ، لكن المهم هو المباشرة بتطبيق هذه التوصية أما الأهم فهو يكمن بإنجاز المهمات التالية :
أولا : على ضوء فشل كل الحوارات التي بدأت في القاهرة منذ عام 2005 واختزالها ( بمصالحات ثنائية ) استنسابية وتوظيفية فان الجبهة تدعو أمام الكوارث التي تحل بالشعب الفلسطيني ، أن يخرج الجميع من مفهوم ( المصالحة ) الى مفهوم الحوار الوطني الشامل خاصة المخاطر الداهمة بعد الانتخابات الصهيونية ، فمواجهة المخطط العنصري الصهيوني يستلزم الحفاظ على المقاومة وتطوير المقاومة بكافة اشكالها في الضفة الغربية والربط المحكم مع مناطق الاحتلال لعام 1948 وفي الشتات لتمكين الشعب الفلسطيني من استجماع أوراق القوة وتموضعه في خندق المقاومة والممانعة والصمود بما يعني اعادة الاعتبار للقضية الوطنية الفلسطينية باعتبارها قضية تحرر وطني بامتياز .
ثانيا : هذا يتطلب فورا ودون تباطؤ أو تردد حواراً وطنيا شاملا لا يستثني أحداً ، واحداث مراجعة سياسية شاملة والخروج من قواعد اللعبة الاميركية – الصهيونية وما يسمى الرباعية الدولية زورا وبهتانا باسم المجتمع الدولي ، والاتفاق على استراتيجية وطنية جديدة وبمروحة خيارات من المقاومة المسلحة الى استمرار الهجوم السياسي بما في ذلك اعادة الاعتبار الى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي اعتبر الصهيونية شكلا من اشكال العنصرية ، فالمعركة في هذا المضمار ضد الابارتيد الصهيوني العنصري غاية في الاهمية والذهاب الى كل المنظمات والهيئات الدولية ومؤسساتها المختلفة خاصة تلك المتعلقة بجرائم الحرب وحقوق الانسان لملاحقة العدو على جرائمه المخالفة للقانون الدولي والانساني .
ثالثا: ان الحوار الوطني الشامل يستلزم المراجعة السياسية الشجاعة لكل من حركتي فتح وحماس كمقدمة لإحداث المراجعة السياسية الفلسطينية الشاملة التي تمكن الحالة الفلسطينية من الذهاب الى عقد وتشكيل مجلس وطني فلسطيني جديد وانتخابات ديمقراطية حرة في كافة المؤسسات الفلسطينية والخروج باستراتيجية وطنية فلسطينية جديدة تعيد الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية كجبهة وطنية عريضة وقائدة لنضال شعبنا وممثله الشرعي والوحيد .
وفي نهاية اجتماعاتها وجهت القيادة المركزية لجبهة التحرير الفلسطينية التحية الى سوريا الشقيقة رئيسا وحكومةً وشعباً وجيشاً في تصديها البطولي للعدوان الاميركي – الغربي – الصهيوني – الرجعي الذي يستهدف دور الشقيقة سوريا في الصراع العربي – الصهيوني .
كما وجهت القيادة المركزية للجبهة تحياتها الى كل قوى المقاومة والممانعة على لمواجهتها البطولية للعدوان الامبريالي الصهيوني الرجعي وأدواته التكفيرية الارهابية وفي المقدمة منها حزب الله المقاوم في لبنان وجمهورية ايران الاسلامية التي تقف الى جانب نضال شعبنا في فلسطين .
كما وجهت القيادة المركزية للجبهة التحية الى دول الألبا في امريكا اللاتينية وفي المقدمة كوبا الصديقة ثبتت رغم الضغوط الشديدة على مواقفها المبدئية الى جانب نضال شعبنا الفلسطيني وشعوبنا العربية – وكذلك فنزويلا الصديقة التي دأبت الامبريالية على التدخل في شؤونها الداخلية ومحاولة اغتيال الرئيس نيقولاس ماتادورو لإجهاض تجربتها الديمقراطية .
ووجهت القيادة المركزية بتحية اكبار الى شعبنا وأهلنا في فلسطين المحتلة عام 48 الذي يخوض نضالاً باسلاً غير مسبوق في مواجهة العنصرية والاقصاء والذي يعمق هويته الوطنية والقومية بصدره العاري مكشوف الظهر .
ووجهت القيادة المركزية التحية الى روسيا الاتحادية الصديقة وجمهورية الصين الشعبية الصديقة لموقفها الثابت الى جانب شعبنا الفلسطيني والى جانب قضايا شعوبنا العربية العادلة .
دمشق 25/3/2015 القيادة المركزية لجبهة التحرير الفلسطينية
http://www.safsaf.org/talat/foto.htm