لماذا لا يمكن لإيران ان تعترف (بإسرائيل)؟
في محاولات نتنياهو المحمومة لوضع العصى في الدواليب، وإجهاض الاتفاق المزمع إنجازه بين إيران والدول العظمى حول البرنامج النووي الإيراني قبل أواخر حزيران؛ اشترط نتنياهو جملة مطالب أبرزها تضمين الاتفاق النهائي باعتراف إيراني واضح وصريح بما أسماه “حق إسرائيل في الوجود”؛ مطلب غريب وعجيب لدرجة ان رئيس جهاز “الموساد” السابق أفرايم هليفي سخر من هذا المطلب، وقال انه أشبه بمطالبة العالم الإسلامي بتغيير دينه.
رد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي يبذل جهود جبارة في الكونجرس الأمريكي لإفشال جهود نتنياهو واللوبي الصهيوني لإقناع أعضاء الكونجرس بعدم اصدار قانون يكبل يديه ويمنع الولايات المتحدة من المصادقة على الاتفاق المزمع، على هذا الطلب جاء سريعاً، مشيراً إلى أن هذا الطلب غير ممكن وينطوي على “خطأ جوهري في التقدير”، وأوضح أن مسألة مطالبة طهران بالاعتراف بالدولة العبرية موضوع منفصل ويتخطى إطار المفاوضات حول البرنامج النووي.
نائب رئيس معهد أبحاث الأمن القومي أفرايم كام، المختصّ في المشاكل الأمنيّة في الشرق الأوسط، ولا سيّما شأن التهديد الإيراني، الاستخبارات الاستراتيجيّة، ومسائل الأمن القومي الإسرائيلي، أفرد مقالاً ناقش فيه الموضوع، وأوضح مدى عبثية الفكرة واستحالتها بالنظر الى رؤية النظام الإسلامي للموضوع الاسرائيلي برمته.
يقول الكاتب في مقاله انه “يمكن الافتراض لو أن أوباما كان يرى فرصة معقولة بأن تقبل إيران هذا الطلب لكان اعتمده، ومن ثم لطالب إيران اعترافاً بحق اسرائيل في الوجود كجزء من صفقة النووي، اعتراف إيراني بهذا الحق كان ليشتري للحكومة الامريكية انجازاً مهماً، ذلك انه كان سيساعد في تهدئة المخاوف الاسرائيلية من مسيرة إيران النووية ويقلص الانتقادات الاسرائيلية للاتفاق ويثبت انه فعلاً طرأ تغيير حقيقي على الموقف الإيراني؛ ليس فقط في قضية النووي، ويقدم إجابة جزئية أيضاً لانتقادات الكونغرس الداخلية وانتقادات وسائل الاعلام الأمريكية لسلوك الحكومة في مفاوضات النووي وضد الاتفاق المتبلور.
لكن أوباما من جانبه لا يرى فرصة بأن تقبل إيران الطلب، ويخشى من ان محاولة طرحه على جدول أعمال مفاوضات النووي قد يشوشها ويمس مساساً كبيراً في الامكانية المعقولة المتبدية لبلورة الاتفاق النهائي، وبهذا قبلت الحكومة الأمريكية ثانية بالموقف الإيراني، والذي يقتضي ان تتركز المفاوضات على الموضوع النووي والعقوبات المفروضة على إيران فقط، خشية أن يؤدي توسيع إطار المفاوضات الى إفشالها؛ لهذا السبب تنازلت الحكومة الأمريكية عن مطلبها الأولي بأن تشمل المفاوضات أيضاً موضوع الصواريخ البالستية التي تمتلكها إيران بعد أن أصرت الأخيرة على عدم مناقشته، بدعوى ان هذا الأمر يمس بأمنها القومي وليس متعلقاً بالنووي، ولذات السبب امتنعت الحكومة الأمريكية أيضاً عن التوجه الى إيران في موضوع المساعدة العسكرية التي تقدمها للحوثيين في اليمن أثناء المفاوضات زعماً منها ان طرح القضية ستضيف المصاعب الى مفاوضات النووي، وهي الصعبة والمعقدة أصلاً، ولنفس السبب امتنعت الحكومة الأمريكية عن طرح قضية حقوق الانسان في إيران أثناء المفاوضات، وكذلك موضوع تدخلها المعمق في الإرهاب بالشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية، من الواضح ان إيران رفضت مناقشة هذه القضايا لأنها كانت مطالبة بتنازلات بشأنها، وان إصرارها على عدم تعاطيها نابع من تقديرها بأن الحكومة الأمريكية ستتراجع عن تلك المطالب لكي لا تخلق توتراً إضافياً حول طاولة المفاوضات وتشويشها.
من المفترض ان طلباً أمريكياً لاعتراف إيراني بحق إسرائيل في الوجود في إطار الاتفاق النووي كان سيرفض تماماً من قبل النظام الإيراني، وأولاً وقبل كل شيء من قبل القائد الأعلى خامنئي وبشكل شخصي، العلاقات السلبية والكراهية لإسرائيل فرضتا من قبل قائد الثورة الاسلامية الإيرانية الخميني قبل ان يصل الى الحكم، وتم تلقيها على انها مركب أساسي ثابت من فهم النظام الإسلامي الأصولي الراديكالي، في نظر قادة النظام وحسب ما انعكس هذا التوجه في أقوال خامنئي والرئيس السابق أحمدي نجاد فليس لإسرائيل حق في الوجود ككيان سياسي لأن اليهودية ليست إطاراً قومياً، وإنما هي دين فقط.
