من يوميات المنفى الأوروبي – برلين الغربية 1-3-1987 – نضال حمد
أن يكون لديك طموح هذا شيء كبير فكل إنسان عاش الطفولة والمراهقة في المخيم وتعلم أن الحياة وقفة عز والعودة الى الوطن أمر حتمي مثل التحرير الكامل، لن يتعب ولن يسترح حتى تحقيق العودة والتحرير.
أن تكون من مخيم عنوانه الثابت العودة الى فلسطين هذا شيء أكبر من كبير وأن تكون لديك محطات تتوقف فيها وتتمعن بسر الكون هذه أشياء لا تنسى. لأنك رأيت وشاهدت الويلات قبل أن تغادر المخيم وبلاد تقتل أقرانك بلا سبب، سوى الغيرة والحقد والعجب من تحولك من لاجئ إلى أسطورة نضال وطناً ومنفى وساحات مواجهة وكفاح.
أن يصبح لديك حقيبة بدلاً من البقجة تستخدمها وطنا في سفرك هذا انجاز عظيم وبداية لنهاية سفر العودة الى كامل تراب فلسطين.
أن يكون لديك جواز سفر تعبر به الحدود هذا شيء لا يضاهيه في حياتنا أي شيء آخر. فلطالما عانى الفلسطيني من مرض نقص جواز السفر ومن وثيقة سفر لا يعترف بها حتى الذين أصدروها.
أن تكون فلسطينياً جوازات سفرك منوعة وعديدة مثل قلوب الناس جميعاً، هذا شيء لا يعيشه إلاك أيها الفلسطيني .. فجواز السفر طموح ثم يغدو ضمادة للجروح وبلدوزر يفتح لك الدروب والطرق، تعبر به الحواجز ولعوائق والجبال والحدود والسدود والمعابر.
أيها الفلسطيني إن مت في قطار أو في أوتوبيس فلن يذكر جواز سفرك غير وسائل الاعلام والبوليس.
لكن دائماً ،ابداً سوف تتذكرك وتذكرك فلسطين، مناضلاً عبر البحار والمحيطات والأجواء والبراري، مناضلاً أممياً لأجلها جاب العالم حاملاً همها وعنوان صراعها في قلمه وقلبه وعقله.
جواز السفر ليس الا وسيلة .. فطريق فلسطين محفوف بالمخاطر دوماً.
في القطار السريع وعلى الطريق من فروتسلاف البولندية الى برلين الغربية مروراً بألمانيا الشرقية الاشتراكية الديمقراطية، سألتني صبية ألمانية جمعتها بي نفي المقطورة، بعد أن شاهدت جواز سفري اليمني الجنوبي الديمقراطي:
كيف هو اليمن؟
حدثني عن بلدك العريق ..
كنا قطعنا نصف المسافة أو أكثر بين الحدود البولندية وبرلين الشرقية حيث كنت في طريقي الى برلين الغربية. عاصمة اللجوء والهجرة الفلسطينية آنذاك.
قلت لها: اليمن يمنين، واحد شمالي والثاني جنوبي… مثلما بلدك ألمانيا بلدين، ألمانيا شرقية وألمانيا غربية. أما أنا فلسطيني بجواز سفر يمني.
لم تفهم جوابي ولن تفهمه لأنها لا تعرف شيئاً عن معاناة الفلبسطينيين مع دوار السفر والاحتلال وبلاد اللجوء. ولا عن حياتهم في الكمخيمات من مخيم هعين الجحلوة والى مخيم اليرموك ومخيم الوحدات ومخيم جباليا ومخيم بلاطة وكل المخيمات في كل الأمكنة التي ولدت فيها أجيال العودة والتحرير.
قلت لم تفهم ولن تفهم ولم يكن هناك فؤرصة ولا وقت لشرح القضية لها، فقد توقف القطار وغادرته في محطةٍ قبل العاصمة برلين لم أعد اذكر اسمها. بالمناسبة فإن برلين مقسمة بين الألمانيتين هناك برلين الشرقية وبرلين الغربية، يفصل بينهما جدار عازل.
كنت أود أن أقول لها إن قلبي جنوبيٌ من لبنان وأنفاسي عربية ٌتعود جذورها الى أرض كنعان…
كنت أود قول الكثير … لكنها غادرت على عجلٍ وتابع مسيره القطار…
نضال حمد
من يوميات المنافي الأوروبية
برلين الغربية 1-3-1987
05/07/2015 نشر
تعديل في: 2-1-2023