صفقة أسرى، على الطريق السريع ! – د. عادل محمد عايش الأسطل
حرصت (إسرائيل) على عدم تكرار أخطائها بشأن صفقات تبادل أسرى، في أعقاب الجدالات العاصفة التي دارت حول صفقة وفاء الأحرار، أو (إغلاق الزمن) كما أطلقت عليها إسرائيل، في أكتوبر/تشرين أول 2011، باعتبارها حققت إنجازاً ثميناً للفلسطينيين ولحركة حماس تحديداً، حيث تم بناءً عليها، تحرير 1027، أسير فلسطيني، مقابل الجندي الإسرائيلي “غلعاد شاليط”، الذي تم أسره خلال عملية نوعيّة للمقاومة شرقي رفح أواخر يونيو/حزيران 2006، والتي تحوّلت في مجملها، إلى اتهام رئيس الوزراء “بنيامين نتانياهو” بأنه قطع كل الخطوط الحمر، باتجاه توقيعه على الصفقة.
حيث ذهبت إلى استخراج الحلول في مواجهة صفقات مشابهة، والتي من شأنها أن تحول أو تحِدّ من التفكير باتجاه احتجاز يهود أو خطفهم من أجل المساومة عليهم، سيما وأن المقاومة تؤمن بجديّة، بأن الوسيلة الوحيدة (المُثلى) لإنجاز نجاحات باتجاه تحرير أسرى، هي المتمثّلة بالقيام بعمليات أسر جنود إسرائيليين، برغم انعكاساتها السياسية والعسكرية ضد الفلسطينيين بشكلٍ عام.
يأتي هذا الإيمان على خلاف السلطة الفلسطينية، التي تعتقد بالحلول السياسية، في إطار العملية السلميّة، باعتبارها كفيلة لإنهاء قضية الأسرى، سيما وأنها نجحت في تحرير أكثر من 70 أسيراً، كثمن مقابلٍ، لاستئناف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، والتي كانت توقفت لأكثر من ثلاث سنوات متتالية.
حيث شهِد العام 2013 انفراجةٍ مهمّة، من خلال نجاح الرئيس الفلسطيني “أبومازن” بالتوصل إلى صيغة اتفاق مع الجانب الإسرائيلي، التي توسّطها، وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” والتي تقضي بإطلاق سراح الأسرى القدامى، الذين تم اعتقالهم قبل اتفاقية أوسلو في العام 1993، وذلك على أربع دفعات، حيث التزم الجانب الإسرائيلي بثلاثٍ منها فقط.
كانت الحلول قد بدأت باللجوء إلى إقرار قوانين برلمانية مُلزمة للحكومة الإسرائيلية، بعدم إجرائها أيّة مفاوضات على غرار صفقة وفاء الأحرار، ومرّت بالتهديد بدفع أثمان أعلى، على كل محاولة يتم فيها أسر جنود، وانتهت بالإقدام على المغامرة بقتل جنودها منذ لحظة اختطافهم.
لكن كما يبدو، وبالنسبة لها، فإن هذه الحلول لم تكن ناجحة تماماً، في كبح المحاولات والتهديد بها في أسر إسرائيليين، كما لم تحفل بها كثيراً، أو تُعِرها اهتماماً، حركات المقاومة وكتائب القسام تحديداً، وذلك في ضوء إعلاناتها، على أن لديها القدرة الكافية لتحرير الأسرى من السجون الإسرائيلية ومعتقلاتها.
تبيّنت قدراتها بوضوح، بتعمّدها خطف جنود، وذلك خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع في يوليو/تموز الماضي، حيث نجحت بأسر جنود ومنهم، الجندي الإسرائيلي “شاؤول آرون” خلال تصدّيها لتوغل بري للجيش الإسرائيلي شرق القطاع، والجندي “هدار غولدن” الذي تم سحبه بعد اشتباك مسلح شرقي مدينة رفح، تقول إسرائيل بأنهم فقدوا حياتهم.
وبغض النظر فيما إذا كانوا أحياءً أو أمواتاً، أو فيما إذا كان العدد يفيض عن المعلن عنه أيضاً، فقد تحدث الإسرائيليون الآن أكثر من أي وقتٍ مضى، عن رغبتهم في إحراز صفقة تبادل، تهدف إلى استرداد جنودها، وبدون النظر إلى الاشتراطات القانونية القائمة، وإن كانت تطمع في تحريرهم في مقابل أثمان أخرى، لا تتعلق بتحرير أسرى فلسطينيين.
أعربت حماس عن عدم رضاها بشأن الدخول في صفقة مثالية أخرى، حتى تستجيب إسرائيل، وتقوم بالإفراج عمن شملتهم صفقة وفاء الأحرار، التي كانت أقدمت على إعادة اعتقالهم بحجج وذرائع واهية، حتى يمكن الوثوق بها في عمليات تبادل قادمة، لكن لم يمنعها ذلك، عن كشفها اتصالات غير مباشرة مع إسرائيل، في شأن عملية تبادل أخرى.
حيث أعلنت الحركة في أوقاتٍ لاحقة، بأن المعركة التفاوضية حول تبادل الأسرى ستدشّن قريباً وأن هناك شيء على النار، وأكّد ذلك الإعلان، الناطق باسم كتائب القسام “أبو عبيدة” في مناسبة يوم الأسير الفلسطيني، بأن لحظة الفرج قادمة، معتبراً أن عمل الكتائب من أجل الأسرى ثابت وواجب، ودور مقدّس لا يمكن التخلّي عنه.
كما يُشاهد الجانب الإسرائيلي، في لهفة من أمره، بشأن عمل صفقة وتبيّنت تلك اللهفة من خلال أقوال رئيس الوزراء “بنيامين نتانياهو” بأنه عندما يذهب الجندي إلى الحرب، فإنّه يفكّر به وكأنّه أحد أبنائه، ويُستشف من قوله، بأن لا أحد يمكنه عرقلة استرداد جنود مفقودين، قدّموا أرواحهم من أجل الدولة، وبدوره علق وزير الجيش “موشيه يعالون” بأن إسرائيل ستبذل كل الجهود لاستعادة جنودها المفقودين.
ربما يجيء ذلك كله، ليس بناءً على ضغط الرأي المحلي العام، أو من أجل الالتزام الأخلاقي لعائلات الجنود، وللجيش الاسرائيلي، الذي يتم إرساله إلى ساحة الحرب، وإنما لانكشاف معلومات أخرى، تتعلق –ربما- بظهور عدد حقيقي للجنود المفقودين، وظروف أسرهم فيما لو كان بينهم أحياء، وهذه المعلومات لو صحّت، فسوف تكون عاملاً مهماً، في انقياد إسرائيل نحو إبرام صفقة تبادل جيّدة، والتي ربما لن يطول انتظارها.
خانيونس/فلسطين