انكار حق إسرائيل في الوجود مبرر في نظر قادة النظام؛ ذلك ان اقامتها ووجودها ينطويان على ظلم ثلاثي لا يحتمل حسب رأيهم: قمع ملايين المسلمين من قبل الحكم الإسرائيلي، وإنكار حقوق الفلسطينيين الشرعية في دولة على كامل تراب فلسطين، وسيطرة إسرائيل على الأراضي المقدسة في الإسلام، وسيما القدس؛ ومن هنا يأتي الواجب على المسلمين بتحرير الأرض الإسلامية من خلال حرب عسكرية، وليس عن طريق ترتيب سياسي مرفوض نهائياً، في نظر الخميني الاعتراف بإسرائيل مرفوض أيضاً لأن الدولة أقيمت من قبل الامبريالية الغربية كجسم غريب في قلب العالم الإسلامي بهدف تفتيته وإضعافه وبهدف استغلال الدول الإسلامية، في نظره لا مجال للحل أو التنازلات في الصراع مع إسرائيل لأنه صراع بين قوى الحق وبين قوى الاضطهاد الكافرة؛ لذلك فإن تدمير إسرائيل وتحرير القدس هما جزء لا يتجزأ من نجاح الحركة الاسلامية النهائي، ونابع من مبادئ الثورة الاساسية ومبادئ الإسلام، الاعتراف بإسرائيل سيكون بمثابة زعزعة واحد من الأعمدة الداعمة لنظام الحكم.
حتى وإن كان انكار وجود إسرائيل مركب أساسي في فهم النظام الإيراني أو على الأقل لدى القسم الراديكالي الذي يقود هذا النظام؛ لا يعني الأمر بالضرورة انه لا يمكن فعل شيء حيال ذلك، ففي حين لا يجب الافتراض ان القيادة الإيرانية الحالية ستوافق على الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود، ولكن لا يجب استبعاد إمكانية تحقيق تفاهم صامت بين الحكومة الأمريكية وبينها يكف بناءً عليه قادة إيران عن التفوه بشأن تدمير إسرائيل وانكار المحرقة.
على أية حال؛ الرئيس روحاني شخصياً امتنع ومنذ انتخابه عن انكار المحرقة، وذلك لفهمه ان سلفه أحمدي نجاد أخطأ عندما فعل ذلك، ولكن ربما تكون هذه رؤية مستقبلية، وفي جميع الأحوال فمن المتوقع ألا تطرح الحكومة الأمريكية الموضوع في إطار مفاوضات النووي ما لم ينجز الاتفاق النهائي.
من منظور أبعد، وفي حال أدت المفاوضات الى اتفاق نهائي، مما يؤدي الى خلق جو أكثر أريحية بين الحكومتين الأمريكية والإيرانية، وربما حتى الى حوار أوسع بينهما حول قضايا إقليمية أخرى كما يأمل أوباما؛ ربما تجد الحكومة الأمريكية مكاناً لتطرح فيه موضوع الاعتراف من جانب إيران بحق إسرائيل في الوجود، ومن منظور أبعد أكثر من ذلك فإن التغيير في تعاطي إيران مع إسرائيل قد يحدث في حال أو عندما يطرأ تغيير في شكل وجوهر النظام الإيراني، تغيير محتمل ما يزال أبعد من أن يلوح في الأفق القريب.
ورغم ان استنتاج هذا التشريح (التحليل) هو انه وفي الظروف الحالية وبينما لم يوقع الاتفاق النهائي بعد وان حكومة أوباما لا تنوي طرح طلب الاعتراف الإيراني بحق اسرائيل بالوجود، لا يعني ذلك انه ما كان ينبغي على اسرائيل طرحه، في الحقيقة ان العلاقات العامة (الاعلام) الصحيحة تستطيع، بل ويجب ان تؤكد على الصلة بين النظام الاصولي الراديكالي في إيران ودعوته العلنية الى تدمير إسرائيل وبين إنتاج السلاح النووي من قبل هذا النظام، وان امتلاكه لهذا السلاح سيخلق تهديدا خطيرا لأمن إسرائيل، حتى وإن استعجل الرئيس أوباما في رفضه النهائي لهذا المطلب – على ما يبدو لتخوفه من ان يشكل ذلك ضغوطاً داخلية عليه بهدف قبوله له – فكان بالإمكان ان يُقبل هذا المطلب من خلال تفهم جزء كبير من أعضاء الكونغرس، ومن قبل وسائل الاعلام والجمهور الأمريكي، وبالتالي جعل الأمر صعباً على الحكومة لرفضه.
من الواضح ان الحكومة الأمريكية سترى في ذلك محاولة أخرى من قبل الحكومة الاسرائيلية لوضع العراقيل في دواليب المفاوضات وتصعيب بلورة الاتفاق، وما تزال هناك فرصة لتفهم المطلب الإسرائيلي من قبل الكثيرين على انه عادل ومنطقي”.
* أطلس للدراسات