إذا فقد اللاجئون الذاكرة ! – ثريا عاصي
كانت القضية الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي كلها في مخيمات اللاجئين . كانت الذاكرة الفلسطينية ما تزال حية أيضاً. ما جعل البيئة ملائمة لنهوض الحركات السياسية الوطنية العروبية إعتماداً على الإجتهادات الفكرية المختلفة، وعلى الأطروحات التي استقاها واضعوها من التراث الفلسفي الإجتماعي العالمي. في تلك البيئة أينعت فكرة الكفاح المسلح التحريري من أجل العودة بما هي ضمنياً، رفض وإدانة وإعتراض على ممالأة المستعمرين من قبل الحكومات العربية، وفي طليعتها ممالك الهاشميين السعوديين. المعروف أنه كان للسياسة التي إنتهجتها هذه الحكومات تأثير سلبي جداً على الإنتفاضات الجماهيرية الفلسطينية العربية ضد الإستعمار الإستيطاني “الإسرائيلي”. من البديهي ان مفارقة كبيرة، بل عجيبة، ترشح من التحولات التي طرأت على حركة التحرر العربية وعلى حركة التحريرالوطني الفلسطينية ذاتها التي تتمثل بعلاقات تربط حركة تحرر وطنية بالمستعمرين “الإسرائيليين” والأمراء الخليجيين وبمخالطة الأصوليين الوهابيين. كأن الأفضلية هي المصالحة مع المستعمرين وتدعيم هيمنة الدولة الوهابية!
مجمل القول أنه إستنادا إلى ما تقدم، من المرجح أن الذاكرة الفلسطينية التي أولدت في المخيمات حركة التحرير الوطنية الفلسطينية، هذه الذاكرة ماتت ودفنت ومحى الوهابيون كل أثر لها . فهم يبغضون التاريخ والذاكرة كما نعلم.
إذا صحت هذه المقاربة وهي لا تعدو حدود وجهة النظر، فإن الجماعة الفلسطينية تشظت إلى أربعة أجزاء، الفلسطينيون، تحت إحتلال 1948، إحتلال 1967، الفلسطينيون في قطاع غزة وفي مخيمات اللاجئين في لبنان وسوريا.
أغلب الظن، أن الذاكرة الوطنية الفلسطينية مفقودة في المخيمات ولا شك في أنها مفقودة في قطاع غزة أيضا . مهما يكن هذا موضوع يحتاج إيفاؤه إلى تفاصيل لا يتسع لها المجال هنا. فما أنا بصدده في الواقع هو مداورة فقدان الذاكرة الوطنية في مخيم اللاجئين المنفيين المنبوذين، كمثل الذين يسكنون في مخيم عين الحلوة في ضاحية مدينة صيدا اللبنانية. يقال ان عددهم يقارب الثمانين ألفا. تجدر الملاحظة الى أن هؤلاء هم في وضع يشبه إلى درجة ما وضع المهاجرين من أصول عربية وإفريقية في ضواحي كبريات المدن الأوروبية . الذين يصرون على أداء صلاة الجمعة أحيانا، على أرصفة شوارع المدينة، مثيرين نفور وذهول المارة!
ما أود قوله هنا، أنه ليس مستبعدا أن تكون قصص الجد والجدة والوالدين قد طمست بمرور السنين من ذاكرة اللاجئين الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة، على سبيل المثال. من البديهي أن الوضع الذي هم فيه، لا يـُحتمل، كون حقوقهم الإنسانية وليس الوطنية فقط، تنتهك يوميا. بمعنى آخر لا مكان لهؤلاء الناس. لا توجد عدالة تنصفهم . ولا يملكون بصيرة ترشدهم إلى الطريق الذي يـُخرجهم من المأزق الذي هم فيه، وليس لديهم من أسباب القوة الا ما يسمح به الذين يضمرون لهم البغضاء، أو يريدون أن يجعلوا منهم وقودا في محاربة خصومهم بواسطتهم.
بكلام أكثر صراحة ووضوحا، نحن مصابون جميعا بفقدان الذاكرة. ينجم عنه أننا في الراهن ندخل مخيمات اللاجئين أفواجا أفواجا. ولكن المُصاب عظيم في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا اللذين يمحى فيهما المخيم تلو المخيم. فلم يبق منها إلا القليل. مخيم عين الحلوة واحد منها. أخشى ما أخشاه أن يكون تلغيمه قد إكتمل في إطار حروب الدولة الوهابية، قبل أن تتفجر هذه الأخيرة وتتطاير شظايا يصب عليها المستعمرون النفط ويضرمون النار فيها. من المحتمل أن معدل الحياة بصحة عقلية مقبولة، في مخيم اللاجئيين، لا يتجاوز الخمسين عاما.
إذا فقد اللاجئون الذاكرة ! – ثريا عاصي – الديار –